الطريقة التجانية مرتكز ديني للروابط المغربية الإفريقية
بواسطة :
ثانيا: انتشار الطريقة التجانية بأفريقيا
شكل انتشار الطريقة التجانية وحضورها الصوفي في المغرب جزءا من وظيفتها وأدوارها، فكان أكثر حضورا وإشعاعا، مقارنة مع باقي البلدان التي اكتسحتها في كل أرجاء العالم الإسلامي، وأصبحت ذات سمعة دولية. فقد اشتغل أحمد التجاني، منذ حلوله بفاس، بتدريس العلم، فأخذت الأنظار تتجه إليه، ويذيع صيته «وأقبل عليه الخلق واشتهر أمره بفاس والمغرب».
وقد ساعد على هذا الانتشار تبني السلطان «المولى سليمان» للتجانية، نظرا لأنها تلتقي في مبادئها مع بعض أفكاره الرافضة لكل بدعة، وبذلك كانت «الملكية قد وضعت الطريقة التجانية تحت حمايتها» وساعدت بالتالي الشيخ أحمد التجاني ماديا ومعنويا في بناء الزاوية بفاس، خاصة وأن خصال الشيخ التجاني وسعة علمه، كانت تؤهله لنيل تلك الحظوة.
وقد تمسك بالطريقة التجانية، كما يقول «أحمد سكيرج» من لا يحصى من العلماء والشرفاء وغيرهم من المسلمين في جل الكرة الأرضية قديما وحديثا. سواء من المغرب أم خارجه على نحو جعل الفكر الصوفي التجاني مؤسسه شعبية واسعة، وامتدادات واسعة بفضل أتباع الشيخ التجاني. مما ساهم في توغلها في المغرب بانتشار زوايا في مجالين متقابلين هما البادية المغربية التي توغلت فيها التجانية، سواء كانت سهلية كانت أم جبلية، شاطئية أم صحراوية. أما الحضر فقد اشتقت عن الزاوية التجانية الأم فروع ومراكز حققت امتدادات واسعة بالمدن الصغرى والكبرى، مستقطبة بذلك «شخصيات مخزنية وأدباء وتجار». ويبدو أن دعوة الشيخ لاقت استحسانا وقبولا بين الناس، مما أدى إلى نشأة عدد كبير من فروع التجانية، فلا تخلو مدينة مغربية من زاوية أو أكثر، مما يبين مدى انتشار هذه الطريقة وذيوع صيت شيوخها.
وبناء عليه يظهر أن التجانية عرفت في أوائل القرن 20م، انتشارا كبيرا شمل مجموعة من المناطق المغربية بعدما «كان تطور الطريقة بطيئا… ولكن بمرور الوقت لقيت الطريقة قبولا لدى النخبة، فانضم إليها الكثير من الأعيان والعلماء، حتى أصبح الانضمام إليها مكرمة يتنافس عليها الناس، مما جعلها، في بداية القرن العشرين تعتبر من أهم الطرق في المغرب» وهو ما عبر عنه «المختار السوسي» مقارنا بين الطريقة التجانية و«الدرقاوية» بقوله إن أصحاب الطريقة التجانية كانوا «يترفعون عن الدهماء. فلا يلقنون إلا من ومن، ممن يأنسون فيه الانصياع، فكانوا في ذلك على عكس الدرقاويين الذين يخالطون كل من دب وهب من الدهماء، ويلقنون كل ما صادفوه كيفما كان حاله.. ثم لم تزل تنتشر بين علية الناس فقط، خصوصا الطلبة والرؤساء والأغنياء حتى صارت تمتد جذورها إلى بعض الدهماء، فتؤسس لهم الزوايا شيئا فشيئا، حتى صارت الآن ونحن في 1380هـ/1960م أكثر هذه الطرق انتشارا في (سوس)».
ولا شك أن للتجانية وعاء تربوي وفلسفة واقعية تتماشي مع البيئات الإفريقية المختلفة مما وسع من لنتشارها خارج المغرب، في عموم افريقيا حيث يمكن القول إنها أخذت طريقها من فاس لتنتشر في السودان الغربي (إفريقيا الغربية) وأدت دورا وروحيا وسياسيا في بلاد غرب إفريقيا، واكتسبت مكانة في نفوس شعوبها وحكامها، وانضوت تحت لوائها دويلات وحكومات قامت على أسس دينية، واستطاع أتباعها إدخال معظم السودان إلى الإسلام عن الطريق الإرشاد والتعليم.
