الرئيسية » الدراسات » مستقبل قضية الصحراء المغربية بعد قرار مجلس الأمن الداعم لمقترح الحكم الذاتي

مستقبل قضية الصحراء المغربية بعد قرار مجلس الأمن الداعم لمقترح الحكم الذاتي

الكاتب:

أولا: ما حسابات الأطراف الرئيسية لهذه القضية؟
الطرف الأول: المغرب:
تنظر الرباط إلى القرار بوصفه انتصاراً دبلوماسياً يؤكد صواب نهجها القائم على «الواقعية السياسية» ويمنحها شرعية إضافية لمواصلة الاستثمار التنموي في الأقاليم الجنوبية. ومن المرجح أن تستثمر الحكومة المغربية هذا الموقف الأممي في تعزيز برامج التنمية والبنية التحتية في «العيون» و«الداخلة» لترسيخ صورة «النموذج المغربي في الحكم الذاتي» كواقعٍ ميداني، قبل أن يكون تسوية سياسية. ولكن من المجمل أن تتعامل أيضا بحذر مع مسار المفاوضات المقبلة، لتفويت الفرصة أي محاولة محتملة لإعادة طرح صيغة «الاستفتاء» على الرغم من أنها مسالة تم تجاوزها بموجب هذا القرار.
الطرف الثاني: جبهة البوليساريو:
مثّل القرار ضربة جديدة لطموحات الجبهة التي تسعى، منذ عقود، إلى انتزاع اعتراف دولي بحق «تقرير المصير» ومع تضاؤل الدعم الدولي لمطلبها، سوف تجد البوليساريو نفسها أمام خيارات محدودة، أبرزها القبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة. غير أن تزايد الضغوط الداخلية داخل مخيمات «تندوف» قد يدفع بعض قادتها إلى التصعيد الميداني المحدود، أو الإعلامي، للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلي وإظهار «رفض الأمر الواقع»
الطرف الثالث: الجزائر:
تُعدّ الجزائر هي الخاسر الإقليمي الأكبر من هذا القرار، إذ ترى فيه انتقاصاً من وزنها الدبلوماسي في ملف تعتبره جزءاً من أمنها القومي. ومع هذا، من المرجح أن تتجنب التصعيد المباشر، مكتفية بتكثيف خطابها السياسي في المحافل الإقليمية والإفريقية حول «حق تقرير المصير» لكنّ استمرار التصعيد الإعلامي والدبلوماسي سوف يُبقي العلاقات الجزائرية-المغربية في دائرة القطيعة، ما ينعكس سلباً على جهود بناء منظومة مغاربية فاعلة.
ثانيا: ما دلالات القرار على الموقف الدولي من القضية؟
يعكس قرار مجلس الأمن تحوّلاً تدريجياً في مقاربة المجتمع الدولي لقضية الصحراء المغربية، إذ بات التركيز منصبا على البُعد الواقعي والعملي للحل، بدلاً عن الطروحات التقليدية التي حكمت مسار النزاع لعقود. فالقرار يكرس مقترح الحكم الذاتي باعتباره الإطار الأكثر جدية ومصداقية، ويضع الأطراف أمام مسؤولية سياسية جديدة عنوانها الانتقال من إدارة الأزمة إلى البحث عن تسوية نهائية لها.
كما يُظهر القرار ثقة الفاعلين الدوليين في دور المغرب بوصفه طرف قادر على توفير مقوّمات الاستقرار في المنطقة الاستراتيجية المهمة، في ظل تنامي التهديدات الأمنية في الساحل والصحراء، وتزايد الحاجة إليه شريكا إقليميا يوازن بين متطلبات الأمن والتنمية. وفي المقابل، يُبرز القرار أيضا امتناع بعض الدول عن التصويت حدود التوافق الدولي حول القضية، ويعكس حرص القوى الفاعلة على تفادي التصعيد مع الجزائر، مع الحفاظ على المسار الأممي كإطار وحيد للتسوية.
وتُعدّ اللغة التي صيغ بها القرار ذات دلالة خاصة، إذ تخلو من أي إشارة صريحة إلى «تقرير المصير» بالصيغة التقليدية، مقابل تأكيدها المتكرر على «الواقعية» و«التوافق» وهو تطوّر دبلوماسي يعكس تحولاً في أولويات مجلس الأمن من دعم المواقف المبدئية إلى ترجيح الخيارات القابلة للتطبيق سياسياً وميدانياً. وبهذا يمكن اعتبار القرار خطوة إضافية في ترسيخ منظور جديد لتسوية النزاعات الإقليمية، تقوم على الواقعية والتدرج، لا على الشعارات الأيديولوجية أو الصيغ الجامدة.
