الرئيسية » الدراسات » علاقة بريطانيا بمعارضي أنظمة الحكم بالشرق الأوسط (وثائقي 1)

علاقة بريطانيا بمعارضي أنظمة الحكم بالشرق الأوسط (وثائقي 1)

الكاتب:

وفي تقرير بشأن دواعي هذه المراجعة، ذكر رئيس إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية «ديفيد أيه. سي. مايرس» (David A. C. Miers) أن بلاده تريد «تجنب إضافة مزيدا من الشكوك التي لابد أنها تساور الحكومة الثورية في إيران بأننا نتآمر لإسقاطها». وأشار في تقرير له بعنوان «الاتصالات مع المعارضة الإيرانية» إلى أن بلاده حريصة أيضا على أن «تظل في وضع يسمح لها بأن تنفي علنا، عن حقيقة واقتناع، بأن لدينا نقاشات مع جماعات المعارضة».
وقد أوصى «مايرس» الذي سبق وخدم بالسفارة البريطانية بطهران وفي 10 يوليو 1981م، باتباع الإرشادات التالية، التي أقرتها وزارة الخارجية، بشأن الاتصالات مع المعارضين الإيرانيين في المنفى:
  • الاستماع فقط إلى هؤلاء المعارضين دون قطع أي التزام، بأي نوع من الدعم.
  • التأكيد للوسطاء على أن بريطانيا لا تفكر في دعم هذه المعارضة في المنفى.
  • التأكيد بأن هدف بريطانيا الأساس هو عدم الإضرار بعلاقاتها مع الحكومة المعترف بها في إيران
  • عدم قطع قنوات الاتصال بالمعارضة الإيرانية، لكن دون تقديم أي دعم مالي أو سياسي لها.
  • رفض استقبال المنفيين (المعارضين) بمقر وزارة الخارجية، سواء بناء على طلبهم، أو بطلب من طرف ثالث.
ومع هذا، دعا النائب «إمري» مرة أخرى في 24 يوليو 1981م، إلى تدخل عسكري في إيران، مدعيا أن المعارضة الإيرانية في الخارج يمكنها أن تتحد لتقديم بديل لحكومة الثورة الإسلامية. حتى أنه بعث برسالة إلى وزير الخارجية «لورد بيتر كارينجتون» اقترح فيها أن تتشاور المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة حول شن عملية لتنفيذ انقلاب عسكري مضاد لنظام الثورة، على غرار الانقلاب المضاد الذي تعاونت في تنفيذه كل من الـ (CIA) والـ (MI6) ضد الحكومة الوطنية بزعامة مصدق؛ بعد تفاقم أزمة تأميم صناعة النفط، عام 1953م.
كما اقترح «إقناع العراق وباكستان وعمان بتوفير نقاط الانطلاق اللازمة» للعملية. ثم حذر من أن بريطانيا والغرب قد «يستيقظان يوما ما ليجدا السوفييت قد سيطروا على حقوق البترول والمضيق» يقصد مضيق هرمز بمدخل الخليج العربي.
غير أن وزير الخاريجة «كارينجتون» رفض مقترحات «إمري» عبر رسالة، في 7 أغسطس 1981م، بعث بها إليه، أثار فيها شكوكا في قدرة وفعالية الإيرانيين المنفيين في الخارج. وعلى الرغم من أن الوزير أقر بأن الوضع في إيران كان «خطيرا بلا شك» ولكنه قال إن حزب «جمهوري إسلامي» الحاكم في إيران «يبدو مسيطرا» ثم انتهى بقوله إنه «ليس مرجحا أن يكون هناك بديل سوى ترك الثورة الإيرانية تواصل نهجها دون تدخل خارجي «
كما انتقد «سير جراهام» نائب الوكيل الدائم لوزارة الخارجية «شوق إمري إلى التدخل المباشر» في إيران. كما أكد «جراهام» في برقية بشأن مقترحات النائب «إمري» أنه على الإيرانيين «أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم». وقال: «إذا انطوى ذلك على انقلاب مضاد نتيجةً لتوحد المعارضة الإيرانية لجمهورية الخميني الإسلامية، فلا شك أننا سنكون قادرين على التعايش مع النتيجة» ومع ذلك، أكد «جراهام» أنه «لا يعتقد بأنه ليس هناك مهاجر لديه فرصة للعودة والعمل (في إيران) سيستفيد أو يكون مؤهلا للاستفادة من الدعم البريطاني أو الأمريكي».