ويعود الفضل في نشر التجانية بمنطقة السودان الغربي إلى قبيلة «إداوعلي» التي أخذتها عن أحد دعاتها، الشيخ «الحافظي بن مختار» تلميذ الشيخ أحمد التجاني. ثم امتدت تعاليمها بين أوساط قبائل «الولوف» wolof) (بجنوب نهر السينغال، حيث لعب الحاج «ملك سي التجاني» دورا فعالا في نشرها في تلك المنطقة. وقد أسس زاوية بمدينة «تيفاوات» TIVAOUANE)) التي تعد من أهم زوايا الطريقة التجانية في غرب إفريقيا وجنوبها. وخاصة بشمال نيجيريا، التي بلغ عدد مريديها أكثر من 13 مليون. ولعل من أشهر الزوايا المنتشرة بالسنغال:
زاوية «السيني سالوم» siné saloum)) التي أسسها الحاج «إبراهيم نياس» عام 1924م، وهي تعرف باسم «التربية» بمدينة «كاولاك» ويبلغ عدد أتباعها بجنوب الصحراء حوالي 30 مليونا.
زاوية دكار مؤسسها هو سيد وندرو طال» وهو أحد أحفاد الحاج «عمر طال».
زاوية «ثيانيبة» (thiéneba) غرب «ثياس» (thiés) ومؤسسها هو الشيخ «أحمد أحمد».
أما أبرز دعاة الطريقة في السودان الغربي فكان الحاج «عمر الفوتي» صاحب مؤلف «الرماح» الذي أخذ الطريقة عن «محمد الغالي» في الحجاز، وأخذ عهدا منه على أن يطهر أرض السودان من أدران الشرك، فقاد حربا ضروسا ضد ثالوث الوثنية ([xi]) وعمل على نشر دعوته في مدينة «سكوتو» skoto)) النيجيرية، فاعتنقت معظم قبائل «الهاوسا» هذه الطريقة. وقد واصل الشيخ «أحمدو ابن الحاج عمر طال» دعوة أبيه بعد وفاته، فوصلت الطريقة حتى مشارف نهر النيل.
أما بالنسبة لانتشار التجانية في إثيوبيا فكانت على يد أحد أعضاء قبيلة «كالا» GALLA)) الذي أخذها عن أحد المهاجرين النيجريين.
وهكذا انتقلت الطريقة التجانية من المغرب إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء عبر بعض المريدين فانتشرت انتشارا واسعا بين أوساط المسلمين الأفارقة، لكن مآل الإشعاع وتسليم الإذن أضحى هو مدينة فاس، التي لا تزال أحد المزارات الأساسية لمريديها بعموم بلاد السودان.
ثالثا: خصوصيات الطريقة التجانية في الدبلوماسية الإفريقية
إضافة إلى دور زاوية التجانية الاجتماعي، من السعي في مساعدة المحتاجين، وإطعام الطعام إلى غير ذلك من الأدوار التي جعلت الزاوية تكتسب شعبية واسعة وتتمتع بنفوذ روحي كبير، ليس في فاس وحدها، وإنما في كل بقعة تتوجد فيها فروعها. تضطلع الطريقة التجانية بدور دبلوماسي في تكييف علاقة إفريقيا بالمنطقة المغاربية.
وفي هذا الصدد يقول «محمد ضريف»: «إن الدور السياسي لزاوية ما، أو طريقة ما، هو نتيجة لنفوذها الاجتماعي والديني. ولكن لكي يتمكن زعيم ديني من فرض سلطته على الصعيد السياسي، لابد أن يكون الظرف ملائما. إنه لا يتمكن من تقوية نفوذه إلا إذا كان «المخزن” ضعيفا…» لكن الظاهر أن الزوايا التجانية لم تنح أبدا هذا المنحى في أية فترة من الفترات، فظلت علاقتها وطيدة بالمخزن المغربي وممثليه.
وبناء عليه، فإننا سنحاول الوقوف على طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الجهاز الحاكم المتمثل في الدولة العلوية، من جهة، وبين الزاوية التجانية، من جهة أخرى. ولا سيما زمن «المولى سليمان» الذي عاصره الشيخ التجاني الكبير، مع ما عرفه هذا العصر بالذات من مستجدات.