وقد تباينت ردود الفعل حيال القرار بين الترحيب والتحفظ، بما يعكس طبيعة التوازنات الدقيقة داخل مجلس الأمن وخارجه. فقد رحّبت الولايات المتحدة وفرنسا بالقرار، مؤكدتين دعمهما المستمر للمقترح المغربي باعتباره «حلاً واقعياً وجاداً» ينسجم مع متطلبات الاستقرار الإقليمي. وتُعدّ الدولتان الركيزة الأساسية في تبنّي المقاربة الواقعية داخل المجلس، وهو ما يمنح المغرب دعماً سياسياً ومعنوياً يعزّز موقعه التفاوضي.
في المقابل، اتّسم موقف روسيا والصين بالتحفّظ، إذ امتنعتا عن التصويت مع تأكيدهما ضرورة التوصل إلى حل «توافقي ومتوازن» يضمن مصالح جميع الأطراف. ويعكس هذا الموقف رغبة البلدين في الحفاظ على قدر من الحياد، وتجنّب الاصطفاف في نزاع إقليمي قد يؤثر على علاقاتهما مع الجزائر من جهة، ومع الشركاء الغربيين من جهة أخرى.
وتبرز أهمية هذه المواقف الدولية في كونها تُعيد رسم خريطة الاصطفافات الدبلوماسية في شمال إفريقيا والساحل، حيث يميل ميزان التأييد تدريجياً لصالح الطرح المغربي. كما تُظهر طبيعة التفاعلات داخل مجلس الأمن، من حيث إن الإجماع الدولي حول المسار السياسي بدأ يتحوّل إلى قاعدة عمل، على الرغم من بقاء بعض الأصوات المعارضة أو المتحفظة.
رابعا: ما انعكاسات القرار على التوازنات الإقليمية ومسار النزاع؟
يأتي القرار الأممي في سياق إقليمي معقد، تتقاطع فيه أزمات الساحل الإفريقي، وتحوّلات ميزان القوى في شمال إفريقيا، وتزايد الانخراط الدولي في قضايا الأمن والتنمية بالمنطقة. هذا التداخل يجعل من قضية الصحراء أكثر من مجرد نزاع إقليمي، إذ تحوّلت إلى ساحة اختبار لتوازن المصالح بين الفاعلين الإقليميين والدوليين على حد سواء. إذ يعزز موقع المغرب الإقليمي بوصفه فاعلاً محورياً في معادلة الاستقرار غرب المتوسط، ويمنحه دعماً سياسياً وقبول دولي لتكريس مقترح الحكم الذاتي. كما يُتيح له تعزيز شراكاته الإفريقية والأوروبية استنادا إلى الواقعية والتنمية المشتركة بدلاً من الصراع الأيديولوجي.
في المقابل، يضع القرار الجزائر وجبهة البوليساريو أمام مأزق سياسي جديد، إذ يصعب على الأولى تبرير استمرار مواقفها الرافضة، في ظل تراجع التأييد الدولي لطرح الاستفتاء، بينما تجد الثانية نفسها معزولة دبلوماسياً مع تضاؤل الخيارات المتاحة أمامها. وهو أمر يُنذر بإعادة صياغة العلاقة بين المغرب والجزائر في إطار تنافسي أكثر منه تصادمي، خصوصاً إذا تمكّن المسار الأممي من استئناف المفاوضات المباشرة.
أما دول الساحل والصحراء، فتتابع القرار من زاوية تأثيره على أمن المنطقة ككل، خاصة أنه سوف يسهم استقرار الأقاليم الجنوبية للمغرب، والحد من تمدد الجماعات المسلحة زيادة التنسيق الإقليمي لمكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية. وهنا، يتقاطع البعد الأمني مع البعد الاقتصادي، إذ يفسح القرار المجال أمام مشاريع تنموية كبرى يمكن أن تُعيد ربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي عبر المغرب.
خامسا: ما المسارات المحتملة، بعد القرار الأممي؟
دشن قرار لمجلس الأمن مرحلة جديدة في قضية النزاع حول الصحراء، عنوانها الانتقال من مرحلة تثبيت المواقف إلى اختبار الإرادات السياسية. وفي ضوء توازنات المجلس والواقع الإقليمي الراهن. يمكن تحديد ثلاثة مسارات رئيسية محتملة لمستقبل هذا النزاع على المدى القريب والمتوسط.
  • المسار السياسي القائم على الحكم الذاتي (المرجَّح): وهو الأكثر واقعية في ضوء تزايد القبول الدولي بالمقترح المغربي، واستمرار دعم القوى الغربية الكبرى له باعتباره الإطار العملي الوحيد القابل للتنفيذومن شأن تجديد ولاية بعثة «المينورسو» وتأكيد مجلس الأمن على الواقعية والتوافق أن يوفرا قاعدة صلبة لاستئناف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة. إلا إن نجاح هذا المسار رهن بقدرة الرباط على توسيع دائرة الدعم الإفريقي والعربي لموقفها، وإقناع الأطراف المترددة، مثل الجزائر، بأن الحل السياسي يضمن مصالحها الأمنية، دون مساس بمكانتها الإقليمية.