رابعا: الاحتواء المستمر
في 25 سبتمبر 1981م، التقى نائب المارشال الجوي البريطاني «دبليو. جيه. هيرينجتون» (Air Vice Marshal Walter J. Herrington) الأدميرال «حبيب اللّهي» بالبحرية الإيرانية في عهد الشاه وعضو منظمة «آزادگان» القومية ذات التوجه العسكري، التي كانت تعمل ببريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، برئاسة الجنرال «بهرام أريانا» القائد العام السابق لأركان الجيش الإيراني. وقد حذّر «حبيب اللّهي» خلال اللقاء من أن الجيش الإيراني قد تغيّر كثيرًا في ظل النظام الثوري، لدرجة أنه إذا استولى على السلطة، فإن إيران «ستشبه ليبيا في عهد العقيد القذافي». وخلال النقاش، دفع بأن الدعم الغربي المبكر سيكون ضروريًا لمنع قيادة الجيش الإيراني من التوجه نحو الاتحاد السوفييتي.
في تقرير بعث به إلى إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، بتاريخ 30 سبتمبر، بشأن ما دار خلال هذا اللقاء، أشار «هيرينجتون» إلى أن «حبيب اللهي» وزملاءه بمنظمة «آزادگان» كانوا يتطلعون إلى دول مثل المملكة المتحدة طلبًا للدعم المعنوي. وأعرب «هيرينجتون» عن اعتقاده بأنهم كانوا «حريصين على الحصول على قاعدة ما – ربما جزيرة (في الخليج) لإدارة شئون إيران والتأثير على مجرى الأحداث فيها». وأنه فهم أن «حبيب اللهي» كان يقصد جزيرة «مصيرة» العمانية الواقعة بالقرب من الساحل الجنوبي الشرقي للسلطنة في مياه بحر العرب، وأكبر جزرها.
وفي مذكرة مؤرخة في 9 أكتوبر، بشأن فحوى الاجتماع، قدم رئيس إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية «ديفيد مايرس» نصح لـ «هيرينجتون» مفادها أن المملكة المتحدة عليها «أن تعِّظم قدر المعلومات (عن خطط المعارضة الإيرانية في الخارج) مع تقليل التزاماتنا».
في نفس الشهر، طلبت وزارة الدفاع من الخارجية مقابلة الدبلوماسي السابق بالسفارة الإيرانية في واشنطن «أسعد همايون» الذي كان، بعد الثورة، منسق حركة «آزادگان» وبالفعل التقى به «ووجان» واستمع إلى رغبته في «إقامة اتصالات مع الحكومة البريطانية». مؤكدا له أن بريطانيا على استعداد دائم لاستقبال أي إيراني راغب في مشاركة لندن أفكاره حول ما يحدث في إيران، والانصات إليه باهتمام، ولكن «لا مجال لأي شكل من أشكال التواصل المنتظم مع أي جماعة، وخاصة تلك المعارضة للنظام الحالي» وأن لندن تعترف بالنظام الثوري، و«تعتقد أن على إيران حل مشاكلها بنفسها دون تدخل خارجي».
وبعد أسابيع من هذا اللقاء، التقى نائب الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية «جراهام» مسؤولين إيرانيين سابقين آخرين، بناءً على طلبهم، وأخبرهم بأن أيام تدخل بريطانيا في الشؤون الداخلية لإيران قد ولّت. وشدد على أن النظام الثوري «سيعزز على الأرجح مكانته، وسيُعيد تدريجيًا النظام إلى البلاد والاقتصاد».
خامسا: معرفة العروض الأخرى
اتخذت بريطانيا الموقف نفسه، عندما علمت باتصالات سرية بين الرئيس الراحل «محمد أنور السادات» وآخر رئيس وزراء في عهد الشاه «شابور بختيار» إذ تكشف الوثائق البريطانية أن السادات عرض، عام 1981م، تقديم دعم إعلامي وعسكري للمعارضة الإيرانية في المنفى؛ بهدف إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
وكانت العلاقات بين القاهرة وطهران قد تدهورت بسرعة بعد الثورة الإسلامية؛ بسبب توقيع السادات معاهدة سلام مع إسرائيل والاعتراف بها، ثم استقباله لصديقه الشاه بالقاهرة، ومنحه حق اللجوء بمصر، حتى وافته المنية، في 27 يوليو 1980م، ودفنه بجنازة رسمية.