انتقال الشيخ أحمد التجاني للمغرب وموقفه من الأتراك: ظهرت الدعوة السلفية بالمغرب خلال القرن 12هـ/ 18م، أي منذ عهد السلطان «محمد بن عبد الله» في وقت كانت بعض الزوايا تتمتع بنفوذ روحي كبير، وعدد كبير من الأتباع، الأمر الذي أدى إلى حدوث صدامات عنيفة، خلال هذا العهد. رجحت فيها كفة السلطان المذكور، كما حدث مع «الشرقاويين» و«أمهاوش» وغيرهم، دون أن يعني هذا أن «المخزن العلوي» حارب جميع الزوايا والطوائف الصوفية. فجميع السلاطين الذين حكموا آنئذ تقربوا من بعض الزوايا، كما حدث بين المولى سليمان والطريقة التجانية.
ولمعرفة أسباب ذلك، فلا بد من الوقوف، أولا، على الظروف التي لجأ خلالها الشيخ التجاني إلى المغرب، والتي ترتبط بعلاقة أهالي ولاية «وهران» الجزائرية بالأتراك، ومن ناحية أخرى بعلاقة «المولى سليمان» بالأتراك، من ناحية ثانية. فقد كانت «وهران» من أشد المناطق الجزائرية خطرا على الأتراك نظرا لقوة ونفوذ الطرق الصوفية فيها. خاصة أن زعماءها ينتسبون للأشراف، الأمر الذي كان يقربها إلى «الأسرة العلوية» الحاكمة بالمغرب. بل إن مراكز أهم هذه الطرق، وخصوصا «الدرقاويو»ن و«التجانيون» فيما بعد كانت توجد بالمغرب وليس بالجزائر. وكان هذا يعد تهديدا خطيرا للأتراك، بحكم العلاقة المتوترة بين المغرب والجزائر التركية، من جهة، وبسبب الصلات القبلية والاقتصادية بين سكان هذه الولاية وسكان المغرب، من جهة أخرى. لكن الذي كان يخفف من حدة التوتر بين الطرق الصوفية والأتراك، وجود الإسبان في «وهران» واستغلال الأتراك هذه المسألة في ممارستهم السياسية والجهادية، إلى جانب اضطراب الأحوال الداخلية، قبيل اعتلاء «المولى سليمان» سُدة الحكم.
«لكن استرداد الأتراك لولاية وهران وسياسة الأتراك الضريبية، حول الموقف في هذه الولاية إلى وضع المهاجمة بين الأتراك والمرابطين» وكان على رأس المتمردين على سياسة الأتراك الجبائية إلى جانب درقاوة، شيوخ وأتباع الطريقة التجانية.
وقد تفاقم الصراع بين الأتراك والتجانيين بالجزائر مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، فقد هاجم أحد أتباع التجانية وزعمائها مدينة «قسنطينة» واحتلها فترة قصيرة، عام 1804م وأمام الضغط التجاني على قسنطينة، ضغط الدرقاوية على نفس المنطقة إلى جانب منطقة وهران، طلب «الباي» تدخل السلطان المغربي «المولى سليمان» ليقوم بتهدئة أتباعه. فأوكل السلطان بدوره الأمر للشيخ «العربي الدرقاوي». ولكن شيخ الدرقاويين، وبعد أن زار «تلمسان» وسمع شكاوى أتباعه أيدهم ودعاهم على مبايعة سلطان المغرب.
ويضيف «أبو القاسم الزياني» قائلا: «بأن مولاي سليمان لم يشجع التجاني فحسب، بل احتضن حركته بشكل غير مباشر» وهذا يعني أن المولى سليمان اتخذ من الطريقة التجانية ورقة تهديد في وجه أي نشاط تركي مضاد. وبالفعل، فقد لعب الشيخ أحمد التجاني دورا كبيرا في تمهيد وهران إلى جانب تلمسان للسلطان المولى سليمان، حيث وقفت التجانية ضد الأتراك.
لكن الأمر المهم هو احتضان «المولى سليمان» لهذه الثورات التجانية وتشجيعها، مثلما سيفعل المولى عبد الرحمن بدوره. والظاهر أنه لم يحتضن الشيخ التجاني لكي يخلق متاعب داخلية للأتراك تلهيهم عن المغرب فحسب، وإنما احتضنه، وهو المعروف بمعارضته للطرق الصوفية المغربية الأخرى، ليساعده في إنجاح مشروعه الجديد، المتمثل في تبني الوهابية.
تأييد الشيخ التجاني لمشروع المولى سليمان الإصلاحي: معلوم أن «المولى سليمان» لم يتبن نفس أفكار سلفه «المولى محمد بن عبد الله» فقد نبذ الحنبلية، وعاد إلى تشجيع الفروع ودراسة المختصرات مع العناية بالحديث كأصل أساسي للشريعة، ثم «اعتنق الوهابية بعد الاتصالات الرسمية التي تمت بينه وبين العاهل السعودي، إلى جانب التواصل الشعبي عبر الحجاج».
