الرئيسية » الدراسات » عرض كتاب السياسة الحقيقية في القرن الأفريقي المال-الحرب وبيزنس السلطة «أليكس دي وال»

عرض كتاب السياسة الحقيقية في القرن الأفريقي المال-الحرب وبيزنس السلطة «أليكس دي وال»

بواسطة :

وعلى الرغم من أن معظم فصول الكتاب تتناول دراسة حالات منفصلة تركز على الدولة-الشعب، فإن «دي وال» يؤسس نظريته على تصور سياسة القرن الأفريقي على أنها «غابة من الأشجار» كل منها يمثل مركزا سياسيا للاحتضان والرعاية؛ وينتشر بدرجات متفاوتة ويعبر الحدود غالبا.
 وتخدم هذه الصورة، عند تجاوز مزية التحليل المعتادة للسياسة الرسمية بالمنطقة، مصطلحات الدولة، أو المؤسسات، والغرض الرسمي من عمليات التفاوض، وإعلانات «السلام». ويبرز بدلا منها المنطق المادي في المساومة بشأن أثمان الولاء في السوق السياسية. يستخدم الكتاب في هذا الجزء مفردات مألوفة لطلاب إدارة الأعمال، مقارنة بعالم السياسية. ويستمتع «دي وال» في تحطيم محفزات مديري بيزنس السياسية الذين يسعون إلى زيادة الإيرادات (الاحتضان والرعاية الخارجية والولاء المحلي) والحد من التكاليف (دفع أثمان شراء ذلك الولاء) أو تحقيق ولاء العميل عبر وضع مسميات وعلامات تجارية في صورة التحديات الشائعة أمام حائزي السلطة و/أو العنف المتوقع.
وبقول «دي وال» إن السوق السياسية ديناميكية بطبعتيها، وأن الأساس التقني-الاتصالي المتغير لعملياتها يزيد من المنافسة ويرفع سعر الولاء، مما يزيد من تسهيل وتحفيز دخول لاعبين جدد في الدوائر المتمردة، التي تبحث عن إيجار العنف منخفض الشدة المنتشر هنا. وأن هذا ليس مؤشرا على إخفاق هذا النظام ولكنه مكون جوهري له.
فالعنف في القرن الأفريقي يمثل وسيلة للمساومة، ويبرز نوايا وقدرات كبار اللاعبين بالسوق، والتي تتجسد غالبا في مؤتمرات «السلام» والتي لا تمثل سوى ساحات للمساومة بشأن تبادل الولاء عبر شبكات الرعاية الدولية والإقليمية والوطنية. وتمثل عوائد المعادن والهيدروكربونات محاور مهمة للصراع وتوزيع الغنائم. بينما يلعب التمويل الخارجي غير الشرعي، وتجارة الأسلحة الدولية و«الحرب العالمية على الإرهاب» والرعاية الأمنية من الغرب، أدوارا حاسمة ومؤثرة في تسيير ودعم المعاملات في هذه السوق والحفاظ على جميع «الميزانيات السياسية» لحائزي السلطة.
 وتتمتع رؤية «دي وال» بدعم من حكايات تقدم ميراثا من الخبرة والاتصال مع النخبة التي تمثل موضوعا لهذا الوسم العرقي السياسي. ضمن عمل السوق السياسية، ويمكن رسم أفراد عديدون بمستويات مختلفة من الدهاء والقدرة على فهم الظروف السياسية، وقد تكون الصورة مثيرة للاهتمام؛ إذا كامن هناك نية توضيح مدى تأثير الأفراد ذوي النفوذ في هذا السياق المادي. وهنا يتم تصوير «ميليس زيناوي» قائد المتمردين الذي أصبح ورئيسا لوزراء إثيوبيا، كمنظّر وممارس للسوق السياسية، وملتزم بالاستفادة من فهم لمخاطر في البحث عن أثمان الولاء؛ لتأسيس وضع قوي يمكنه من ممارسة صورة من صور الرعاية والاحتضان.
وأخيرا؛ أصبح القرن الأفريقي، الذي كان خاضعا في السابق لهيمنة ثلاثة دول هي السودان وإثيوبيا والصومال، منطقة تتكون بشكل أساسي من ست وحدات، إضافة إلى جنوب السودان واريتريا ودولة صوماليلاند ذات الحكم الذاتي. وأنه على الرغم من تعاظم الاستقلال السياسي، فقد استمر العنف الذي أحبط جهود المجتمع الدولي لبناء دول ديمقراطية. وأن معهد السلام الأمريكي انخرط، على مدار عقدين، في السودان والمنطقة عبر مساعدة الدول في كتابة دساتيرها، وتدريب العاملين على حفظ السلام، وتقديم المنح لتعزيز بناء السلام، ودعم تطوير المحللين وصناع السلام من أبناء المنطقة، مع منحهم فرصا لعرض الزمالات. وقد أشارت رئيس معهد السلام «نانسي ليندبورج» إلى أن التحدي الذي يواجه أهداف السياسية الخارجية الأمريكية يكمن بالدول الهشة مثل الصومال حيث تتجذّر الجماعات المسلحة مثل «حركة الشباب» والمجموعة المنبثقة عن «الدولة الإسلامية».
ويذكر «دي وال» أن مؤشرات السلام والاستقلال في القرن الأفريقي تتحدد صعودا وهبوطا وفقا للتمويل، مستشهدا بحالة السودان. ففي السبعينات من القرن الماضي، عندما ازدادت أموال القروض والمساعدات المقدمة إلى السودان بمقدار ثلاثة أضعاف، أصبح من الممكن لهذا البلد إبرام اتفاقية سلام أنهت الحرب الأهلية الأولى، وأدمجت الأحزاب الطائفية «لأن الكعكة كانت كبيرة» ولكن عندما تقلصت الميزانية، تمت الإطاحة بالرئيس «جعفر النميري»
منذ أواسط الثمانيات في القرن الماضي، وحتى عام 1999م، اعتمد السودان على ميزانية سنوية أقل من 1 مليار دولار، مما ضاعف من العنف. وعند اكتشاف البترول في أواخر التسعينات من القرض الماضي، قفز حجم الإنفاق السنوي إلى 12 مليار دولار خلال ست سنوات. ويذكر «دي وال» أن هذا ما جعل اتفاقية السلام الشاملة واتفاقية السلام في شرق السودان ممكنة، ومنذ انخفاض إيرادات البترول في آخر سنة ونصف، ظهرت مرة أخرى الأنماط القديمة للتمويل السياسي؛ فأصحاب الإسلام السياسي كانوا يحصلون على مساعدات مباشرة من المملكة العربية السعودية.