واقع التنظيمات الارهابية والتنافس الدولي بمنطقة الساحل والصحراء الافريقية
بواسطة :
المشكلة البحثية:
حاول البحث تحليل واقع التنظيمات والجماعات الإرهابية وأنشطتها بمنطقة الساحل الأفريقي والجهود الإقليمية والدولية لإعادة الاستقرار للمنطقة، ولهذا فإن الإشكالية تتعلق بتأثير الأنشطة الإرهابية على الاستقرار السياسي لدول المنطقة ارتباطاً بالتنافس الدولي للسيطرة على مقدرات تلك الدول.
أهداف البحث:
1- محاولة فهم وتحليل واقع التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الافريقي.
2- محاولة رصد مدى تأثير التنافس الدولي بمنطقة الساحل الافريقي على الاستقرار الأمني والسياسي.
تساؤلات البحث:
يكمن التساؤل الرئيسي في: مـا واقع التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الافريقي وتأثير الدول الكبرى على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية بها؟
وينبثق من التساؤل الرئيسي عدة تساؤلات فرعية تتمثل في الآتي:
1- ما الوضع الراهن للتنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الافريقي؟
2- كيف تؤثر الأنشطة الإرهابية على الاستقرار السياسي والامني في منطقة الساحل الافريقي؟
3- ما تأثير التدخلات الدولية على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني بدول الساحل الافريقي؟
منهج البحث:
تفرض طبيعة الموضوع والمشكلة البحثية للبحث الاعتماد على التكامل المنهجي فكون البحث يعنى بتحليل الواقع الراهن للتنظيمات الارهابية فقد روعي استخدام المنهج الوصفي، ونتيجة لارتباط البحث بتحليل العلاقات الدولية ضمن الأطر الدولية والإقليمية فأصبح من الضروري استخدام منهج تحليل النظم.
تقسيم البحث:
تتناول الورقة البحثية الواقع الراهن للتنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الافريقي، وذلك من خلال ثلاثة مطالب تتمثل في:
– المطلب الأول: الوضع الراهن بمنطقة الساحل الأفريقي.
– المطلب الثاني: الأنشطة الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء.
– المطلب الثالث: التنافس الدولي في منطقة الساحل الأفريقي.
الوضع الراهن بمنطقة الساحل الأفريقي
شهدت منطقة الساحل الافريقي ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والأمني وتنامي الصراع على الموارد الطبيعية، وتزايد دور التنظيمات المتخصصة في الجريمة المنظمة (الاتجار في السلاح وتجارة المخدرات والاتجار في البشر) وتصاعد أنشطة الحركات والتنظيمات الإرهابية والذي كان أحد العوامل الرئيسية لتأجيج الصراع والتسبب في خسائر بشرية واقتصادية فادحة، وانتشار للعنف من مالي إلى النيجر وبوركينافاسو. وللوقوف على واقع التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، سيتم تناولها كما يلي:
1. حركة أنصار الدين:
تأسست عام 2012م، وصنفتها الخارجية الأمريكية جماعة إرهابية في 22 مارس 2013م، وتتخذ من مالي مقراً لها، منذ الانقلاب العسكري عام 2012م، وتعتبر الحركة نفسها الممثل الرسمي باسم أبناء منطقة شمال مالي، الذين يعانون التهميش والإقصاء على كل المستويات؛ نتيجة لسياسات النخب الحاكمة الخاطئة والتفريط في ثروات البلاد، لذا فإنها تتبنى سياسات للإصلاح عبر التنمية ومعالجة الأزمات الناجمة عن فشل الحكومات المتعاقبة، كما تتبنى تطبيق الشريعة الإسلامية في أماكن نفوذها. وقامت بتدمير المواقع ذات التراث العالمي المصنفة من اليونسكو، وأجبرت السكان على الدخول في الإسلام والالتزام بالشريعة في مناطق نفوذها. ويتزعم الحركة «إياد أغ غالى» الملقب بأسد الصحراء وهو منحدر من مدينة «كيدال» وينتمي لقبيلة «إيفور» وهو الزعيم السياسي والفكري للحركة ( ).
خلال عام 2013م، بدأت فرنسا وحلفائها تنفيذ عدد من العمليات العسكرية في شمال مالي ضد حركة أنصار الدين والحركات الإرهابية، والتي أدت إلى إخراج الحركة من مناطق سيطرتها ولكن ظل زعيم الحركة حراً وظهر في عدد من الفيديوهات عام 2016م، ليهدد فرنسا وبعثة الأمم المتحدة (مينوسما)
في عام 2017م، انضم كل من فرع الصحراء لـ «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«جماعة أنصار الدين» وجماعة «المرابطون» و«جبهة تحرير ماسينا» وشكلت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» ( )
في عام 2012م، تلقت الجماعة دعما من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لتوسيع نطاق عملياتها ضد القوات الحكومية المالية ونجحت في الاستيلاء على عدد من المدن، وشاركت متمردي الطوارق في قتل 85 جنديا وخطف 30 فردا من الجيش المالي ( ) وقد قام الجيش الفرنسي بالتدخل في منطقة شمال مالي، عام 2013م، بذريعة ارتكاب الجماعة عمليات قتل وتعذيب للمواطنين الماليين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، وهو ما أضعف الجماعة. وتعد الفترة من 2015 إلى 2017م، من أعلى معدلات نشاط الجماعة، إذ نفذت عددا من الهجمات ضد قوات الأمم المتحدة، والقوات الفرنسية وعناصر الجيش المالي، ولم تعلن الجماعة مسئوليتها على أيه هجمات خلال عامي 2021 – 2022م( ) ويعتمد تمويل الجماعة على الدعم الذي تتلقاه من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي كما تستقبل الدعم من عدد من المانحين الأجانب وعائدات عمليات التهريب .
2. جماعة بوكوحرام:
تأسست عام 1995م، على يد أول أمير للجماعة وهو «محمد يوسف» ويطلق عليها جماعة أهل السنة والجهاد وتعرف باللغة «الهوسا» باسم بوكوحرام «التعليم الغربي حرام» وهي جماعة نيجيرية مسلحة، وتدعى العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا. وترجح غالبية وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بدايات ظهورها إلى عام 2002م، وتعتبر أن كل ما هو غربي يعد منافياً للإسلام. وصنفتها وزارة الخارجية الامريكية جماعة إرهابية في 14نوفمبر 2013م، وهي مسئولة عن العديد من العمليات الإرهابية بالمناطق الشمالية الشرقية لنيجيريا. بالإضافة لمنطقة حوض بحيرة تشاد بالكاميرون وتشاد والنيجر وتسببت في قتل الالاف منذ عام 2009م ( ).
وقد بايعت بوكوحرام تنظيم الدولة الإسلامية، عام 2015م، وبدأت تطلق على نفسها «داعش غرب أفريقيا» وتنشط الجماعة في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي يسهل اختراقها لاستهداف المدنيين والعسكريين في شمال شرق نيجيريا وشمال الكاميرون وأجزاء من تشاد والنيجر ونجحت الجماعة في تجنب ضغط القوات الحكومية وقوة المهام الإقليمية المشتركة متعددة الجنسيات ( ).
وتتمركز في الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، وتعتمد في تمويلها إلى حد كبير على التمويل الذاتي من خلال الأنشطة الإجرامية مثل النهب والابتزاز والاختطاف مقابل فدية والسطو المسلح على البنوك.
3. تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي:
يعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبرز وأقدم تنظيم إرهابي بهذه المنطقة، وقد انبثقت عنه الجماعة السلفية للدعوة والقتال، والتي أعلنت انضمامها لتنظيم القاعدة، عام 2006م، وأعلن الجزائري «يحي أبو الهمام» في 27 يونيو 2007م، تأسيس تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» رسمياً، واتخذ منطقة الساحل الأفريقي مسرحا لعملياته؛ مستغلاً الفراغ الأمني والسياسي بالمنطقة وصعوبة سيطرة القوات الحكومية أو القيادات السياسية باعتبارها منطقة صحراوية ممتدة الأطراف ( ).