وكان السادات قد قدم عرضه لـ «بختيار» في لقاء بينهما، أواخر شهر فبراير 1981م بباريس، استمر 55 دقيقة وهذا ما أبلغه «سياوش سعيدي» أحد معاوني «بختيار» لصديقه الدبلوماسي البريطاني الذي سبق وخدم بسفارة بلاده لدى القاهرة «نيقولاس بارنجتون» (Nicholas Barrington).
وقال «بارنجتون» في تقرير بعنوان «المعارضة الإيرانية» بتاريخ 28 فبراير 1981م أنه كان في زيارة لباريس، وأن «سعيدي» أبلغه أن السادات «شجع على المضي في خططه» ضد النظام الإيراني. وأنه عرض الدعم المصري «عبر محطة إذاعية بالإسكندرية أو بعض تسهيلات عسكرية» وأن بختيار عبر عن امتنانه لعرض الرئيس المصري، وأبلغه بأن «مصر بعيدة قليلا» عن مسرح العمل. وأنه يأمل في تلقي مساعدة أكثر فاعلية وتأثيرا «تشمل، محطة إذاعية، من الأتراك».
ولكن «سعيدي» لم يبلغ صديقه البريطاني بمعلومات تفصيلية عن تنظيم يخطط لإسقاط نظام الثورة يقوده «بختيار» ولكنه قال إنه يعتمد على خلايا سرية، ويحظى «بدعم بعض الضباط برتبة عقيد وأقل وقبائل ورجال دين معتدلين معارضين للخميني». كما أكد أن «بختيار» وحلفاؤه يؤمنون بضرورة تحمل الإيرانيين مسؤولية تقرير مستقبلهم، وأنهم «ينتظرون اللحظة المناسبة لاتخاذ خطوة حاسمة» وكانت خطة التنظيم السري هي «إعادة العمل بدستور ما قبل الثورة» مع عودة بختيار بوصفه آخر «رئيس وزراء شرعي» قبيل الإطاحة بنظام الشاه.
ثم حصلت الخارجية البريطانية على معلومات جديدة من «سعيدي» نفسه في ديسمبر 1981م، تتعلق بصلات «بختيار» بالعراق. وأبلغ «بارينجتون» أنه وزملاء آخرون شعروا بخيبة أمل تجاه بختيار، بزعم أنه كان يتلقى حوالي مليوني دولار شهريًا من العراقيين، ويُزعم أنه كان يودعها في حسابات مصرفية سويسرية ويستخدم عائداتها للعيش. واشتكى من أن الأموال لم تصل إلى عائلات المعتقلين بإيران، ولم تنفق لحساب قضايا أخرى تستحق الدعم. ومما فاقم الشكوك حيال هذه الأموال أنها «كانت تذهب إلى جيب بختيار». وعلى الرغم من أن «سعيدي» أقرّ بأن «بختيار» لم يكن مثاليًا، إلا أنه جادل بأنه «أفضل قائد متاح» وأنه «ازداد مكانة مؤخرًا، ويعلم المزيد عن إيران، وأظهر صفات قيادية».
وقال «سعيدي» خلال لقائه مع «بارنجتون» إن بعض قادة المعارضة الإيرانية في المنفى يعتقدون بأنه «لا ينبغي تدمير إيران» وأنه «يجب الحفاظ على علاقتها بالغرب» وأضاف أن هؤلاء القادة «يتحملون مسؤولية بذل قصارى جهدهم» لتحقيق هذا الهدف.
وعلى الرغم مما قاله «سعيدي» إلا أن «بارنجتون» أعرب له عن «شكوك عامة» بشأن قادة المعارضة المنفيين، مضيفًا أن النظام الثوري «من المرجح أن يستمر» في السلطة بطهران، وأن بلاده سوف تتعامل مع النظام القائم أياً كان، دون دعم للمعارضة له في الخارج.
نهاية المقال

اترك تعليقا