إسرائيل الكبرى، الوعد الإمبريالي المقدس
بواسطة :
«إسرائيل الكبرى» عنوان لسردية امبريالية مقدسة في العقل الاستراتيجي الإسرائيلي، وإطار نظري لمشروع تعمل عليه إسرائيل بأدوات مختلفة وآليات متنوعة منذ إنشائها على الأراضي الفلسطينية، عام 1948م، حتى اليوم.
فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» يستدعي «إسرائيل الكبرى» في 23 أغسطس 2025م، خلال مقابلة له على قناة ««i24العبرية، مع المحاور «شارون غال» والعضو السابق بالكنسيت عن الحزب اليميني «إسرائيل بيتنا» وقد تضمنت هذه المقابلة أيضا عدة تساؤلات مُثارة في الداخل الإسرائيلي حول العملية التي نفذتها إسرائيل ضد منشآت البرنامج النووي الإيراني، ومصير الرهائن لدى حماس، ومستقبل قطاع غزة، وأخيرًا «المهمة التاريخية» الموكلة إليه، على حد قوله، وهي إقامة «إسرائيل الكبرى».
والحقيقية أن هذه ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها مسؤول على هذا المستوى، وبشكل مباشر أهداف إسرائيل التوسعية، وإنما سبقه آخرون، فقد سبق وأعلن «بتسلئيل سموتريتش» وزير المالية اليميني المتطرف، في مارس عام 2023 م، أنه «لا وجود لدولة فلسطينية» داعيا إلى وصول حدود إسرائيل إلى العاصمة السورية دمشق)[i]( كما صرح عدد من أعضاء الكنسيت تصريحات تعكس هذه النوايا التوسعية. ناهيك عن القوانين والقرارات التي أصدرتها الحكومات اليمينية المتعاقبة حول ضم، أو التوسع في بناء المستوطنات
أولًا: الوعد الإمبريالي المقدس:
استطاعت إسرائيل، بعد يونيو 1967م، الاستيلاء على الضفة الغربية وغزة والجولان وشبه جزيرة سيناء، وكان ذلك مدعاة لاستدعاء الصهاينة لمفهوم «الوعد الإلهي» المقدس بإقامة دولة «إسرائيل الكبرى» على رقعة تمتد من النيل إلى الفرات. وعلى الرغم من أن هذا «الوعد» حصر رقعة «الدولة» بين هذين النهرين، إلا أن جموح إسرائيل دفعها نحو توسيع هذه الرقعة؛ بزعم إعادة تشكيل الشرق الأوسط..
ويجسد مفهوم «إسرائيل الكبرى» كل مفاهيم الامبريالية، عبر منح التوسع جيوسياسي مبرر ديني جاء من تأويل «الوعد الإلهي» لنبي الله إبراهيم وذريته «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: “لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ» لتتعالى المزاعم بأحقية بني إسرائيل، من نسل أسباط نبي الله يعقوب وأبناءهم، في ذلك الوعد، باعتبارهم نسل نبي الله إبراهيم، متجاهلة نصيب نبي الله إسماعيل وذريته في هذا الوعد المقدس.، الذي نُقل، وفق تأويلهم، مع النبوة من إبراهيم إلى إسحاق ومن ثم يعقوب عليهم السلام.
وعلى الرغم من هذا، تعددت تفسيرات الطوائف اليهودية لحدود «الوعد» الجغرافية، إذ ترى بعض التفسيرات التقليدية أن «نهر مصر» يُقصد به «نهر النيل» يرى البعض الآخر، منهم «أبرهام بن عزرا» أن النهر المقصود هو «وادي العريش» بسيناء، وليس نهر النيل.
أما المفهوم الجيوسياسي لـ «إسرائيل الكبرى» فيشير إلى تلك الرقعة من الأرض التي تحدها من الشمال جنوب تركيا، ومن الجنوب المملكة العربية السعودية، ومن الشرق نهر الفرات، ومن الغرب نهر النيل، بما عليها من مدن ودول عربية كاملة، فتمتد من شرق دلتا النيل شمالا، حتى حلايب وشلاتين جنوب مصر، ومعها مناطق شاسعة من السعودية تضم الجوف وتبوك، وأجزاء من المدينة المنورة وحائل والحدود الشمالية. وصولا إلى كل المحافظات العراقية والسورية الواقعة غرب الفرات، ناهيك عن كل اراض الكويت والأردن ولبنان وفلسطين.