وقد صنفت الخارجية الأمريكية «الجماعة السلفية للدعوة» والقتال منظمة إرهابية، في 27 مارس 2002م، وتم تعديل التصنيف، عام 2008م، بعد انضمام الجماعة رسمياً لتنظيم القاعدة، في 2006م، واتخاذها اسم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» اسما رسميا لها. وتطمح إلى قلب أنظمة الحكم الأفريقية وإقامة دولة إسلامية. وبعد مقتل زعيمها «عبد المالك دروكدال» في 2020م، على يد القوات الفرنسية، اختارت الجماعة «أبو عبيدة يوسف العنابي» خلفاً له ( ).
من أبرز أنشطتها الإرهابية، تفجير مقر الأمم المتحدة، عام 2007 م، بالجزائر وقتل 60 شخصا. وتمكنت القوات الحكومية والدولية من احتواء القيادة الشمالية لعناصر تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بمنطقة شمال شرق الجزائر، وركزت كتائبه الجنوبية على أعمال الاختطاف مقابل فدية ( ).
4. جماعة نصرة الإسلام والمسلمين:
هي حركة جهادية سلفية تابعة لتنظيم القاعدة وتنشط في منطقة الساحل الأفريقي وتستهدف القوات الدولية والحكومية، وتأسست في مارس 2017م، وذلك باندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل هي: «أنصار الدين» و«كتائب ماسينا» و«كتيبة المرابطون» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» التي تمتلك خبرات عالية في تنفيذ عمليات قتالية إرهابية بالمنطقة. وتم اختيار أمير جماعة أنصار الدين المالية «إياد أغ غالى» أميرا للجماعة الجديدة، والذي أعلن فور تشكيلها مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة «أيمن الظواهري» وأمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي «أبو مصعب عبد الودود» وأمير حركة طالبان الأفغانية «الملا هيبة الله» ( ) وقدرت المخابرات الفرنسية، في ديسمبر 2017م، عدد أفراد هذه الجماعة بحوالي 500 فرد، بينما قدرته الاستخبارات الامريكية، في 2022م، ما بين 1000 و2000 مقاتل. وجدير بالذكر أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تأسست بعد أقل من شهر من قرار دول الساحل الخمس (مالي وتشاد والنيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو) تأسيس قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الإرهاب بالمنطقة تحت مسمى ««G5 Sahel ( ).
يهدف هذا التنظيم الى تعزيز نفوذه بمنطقة الساحل والصحراء من خلال تنفيذ عمليات نوعية ضد القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب وفي مقدمتها القوات الفرنسية والدولية والتي بدأت عملياتها اعتبارا من أوائل 2013م، ضد العناصر الإرهابية في شمال مالي، ويمثل تأسيس الجماعة رسالة من تنظيم القاعدة إلى منافسه التقليدي تنظيم الدولة الإسلامية مفادها أنه مازال موجوداً في ساحة القتال، وتم تصنيفها على أنها منظمة إرهابية في 6 سبتمبر 2018م، وفي عام 2021م، أعلنت الجماعة مسئوليتها عن العديد من الهجمات على القوات الحكومية والقوات الدولية التابعة للأمم المتحدة( ).
الأنشطة الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء
شهدت منطقة الساحل تزايد معدلات العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات والتنظيمات الإرهابية بمعدل أربعة أضعاف مما كانت عليه عام 2019م، حتى وصل إجمالي تلك العمليات خلال عام 2022م، حوالي 2800 عملية. ويمثل ضعف العمليات الإرهابية التي نفذت، خلال عام 2021م، واتسمت هذه العمليات باتساع نطاق العنف في شدته وانتشاره الجغرافي، حيث تعرضت 84 مقاطعة من إجمالي 135 مقاطعة في مالي وبوركينافاسو وغرب النيجر، أي ما يقرب من الثلثين، لهجمات التنظيمات الإرهابية، عام 2022م، علماً بأن الرقم وصل إلى 40 مقاطعة، عام 2017م، أي أقل من الثلث. كما شهدت 30 مقاطعة بشمال ووسط مالي، عام 2017م، أكثر من 80% من أحداث العنف، مقارنة بعام 2022م، الذي شهد ثلثي الاحداث الإرهابية خارج مالي، وتركزت معظمها في بوركينافاسو ( ).
وقد تصاعدت عمليات العنف وتزايدت أعداد ضحاياها بأكثر من 21 مرة من عم 2007م، حتى 2022م، وسجلت حالات الوفاة في بوركينا فاسو 1135 حالة، وفي مالي 942 ونيجيريا 356، خلال عام 2022م، مقارنة بعام 2007م، كما سجلت الوفيات الناجمة عن الإرهاب بدول الساحل 43% من إجمالي ضحايا الإرهاب على مستوى العالم. وذلك مقارنة بنسبة 1% فقط عام 2006م، على الرغم من أنها شهدت 22% فقط من هذه العمليات عام 2022م، خلال عشرة سنوات ماضية، بالتوازي مع تنامى نشاط الجماعات الإرهابية من أمثال تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين. ( )
أسباب تزايد العمليات الإرهابية بمنطقة الساحل الافريقي:
أولا: تمدد النشاط الإرهابي في أفريقيا:
مع انحسار الصراع في سوريا والعراق وبؤر الصراع الأخرى، بدأت التنظيمات المتشددة في صناعة واقع جديد لها، بعد تعرضها لخسائر وهزائم متتالية على المستويات كافة، ونقل مسرح عملياتها إلى الدول ذات الطبيعة الرخوة اجتماعيا وأمنيا واقتصاديا. وكانت مجموعة دول الساحل (موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو) الأقرب لخطط هذه التنظيمات واستراتيجياتها وبناء قواعدها. مستغلة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها دول هذه المجموعة لإيجاد قواعد وحواضن دينية شعبية تتوافق في الأفكار والعقائد والاهداف في التمدد والتمركز، أو بناء كتل جيوسياسية كتحالفات تخدم مصالحها وأهدافها.
ثانيا: ظهور أنماط جديدة لتحالفات التنظيمات الإرهابية:
أصبحت منطقة الساحل الأفريقي بؤرة للنشاط الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، وذلك لعدة عوامل، بما فيها سهولة اختراق حدود المنطقة، وضعف الحكم، ووجود أعداد كبيرة من الجماعات المسلحة، من أكثر الاتجاهات إثارة للقلق في منطقة الساحل ظهور أنماط جديدة من التحالفات بين المنظمات الإرهابية، وكانت الجماعات الإرهابية في المنطقة تميل إلى العمل بشكل مستقل. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان هناك اتجاه متزايد للتعاون بين هذه المجموعات. ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل، بما في ذلك التطور المتزايد للمنظمات الإرهابية، والحاجة إلى الموارد، والرغبة في تحقيق أهداف مشتركة ( ).
من أبرز الأمثلة على النمط الجديد لهذه التحالفات، العلاقة التي نشأت بين تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» (ISGS) وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» (AQIM) وتعاونهما الوثيق خلال السنوات الأخيرة، وتقاسمهما الموارد والتدريب والأفراد. على نحو سمح لهما بتنفيذ هجمات أكثر تعقيدًا. ويشكل ظهور أنماط جديدة من التحالفات بين المنظمات الإرهابية بمنطقة الساحل مصدر قلق كبير للأمن الإقليمي والدولي. تجعل هذه التحالفات من الصعب تتبع النشاط الإرهابي وتعطيله. كما أنها تزيد من احتمالية أن تتمكن الجماعات الإرهابية من تنفيذ هجمات واسعة النطاق.
ثالثا: إعادة تمركز التنظيمات الإرهابية:
شهدت منطقة الساحل انتقال التنظيمات الإرهابية من أماكن تمركزها وسيطرتها إلى مناطق أخرى، في إطار الاندماج والتحالف بينها. وحتى عام 2020م، كانت جماعة بوكوحرام وتنظيم داعش في غرب أفريقيا المسئولين عن معظم العمليات الإرهابية في تشاد والكاميرون والنيجر. إلى جانب منطقة شمال شرق نيجيريا واعتبارا من عام 2021م، بدأ تزايد العمليات الإرهابية بالمانطق الحدودية لمالي وبوركينا فاسو والنيجر حتى أصبحت تمثل بؤرة الإرهاب وتصاعدت أعداد الضحايا الناتجة عن العمليات الإرهابية في تلك الفترة.