  • الجمود المُدار واستمرار الوضع الراهن (السيناريو المحتمل): ورغم التقدم النسبي، يظل احتمال استمرار حالة «اللاحرب واللاسلم» قائمة، خاصة في ظل تشابك العوامل الإقليمية وضعف الثقة بين الأطراف. هذا السيناريو يعني تمديد ولاية «المينورسو» عاماً بعد آخر دون، تحقيق اختراق حقيقي، مع بقاء القضيةأداة ضغط متبادل بين المغرب والجزائر في سياقات أخرى، مثل قضايا الطاقة والأمن الحدودي. غير أن هذا الجمود، إذا طال أمده، سوف يجعل المنطقة أكثر عرضة للاختراقات الأمنية في ظل هشاشة الأوضاع الراهنة بمنطقة الساحل والصحراء.
  • عودة التوترات وتصاعد المواجهة السياسية، أو الميدانية (الأقل احتمالاً): يبقى احتمال التصعيد قائماً، خصوصاً إذا فشلت جهود المبعوث الأممي في إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا السيناريو يصطدم بجدار من الرفض الدولي لأي تصعيد مسلح، نظراً لتداعياته المحتملة على الأمن الإقليمي وعلى المصالح الأوروبية في غرب المتوسط. لذا، فإن أي عودة إلى المواجهة سوف تكون محدودة في الزمن والتأثير، ولن تغيّر المسار العام المتجه نحو الحل السياسي التدريجي.
في المحصلة، يُشير القرار الأممي إلى أن المجتمع الدولي حسم اتجاهه الاستراتيجي نحو مقاربة واقعية تجعل من الحكم الذاتي نقطة ارتكاز لأي تسوية مستقبلية، بينما تتراجع تدريجياً صلاحية الخطابات التقليدية القائمة على الاستفتاء والانفصال. وفي هذا الإطار، تبدو السنوات المقبلة بمثابة اختبار لقدرة الأطراف على التحول من إدارة الخلاف إلى بناء التوافق، بما يحفظ الاستقرار الإقليمي ويكرّس حضور المغرب كفاعل رئيسي في منظومة الأمن والتنمية في غرب المتوسط وإفريقيا.
ويمكن القول إن هذا القرار الأممي يؤكد أن الملف يدخل مرحلة جديدة من إعادة التشكيل السياسي والدبلوماسي، تتراجع فيها الطروحات القديمة لمصلحة مقاربة واقعية قائمة على الحكم الذاتي، باعتبارها الإطار الوحيد القادر على الجمع بين تطلعات السكان المحليين ومتطلبات الاستقرار الإقليمي.
خاصة أن مجلس الأمن تجاوز بقراره هذا لغة الحياد الموصوف إلى تبنّي مبدأ الواقعية والتدرّج، وهو ما يعكس إدراكاً متزايداً لدى المجتمع الدولي بأن استمرار الجمود لم يعد خياراً مقبولاً في ظل تصاعد المخاطر الأمنية والاقتصادية في منطقة الساحل والصحراء. بهذا المعنى، لم يعُد النزاع مجرد قضية حدودية أو سياسية، بل أصبح عاملاً مؤثراً في معادلات الأمن الإقليمي والتعاون الإفريقي الأوروبي.
كما أظهر أيضا أن ميزان القوى الدبلوماسي يميل بوضوح لصالح المغرب، نتيجة قدرته على بناء تحالفات مستدامة، ونجاحه في ربط قضيته الوطنية بأولويات الاستقرار والتنمية المشتركة. بينما، تواجه الجزائر وجبهة البوليساريو تحدّي التكيّف مع واقع سياسي جديد، تتراجع فيه قدرة الخطابات الأيديولوجية على التأثير أمام لغة المصالح والبراغماتية الدولية.
ومن ثم فإن المرحلة المقبلة ستكون اختباراً للإرادة السياسية أكثر من كونها جولة جديدة من المفاوضات، فإما أن يتحوّل القرار إلى نقطة انطلاق نحو تسوية واقعية دائمة، أو أن يُترك النزاع ليستمر تحت إدارة محدودة تُبقي المنطقة في دائرة التوترات المؤجلة. ومع ذلك، تظل المؤشرات الراهنة أميل إلى أن منطق التسوية منه إلى منطق التصعيد، وأن مقترح الحكم الذاتي بات يُنظر إليه دولياً باعتباره الحل الممكن.

اترك تعليقا