استراتيجية الاستثمارات المغربية في أفريقيا
بواسطة :
نجح المغرب، بفضل رؤيته الاستراتيجية في مد جسور التواصل مع الدول الإفريقية وإعادة التموقع بمنطقة جنوب الصحراء، خاصة بعد التجاوب الذي حظي به الدعم القوي الذي قدمه لدولة مالي، إضافة إلى الدور الذي يلعبه في حماية الاستقرار بالشمال الإفريقي ومكافحة الإرهاب.
ويوجه المغرب حوالي ثلثي استثماراته الخارجية إلى القارة الأفريقية؛ مما يجعله أول مستثمر إفريقي بمنطقة غرب ووسط افريقيا. وتقف وراء هذا أسباب موضوعية ودوافع سياسية تخص عودة المغرب إلى كيانه الإفريقي واهتمامه بأولوية الحضور الفاعل الذي تمليه المصلحة المشتركة. وهو ما يلقى قبولاً أفريقيا؛ ساعد في نجاح القطاع الخاص والعام المغربي، في غضون السنوات الأخيرة، في الاستحواذ على21 بنكًا إفريقيًا، و4 شركات للاتصالات، بما يقارب 30 مليون مستعمِل للهاتف النقال. إضافة إلى الحضور في 13 دولة في قطاع التأمين، والحضور في قطاع استخراج الذهب والنحاس والكوبالت في 6 دول. ناهيك عن وجود 930 مقاولة مغربية حاضرة في السوق الإفريقية.([1])
متابعة القراءة
ولا شك أن هذا الحضور الاقتصادي بالقارة، يندرج في أفق بناء علاقات استراتيجية بينية إفريقية، ضمن أهم مميزاتها الارتكاز على العلاقات الثلاثية، والتي تحاول في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب جعل المغرب محور التقاء للعلاقات الاقتصادية بين القارة والشركاء الأوروبيين والشركاء العرب خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي، وربما أيضًا مع بعض الشركاء في الشرق الآسيوي.
والحقيقة أن انفتاح المغرب على إفريقيا لا يعد أمرًا جديدًا، فقد كان من بين الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية، عام 1963م، بل إن المؤتمر الذي شكَّل النواة الأولى لتكوين تلك المنظمة عُقد بالدار البيضاء عام 1961م، كما كون المغرب علاقات وطيدة مع عدد من الدول الإفريقية، مثل السنغال والغابون وغينيا، إضافة إلى علاقات التعاون المتميزة مع دولة الكونغو الديمقراطية – زائير سابقا – والتي بلغت درجة أن أرسل قوات عسكرية لدعم نظام «موبوتو سيسي سيكو» (Mobutu Sese Seko) في 1977 و1978م، أما على المستوى الثقافي، فقد استضاف آلافا من الطلاب الأفارقة للدراسة في جامعاته منذ الثمانينات. إضافة إلى انتشار الطريقة «التيجانية» الصوفية، ذات النشأة المغربية، في أغلب دول غرب إفريقيا([1]).
أما الجديد في الانفتاح المغربي على إفريقيا، فيتمثل في حجم هذا الانفتاح وتمركزه حول الجوانب الاقتصادية، ففي الفترة بين العامين 2000-2015م، نما التبادل التجاري بين المغرب ودول جنوب الصحراء بمعدل 12.8% سنويا، ووصلت عوائد المغرب من هذا التبادل حوالي مليار دولار سنويًّا([2])
إن نظرة فاحصة لطبيعة الاستثمارات المغربية في إفريقيا كفيلة بتوضيح تغير مهم في نوعيتها؛ ففي 2011م، بلغت نسبة هذه الاستثمارات في قطاع الصناعة 22%، و9% بقطاع الاتصالات، و2% بقطاع العقارات. ثم قفزت نسبة استثمارات في الاتصالات والعقارات، عام 2015م، إلى 21% و11% على التوالي، بينما تقلصت في قطاع الصناعة إلى 12%. لكن القطاع الوحيد الذي كان ولا يزال يحتفظ بالنصيب الأكبر في الاستثمارات المغربية هو قطاع البنوك، الذي بلغت نسبته 44% من جملة استثمارات 2011 و41% في 2015م، ثم قفزت هذه النسبة إلى 78% عام 2017م.