وقد مثل إعادة تمركز التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الأفريقي مصدر قلق كبير للأمن الإقليمي والدولي. خاصة بعد أن أصبحت أكثر تطوراً وتمويلاً وترابطًا، ويستخدمون تقنيات جديدة. وهذا يجعل من الصعب تتبع وتعطيل أنشطتهم. وتمثل عمليات إعادة تمركز هذه التنظيمات الإرهابية تحدياً رئيسياً لمنطقة الساحل الأفريقي، لا سيما أن التطور المتزايد لهذه المنظمات يزيد من صعوبة تعقبها وتعطيلها. كما أن توسع الشبكات الإرهابية يزيد من صعوبة احتوائها، استخدامها للتقنيات الحديثة يجعل من الصعب على قوات الأمن اعتراض اتصالاتهم وتتبع تحركاتهم. إضافة إلى أن استقطاب المقاتلين الأجانب يضيف مهارات وخبرات جديدة يمكن أن تجعل الجماعات الإرهابية أكثر خطورة.
ومن المهم فهم طبيعة التحديات التي تفرضها الجماعات الإرهابية؛ لتطوير استراتيجيات مكافحتها. ومن ثم سوف نتناول نشاط هذه الجماعات بدول الساحل الأفريقي والإجراءات المحلية والإقليمية كما يلي:
1) بوركينا فاسو:
تزايدت معدلات النشاط الإرهابي في عام 2021م، مقارنة بعام 2020م، واحتلت بوركينا فاسو الدولة رقم أربعة عالميا من حيث النشاط الإرهابي فيها وتأتى بعد أفغانستان والصومال والعراق، وتعتبر جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» هي الجماعة الإرهابية الأكثر نشاطاً ويليها تنظيم داعش، ثم جماعة أنصار الإسلام، وقد سجلت بوركينا فاسو 597 عملية إرهابية أسفرت عن وفاة 1073 وتشريد 1,6 مليون شخص. وقد اشتملت العمليات الإرهابية على الهجوم المسلح – الخطف – سرقة السيارات …الخ. وتعتبر منطقة ساحل ووسط نورد هي أكثر المناطق تأثراً بالعمليات الإرهابية ( ).
اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات منها إعلان حالة الطوارئ في ستة مناطق، و14 مقاطعة اعتبارا من عام 2019م، وتمديد حالة الطوارئ حتى آخر عام 2022م، وانشاء دوائر خاصة في المحاكم لقضايا الإرهاب ولمكافحة التطرف الديني، كما تم إنشاء وزارة مسئولة عن المصلحة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمنع ومكافحة التطرف وذلك بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( ).
يعتبر الإتجار بالسلع المهربة وعمليات التنقيب غير المشروع عن الذهب والسطو المسلح والخطف، هى المصادر الأساسية لتمويل الجماعات الإرهابية وتم تحويل عدد من القضايا إلى محكمة مكافحة الإرهاب بتهمة أمداد الجماعات الإرهابية بالوقود المسروق.
تمثل بوركينا فاسو أحد أهم الدول المشاركة في مجموعة الخمس (G5) بجانب تشاد، ومالي، موريتانيا، النيجر، وذلك قبل انسحاب مالي في 2022م، بالإضافة إلى انضمامها إلى مبادرة أكرا بتعاونها مع بنين وكوت ديفوار، وغانا، وتوجو، وقبول مالي والنيجر كمراقبين ( )، وتهدف المبادرة إلى التعاون لمنع انتشار الإرهاب في منطقة الساحل ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وانتشار العنف.
2) الكاميرون:
تلاحظ انخفاض للأنشطة الإرهابية وبلغ عدد الضحايا 339 شخص مقارنة بـ 400 شخص عام 2020م، وبنسبة انخفاض بلغ 15% في الوفيات، كما تبين تكثيف الجماعات الإرهابية لهجماتها على المنشآت العسكرية مقارنة بالهجمات على المدنيين، وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين عن نزوح 3,580,000 داخلياً، وعدد 117,000 في المناطق الشمالية للبلاد وضرورة توفير المساعدات الإنسانية العاجلة ( ).
بوفاة زعيم جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا «أبوبكر شيكاو» في يونيو 2021م، خلال اشتباكات بين تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا حيث أفادت تقارير أن «شيكاو» فجر نفسه خلال الاشتباكات بين التنظيمين الأمر الذي نتج عنة تسليم الالآف من عناصر تلك التنظيمات الإرهابية لأنفسهم إلى مراكز نزع السلاح وإعادة التأهيل ونقلت على أثره حكومة الكاميرون لحوالي 2000 مقاتل سابق وعائلتهم إلى نيجيريا في سبتمبر 2021م ( ).
تشارك الكاميرون كل من (نيجيريا والنيجر وتشاد وبنين) اعتبارا من عام 2015م، ضمن فرقة العمل الأفريقية المشتركة متعددة الجنسيات ((Multinational Joint Task Force، ولتنسيق عمليات مكافحة عمليات الإرهاب والتمرد من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والتخطيط المشترك للعمليات الوطنية المنسقة. وتولى حكومة الكاميرون أهمية قصوى لمكافحة الإرهاب ( ).
استثمرت الحكومة 10 مليون دولار لإعادة تأهيل البنية التحتية التي قامت بتدميرها «بوكو حرام «، كما بدأت في بناء الأسواق والمراكز الأمنية والمدارس التي دمرت في منطقة «أمشيدى» شمال البلاد فضلاً على دعم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بعمليات إعادة اعمار في إطار الاستراتيجية الإقليمية لتحقيق الاستقرار في حوض بحيرة تشاد ( ).
كما حققت جهود القوات الحكومية استسلام آلاف الإرهابين وعائلاتهم كما ساهمت في العودة الطوعية لما يقدر بنحو 1993 مقاتلاً واسرهم إلى نيجيريا عودة 790 لاجئ بمخيم ميناء «واو» شمال البلاد، كما بدأت في بناء مركز نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بقيمة 2,5 مليون دولار وذلك من خلال البرنامج الثقافي الاقتصادي والاجتماعي الشامل لمنطقة حوض بحيرة تشاد وبتمويل من الإتحاد الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية ( ).
3) تشاد:
قُتل الرئيس التشادى «إدريس ديبى» عام 2021م، خلال اشتباكات مع المتمردين، وتولى السلطة من بعده المجلس العسكري الانتقالي، وأعلن التزامه بمحاربة الإرهاب، وتعرضت المناطق الحدودية لتهديدات إرهابية مستمرة في المناطق السكنية المحيطة ببحيرة تشاد حيث تم تنفيذ هجومين ضد أهداف عسكرية ومدنية خلال عام 2021م ( ).
عانت القوات الحكومية من نقص الموارد على نحو حد من قدرتها على تجاوز مخاوفها الأمنية. وعلى الرغم من ذلك نفذت عددا من المهام بمنطقة الساحل الأفريقي للمساهمة في ترتيب الأمن الإقليمي وإظهار مدى التزامها القوى في محاربة الإرهاب، كما قامت بنشر قوات في مالي لدعم بعثة الأمم المتحدة (Multidimensional Integrated Stabilization Mission in Mali) لتحقيق الاستقرار، فضلاً عن المشاركة بقوات في مجموعة (G5) ( ).
استضافت تشاد فرقة العمل الفرنسية «بارخان» وأيضاً بعثة فرنسا لمكافحة الإرهاب، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الداعم الرئيسي تاريخياً في بناء القدرات القتالية لقوات الأمن التشادية، ولايزال تأمين الحدود التشادية يمثل التحدي الأكبر بسب وجود مناطق حدودية يسهل اختراقها بمعرفة الإرهابيين والخارجين عن القانون في منطقة بحيرة تشاد، وتتولى القوات المسلحة مكافحة الإرهاب من خلال قواتها المنتشرة في منطقة حوض بحيرة تشاد ومنطقة الساحل الأفريقي ( ).
