الرئيسية » الدراسات » مقترح لابيد محاولة إسرائيلية لتصدير أزمات غزة إلى مصر

مقترح لابيد محاولة إسرائيلية لتصدير أزمات غزة إلى مصر

بواسطة :

أولًا: ماهية الخطة الإسرائيلية:

تمثل خطة لابيد (Lapid)محاولة جديدة لإعادة صياغة الواقع في قطاع غزة، عبر تحميل مصر مسؤولية إدارته، تحت ذريعة تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي فيه. وجاء طرح هذه الخطة في ظل تعثر الاحتلال الإسرائيلي في تقديم بديل استراتيجي، وبعد فشله في القضاء على حركة حماس خلال حرب دامية استمر حوالي عام ونصف تقريبا. ومع ذلك، فإن الخطة المذكورة تعكس رغبة إسرائيل في التخلص من الأعباء الأمنية والسياسية المرتبطة بغزة وإحالتها إلى مصر، حتى دون تقديم أي ضمانات حقيقية لحل القضية الفلسطينية نفسها، وفق المرجعيات الدولية. خاصة أن هذه الخطة استندت إلى عدة مرتكزات، أبرزها:

  1. تولي مصر مسؤولية إدارة قطاع غزة أمنيًا وإداريًا لمدة 15 عامًا، تحت غطاء ‹الوصاية› الدولية.

  2. التزام مصر بمنع تهريب الأسلحة إلى غزة، وتدمير الأنفاق، والقضاء على البنية التحتية المتبقية لحركة حماس.

  3. إشراف مصر على إعادة إعمار غزة، بدعم من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة والسعودية والإمارات

  4. تقديم حوافز اقتصادية لمصر، بما في ذلك إسقاط ديونها الخارجية.

  5. إنشاء آلية أمنية ثلاثية (مصرية-إسرائيلية-أميركية) للتعامل مع التهديدات الأمنية المحتملة في غزة.

ثانيًا، الرفض المصري القاطع

عبرت وزارة الخارجية المصرية بشكل واضح وصريح عن رفضها لأي مقترحات تتعارض مع الثوابت المصرية والعربية، مؤكدة أن أي حلول يجب أن تتمحور حول انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ووصفت الخارجية المصرية مثل هذه المبادرات بأنها ‹أنصاف حلول› لا تتعامل مع جوهر الصراع. وتؤكد مصر على أن إدارة قطاع غزة يجب أن تكون من خلال السلطة الفلسطينية، وليس عبر أي طرف آخر. ويعكس هذا الموقف التزام مصر بدعم الشرعية الفلسطينية ورفض أي محاولات لتهميش دور الفلسطينيين في إدارة أراضيهم.

من جهة أخرى، لاقت الخطة رفضًا واسعًا من قبل الشارع المصري والنخب السياسية والحقوقية، حيث اعتبروها محاولة إسرائيلية لتحميل مصر أعباء لا تتناسب مع مصالحها الأمنية والسياسية. كما أشار النشطاء إلى أن هذه الخطة تعكس فشل المخططات الإسرائيلية السابقة لتهجير سكان غزة إلى مصر. وقد استند موقف مصر الرافض إلى عدد من المبررات والدواعي، أهمها:

  1. تصفية القضية الفلسطينية: يهدف المقترح إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، مما يقوض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. حيث ترغب إسرائيل من خلال هذا المقترح في فك ارتباطها القانوني والسياسي بقطاع غزة، وتحويله إلى قضية مصرية، مما يعزز الفصل بين غزة والضفة الغربية، ويقوض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

  2. استغلال الأوضاع الاقتصادية المصرية: استنادا إلى أن مصر، التي تعاني من أزمات اقتصادية وديون خارجية كبيرة، قد تقبل بهذا العرض المغري كحل لتحسين وضعها الاقتصادي. إلا أن هذا الطرح يتجاهل تمامًا الثوابت المصرية حيال دعم القضية الفلسطينية ورفض أي حلول تمس السيادة الفلسطينية.