وبذلك فإن «إسرائيل الكبرى» عبارة عن مفهوم للتوسع المقدس، اعتمادا على عاملين، الأول مرجعية دينية تضفي القداسة على أطماع إسرائيل التوسعية، والثاني رغبتها في توسع عمقها الإستراتيجي الذي تفقده.
ثانيًا: دلالات التوقيت.
جاءت المقابلة التي أجرتها قناة ««i24 مع «نتنياهو» في توقيت تتزايد فيه تظاهرات أسر الرهائن، وتكثر تساؤلات الداخل حول مدى جاهزية حكومته للتوصل إلى اتفاق ينهي به الحرب، ويُعيد هؤلاء الرهائن، بينما ينحسر دعم العالم لإسرائيل. على نحو دفعها إلى العودة لنقطة البداية، ممثلة في المنطق التوراتي لوجودها.
ولهذا فإن «نتنياهو» خاطب في هذه المقابلة تيار اليمين المتطرف؛ لدعم موقفه الداخلي، كما عبرت أقواله عن تطلعات التيار القومي المتطرف، فحين تم إهداؤه تميمة تحمل خريطة ما تُسمي بـ«إسرائيل الكبرى» وسؤاله عما إذا كان مرتبطًا بتلك الرؤية؛ أجاب: «جدًا» ولا ينفك الحديث عن إسرائيل الكبرى، إلا وتبتعها «المهمة التاريخية والروحية» لنتنياهو والتي كما أشار أنها تُسلم للأجيال المتعاقبة.
كما انطوت المقابلة على تبرير عمليات التوسع، واستباق الاعتراف بدولة فلسطين المرتقب، خاصة أن إسرائيل سعت، منذ 7 أكتوبر 2023م، إلى السيطرة شبه الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة. كما جاءت تصريحات «نتنياهو» حول رؤيته لإسرائيل الكبرى، بعد أسابيع من إعلان دول غربية عزمها الاعتراف بدولة فلسطين. ويمكن أن تعد هذه التصريحات استهجانًا رسميا منه على نية هذه الدول على الاعتراف بفلسطين، خاصة أنها تضمنت عدم الاعتراف «بما يُسمى بفلسطين» بزعم أنها جزءًا من أرض إسرائيل.
ثالثًا: أدوات التشكيل:
تستند إسرائيل في تحقيق طموحها الإمبريالي إلى عدد من الأدوات التي تعمل بشكل متواز، لتمكينها من تحقيقه، وردع أي رد فعل محتمل قد يعوقه. ويمكن أن نستشهد بحالات تاريخية للدلالة على واقع تلك الأدوات ودورها في تحقيق إسرائيل لأهدافها، فحتى قبل عام 1948 والحركة الصهيونية الغربية تعتمد على الضعف الذي أصاب الدول العربية؛ للبدء في وضع أول نواة لدولتها، بضمانات غربية، ويمكن عرض تلك الأدوات كالآتي:
الدعم الغربي غير المنقطع: هدفت قوى الاستعمار، منذ سيطرتها على المنطقة العربية، إلى تمزيق الدول -بمفهومها الحديث- جغرافيًا، لمنع تحقيق أي وحدة بين وحدات العالم العربي، وذلك بخلق ارتكاز استراتيجي ليكون بمثابة الحاجز الثقافي واللغوي والديني بين تلك الدول، وقد تلاقت أهداف هذه القوى مع الأزمة اليهودية بأوروبا. ومن ثم استمر الدعم الغربي لإسرائيل، منتقلا من قوة عظمى إلى أخرى، فبريطانيًا دعمت هجرة اليهود إلى فلسطين، حتى منتصف مارس 1948م.