بذلت الحكومة التشادية جهوداً شاقة لمكافحة تمويل الإرهاب بإنشاء الوكالة الوطنية للاستخبارات المالية لمحاربة الجرائم المالية وتمويل الإرهاب بالإضافة إلى عضوية تشاد في فريق العمل المعنى بغسيل الأموال (The Inter-Governmental Action Group against Money Laundering in West Africa) (GIABA) الذي أنشئ عام 2000 ويتبع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) ( )
وتعد تشاد دولة رائدة في تصدير قوات الأمن للمساهمة في دعم الاستقرار الإقليمي بمنطقة الساحل بمساهمة قدرها 1425 جندي في مالي ضمن بعثة الأمم المتحدة (MINUSMA) و650 جندي شمال مالي ضمن القوة (G5) بالمنطقة الشرقية. كما نشرت 1200 جندي في منطقة «لبتاكو جورما» الحدودية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر من القوة (G5) ( ). إضافة إلى أنها تدعم القوة المشتركة مع السودان بـ 600 جندي ضمن جهود تأمين الحدود المشتركة. وقد أعلنت الحكومة التشادية، في ديسمبر 2021م، رغبتها في زيادة عدد قواتها المشاركة في بعثة الأمم المتحدة بدولة مالي بعدد 1000 جندي. وتتلقى تشاد دعماً لمواردها الأمنية من كل من الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا الإتحادية والإتحاد الأوروبي وتركيا ( )
4) مالي:
مرت الدولة بانقلابين في عامي 2020 و 2021م، وترتبط الحكومة المالية بشراكات بعيدة المدى في مجال مكافحة الإرهاب بالتعاون مع القوات الأجنبية وفي مقدمتها القوات الفرنسية وآخرها العملية «برخان» واضطرت القوات الفرنسية للانسحاب بعد موجة الاضطرابات التي ضربت البلاد وامتدت الاحتجاجات ضد التواجد الفرنسي وأيضاً صعدت الحكومة ذاتها من خطابها المناهض للتواجد الفرنسي في الأراضي المالية وهو ما اضطر الرئيس الفرنسي لإعلان إنهاء العملية «برخان»( ) وبالتنسيق بين حكومة مالي وروسيا الإتحادية ثم نشر عناصر مجموعة «فاجنر» في مالي ولكن الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب القوات الفرنسية والقوات الدولية الأخرى لا يمكن تعويضه أو ملؤه من قبل القوات المالية وعناصر قوات مجموعة فاجنر.
تنشط الجماعات الإرهابية في مالي (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وداعش بالصحراء الكبرى، والقاعدة، والمرابطون، وأنصار الدين، وجبهة تحرير ماسينا)، وقد واصلت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وداعش تنفيذ هجمات إرهابية استهدفت في المقام الأول الجيش المالي والقوات الدولية وتركزت الهجمات بشكل رئيسي بمنطقة وسط مالي وواصلت الجماعات الإرهابية الضغط إلى أقصى الجنوب على امتداد الحدود مع بوركينا فاسو بمنطقة «سبكاسو» بالإضافة إلى وقوع عدد من الهجمات على طول حدود مالي مع كوت ديفوار وموريتانيا( )، وزادت حدة الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء البلاد واستمرت في استهداف المدنيين والجيش المالي وقوات حفظ السلام والقوات الدولية وخلفت 1826 قتيلاً( ).
تمتد حدود مالي الشاسعة والمليئة بالثغرات لحوالي 4500 ميل وتشترك مع سبع دول في الحدود ويعمل على تأمين الحدود كل من حرس الحدود وشرطة الحدود الوطنية بمهمة منع وردع الأنشطة الإجرامية على الحدود وتعاني تلك الجهات من قلة أعداد الموظفين وضعف مستوي التدريب وافتقار المعدات والموارد الأساسية، ولم تتمكن الحكومة الحالية من إحراز أي تقدم في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2396 بشأن أمن الحدود. وذلك نظراً لضعف السيطرة على الحدود كما يسمح للإرهابيين بالتحرك عبر الحدود بسهولة ( ).
تجاهلت الحكومة الانتقالية اعتبارا من 2020 م، شركائها التقليديين لصالح بناء علاقاتها مع روسيا الإتحادية لذلك فقد قررت فرنسا الانسحاب من مالي وتم حرمان مالي من المساعدات الأمريكية وتعليق عضويتها في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECWOS) والإتحاد الإفريقي ( ).
5) النيجر:
تواجه النيجر تهديدات إرهابية على معظم حدودها ونظراً لامتداد الحدود لمسافات شاسعة فإن الجماعات الإرهابية تستفيد من ذلك إلى جانب محدودية الكثافة السكانية في المناطق الصحراوية لمهاجمة وتجنيد السكان المحليين نظراً لضعف الخدمات الحكومية وانعدام التنمية الاقتصادية، وتشارك النيجر في المهمة المشتركة متعددة الجنسيات ومجموعة دول الساحل الخمس (G5) وتمتلك قوة عسكرية صغيرة الحجم وتنسيق غير فعال بين الأجهزة الأمنية ونقص في الموارد ( ).
تتأثر الأوضاع الأمنية نتيجة لحالة عدم الاستقرار في دول الجوار (بوركينافاسو وتشاد وليبيا ومالي ونيجيريا) وحوض بحيرة تشاد وتنشط عدد من الجماعات الإرهابية في النيجر (داعش في الصحراء الكبرى – بوكو حرام – داعش غرب أفريقيا – جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والمرابطون وأنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا) وقد نفذت التنظيمات الإرهابية ما لا يقل عن 74 عملية ارهابية عام 2021م ( ).
خلاصة القول: تتزايد العمليات الإرهابية وبشكل شبه يومي بمنطقة الساحل الافريقي، ونجحت التنظيمات الإرهابية في تركيز عملياتها ضد القوات الحكومية في مالي وبوركينافاسو والنيجر، وكان لعدم الاستقرار السياسي وتنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية في بوركينافاسو ومالي، الامر الذي أعطي لتلك الجماعات حرية العمل وتوجيه ضربات مؤثرة، ويعود تعقد الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي إلى عدد من العوامل، من بينها ما يلي:
أ- ضعف الحكم: تشهد منطقة الساحل ظاهرة تولي حكومات ضعيفة غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها أو السيطرة على أراضيها بشكل فعال، الامر الذي يخلق فراغًا تستغله
الجماعات المسلحة.
ب- ظاهرة الفقر: تعتبر منطقة الساحل واحدة من أكثر مناطق العالم فقراً، وهو يخلق هذا الفقر إحساسًا باليأس بين السكان، مما يجعلهم أكثر عرضة لجهود التجنيد من قبل الجماعات المسلحة.
ت- تغير المناخ: تشهد منطقة الساحل تغيرات مناخية أدت إلي زيادة الجفاف، وما يؤدي إلى عدم كفاية الغذاء والتنافس على الموارد، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات ويؤدي إلى الصراع.
ث- عدم الاستقرار الإقليمي: منطقة الساحل ذات أهمية استراتيجية تضم عددًا من الدول الهشة. وهو ما جعلها عرضة للآثار غير المباشرة للنزاعات في لدول المجاورة، على سبيل المثال الصراع المستمر في ليبيا.
ج- الإرهاب الدولي: ترتبط الجماعات المسلحة في منطقة الساحل بشكل متزايد بشبكات إرهابية دولية، مثل القاعدة والدولة الإسلامية. وقد أثار ذلك مخاوف من أن تصبح منطقة الساحل مركزًا جديدًا للإرهاب الدولي.