ولا غرو، فإن الشيخ أحمد التجاني نفسه وضع برنامجا إصلاحيا يتمشى وأفكار «المولى سليمان» كما يبدو من خلال الخطاب الذي وجهه للسلطان نفسه، مما جاء فيه: «الحمد لله… يجب أن تعلموا أن الله قد بين لكم معالم السنة لكي تتبعوها وتبتعدوا عن المواسم التي ليست إلا ملاه وبدع، التي ابتدعت من طرف الطرق، أولئك الذين ذهبوا بعيدا عن السنة ونسبوا إليها أشياء يتبرأ منها القرآن والسنة وهم الذين سموا أنفسهم بالفقراء الذين جاؤوا بأشياء بعيدة عن الدين جعلتهم أهلا لجهنم..».
ويتوافق هذا خطاب تماما، وحتى في الكلمات المعبر بها، مع ما ورد في خطاب السلطان «المولى سليمان» نفسه، الذي جاء فيه «أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيما يرضيه أمركم ومأموركم، فإن الله قد استرعانا جماعتكم، وأوجب لنا طاعتكم وحذرنا إضاعتكم… ولهذا نرى لغفلتكم وعدم إحسانكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على إيمانكم… واعلموا أن الله صرح بذم اللهو والشهوات.. اتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا… وتسموا فقراء وأحدثوا في دين الله ما استوجب به سقرا… وكل ذلك بدعة شنيعة…».
وقد استمرت العلاقة طيبة بين الطرفين. ويكفي دليلا على ذلك الاحترام والتقدير اللذين كنهما الشيخ التجاني للسلطان المولى سليمان، كما يبدو من خلال الرسالة التي بعث بها إلى السلطان: «بعد البسملة والصلاة والسلام على رسول الله وبعد حمد الله جل جلاله… وبعد نسأل الله جلت عظمته وتقدست أسماؤه وصفاته أن يجعلك في الدنيا والآخرة من أخيار الأمة… وأما ما أعظك به فاسمع ما يقوله ربنا في كتابه وكفى به واعظا، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ إلى قوله أنفسكم وأهليكم ما لا يحاط به من الخيرات والبرور وجمعت ما لا ينتهي إلى غايته من البلاء والشرور وأنت واقف بينهما في المرتبة، فراقب الله في قلبك وانظر إلى خلق الله بعين الشفقة ولضعيفهم ومسكينهم بعين الرأفة وقضاء حوائجهم… ».
إضافة إلى أن الشيخ أحمد التجاني كان يسدي النصح للسلطان وفق المنهج النبوي دون خلفيات أو إثارة للنزاعات والفتن التي ينهى عنها القرآن والسنة، كما كان يرى أن الرعية تستظل بالسلطان عن طريق البيعة الشرعية التي هي عمد متين وميثاق ورباط مقدس بين الرعية والسلطان. وكان دائما يذكر بهذا وحتى في مجلس السلطان وجها لوجه دون مراوغة أو تهديد.
وبناء على كل ما سبق، يظهر أن ازدهار وإشعاع الفكر التجاني في بلاد المغرب، يرجع إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي النسبي، الذي كان عليه أهل بلاد المغرب من جهة، وإلى الكُره الذي كان يكنه سكان بلاد الجزائر للحكام الأتراك وحكم البايات.
وفي المقابل، ونظرا للمساعدات التي قدمها شيوخ الزاوية التجانية للعرش العلوي في شخص المولى سليمان، جعلته يعترف بالجميل، ويقوم بتنصيب هؤلاء الشيوخ في مناصب تليق بمقامهم.
وهكذا ظلت الزاوية التجانية وفية للعرش العلوي الذي رحب بأقطابها وقت الشدة، ليس في عهد المولى سليمان وحسب بل في سائر عهود أسلافه، وعبر كل المراحل والحقب المتتالية.
