خطة ترامب لغزّة في ضوء القانون الدولي والمتغيرات السياسية
الكاتب:
على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي بدأت في 9 سبتمبر 2025م، برزت مبادرة أخرى للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للسلام، وسط تطورات إقليمية ودولية متسارعة، وتزايد الاعترافات الدولية المتتالية بدولة فلسطين أضفت بدورها بعدًا عالميا جديدًا على القضية الفلسطينية.
وهي مبادرة أخرى، غير التي سبق وأعلن عنها الرئيس ترامب، في 4 فبراير الماضي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بالبيت الأبيض، وكان ومفادها أن الولايات المتحدة سوف تتولى «امتلاك» غزة، وأن بعض سكانها قد يُعاد توطينهم مؤقتًا خارج القطاع وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا؛ نظرا لأنه عكس مستوى من الطموح يتجاوز مجرد «الإدارة المؤقتة» إلى «السيطرة الفعلية» (Ownership) كما ُشكّل الأساس الذي انطلقت منه البنود التفصيلية للمبادرة التي نحن بصددها
وتحاول هذه الورقة فهم دوافع الولايات المتحدة لإعادة طرح مبادرة تسوية في هذا التوقيت، وما إذا كانت تمثل تحوّلاً في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، أم أنها مجرد إعادة إنتاج لمقاربات سابقة، بصياغات جديدة. كما تسعى إلى تسليط الضوء على انعكاساتها على طرفي الصراع، ومدى استعدادهما للقبول بها، أو الالتزام ببنودها المقترحة. خاصة أن هذه المبادرة تمثل نقطة أخرى لفهم ديناميكيات الصراع الراهن، من منظور الجدوى القانونية، والتوازنات الإقليمية، والتأثيرات المحتملة على الوضع الفلسطيني ـ الإسرائيلي
وسوف تسعى للإجابة عن التساؤلات الأساسية التالية:
ما هي الأهداف التي يسعى إليها ترامب من خلال هذه المبادرة؟
إلى أي مدى يمكن أن تغيّر الاعترافات الدولية المتزامنة مع إطلاق المبادرة من موازين القوة؟
هل تلتزم إسرائيل فعلياً بالخطة الأمريكية الجديدة، أم ستتعامل معها كأداة لإدارة الصراع دون حله؟
ما هي الفرص والقيود القانونية والدبلوماسية التي تحيط بهذه المبادرة؟
بداية، يتطلب تحليل «مبادرة» أو «خطة» ترامب بشأن فلسطين، تأسيسًا مفاهيميًا ونظريًا يتيح قراءة معمقة لأبعادها المختلفة؛ إذ لا تزال مسألة «السيادة» عالقة بين مطلب الاعتراف الكامل بحق فلسطين في دولة مستقلة ذات سيادة، وبين الواقع الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى تقليص هذا الحق. الأمر الذي يجعل «السيادة» الفلسطينية منقوصة ومرتبطة في معظم جوانبها بالإرادة الخارجية.
إضافة إلى أنه يتقاطع أيضا مع مفهوم «الوكالة» الذي يشير إلى قدرة الفاعل السياسي على اتخاذ قراره المستقل. وبالتالي سوف يجد الفلسطينيون أنفسهم في موضع تتنازع فيه هذه «الوكالة» بين الاحتلال من جهة، والضغط الدولي من جهة أخرى، على نحو يضعف من استقلالية قرارهم. ولعل في ذلك تلميح إلى إمكانية فرض «وصاية» أو إدارة دولية على غزة. وهو ما يثير بدوره جدلاً دوليا واسعًا، خاصة أنه يعيد إلى الأذهان تجارب «الانتداب» من الماضي، والتي أفضت إلى تكريس الصراع بدلا عن وضع حلول لفضه.
كما يثبت مفهوم «إعادة الإعمار» الوارد بخطة ترامب بشأن غزة، أنه سيظل رهنا بحسابات سياسية وأمنية أكثر من كون استجابة إنسانية، وهو ما يجعل الإعمار أداة للضغط السياسي لا وسيلة للتنمية المستدامة.
كذلك يشكل «التهجير» القسري للشعب الفلسطيني خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني، ويطرح تساؤلات حول ضمانات حقوقه المشروعة في ظل غيبة التسوية العادلة المرتبطة بمفهوم «الشرعية الدولية» المستندة إلى القانون الدولي والقرارات الأممية، باعتبارها المرجعية القانونية في المطالبة بحقه في تقرير مصيره.
ومن المعروف أن القانون الدولي الإنساني يفرض التزامات واضحة بحماية المدنيين، كما يضمن حقوق الإنسان الأساسية حتى في حالات الطوارئ. فضلاً عن قرارات الأمم المتحدة، مثل القرار 242 لعام 1967م والقرار 2334 لعام 2016م، التي تدين الممارسات الاستيطانية([xii]). إضافة غلى أن رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري لعام 2004م، بشأن الجدار الفاصل، يؤكد أن غزة والضفة الغربية تظلان أراضا محتلة، وأن التزامات إسرائيل لا يمكن التحلل منها تحت أي ذريعة.
أولا: ما الخطة المقترحة؟
عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عناصر الخطة الأساسية، بشأن القضية الفلسطينية وتسوية ملف غزة، خلال الاجتماع عقده مع عدد من القادة العرب والمسلمين، وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية، منها صحيفة (The Times of Israel) التي ذكرت أن الخطة المقترحة تتألّف من 21 بندًا أساسية تتضمن ما يلي:
.
.
متابعة القراءة
2 تعليقات
تحليل اكثر من رائع تحياتي بروفيسور
AMAZING