التنافس الدولي بمنطقة الساحل الأفريقي
تشكل الحالة الأمنية المعقدة بمنطقة الساحل الأفريقي تحديا كبيرا للمنطقة وللمجتمع الدولي، ولا توجد له حلولا مباشرة. لكن من الضروري معالجة العوامل الأساسية التي تؤدي إلى الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة، من خلال العمل المشترك. ويمكن للدول الرئيسية في الإقليم والدول الكبرى المساعدة في تحسين الأمن وتعزيز التنمية وبناء السلام في منطقة الساحل. وسيتم استعراض دور الدول الكبرى طبقاً للآتي:
أولاً: الدور الروسي:
تزايدت الجهود الروسية لتحسين علاقاتها بدول القارة الأفريقية وأصبحت أحد الأطراف الفاعلة التي لها دور بمنطقة الساحل. وأكدت هذا الدور من خلال العمل على عدة مستويات: من وجهة النظر السياسية، محاولة الحصول على نفوذ سياسي خصماً من رصيد الإتحاد الأوروبي من خلال السيطرة على طريق الهجرة غير الشرعية الذي يعبر منطقة الساحل وشمال أفريقيا، بينما من المنظور الاقتصادي، تقدم روسيا الدعم والتأمين للموارد الطبيعية في مقابل عقد الصفقات لإنشاء محطات الطاقة النووية، لا سيما في الدول الغنية بالنفط أو الغاز أو المعادن على سبيل المثال (بوركينا فاسو ومالي وتشاد) ( ).
إلى جانب الشق السياسي والاقتصادي، فيمثل نشر عناصر «الشركة العسكرية الخاصة» أو ما يطلق عليها مجموعة «فاجنر «، واحدة من أبرز استراتيجيات موسكو في المنطقة، وكان من أهم أولويات سياسة الشركة توسيع مجال أنشطتها في القارة الأفريقية وصولاً إلى منطقة الساحل مع انتشارها في دولة مالي عام 2021، بعدما نجحت في ليبيا وحالياً تشاد والكونغو والسودان ( ) وتطبق مجموعة «فاجنر» استراتيجية متعددة الأبعاد وذلك عندما يتعلق الأمر بالعمل داخل القارة الأفريقية وذلك من خلال الآتي:
عسكرياً: وذلك من خلال نشر قواتها في المنطقة بالتعاون مع حكومات عدد من الدول للقضاء على الجماعات والميلشيات أو تقديم الدعم في الحروب الأهلية.
اقتصادياً: وذلك من خلال عقد برتوكولات تعاون مع الحكومات أو مع الشركات العاملة في مجال الطاقة ومناجم الثروات الطبيعية.
سياسيًا: تقدم المجموعة الاستشارات السياسية في التعامل مع القضايا والأزمات السياسية لقادة الدول، وتقدم أيضاً مشورات أمنية، ولها القدرة على تنفيذ حملات إعلامية مضللة، بنشر الاخبار الكاذبة وتوجيه للمتظاهرين والسيطرة على الاحتجاجات ضد الحكومات.
دور مجموعة فاجنر في مالي: على أثر الانقلاب الذي قادة العقيد «آسيمى جوتيا» في 25 مايو 2021م واعتقال الرئيس الانتقالي «باه نداو» ورئيس الوزراء «مختار عوين» بحجة الفشل في أداء مهامهم ومحاولتهم تخريب عملية التحول الديمقراطية في البلاد، ونتيجة لعدم القدرة على التصدي لنشاط الجماعات المتطرفة وغياب التنسيق مع دول الساحل الأفريقي لجأت الحكومة المالية لمجموعة «فاجنر» التي بدأت أنشطتها في عام 2021م، واعتبرتها مالي بديلاً قادراً على توفير الأمن والتدريب ومقاومة أنشطة الجماعات الإرهابية، بمقابل مادى يبلغ 10 مليون دولار شهريا( )، وهو الأمر الذي شجع مالي على الانسحاب من عضوية «G5» الذي يضم بوركينا فاسو ومالي وتشاد وموريتانيا والنيجر.
في ضوء انتشار الاحتجاجات الشعبية وخروج المظاهرات في باكو العاصمة ضد الوجود العسكري الفرنسي على الأراضي المالية، كما كان لعدم استعداد رؤساء دول المنطقة لتحمل مسئولياتهم الأمر الذي أزعج الحكومة الفرنسية وهدد بسحب قواتها بعد الانقلاب مما أدى إلى تدهور العلاقات بين الدولتين وإنهاء فرنسا للعملية «برخان» ومهد الطريق إلى تنامى العلاقات بين مالي وروسيا الإتحادية وتزايد ثقل دور مجموعة «فاجنر» في مالي.
وسط تزايد العمليات العسكرية، انخرطت «فاجنر» والقوات المسلحة المالية في عدة هجمات مميتة تستهدف المدنيين حيث شاركت المجموعة في هجمات استهدفت المدنيين في مناطق (موبتي، وسيجو وتومبوكتو، وكوليكورو)، وهي مناطق سيطرة أساسية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة. وتم تسجيل ما يقرب من 500 قتيل مدني من هذه الهجمات، كما اتهمت بارتكاب مذبحة راح ضحيتها مئات المدنيين في مورا في منطقة «موبتي» أواخر مارس 2022م، وبشكل عام، وهو الأمر الذي نفته «فاجنر» وأنكرت أي صلة لها بهذا الحادث ( ).
خلاصة القول: اتخذت روسيا الإتحادية العديد من الإجراءات لتطوير تواجدها الاستراتيجي في منطقة الساحل وذلك من خلال عقد اتفاقيات تعاون أمنى مشتركة مع كل من بوركينا فاسو وتشاد والنيجر واتفاقيات تعاون اقتصادي بين الشركات الروسية وعدد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، كما تعتبر روسيا أحد المصادر الرئيسية لصفقات التسليح الرخيص سهل الاستخدام في القارة الأفريقية، وكانت المصدر الرئيسي وأكبر موردي السلاح لمالي في الفترة من 2017م إلى 2021م، ولتحقيق مكاسب اقتصادية لمجابهة الأضرار التي لحقت بها نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية عززت تدريجياً تواجدها في منطقة الساحل من خلال توفير البديل آلا وهو مجموعة «فاجنر» مستغلاً الوضع الأمني المتدهور بمنطقة الساحل الأفريقي.
ثانياً: الدور الصيني:
في الفترة من 9 – 30 نوفمبر 2021م، عقد المنتدى الثامن للتعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) تحت شعار «تعميق الشراكة بين الصين وأفريقيا وتعزيز التنمية المستدامة لبناء مجتمع صيني أفريقي لمستقبل مشترك في العصر الجديد «، بمدينة داكار بالسنغال ( ) وخلال المنتدى دعا وزير خارجية السنغال «أساتا تال سال» الصين إلي المشاركة في عملية تسوية النزاع في إقليم الساحل( )، كما هو الحال مع روسيا وإذا تمكنت الصين من السيطرة على حدة الصراعات الحالية في المنطقة فمن المؤكد أنه ستكون أحد اللاعبين المؤثرين في المنطقة، وأبدى الرئيس الصيني استعداد دولته للمشاركة وأنها على مستوى التحدي وأعلن عن عشر مبادرات جديدة للسلام والأمن في المنطقة بالإضافة إلى استمرار الدعم لقوات الأمن التابعة للاتحاد الأفريقي كما وعدت بمساندة الدول الأفريقية في محاولاتها ودعم الأمن الإقليمي بشكل مستقل ومكافحة الإرهاب وتنفيذ عمليات مشتركة لحفظ السلام( ).
على مدار عقود اعتبرت الصين أن الصراع بين الدولة والجماعات المتطرفة شأن داخلي وانتقدت تدخل الدول الكبرى وأشارت إلى أنها تفضل المبادرات السياسية الإقليمية والوساطات لإنهاء الصراع وفي سبتمبر 2019 أصدر مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني الكتاب الأبيض بعنوان «الصين والعالم في العصر الجديد» وتضمن ضرورة أن يكون للصين دوراً أمنياً عالمياً يتوافق مع مكانتها كقوة عظمى ( ).
على الرغم من الاستثمارات الضخمة والتي يعمل بها آلاف الصينيين داخل القارة الأفريقية وما تواجهه من تهديدات أمنية إلا أن الصين حرصت على الحفاظ على تواجد عسكري متواضع وإتباع منهج أكثر مرونة مقارنة مع منافسيها من الدول الغربية ( ).