  3. تحميل مصر أعباء إدارة غزة: إذ تهدف الخطة الإسرائيلية إلى إحالة أعباء إدارة قطاع غزة إلى مصر، بما في ذلك إعادة الإعمار، ومكافحة التهريب، وتدمير البنية التحتية لحركة حماس. وذلك في إطار المحاولات الإسرائيلية المستمرة للتهرب من المسؤوليات المترتبة على احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإلقاء أعباء هذا الاحتلال وتبعاته على الدول المجاورة، وخاصة مصر، ودون تقديم أي التزامات حقيقية نحو إنهاء هذا الاحتلال، أو القبول بحل الدولتين.

  4. رفض الشعب المصري لأي تدخل في إدارة غزة: عكس التفاعل الشعبي والإعلامي في مصر رفضًا قاطعًا لهذا المقترح، حيث اعتبره كثيرون محاولة لفرض وصاية مصرية على القطاع لخدمة الأجندة الإسرائيلية.

ثالثًا: المخاطر المحتملة للخطة

وعلى الرغم من أن خطة لابيد تقدم في ظاهرها كثيرا من المغريات إلى مصر من حيث أن لها مصلحة في استقرار غزة والمنطقة بأكملها، وأنها ترفض فكرة تهجير سكان غزة إلى أراضيها، وأن إسقاط ديونها الخارجية البالغة 155 مليار دولار ربما يدفها لقبول مثل هذه المساومة، إلا أن القاهرة كانت تدرك الأبعاد الحقيقية هذه الخطة، من حيث الاعتبارات التالية:

  1. تقويض قيام الدولة الفلسطينية: تعد أي محاولة لفصل غزة عن الضفة الغربية، أو إدارتها من قبل طرف غير فلسطيني سوف تقوض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، على نحو يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي

  • أن مسألة ‹الوصاية› الواردة بالخطة بقرار مجلس الامن، لا يمكن الغاءها الا بقرار آخر من مجلس الامن، بما يعني أن انتهاء هذه الوصاية، بعد خمسة عشر عاما، سوف يؤول الى ‹الحكم الذاتي› وليس إلى الاستقلال أو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة

  • إضافة إلى أن الخطة تحمل في طياتها هدفا إسرائيليا لإحداث التغيير الديمغرافي الذي تسعى إليه، لأنها تسمح للفلسطينيين بالهجرة الطوعية من القطاع، وتسهم في توطين الفلسطينيين في الدول المقيمين فيها وتذويبهم بالمجتمعات التي يعيشون فيها بالفعل.

  1. تهديد الأمن القومي المصري: إن قبول مصر بإدارة قطاع غزة سوف يفرض عليها أعباء أمنية واقتصادية وسياسية هائلة، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة في القطاع. وقد يعرض هذا الأمر مصر لتداعيات خطيرة، بما في ذلك زيادة التهديدات الإرهابية والضغوط الدولية، إضافة إلى وضع مصر في مواجهة مباشرة مع حماس بدلًا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

  2. استغلال المقترح كأداة ضغط: قد تستخدم إسرائيل هذا المقترح كأداة ضغط على مصر في المفاوضات المستقبلية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية الأخرى.

رابعًا: الخلاصة والتوصيات

  • التأكيد على الثوابت المصرية: يجب على مصر الاستمرار في التمسك بثوابتها الوطنية والقومية، ورفض أي مقترحات تتعارض مع مصالحها الأمنية والسياسية أو تمس السيادة الفلسطينية.

  • مواصلة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية: على مصر العمل مع الشركاء الدوليين والإقليميين لتعزيز الدعم للقضية الفلسطينية، وضمان أن أي حلول مستقبلية تتمحور حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

  • مواجهة محاولات إسرائيلية للتهرب من مسؤولياتها: يجب على مصر ودول المنطقة فضح المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتحميل الآخرين أعباء الاحتلال، والعمل على إجبار إسرائيل على تحمل مسؤولياتها كقوة محتلة.

  • تعزيز التضامن العربي: من الضروري تعزيز التضامن العربي لدعم القضية الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتقسيم القضية أو إضعاف الموقف العربي الموحد.

في النهاية، يظل الموقف المصري واضحًا وصريحًا في رفض أي محاولات لتحميلها أعباء لا تتناسب مع مصالحها، مع التأكيد على أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية يكمن في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. إن أي محاولات لإعادة تدوير الأزمة عبر حلول ملتوية لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد وإطالة أمد الصراع.