كما ارتبطت الزوايا التجانية بالمخزن المغربي بعلاقة متميزة أساسها التوقير والاحترام المتبادل، استمرارا للعلاقة الجيدة بين الشيخ والسلطان، الذي استقبله وبنى له زاوية بالعاصمة العلمية آنذاك وجعله من المقربين إليه. ويشير «إبراهيم حركات» إلى «أن الزاوية التجانية كانت مقربة من الحكومة، لأنها تتألف من الموظفين والمثقفين والأثرياء والتجار»
ولا زالت هذه العلاقة المتميزة مستمرة إلى الآن بدليل اتخاذ ملوك العلويين صلاة الفاتح لما أغلق دعاء لهم يختمون به لقاءاتهم الدينية الرسمية منذ عهد السلطان المولى سليمان، وكان الملك الراحل «الحسن الثاني» يختتم بها اجتماعاته الدينية والدروس الحسنية في غالب الأحيان، وأحيانا يختتم بالصلاة الإبراهيمية. كما كانت تقام أيام ثقافية حول مؤسس الطريقة التجانية بأحد أكبر مساجد «دكار» من تنظيم «المعهد الإسلامي» وتمويل مباشر من الراحل الملك «الحسن الثاني» والذي قام بتدشينها عام 1963م، لتأكيد ارتباط التجانية السنيغالية بالتجانية المغربية.
وقد أخذ المغرب مبادرة تنظيم مؤتمر عالمي عن التجانية بفاس، عام 1985م. وكان حدثا جديرا بالاهتمام، ليس فقط من أجل التجانيين الأفارقة الذين يبعثون خلفاءهم فيجتمعون بالعاصمة الدينية للمغرب، وإنما من أجل الدبلوماسية المغربية التي حظيت بنجاح كبير في استمالتها للأتباع التجانيين الذين أكدوا على مغربية الصحراء.
وفي هذا السياق، تبقى التجانية في قلب التنافس الجزائري المغربي فقد أفادت بعض الوفود التي زارت بلدان نائية بأفريقيا أن الصوفية بصفة عامة والطريقة التجانية منها خاصة تعرف إقبالا واحتراما منقطع النظير. وهذا ما يخدم قضية الوحدة الترابية، حيث فشلت الجزائر غير مرة في استمالة دول افريقية للاعتراف ب «الجمهورية الصحراوية» الوهمية رغم الإغراءات الضخمة التي كانت تعرضها الجزائر على هذه الدول.
هكذا امتد حضور التجاني في سياسة المغرب، منذ عهد السلطان «المولى سليمان» حتى بومنا هذا. وسار الملك «محمد السادس» على هذا النهج باعتباره قائدا مسلما في القارة الإفريقية، فنظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية تحت رعايته، جمع المنتسبين إلى الطريقة التجانية، فيما بين يومي 27 و30 يونيو 2007م، بفاس، والتي أعطى الملك محمد السادس بها بعدا جديدا لارتباط تجانية العالم بأكمله بمدينة «فاس» التي تضم ضريح مؤسس الطريقة التجانية. وشكل اللقاء السنوي بفاس بداية لعصر جديد سماه أحد الباحثين بالتموقع الرمزي.
وبعد هذا الجمع، أول ملتقى لأتباع الزاوية منذ أزيد من عشرين عاما، وعين الملك محمد السادس، في أول مبادرة ملكية، «محمد الكبير بن أحمد التجاني» شيخا للطريقة التجانية بجميع زواياها، وقد جاء هذا التعيين الملكي ليسد الفراغ الذي استمر أربع سنوات تقريبا، منذ وفاة آخر شيخ للطريقة في المغرب، «البشير بن محمد الكبير» ذلك أن العرف في المغرب جرى أن يسلم سلاطين المغرب ظهائر التعيين لشيوخ الطريقة. وهو نفس الأمر الذي قام به الملك «محمد الخامس» مع الشيخ «الطيب بن علال» والملك «الحسن الثاني» مع «البشير بن محمد الكبير».
وبناء عليه يتبين مدى ارتباط العرش العلوي بالطريقة التجانية ووفائه لها، فظلت مكانة الشيخ محفوظة على المستوى الرسمي طيلة عهد الأشراف العلويين، وهذا ما زادها إشعاعا أكبر في جميع المراحل.
وعلى الرغم من أن بعض الدراسات حاولت أن تربط ذلك بمطامح سياسية يريد المغرب أن يحققها بتوظيف التجانية في التأكيد على مغربية الصحراء. إلا أننا نستبعد هذا الطرح بناء على أمرين أساسيين: أولهما أن ارتباط العلويين بالتجانية موضوع سابق، والصراع حول قضية الصحراء مستجد لاحق. وثانيهما أن السلاطين العلويين اشتهروا بحبهم وارتباطهم بأهل التصوف عامة والتجانية خاصة. كما بينا ذلك، ويظهر ذلك أيضا من خلال ظهائر التوقير التي كانوا يسبغونها عليهم.
نهاية المقال
المراجع والهوامش بملف PDF