اعتبارا من 2019 بدأت الصين في المشاركة في عمليات الأمن ومكافحة الإرهاب لدول الساحل الخمسة وتعمل مع بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، كما قدمت مساعدات بقيمة
45 مليون دولار لعمليات الأمن ومكافحة الإرهاب التابعة للقوة المشتركة كما قدمت مساعدات لعمليات الأمانة الدائمة لمجموعة (G5) ( ) وخلال عقد من الزمن احتلت الصين حيزاً مهماً في ترتيبات أمن المنطقة، ارتبطت المشاركة الصينية في الترتيبات الأمنية في منطقة الساحل بشكل أساسي مع مصالحها التجارية المتزايدة بالمنطقة وهو نهج بكين تجاه الأمن مدفوع بالحاجة إلى حماية مساعيها التجارية وهو الأمر الذي يتناسب مع اهتمامها بأمن منطقة الساحل ارتباطا بخطتها لتعزيز سمعتها كقوة عظمى مسئولة.
ونظراً لامتلاك دول الساحل ثروات وفيرة من المنجنيز والبوكسيت والفوسفات والحديد والذهب. الإضافة إلى البترول. وتسيطر شركة البترول الوطنية الصينية في تشاد على إنتاج النفط، منذ 2003م( ) كما استثمرت الصين في إنشاء خط أنابيب للنفط الخام في النيجر بطول 1950 كم وقطر 20 بوصة، ليربط بين حقول النفط الإنتاج بالنيجر وصولاً لميناء «سيمي كراكي» بدولة بنين. من المتوقع أن يؤدي إتمام هذا الخط، الذي تم تعليقه لعدة أشهر بسبب وباء فيروس كورونا، إلى زيادة إنتاج التيجر من النفط من 20 ألف برميل يوميًا إلى 120 ألف برميل. وبما أنها تمتلك خامس أكبر احتياطي من اليورانيوم وبنسبة 7% من الاحتياطي العالمي، فقد بدأت الصين في تنفيذ مشروعات البنية التحتية اللازمة لاستخراجه من منجم (AZeliK) بشمال النيجر، بشراكة بين المؤسسة النووية الوطنية الصينية (CNNC) وحكومة النيجر ( ).
وقد اشترت شركة Ganfeng Lithium الصينية 50% من حصة منجم (Goulamina) في مالي عام2021م، مقابل 130 مليون دولار. وهو ما يعكس طموحاتها لضمان الاستحواذ على إنتاج سلعة ضرورية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية ( ).
وقدمت الصين لمالي معدات عسكرية تزيد قيمتها عن 9 ملايين دولار، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة والشاحنات ومعدات النقل والأمن، كجزء من مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في عام 2021م ( ).
اعتبارا من عام 2018م، ألغت بوركينا فاسو اعترافها بتايوان الأمر الذي فتح آفاق التعاون والعلاقات الدبلوماسية مع الصين التي تعهدت في عام 2019م، بتقديم منحة بقيمة 44 مليون دولار لتدريب عناصر الجيش في الكليات والمعاهد العسكرية وتنفيذ تدريبات مشتركة ( ).
خلاصة القول: نظراً لافتقار الصين إلى الخبرة العسكرية للتعامل مع الصراعات في منطقة الساحل نظراً لأنها لم تكن أحد القوى الاستعمارية يوماً ما، ومن أجل اكتساب الخبرة والمعرفة على أرض الواقع تركز الصين في الوقت الحالي على المشاركة في بعثات حفظ السلام من خلال الأمم المتحدة، بالإضافة لاستخدام دبلوماسية دفتر الشيكات (Checkbook Diplomacy) في التعامل مع بعض الازمات في المنطقة وبالقدر الذي يسمح لها بالنفاذ، ونظراً لما سارت عليه الأوضاع أصبحت أفريقيا ساحة لمعركة دبلوماسية إستراتيجية على غرار الحرب الباردة حيث تنشغل القوى العظمى والدول الكبرى بمغازلة الدول النامية والتنافس على تقديم الدعم لها وترى العديد من الدول الأفريقية أن الصين أصبحت هي البديل الجاد للنظام الدولي الذي يهيمن عليه الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي.
ثالثاً: الدور الفرنسي:
في ظل التنافس الدولي في القارة الأفريقية عامة ومنطقة الساحل الأفريقي بصفه خاصة سعت الدول الكبرى وفي مقدمتها فرنسا إلى إعادة علاقاتها مع دول المنطقة للحفاظ على مكانتها ونفوذها في مستعمراتها السابقة وذلك بالاعتماد على آليات جديدة تتمثل في دعم التنمية في المنطقة باعتبارها الوسيلة السلمية لحل الأزمات وتحقيق السلم في المنطقة وترتكز الاستراتيجية الفرنسية على حماية مصالحها وتعزيز نفوذها وعزل منافسيها (الولايات المتحدة الأمريكية، الصين) عن طريق إبرام اتفاقيات شراكة مع الدول الأفريقية وبصفة خاصة دول الساحل.
تمتد العلاقات الفرنسية بالقارة الأفريقية لسنوات طويلة بدءاً من مرحلة الاستعمار إلى الاستقلال وفي عام 1962 خلال فترة حكم الرئيس شارل ديجول انطلقت الإستراتيجية الفرنسية (فرنسا – أفريقيا) تجاه أفريقيا في مرحلة ما بعد الاستعمار وهدفت تلك الاستراتيجية إقامة علاقات تعاون بين باريس ومستعمراتها الأفريقية ( ) وكانت أهدافها كالتالي:
1 – ضمان استمرار الحصول على الموارد الطبيعية (اليورانيوم والنفط والماس).
2 – التوسع في إقامة القواعد العسكرية الفرنسية في تلك الدول.
3 – دعم الأنظمة الأفريقية المناهضة للشيوعية.
4 – تعزيز الفجوة بين المؤسسات الاجتماعية والسياسية في دول غرب أفريقيا والساحل.
ويمكن القول إن هذه الاستراتيجية نجحت في تعزيز مكانتها ونفوذها في منطقة غرب أفريقيا حتى تسعينيات القرن الماضي حيث تعرضت إلى الانتقاد بعد فشلها في احتواء أزمة رواندا التي اندلعت
عام 1990 واتهمتها عدة جهات بالمشاركة في عمليات التطهر العرقي من خلال تقديمها للدعم العسكري والسياسي للحكومة الرواندية ( ).
اتبعت الحكومة الفرنسية استراتيجية جديدة من مطلع تسعينيات القرن العشرين أعلنت فيها نهاية العلاقة التقليدية (الأبوية) التي ربطتها مع الدول الأفريقية وبدء إتباع سياسة جديدة تبنى على الدعم السياسي واحترام قواعد الحكم الرشيد وإدخال الإصلاحات السياسية والقيم الديمقراطية وإدارة الأزمات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية بالتعاون مع الحكومات ( ).
بتصاعد ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة مع بداية القرن الحالي، والتي شكلت تهديداً لدول الإتحاد الأوروبي واستخدمت فرنسا أدوات جديدة لتعزيز مكانتها الدولية من خلال تقديم المساعدات التنموية وتحولت سياستها تجاه أفريقيا من الأحادية إلى التعددية بعد أن تضررت صورتها وهيبتها في أفريقيا،
ومن هنا بدأت في العمل بالاشتراك مع المؤسسات الدولية ( الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو والإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ) ومن أبرز تلك العمليات عملية حفظ السلام في تشاد وأفريقيا الوسطى عامي 2008 و2009م، وكانت فرنسا من أبرز العناصر الداعمة لعمليات حفظ السلام للاتحاد الأوروبي (عسكرياً واقتصاديا وسياسياً) .
في عام 2012م، وخلال فترة حكم الرئيس «فرانسوا هولاند» قررت فرنسا إعادة توزيع قواتها العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي، لاحتواء حركات التمرد وتفكيك التنظيمات الإرهابية ومواجهة الجماعات الجهادية والتي انتقلت إلى منطقة شمال مالي ونظراً لتعقد الأزمة في مالي وعدم قدرة حكومتها المركزية السيطرة على الأوضاع الأمنية في البلاد فقد طلبت المساعدة من القوى الإقليمية والدولية وخاصة فرنسا التي تعتبر الشريك الاستراتيجي لها والتي وافقت على طلب الحكومة في مالي ولإضفاء الشرعية على تدخلها العسكري بادرت باتخاذ ثلاث خطوات( ):
1. اعلان أن التدخل العسكري لفرنسا جاء بناءً على طلب حكومة مالي.
