الرئيسية » الدراسات » الموقف الصيني من القضية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر

الموقف الصيني من القضية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر

الكاتب:

يستند الموقف الصيني الثابت تجاه القضية الفلسطينية، خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من تصعيد، إلى دوافع متعددة المستويات تعكس رؤية استراتيجية شاملة:

  1. المبادئ الثابتة في السياسة الخارجية: تستند الصين تقليدياً إلى مبادئ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وحق الشعوب في تقرير المصير. وتعتبر القضية الفلسطينية نموذجاً تاريخياً للصراع من أجل التحرر الوطني، مما يجعل دعمها جزءاً من نسيج سياستها الخارجية المبدئية.
  2. السعي لتعزيز الدور الدولي كوسيط عادل: تسعى الصين لتقديم نفسها كقوة عالمية فاعلة ومعتدلة في حل النزاعات الدولية، وترى في القضية الفلسطينية-الإسرائيلية فرصة لتعزيز هذا الدور من خلال طرح مبادرات سلام متوازنة والترويج للحلول السياسية.
  3. الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي: تدرك الصين أن استمرار الصراع في الشرق الأوسط يهدد الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي، بما في ذلك أمن الطاقة وخطوط التجارة العالمية الحيوية لمصالحها الاقتصادية.
  4. تعزيز التضامن العالمي الجنوبي-الجنوبي: تحافظ الصين على تقليد دعم قضايا التحرر الوطني في العالم النامي، ودعم القضية الفلسطينية يقوي تحالفاتها مع دول الجنوب العالمي ويعزز مكانتها كقائدة للعالم النامي.
  5. موازنة التأثيرات الجيوسياسية: في سياق التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، يمثل الموقف المستقل والمتوازن للصين تجاه الصراع وسيلة لتقديم نموذج دبلوماسي بديل، وإظهار اختلاف في النهج عن السياسات الغربية التي تراها منحازة.

ثالثا: تقييم السياسة الصينية

تُظهر السياسة الصينية تجاه القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر 2023م، اتساقاً استراتيجياً مع مبادئها التاريخية، حيث حافظت على دعمها الثابت لحل الدولتين كخيار سياسي وحيد، مع التأكيد المتجدد على الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.

من ناحية أخرى، تجلت مرونة تكتيكية ملحوظة في الاستجابة للواقع المتغير، عبر تكثيف الدبلوماسية الميدانية (كاستضافة المصالحة الفلسطينية) وتقديم مبادرات سياسية ملموسة (مثل الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام)، مما يعكس سعياً لتحويل المبدأ إلى فعل مؤثر.

على الصعيد الإنساني والدبلوماسي، نجحت السياسة الصينية في تعزيز صورتها كقوة معتدلة ومناصرة للعدالة، عبر الدعوة المتكررة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتقديم المساعدات العاجلة، وهو ما لاقى صداً إيجابياً في أوساط الرأي العام العربي والدولي الرافض للانحياز الأحادي.

لكن تواجه هذه السياسة تحديات جسيمة في التطبيق الفعلي، لا سيما في ظل استمرار الجمود السياسي وتعقيدات المشهد الإقليمي والقدرة المحدودة لأي طرف خارجي على إجبار الأطراف المتحاربة على قبول حلول سياسية في المدى القريب، مما يطرح تساؤلات حول فاعلية الأدوات الدبلوماسية الصينية الحالية.

في المحصلة، تمثل السياسة الصينية نهجاً طويل الأمد يركز على البناء المؤسسي (كتعزيز الوحدة الفلسطينية) وتعزيز التوافق الدولي حول الحل السياسي، أكثر من كونه تدخلاً آنياً لتغيير موازين القوى على الأرض، مما يضعها في موقع الوسيط الداعم للعملية السلمية أكثر من موقع الفاعل الحاسم في المعادلة الأمنية الراهنة. ولهذا يمكن تقييم الموقف الصيني كالتالي:

  • اتساق نسبي: حافظت الصين على موقف متسق إلى حد كبير يدعم الحقوق الفلسطينية، رغم تغير الظروف الإقليمية.
  • توازن دبلوماسي: حاولت الصين الحفاظ على علاقات مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، مع تأكيد دعمها للقضية الفلسطينية.
  • فعالية محدودة: على الرغم من النوايا يبقى تأثير الصين الفعلي في عملية السلام محدوداً مقارنة باللاعبين التقليديين.
  • تطور تدريجي: انتقل الموقف الصيني من الدعم السياسي التقليدي إلى محاولات أكثر نشاطاً للمشاركة في الوساطة والدبلوماسية.

مع الأخذ في الاعتبار أن التحديات المستقبلية في هذا الشأن يمكن أن يتمثل في الحفاظ على التوازن بين العلاقات مع إسرائيل والفلسطينيين، والقدرة على تحويل الدعم السياسي إلى تأثير ملموس على الأرض، والتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى.

 

اترك تعليقا