ثم تولت الولايات المتحدة مهمة تقديم الدعم غير المحدود لبناء دولة قادرة على البقاء والاستمرار، كما وفرت لها غطاء سياسيا قويا في المحافل الدولية كافة، ناهيك عن الدعم العسكري غير المنقطع. وكان ذلك بمثابة حجر الزاوية في تبني إسرائيل لسياسات عدوانية ضد الشعب الفلسطيني وضد دول المنطقة كلها. على نحو قد يغريها بضم مزيد من الأراضي العربية، مستغلة الغطاء الأمريكي والغربي لإسقاط أي قرارات أممية ضدها.
كما مكنت إسرائيل، بمعاونة اللوبيات اليهودية المختلفة بأوروبا والولايات المتحدة، من السيطرة على مؤسسات الإعلام العالمي الكبرى ومراكز الفكر؛ لتصبح أدارة لترويج سردياتها المختلفة على أوسع نطاق، الأمر الذي عزز قدرتها على اختراق هذه الدول نفسها وضمان وجود قراراتها لصالحها.
وتبرز أهمية هذه الأداة في قدرتها على طمس الحقائق التاريخية المتعلقة بفلسطين، وتزييف واقع الدول العربية وعرض المعلومات والموضوعات التي تعزز موقفها وتصب في صالحها. وقد نجحت حملة «هاسبارا» التي أطلقتها إسرائيل للدفاع عن روايتها، دون ذكر لاسم دولة فلسطين، أو ذكر للمناطق التي تحتلها، واعتبارها مشكلة أمن داخلي في المقام الأول. وذلك لخلق حالة من الرفض لجميع النداءات التي أطلقتها مؤسسات وجمعيات غربية ومنظمات دولية تجاه إسرائيل، بل واعتبارها نداءات مجحفة في حق شعب يحاول أن يعيش بسلام وسط عدد من الديكتاتوريات.
ولعل هذا ما يؤكد اعتماد إسرائيل اعتمادًا كليًا على الرأي العام الغربي في تشكيل الواقع الذي تسعى إليه، فإسرائيل في تطبيقها لسياستها التوسعية تعمل على إقناع الرأي العام العالمي بتلك السياسات، ومن ثم وضع التشريعات التي يعقبها التطبيق. وتساعد تلك العملية صناع القرار في إسرائيل في تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لتلك السياسات، والاعتماد عليه، إذا ما وُجهت إلى سياساتها أية انتقادات، كمواجهة انتقادات توسع إسرائيل في علميات بناء المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية.
عدم استقرار دول الجوار: تستغل إسرائيل عدم الاستقرار أصاب الدول العربية لتحقيق أهدافها التوسعية، في ضم أراضي عربية أخرى، مع ضمان عدم وجود تبعات لذلك. فاستغلت، عام 1978م، عدم الاستقرار الذي أصاب لبنان وأطلقت عملية «الليطاني» لإنشاء منطقة عازلة، وعلى الرغم من فشلها في تحقيق أهدفا هذه العملية، إلا أنها كانت مقدمة لاجتياح جنوب لبنان، عام 1982م، مستفيدة من الحرب الأهلية اللبنانية. والسيطرة على شريط حدودي بجنوب لبنان، قبل أن تنسحب منه جزئيًا عام 2000م.
وساعدها عدم الاستقرار بسوريا، والإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024م، على إعلان سقوط اتفاق «فض الاشتباك» الذي أبرمته مع هذا النظام، عام 1974م. وكذا جميع الاتفاقيات المبرمة معه، ومن ثم سيطرت على جبل الشيخ، وكشف كامل المنطقة بنطاق يتجاوز 70 كم.
إثارة المنازعات الاثنية: تستخدم إسرائيل مسألة التنوع الاثني بالمجتمعات العربية لتحقيق أهدافها دون تدخل عسكري مباشر، وقد حرصت من وراء ذلك على الترويج لسياستها الدفاعية، وأنها لا تلجأ إليها إلا حفاظا على كيانها وأمنها القومي. في إطار «استراتيجية شد الأطراف وتفكيك المركز» التي بلورها مفكرون إسرائيليون من أمثال «ديفيد بن غوريون» و«أوديد إينون» وسار على نهجها وفي تطبيقها «موشيه ديان» و«آرييل شارون» وأخيرًا «بنيامين نتنياهو».