2. استصدار قرار مجلس الأمن رقم 2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012م، بناءً على التعاون بين فرنسا والقوى الدولية محل الأزمة.
3. العمل المشترك بين القوات الفرنسية وقوات دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)
من خلال رصد التحركات الفرنسية السريعة في منطقة الساحل والتي هدفت منها لحماية المصالح الحيوية الفرنسية حيث تعتمد على خام اليورانيوم الذي تسيطر عليه شركة «أريجا» الفرنسية في النيجر وجعل من فرنسا أكبر منتج لليورانيوم في العالم بالإضافة إلى التخوف الفرنسي من انتقال العمليات الإرهابية والفوضى للدول المجاورة. الامر الذي دعا فرنسا لإطلاق العملية العسكرية «سرفال «في مالي لوقف العمليات الإرهابية والتي فشلت في تحقيق أهدافها والمتمثلة في القضاء على الإرهاب في شمال مالي وحل الأزمة السياسية والأمنية بين الحكومة المركزية والحركة الوطنية لتحرير الأزواد، وبدأت القوات الفرنسية في الانسحاب في أبريل 2013م، على أن تحل محلها القوات الأفريقية في يوليو 2013م، كما أطلقت الأمم المتحدة عملية حفظ السلام في مالي تحت اسم «مينوسما» لتحل محل القوة الأفريقية ( ).
وبدءاً من مايو 2014م، استعادت الجماعات المتمردة أنشطتها في مالي ومني الجيش المالي بعدة هزائم متتالية الأمر الذي دعا فرنسا إلى المشاركة بقوة قوامها 3000 جندي وإطلاق عملية عسكرية أطلقت عليها عملية «برخان» وعلى الرغم من توقيع اتفاق سلام من الحكومة المالية والمتمردين بالجزائر في مايو / يونيو 2015م، إلا أن أعمال العنف امتدت إلى بوركينا فاسو والنيجر، وتزايدت الهجمات الإرهابية على القوات الحكومية والقوات الأجنبية، واعتبارا من مارس 2017م، بدأت عملية إعادة مرحلة إعادة التشكيل للجماعات والتنظيمات الإرهابية إما بالاندماج أو الانفصال وكان من أبرزها (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية لداعش)، واعتباراً من نهاية عام 2019م، بدأت التنظيمات الارهابية شن سلسلة من الهجمات على القواعد العسكرية في مالي والنيجر( ).
استمرت فرنسا في التدخل العسكري في منطقة الساحل الأفريقي تحت مظلة الإتحاد الأوروبي وخلال عام 2020م، أبدت فرنسا استعدادها للتدخل في الأزمة التي شهدتها تشاد دعماً لحكومة «إدريسي ديبى «في مواجهة المتمردين إذا دعت الحاجة إلى ذلك وبالفعل تمكنت القوات الفرنسية في قصف جماعات المتمردين الأمر الذي لاقى انتقادً حاداً من شركائها الأوروبيين وخاصةً ألمانيا التي رأت أن فرنسا تستغل الإتحاد الأوروبي لحماية مصالحها في منطقة الساحل.
وبالتوازي مع العمليات العسكرية للقوات الفرنسية ورغبة منها في تحقيق الغطاء الدولي والعمل تحت مظلة الإتحاد الأوروبي أطلقت في يوليو 2020م، مجموعة العمل «تاكوبا» والتي تكونت من عدد من دول الساحل وعدد من الدول الأوروبية (إيطاليا والدنمارك والسويد ورومانيا واستونيا والتشيك) بالإضافة لكندا لتعمل معا في القتال ضد التنظيمات الإرهابية ( ).
شهدت مالي انقلابا عسكرياً، في 18 أغسطس 2020م، أطاح بالرئيس «إبراهيم أبوبكر كيتا» الذي انتخب في 2013م، وأعقبه انقلابا آخر، في 24 مايو 2021م، نتج عنها تدهور حاد في العلاقات المالية الفرنسية. وبحلول 10 يوليو 2021م، أعلنت فرنسا على نحو مفاجئ إنهاء عملية «برخان» لمكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل الأفريقي وخفض قواتها وإعادة دمجها في مهمة دولية تتقاسم فيها عبء المخاطر الأمنية ( )وبانسحاب القوات الفرنسية وانتهاء مهمة العملية «برخان» في يونيو 2021م، أعلنت هيئة الأركان الفرنسية في يوليو 2022م، انتهاء انتشار قوة «تاكوبا «المكلفة بالقتال ضد الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش وذلك نتيجة للظروف الأمنية المعقدة بالمنطقة ( ).
رابعاً: الدور الأمريكي:
تواصل الولايات المتحدة التركيز على تطوير الجيوش النظامية لدول الساحل من خلال برامج التدريب والإعداد، التي بدأتها، مطلع القرن الحادي والعشرين، وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لتدخل فرنسا في منطقة الساحل. كما تعمل على تنفيذ سياسة خارجية نشطة تجاه مناطق بؤر الصراع في العالم ولكن يبدو أن منطقة الساحل لا تمثل أولوية قصوى في السياسة الخارجية الأمريكية، ولكنها أيضاً ليست غائبة عن الاهتمام فيما يتعلق بالنواحي الأمنية وتواصل دعمها للشركاء الدوليين (فرنسا) ولكن على نطاق محدود مقارنة بمناطق الصراع الاخرى في القارة الأفريقية، وخلال أبريل 2021م، أجرت فرقة العمل
(small task Force) تدريباً مشتركاً لمكافحة الإرهاب مع القوات الفرنسية في «تمبكتو» بدولة مالي ( ) كما تواصل مراقبة الوضع الأمني بشمال مالي، مع ملاحظة أنه لا توجد لها عناصر استخباراتية/ مقاتلة هناك، الأمر الذي يفسر الدور الرئيس الذي لعبته الولايات المتحدة بالتعاون مع القوات الفرنسية في تعقب وقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي «عبدالمالك دروكدال» في يونيو 2020م، والذى يعد احد أكثر من شاركوا في العمليات الإرهابية للسيطرة على منطقة شمال مالي، قبل التدخل الفرنسي، عام 2013م، والذى نجح في تهديد الاستقرار الأمني والسياسي بمنطقة الساحل الأفريقي( )
وللولايات المتحدة تواجد طويل الأمد في المنطقة في مجال التدريب والدعم وجمع المعلومات الاستخبارية. وقد بدأت جهودها عقب هجمات 11 سبتمبر بإطلاق مبادرة عموم الساحل The Pan-Sahel Initiative (PSI) بهدف زيادة القدرة على مكافحة الإرهاب في مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا. في عام 2005، عُدلت المبادرة إلى مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء (الشراكة لاحقًا) والتي تضم 15 دولة، وتنظم تدريبًا سنويًا. وتشارك وحدات من القوات الخاصة الأمريكية في تدريب عناصر الجيش المالي. على الرغم من هذا التواجد فإنه يعتبر محدود مقارنة بوجودها في النيجر. الذي يشمل 800 جندي وأفراد من القوات الجوية في نيامي وأجاديز (حيث تقوم الولايات المتحدة ببناء قاعدة جوية ضخمة ستشكل مركزًا لعمليات الطائرات بدون طيار) ووحدات أخرى أصغر في (ولام وأرليت وديركو) كما نفذت القوات الخاصة الأمريكية في النيجر عمليات ضد التنظيمات الجهادية في المنطقة، ومن أبرزها عملية أكتوبر 2017م، في (تونغو تونغو) والذي أسفر عن مقتل أربعة جنود أمريكيين وخمسة من القوات النيجيرية ( ).