أولا: الاستثمار في البنوك الأفريقية:
بحسب التقرير الصادر عن الوكالة الفرنسية للتنمية ووزارة الشؤون الاقتصادية والمالية، فإن القطاع البنكي وقطاع الاتصالات، وبسبب الإصلاحات المبكرة التي قام بها المغرب في هذين القطاعين خلال تسعينات القرن الماضي، يحظيان بالنصيب الأكبر في الاستثمارات المغربية بإفريقيا. وبالنظر إلى متوسط نسبة هذين القطاعين في الفترة من عام 2007 وحتى 2017م، سنجد أن متوسط نسبة القطاع البنكي بلغ 53% من جملة الاستثمارات المغربية إفريقيا. بينما بلغ متوسط نسبة قطاع الاتصالات 17%، وفي المقابل كان متوسط قطاع الصناعة 11% في هذه المدة([3]).
ولا شك أن البنوك المغربية استفادت من التشابه اللغوي والديني مع دول غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية (الدول الفرانكفونية) وبنت لنفسها حضورًا بارزًا في الجانب الاقتصادي فتمكنت أكبر ثلاثة بنوك مغربية: «التجاري وفا بنك» و«البنك المغربي للتجارة الخارجية» و«البنك الشعبي المركزي» من الاستحواذ على معظم القطاع المصرفي في منطقة غرب إفريقيا، وتسعى لتوسيع وتحفيز الاستثمارات المغربية فيها. خاصة أن «التجاري وفا بنك» يمتلك فروعًا في 13 دولة إفريقية، بينما يمتلك «البنك المغربي للتجارة الخارجية» شبكة تتضمن 19 فرعًا في كل دول المنطقة([4])ونجح في نوفمبر 2015م، في الاستحواذ على «بنك إفريقيا» (Bank of Africa) بكل فروعه حول إفريقيا بعد أن اشترى 73% من رأس ماله([5]).
لم تكتف هذه البنوك بالعمل في غرب ووسط إفريقيا، بل سعت للتوسع في بقية دول القارة. فتمكن «التجاري وفا بنك» في 2017م، بشراء «بنك باركليز» (Barclays) في مصر، وهو ما كان يعد خروجًا عن المألوف في سياسة البنوك المغربية بتركيز استثماراتها في دول غرب ووسط إفريقيا. بينما يخطط «التجاري وفا بنك» للتوسع في دول جديدة بشرق وشمال إفريقيا، خلال الأعوام المقبلة. وتتضمن خطته المبدئية شراء بنوك في رواندا وكينيا وإثيوبيا، بل إن هدفه الاستراتيجي هو «شراء كل البنوك المُصنَّفة ضمن أول خمسة بنوك في كل سوق تجارية في القارة»([6]).وعلى خطى «التجاري وفا بنك» بدأ عدد من البنوك الأخرى بشراء المؤسسات البنكية في جزيرتي «موريشيوس» و«مدغشقر» مثل «البنك الشعبي المركزي» ثاني أكبر بنك في المغرب بعد «التجاري وفا بنك» الذي يمتلك خططًا توسعية بدول شرق إفريقيا مثل رواندا وكينيا وإثيوبيا.([7])
وفي هذا الإطار، نجحت شركات التأمين المغربية في توسيع استثماراتها بمنطقة شرق إفريقيا، فمثلًا نجحت «مجموعة سهام للتأمين» التي تعمل في 10 دول إفريقية، أغلبها في غرب ووسط القارة منذ 2010م، في الاستحواذ على «شركة كونتيننتال لإعادة التأمين» (Continental Reinsurance Plc) عام 2015م، في نيجيريا([8])، ثم بدأت في ضخ استثمارات كبيرة بقطاع التأمين في كل من موريشيوس وأنغولا ورواندا([9]).
تقوم هذه البنوك والمؤسسات المالية بدراسة الفرص الاستثمارية في كل الأسواق الإفريقية التي تدخلها، وتحليل الفاعلين والمؤثرين فيها، ومن ثم تتولى دور المستكشف الذي يمهد للشركات المغربية الطريق قبل الولوج فيه. ثم تقوم لاحقًا بدور الداعم والضامن لتلك الشركات عندما تدخل الأسواق الإفريقية. وبالتالي، فإن هذه البنوك تمثِّل القيادة الموجِّهة للاستثمارات المغربية في القارة الإفريقية، إضافة إلى كونها كانت، ولا تزال، تمتلك النصيب الأكبر في تلك الاستثمارات.