وترتكز هذه الاستراتيجية على محورين، مفاد الأول أن مواجهة الدول العربية المتماسكة أمر يصعب تحقيقه، ومن ثم يجب على إسرائيل التقارب مع القوى المحيطة بها مثل إيران الشاه وتركيا وإثيوبيا لضمان تطويق الدول العربية. وعلى الرغم من تراجع أهمية هذا المحور؛ نتيجة التحولات الجيوسياسية، إلا أنها لاتزال تحتفظ بعلاقات مع تركيا وإثيوبيا، بينما تحرص على إقامة شراكات استراتيجية مع قبرص واليونان وأذربيجان، في محاولة لإعادة تفعيل هذا المحور من جديد.
أما المحور الثاني فيتمثل في محاول استغلال التنوع الإثني في إثارة التناقضات الداخلية بالدول العربية تمهيدا لتفكيكها. وجرها إلى صراعات داخلية وحروب أهلية، عندها تقوم بدعم الأقليات ضد الحكومة المركزية بالمال والسلاح؛ لتعميق الخلافات على نحو يصعب احتوائها، مما يُفضي في النهاية إلى ظهور حركات انفصالية تطالب بالانفصال عن الحكومة المركزية. واستنادا إلى الاستراتيجية، تمكنت من استمالة جنوب السودان قبل انفصاله عن السودان، ودعمته لوجستيًا في مواجهة الجيش السوداني، مما أدى في النهاية إلى إعلان استقلال جنوب السودان في يناير عام 2011م. كما استغلت الصراع الذي نشب في محافظة السويداء السورية في يوليو الماضي بين الدروز وعشائر البدو؛ للتدخل عسكريًا، وادعت أنه كان نابعًا من مسؤوليتها تجاه حماية الأقلية الدرزية.
وكان هذا التدخل في حقيقته محاولة لتأجيج الخلاف، وعلى الرغم من أن فكرة انفصال السويداء عن دمشق غير مقبولة بين عدد كبير من أبناء المحافظة، إلا أن قيام البعض برفع العلم الإسرائيلي داخل المحافظة، والمطالبة بالانفصال، يكشف لنا مسعي إسرائيلي آخر لإدارة الصراع في محافظة السويداء لصالحها.
إضعاف مقاومة التوسع: تسعى إسرائيل لإضعاف موقف الرأي العام العربي من القضية الفلسطينية، كمرحة أولى للتوسع. وقد حددت عددًا من الأدوات لتحقيق ذلك دون إثارة رد فعل رسمي، منها:
اختراق الوعي الجمعي: تهدف إسرائيل من خلال الإعلام الموجه إلى خلق نمط أو صورة ذهنية إيجابية عن المجتمع والمواطن الإسرائيلي، حرصا منها على اختراق الوعي الجمعي العربي، عبر الإعلام الناطق باللغة العربية. وقد أظهرت دراسات عدة إلى أنها استثمرت في انتاج مواد إعلامية مترجمة للعربية تهدف إلى تحسين صورة المجتمع اليهودي، وعملت على إطلاق عدد من المواقع باللغة العربية منها الموقع الإخباري «تايمز أوف إسرائيل» و«يديعوت أحرنوت» وقناة «i24 NEWS».
وتعمل هذه المواقع على تحوير بعض المصطلحات، فتستخدم «رئيس السلطة الفلسطينية» بدلًا عن «الرئيس الفلسطيني» و«جيش الدفاع» بدلا عن «الجيش الإسرائيلي» و«مناطق الحكم الذاتي» للإشارة إلى «الضفة الغربية» و«الإرهابيون» و«المخربون» للإشارة إلى عناصر المقاومة الفلسطينية، وكلمة «السكان» بدلًا عن «المستوطنين» وغيرها.