وتعد الولايات المتحدة أكبر مساهم في بعثات الأمم المتحدة، وتقديم المساعدات لعمليات حفظ السلام بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (Minusma) وتوفير التدريب والمعدات لشركائها المساهمين في عمليات حفظ السلام، وفي يناير عام 2020م، دعت إدارة ترامب إلى خفض عدد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي والبدء في تطبيق وتطوير نهج بديل يحقق الاستقرار في البلاد مع اعتبار أن دور بعثات حفظ السلام ليس الرد على التهديدات الإرهابية المتزايدة في مالي وأنها تنوى تقليص وجودها العسكري في أفريقيا وطالبت مندوبها في مجلس الأمن، المساءلة والتحقيق في مخالفات العناصر الأمنية والتي زادت بشكل بالغ، وخلال جلسة مجلس الأمن الدولي في 15 مايو 2020م، أعلنت كل من فرنسا وروسيا الإتحادية رفضها لمطالب الولايات المتحدة بشأن قوة حفظ السلام في مالي أو حتى مراجعة المعايير المحددة لعمل القوات أو تعليق وجودها( ).
تعتبر الولايات المتحدة واحدة من أبرز المانحين للمساعدات في منطقة الساحل وفي 19مارس 2021م، أعلنت عن تقديم مساعدات إنسانية لدول الساحل ((G5 بأكثر من 80 مليون دولار، وذلك في أعقاب تقديم ما يقرب 152 مليون دولار من المساعدات الأمريكية للمنطقة وذلك في سبتمبر 2020م، وذلك بالتعاون مع التحالف الدولي لمنطقة الساحل الذي تم تشكيله عام 2020م، وشركاء دوليين آخرين لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية بالمنطقة ( ) وفي مارس 2023م، أعلنت الخارجية الأمريكية عن تقديم مساعدات إنسانية جديدة لمنطقة الساحل وغرب ووسط أفريقيا بقيمة 150 مليون دولار وتشمل المساعدات دول بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر فضلاً عن عدد من الدول المجاورة المتأثرة بالأزمة الإقليمية وبلغت إجمالي المساعدات خلال عام 2023م، حوالي 233 مليون دولار لدول المنطقة ( ).
تولى الإدارة الأمريكية للرئيس بايدن اهتماماً كبيراً بالقارة الأفريقية في التصدي للنفوذ الروسي والصيني المتصاعد وفي هذا الإطار نشر موقع البيت الأبيض في أغسطس 2022م، وثيقة بعنوان «استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء» والتي تهدف إلى إعادة صياغة مكانة القارة الأفريقية بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأمريكي من خلال تعزيز شراكتها مع دول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتبنى الإستراتيجية على أربعة أعمدة رئيسية وهي ( ):
الركيزة الأولى: تعزيز الانفتاح على المجتمعات الافريقية، وتلتزم الولايات المتحدة بالعمل مع شركائها الأفارقة للاستفادة من الموارد الطبيعية وتعزيز المصالح التجارية والاستثمارية للولايات المتحدة ومكافحة الأنشطة الضارة لكل من الصين وروسيا الاتحادية والفواعل الأخرى بالمنطقة.
الركيزة الثانية: تعزيز الديمقراطية وتخفيض حدة النزاعات ومنعها والذي سيتم بالتعاون جنباً إلى جنب مع الحكومات الأفريقية لمجابهة ظاهرة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي من خلال وقف سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة الأفريقية، ومعالجة عدم حالة الرضاء العام عن أداء بعض الحكومات، وتحسين قدرة الشركاء الأفارقة على تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين من خلال تمكين الجهات الأمنية الحكومية الأكثر احترافية وقدرة على توفير الأمن وتحجيم خطر الإرهاب.
الركيزة الثالثة: تعزيز التعافي من جائحة كورونا والازمة الاقتصادية.
الركيزة الرابعة: الحفاظ على البيئة ودعم التحول للطاقة النظيفة، من خلال تحقيق أهداف الوصول للطاقة وأمن الطاقة وتنويع مصادر الطاقة لديها وبناء سلاسل التوريد المستدامة ومعالجة أزمة المناخ العالمية.
ركزت الاستراتيجية الأمركية على البعد الاقتصادي والتوسع في الاستثمارات بالقارة وتفعيل المبادرات التجارية القائمة، بما يحقق القدرة على التنافس مع كل من الصين وروسيا. كما برز الاهتمام المحدود بقضايا الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة من خلال تدعيم المجتمع المدني للقيام بهذا الدور. على عكس الإدارات السابقة التي طرحت مبادرات تنموية متعاقبة ولكن دون طرح مبادرات وبرامج تنموية جديدة، وتدعيم للجهات الأمنية الحكومية وتحملها مسئولية الحفاظ على الأمن بالمنطقة بهدف حماية مصالحها الخاصة وإغفال تعزيز المصالح الأفريقية على الرغم من عدم الاستقرار السياسي بالمنطقة.
خلاصة القول: بذلت الولايات المتحدة وحلفائها جهوداً كبيرة علي صعيد تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي وذلك بدءاً من أوائل العقد الأول من القرن العشريين ولكن واجهت التهديدات التي شكلتها التنظيمات الإرهابية التي تتسم بالخطورة البالغة، وجهوداً أمنية سريعة التطور لمواجهة العمليات الإرهابية .ونظراً للتحديات التي تواجه دول الساحل بما في ذلك الفقر والفساد وانعدام التنمية الاقتصادية والإتجار في المخدرات وعدم الاستقرار السياسي وانتشار الجريمة المنظمة فإنه يجب على الولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى إتباع نهج جديد يكون أوسع وأكثر شمولاً من الناحية السياسية الذي من شأنه معالجة الأسباب الجذرية للصراعات وتعزيز التعاون والتنسيق بين دول الساحل في جهود التنمية.
الخاتمة
تحولت منطقة الساحل الأفريقي خلال السنوات الأخيرة إلى حاضنة للتنظيمات الإرهابية في ظل هزائم تنظيم داعش في سوريا والعراق وأفغانستان، وانتقال العديد من التنظيمات الإرهابية الى القارة الافريقية بصفة عامة ولمنطقة الساحل الافريقي بصفة خاصة، والتي تميزت بالانفلات الامنى وعدم الاستقرار السياسي والصراعات الدولية والإقليمية على الموارد الطبيعية والتي تزخر بها منطقة الساحل.
بتدهور الأوضاع الأمنية وتصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية اتجهت دول الساحل الافريقي لتدشين قوة عسكرية (G5) برعاية فرنسية وتمويل إماراتي وأوروبي، تهدف القوة الى التنسيق العسكري بين الدول الخمس لمواجهة التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة، الا أنها تعثرت في تحقيق اهدافها.
تشكل الحالة الأمنية المعقدة في منطقة الساحل الأفريقية تحديا كبيرا للمنطقة والمجتمع الدولي، ولا توجد حلول سهلة، ومن الضروري معالجة العوامل الأساسية التي تؤدي إلى الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة.
باستعراض واقع التنافس الدولي بالمنطقة يبرز أن الدول الكبرى تمارس مجموعة متنوعة من الأدوار في معالجة الوضع الأمني المعقد في المنطقة. تشمل هذه الأدوار: أولاً: التدخل العسكري: حيث نشرت بعض الدول، مثل فرنسا، قوات في منطقة الساحل للمساعدة في محاربة الجماعات المسلحة، ثانياً: تقديم المساعدات التنموية: حيث تقدم الولايات المتحدة مساعدات تنموية لمنطقة الساحل من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وتعمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على تحسين الحوكمة والأمن والفرص الاقتصادية في المنطقة. كما تقدم المساعدة الإنسانية للمتضررين من الصراع، ثالثاً: الجهود الدبلوماسية: حيث يعمل الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى للتوسط في النزاعات وبناء السلام في المنطقة. رابعاً: المساعدات الإنسانية: حيث تقدم المنظمات غير الحكومية مساعدات إنسانية لمساعدة المتضررين من الصراع والنزوح في المنطقة.
إن دور الدول الكبرى في منطقة الساحل الأفريقي ضروري لمعالجة الحالة الأمنية المعقدة في المنطقة. من خلال العمل المشترك، ويمكن لهذه الدول المساعدة في تحسين الأمن وتعزيز التنمية وبناء السلام في منطقة الساحل.