ومن بين العوامل التي سهَّلت على البنوك المغربية انتشارها الكبير بإفريقيا، الزيادة الكبيرة التي شهدتها استثمارات قطاع الاتصالات بالقارة، التي قفزت من 9% من جملة الاستثمارات المغربية بأفريقيا، في2011م إلى 21% في عام 2015م، كما هو موضح في الجدول رقم (2)، وبالتالي، فليس من المستغرب أن يصل عدد مستخدمي شرائح شركة الاتصالات المغربية إلى 60 مليون في العام 2018، بعد نسبة زيادة 9.7% من عدد المشتركين في العام 2017([10]).
ثانيا: الاستثمار بالمشاريع الإقليمية:
الانضمام لمنطقة التبادل الحر القارية: كان عام 2019م، مميزا بدخول اتفاقية إحداث منطقة التجارة الحرة الإفريقية([11]) والذي يعد أبرز نقطة في جدول أعمال القمة الاستثنائية العاشرة للاتحاد الإفريقي التي افتتحت أشغالها بالعاصمة الرواندية «كيغالي» في 21 مارس 2018م، ودخلت حيز التنفيذ في 30 مايو 2019م، التي وقع عليها المغرب، وصادق عليها في 25 يونيو 2019م
إن هذه الاتفاقية واعدة بالنسبة للمغرب، بحكم أن العلاقة المتينة التي تجمعه مع عدة دول افريقية وهي الوحيدة التي في صالح المغرب. بالتالي فإنه يعول عليها بحكم تموقعه في القارة، مما سيمكنه من الدخول إلى أسواق استهلاكية جديدة وكبيرة قوامها 55 دولة افريقية، بها مليار و200 مليون نسمة.
ولطالما عبر المغرب عن تموقعه الجيوسياسي بالقارة عن طريق عودته مرة أخرى إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، وسعيه للانضمام إلى منظمة دول غرب إفريقيا، وتوقيعه اتفاقيات كبيرة، منها اتفاقية الربط القاري بأنبوب الغاز. على نحو سوف يعزز فرصه ضمن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية. كما أنه ليس بمقدورنا أن نغفل التحديات التي تواجه ما يطمح إليه المغرب في القارة الأفريقية، لأن هذه التحديات يكون فيها رهان رابح – رابح، بالتالي فإنه سوف يدخل أسواق جديدة مما سيكون له وقع على التوازنات الاقتصادية الحالية التي يحافظ عليها المغرب في علاقته مع شركائه التقليدين وشركائه الأفارقة.
من الناحية الجيوستراتيجية يعد هذا الاتفاق نقطة مهمة لخدمة مصالح المغرب العليا على رأسها القضية الوطنية. كما أنه سوف يكون له وقع سلبي إذا لم يتم التعامل معه بشكل إيجابي من طرف الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين، خاصة أن هناك تجارب سابقة في هذا الجانب. ومن ثم لا يمكن للمنظومة الاقتصادية البقاء على ما هي عليه وعدم التأقلم مع المتغيرات. خاصة أن هذه الاتفاقية تحتم على أي فاعل اقتصادي مغربي أن يدرك جيدا أن السوق الإفريقية فيها لاعبين كبار مثل جنوب إفريقيا ونيجريا، التي لها اقتصاديات صاعدة وهذه الدول ومن المحتمل أن تطرح تحديات على المغرب.
مشروع اتفاقية أنبوب الغاز بين نيجريا والمغرب: بعقد اتفاقية مع نيجيريا في مشروع أنبوب الغاز([12]) يتم بموجبها إنشاء أنبوب بين نيجيريا والمغرب على أن يمتد إلى أوروبا، حيث سيمر من حوالي 13 دولة من دول غرب إفريقيا. وسوف تحدد الدراسات إن كان سيمر برا أم بحرا. وهو المشروع الذي يرجى منه تحقيق الاكتفاء في الطاقة للدول التي سيمر منها، مقابل ذلك سيقوم المغرب بتزويد نيجيريا ودول غرب إفريقيا بحاجياتها من الأسمدة وغيرها من التقنيات الفلاحية. كما أن المشروع سوف يكون له دور في فك الضغط الذي تفرضه روسيا على أوروبا بوصفها المزود الرئيسي لأوروبا من الغاز الطبيعي.