التطبيع الرياضي: شهد العقد الأخير زيادة في مشاركة إسرائيل في الفاعليات الرياضية بالعالم العربي، وهو ما يُمكن أن يُوصف بأنه شكل من أشكال التطبيع الناعم، ففي أكتوبر 2018م، شهدت مدينة أبو ظبي ولأول مرة عزف النشيد الوطني ورفع العلم الإسرائيلي إثر فوز لاعب الجودو «ساجي موكي» بعد أن كان يُجبر هؤلاء اللاعبين على اللعب تحت العلم الدولي دون عزف النشيد، أو حتى رفع هذا العلم.
وكانت ذلك مقدمة لعدد من المشاركات الأخرى تحت العلم الإسرائيلي، وتكرر ذلك مرة أخرى بالإمارات، وقطر عام 2019م. والبحرين والمغرب، بعد قيامهما بتوقيع اتفاقات «إبراهام» وشهد عام 2023م، حالة استثنائية في السعودية، عندما استقبلت فريقًا إسرائيليا لألعاب الرياضية الإلكترونية، ورفع العلم الإسرائيلي وعزف نشيد الوطني، للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
ويبدو أن هذا النوع من التطبيع كان خطوة أولى في عملية التطبيع الكامل مع إسرائيل، التي بدأت عام 2020م، لعدد من الدول العربية منها الإمارات والبحرين ولمغرب. وربما كانت السعودية ضمن عملية التطبيع إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة منذ أكثر من عام جمدت عملية التطبيع.
استخدام منصات التواصل: تحرص إسرائيل على الاستخدام الأمثل لمنصات التواصل الاجتماعي في تعزيز دورها، وتحسين صورتها لدى العرب، خاصة بين الشباب، بوصفه الأكثر استخداما لها.
ومن هذا المنطلق أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية عددا من الحسابات باللغة العربية منها «إسرائيل بالعربية» و«إسرائيل في الخليج» و«إسرائيل في مصر» للتواصل المباشر مع الشباب. إضافة إلى حسابات شخصيات مثل «رئيس قسم الإعلام العربي» بوحدة المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي «أفيخاي أدرعي» ونائبته «إيلا واوية» اللذان يعملان على نشر سرديات مخالفة للواقع، وفي بعض الأحيان يستشهدان بآيات من القرآن الكريم مع تأويلها على نحو يدعم مواقف إسرائيل العدوانية.
وعلى الرغم من هذه المساعي الرامية للسيطرة على الشباب، إلا أن هذه المساعي ظلت محدودة التأثير، وذلك لعدم قدرة إسرائيل على الموازنة بين الصورة المُصدرة، وسياستها الفعلية. فسياستها التوسعية وإبادة الفلسطينيين وقفت حائلًا أمام عمليات الاختراق، سواء على المستوى الإقليمي، أو الدولي. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه «مركز بيو للأبحاث» أن الفئة العمرية ما بين 18-29 عامًا بالولايات المتحدة؛ أظهرت مستويات أعلى من التعاطف مع الفلسطينيين مقارنة بالفئات العمرية الأكبر.
.
متابعة القراءة
رابعًا: التصورات المقترحة للمواجهة:
تقتضي مواجهة التوسع الإسرائيلي مزيدا من التضامن والتكامل وإعادة ترتيب الأوليات، وخلق مساحات فاعلة لجامعة الدول العربية لتمكينها من الإسهام في حل الخلافات العربية، وتوحيد الجهود، سواء دبلوماسية كانت أو قانوني، في المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية، وإعادة تعريف «العدو المركزي».
خسرت إسرائيل جانبا كبيرا من الرأي العام العالمي، وبعض الدوائر المؤثرة، في ظل ممارساتها العدوانية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني ومحاولتها اقتلاعه من أرضه، ويمكن البناء على ذلك في تأكيد عدالة القضية الفلسطينية، بسرديته المعبرة عن مأساة الشعب الفلسطيني، على نحو يفوق سردية الهولوكوست، خاصة في ظل المغالطات التاريخية حول المحرقة، وتعاطف النشء في المجتمعات الغربية مع الفلسطينيين، واستعداد الرأي العام الغربي لصياغة مواقفه، بعد أن ازدواجية المعايير بين تعامل الغرب مع الحرب الروسية-الأوكرانية، وتعامله مع الحرب الإسرائيلية على فلسطيني غزة.
ويمكن توظيف الإدراك العربي والإقليمي بأن التهديدات الإسرائيلية باتت هي التحدي الأكثر خطورة على الأمن العربي والإقليمي، في تقريب وجهات نظره القوى الإقليمية والعربية، بما يخدم أمنها القومي، ويؤسس لتحالف استراتيجي عربي- تركي- إيراني. على الرغم من تداخل قوى إقليمية (إيران- تركيا) في عدد من الصراعات والأزمات العربية، والتي ساهمت في تأجيج الانقسامات، إلا أن تلك التدخلات يمكن تحجيمها، إذا تم الاتفاق على تعميق العلاقات البينية، والتأكيد على أن المرحلة الراهنة تقتضي العمل على أولوية تفعيل مسارات التقارب بين الدول العربية من جهة، وإيران وتركيا من جهة أخرى.
تجميد اتفاقيات التطبيع، التي ساعدت إسرائيل على تعديل صيغة (الأرض مقابل السلام) لـ (السلام مقابل السلام) التي أطلقها نتنياهو، وقد عملت الولايات المتحدة وإسرائيل على تشجيع بعض الدول العربية للقبول بعمليات التطبيع مقابل تذليل العقبات؛ كما في حالة السودان بإزالة اسمها من لائحة الدول الراعية للإرهاب، أو مثل المغرب حينما اعترفت الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية، أو لأهداف تكنولوجية وسياسية مثل الإمارات العربية المتحدة.
ولا تزال الفرصة قائمة في استخدام عمليات التطبيع كورقة ضاغطة على إسرائيل لإجبارها على وقف الانتهاكات الإسرائيلية في كل من غزة والضفة. ([i])، خاصة أن بوادر نجاح هذه الفرصة ظهرت في تجميد إسرائيل لضم الضفة، بعد أن هددت الإمارات بتجميد اتفاقيات إبراهام إن فعلت إسرائيل ذلك. وقد عكس هذا التجميد الأهمية الاستراتيجية لهذه الاتفاقيات في الفكر الإسرائيلي. مما يعني أن الضغط عليها من هذا المنطلق من شأنه تعزيز قدرة الدول العربية على مواجهة المشروع التوسعي الإسرائيلي.
وقد أقدمت إسرائيل، في الأيام القليلة الماضية، على توجيه ضربة عسكرية للمقر إقامة قادة حماس بالعاصمة القطرية الدوحة، بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، وهو ما وضع قطر في مأزق، خاصة وأن الدفاعات الجوية -أمريكية الصنع- تغافلت عن الهجوم. على الرغم من إعلان واشنطن في مارس 2022م، تصنيف قطر حليفًا رئيسيًا لها من خارج الناتو، إلا أنه لم يكن ذا قيمة مقابل التحالف الاستراتيجي الثابت بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وبالتالي فإن الواقع الحالي يحتم على الدول العربية، والخليجية منها خاصة، إعادة تقييم علاقاتها مع واشنطن، في ظل التعددية الناشئة. على الرغم من أن النظام العالمي لا يزال في مرحلة القطبية الواحدة.
إن سرعته التحول في النظام العالمي تفرض على الدول العربية عدم الالتجاء إلى دولة بعينها في مجال التسليح وتعزيز قدراتها على مجابهة المحاولات الإسرائيلية المحتملة من أدواتها الناعمة إلى أدواتها الخشنة. خاصة أن تهجير الشعب الفلسطيني بدفع سكان قطاع غزة نحو مصر، وسكان الضفة نحو الأردن، ومحو القضية الفلسطينية ليس نهاية المطاف لإسرائيل، لأنه خطوة أولية نحو تحقيق الإمبريالية المقدسة وإقامة «إسرائيل الكبرى» ذات العمق الاستراتيجي اللازم لحمايتها ضد أية هجوم عربي.