ويمتد أنبوب الغاز العملاق حوالي خمسة آلاف كلم وهو بمثابة امتداد لخط غاز غرب إفريقيا، الذي يربط نيجيريا بغانا، مرورا بدولتي بنين وتوجو، منذ عام 2010م، وقد تم التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية هذه خلال الزيارة الملكية لنيجيريا يومي 2و3 ديسمبر2016م، بين كل من الصندوق السيادي المغربي «إثمار كابيتال» وهيئة الاستثمار السيادية النيجيرية، وهو المشروع الذي لازال يحدث جدلا بين متفائل ومتشائم حول إمكانية إنجازه. كما أن الإعلان الرسمي عن المسار الذي سيمر منه خط أنبوب الغاز لم يتم بعد، غير أن قرار مروره عبر الساحل البحري سوف يكلف 20 مليار دولار.([13])
الانضمام لمبادرة الشراكة مع افريقيا: تم إطلاق مبادرة الشراكة مع إفريقيا (Compact with Africa) عام 2017م، في اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنك المركزي لمجموعة العشرين في بادن بألمانيا، من أجل تشجيع الاستثمار الخاص في إفريقيا. وتقوم هذه المبادرة على مبدأ أن استقرار الاقتصاد الكلي، وبيئة مواتية للأعمال، ووساطة فعالة للقطاع المالي هي شروط ضرورية لتحفيز الاستثمار الخاص.
وقد تم اختيار المغرب ضمن مجموعة أولى مكونة من سبعة بلدان (كوت ديفوار وإثيوبيا وغانا والسنغال والمغرب ورواندا وتونس) وأصبح عددها اليوم 12 دولة. وجاء اختيار هذه الدول بناء على معايير محددة
المعيار الأول: الاستقرار الاقتصادي الشامل، وقد بذل المغرب جهودا جبارة في السنوات الأخيرة من أجل إعادة التوازن المالي، والتحكم في العجز والديون وتعزيز النمو.
المعيار الثاني يتعلق بمناخ الأعمال مؤكدا أن المغرب حقق خطوة هامة في هذا المجال حيث تم تصنيفه في السنة الجارية من قبل مؤسسة للبنك الدولي (دوين بيزنس)، في المرتبة 68، وربح 100 مركز ما بين 2009 و2016م، ويطمح إلى أن يصبح ضمن ال 50 دولة الأولى في العالم في مجال تيسير الأعمال في أفق 2020م.
المعيار الثالث، يتعلق بالنظام المالي بشكل عام والذي حقق فيه المغرب نقلة إلى الأمام. وأن كل هذه الإنجازات عززت جاذبية المغرب ومكنت من تعزيز صمود اقتصاده.([14])
المبادرة الملكية الأطلسية في تنمية افريقيا: طرح الملك محمد السادس مبادرة أطلسية افريقية خلال توجيهه للخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء بتاريخ 06 نوفمبر 2023م، تهدف الى تحقيق ما يلي:
أ- اعتبار الواجهـة الأطلسـية بوابـة المغـرب نحـو إفريقيـا ونافـذة انفتاحـه علـى العالـم الأمريكـي.
ب- تحويـل الواجهـة الأطلسـية إلـى مسـاحة للتواصـل الإنسـاني، والتكامـل الاقتصـادي، ومنـارة للتأثيـر علـى المسـتويين القـاري والدولـي.
ج-تسهيل الاتصـال بيـن مختلـف دول السـاحل الأطلسـي، وتوفيـر وسـائل النقـل والمحطـات اللوجسـتية اللازمـة، بالإضافـة إلـى التخطيط لإنشـاء أسـطول بحري تجاري وطني قـوي وتنافسـي.
د- الاسـتمرار فـي العمل نحـو تطوير اقتصادي بحري يعـزز مـن تنمية المنطقة ويخدم سـكانها.
ه- إقامـة اقتصـاد متكامـل يسـتند إلـى تطويـر اسـتخراج المـوارد الطبيعيـة فـي أعمـاق البحـار وتعزيـز الاسـتثمار فـي مجـالات الصيـد البحـري وتحليـة ميـاه البحـر وتعزيـز الزراعـة وتقويـة الاقتصـاد الأزرق ودعـم الطاقـة المتجـددة.
و- الدعـوة إلـى تبنـي اسـتراتيجية خاصـة بالسـياحة الأطلسـية تسـتغل إمكانيـات المنطقـة وتحويلهـا إلـى وجهـة سـياحية بـارزة للسـياحة الشـاطئية والصحراويـة.