العلاقات الإيرانية الطاجيكية
بواسطة :
يتوزع هذا البحث على أربعة أقسام، إلى جانب المقدمة والتمهيد. ينقسم الجزء الأول بدوره إلى مبحثين، الأول جاء بعنوان: تطور العلاقات الإيرانية الطاجيكية، والثاني بعنوان: تراجع العلاقات بين إيران وطاجيكستان. بينما ويتناول القسم الثاني دور القوى الخارجية ممثلة في روسيا والصين والولايات المتحدة وتركيا والسعودية وإسرائيل. فيما يتناول القسم الثالث دور العوامل الداخلية، ويناقش المعوقات التي ظهرت من كلا الطرفين وطريقة تعامل كلٍ منهما معها، وتأثير ذلك على العلاقات بينهما. ثم تناول القسم الرابع مظاهر التراجع في العلاقات. ثم يُختتم البحث بأهم النتائج التي توصل إليها.
جديرٌ بالذكر أن موضوع البحث لم ينل القدر الكافي من الدراسة؛ حيث لم تجرَ عنه دراسات باللغة العربية؛ كما أن الدراسات باللغة الفارسية قليلة، ولم يصل ليد الباحث الكثير من الدراسات بالطاجيكية، وذلك لحداثة الموضوع وصعوبة الحصول على المراجع الخاصة به، ويعد هذا من بين أسباب اختيار الموضوع، ولكنه جعل الباحث يواجه صعوبة في الوصول إلى مراجع كافية حول الموضوع، وهو ما دفعه للاستعانة بالمواقع والصحف الإلكترونية وكذلك المعلومات المتاحة على موقعي سفارتي الدولتين.
تمهيد
الصلات التاريخية بين إيران وآسيا الوسطى:
يطلق مسمى آسيا الوسطى في التاريخ الحديث على ذلك الإقليم الذي كان يسمى قديماً ما وراء النهر. وقد سُمي هذا الإقليم بأسماء مختلفة خلال العصور التاريخية مثل: ورارود و ورازرود وما وراء النهر ( ) توران وتركستان وخراسان وخراسان الكبرى، وغيره ( ) وكانت حدوده من الجانب الغربي لنهر جيحون، حتى الطرف الشرقي لنهر سيحون، وكانت من بين أشهر مدنه بخارى وسمرقند والصغد وخجند وزرنوق ونوروكش وشاش- طشقند حالياً- وأسبيجاب ونسف ونخشب وطراز وفاراب وفتاكت وكنت( ). (انظر خريطة رقم 1)
خريطة رقم (1)
ظل إقليم ما وراء النهر متماسكاً سياسياً واقتصادياً حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث استولت الصين على جزء منه، سُمي باسم تركستان الشرقية ومساحته 150. 113 كم مربع، وعدد سكانه 12 مليون نسمة، واستولت روسيا على جزء آخر عرف باسم تركستان الغربية ومساحته 4. 106. 000 كم مربع، وبلغ عدد سكانه 17. 636. 760 نسمة طبقاً لإحصائية الروس عام 1939م.
قام الروس السوفييت، في النصف الأول من القرن العشرين بتقسيم تركستان الغربية إلى ست جمهوريات هي: أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقازاخستان وقرغيزيا وقراقلباقستان، بهدف تمزيق وحدة سكان الإقليم، وتفتيت الكتلة الكبيرة إلى وحدات أصغر يصعب السيطرة على كل منها على حدة، وكذلك إثارة النعرات القومية بما يضعف من استقرار الشعوب ووحدتها ( ). انظر الخريطة رقم (2):
خريطة رقم (2)
تأسست جمهورية طاجيكستان الحالية عام 1925م بمنطقة كانت تسمى بخارى الشرقية، بعد انفصالها عن بخارى الغربية، التي تم ضمها لأوزبكستان. وضمت طاجيكستان حينذاك ثلاث مناطق هي لينين آباد، والمنطقة الوسطى- الجنوبية، والباميرس، وأُعلنت جمهورية سوفييتية اشتراكية مستقلة تابعة لجمهورية أوزبكستان، وعاصمتها مدينة دوشنبه. ثم أصبحت جمهورية اشتراكية ضمن الاتحاد الجمهوريات السوفييتية، عام 1929م، وضمت إليها مدينة خجند التي كانت جزءاً من أوزبكستان. ( ) وتبلغ مساحة طاجيكستان الحالية 143. 000 كم مربع تقريباً، تحدها من الشمال قرغيزستان، ومن الشرق الصين، ومن الجنوب أفغانستان، ومن الغرب أوزبكستان ( ).
ارتبط تاريخ الإيرانيين والطاجيك ببعضهما خلال الحقب التاريخية المختلفة منذ ما قبل الميلاد. ففي التاريخ القديم كانت طاجيكستان جزءاً من الإمبراطورية الهخامنشية في القرن السادس قبل الميلاد، ثم فتحت على يد الإسكندر المقدوني في القرن الرابع قبل الميلاد (عام 334 ق. م)، وبعد موته وتقسيم إمبراطوريته بين قادته أصبحت جزءاً من دولة باكتريا اليونانية. وفي القرن الأخير قبل الميلاد هاجمتها أقوام البدو الآريين أو السكائيين. ثم سيطر الطخاريون على كل أراضيها التي سميت بعد ذلك طخارستان. وأسس”كوي شانـغ” الإمبراطورية الكوشانية( )، والتي كانت القوة العظمى في المنطقة منذ القرن الأول وحتى الثالث بعد الميلاد، ثم ضعفت الدولة الكوشانية في أواخر القرن الثالث، وطرد الهون- الهياطلة آخر حكامها من باكتريا عام 425م. ثم فتحها العرب في أواسط القرن السابع الميلادي، وأسلم الآريون المقيمون فيها، وسميت ما وراء النهر أو ورارود( ).
في القرن التاسع الميلادي سيطرت الدولة السامانية ( ) على كل ما وراء النهر وجزءٍ من إيران ( ). وأصبحت بخارى في العهد الساماني أحد أكبر مراكز العلم والأدب في العالم الإسلامي، وانشئت فيها مكتبة عامة، كانت إحدى أهم المكتبات في العالم الإسلامي آنذاك، وظل لبخارى مركزٌ مرموقٌ علمياً وأدبياً طوال عصور السامانيين والقراخانيين والخوارزمشاهيين، حتى لقبت بـ “بخاري شريف”؛ أي بخارى الشريفة ( ).
يعد عصر الدولة السامانية علامة فارقة في ظهور عرق الطاجيك، حيث منحهم ذلك العصر تراثاً زاخراً من الأساطير والذكريات، القيم والرموز، التي أعانتهم على تحسس مستقبلهم بعد ذلك، حيث إن شعور الطاجيك بأصولهم العريقة وتراثهم الثقافي مكّنهم من العيش وسط القبائل التركية، ومنحهم الفرصة فيما بعد لإعادة بناء تاريخهم ونسبهم وعرقهم ( ).
انتهى حكم السامانيين في عام 999م مع غزو الأتراك القراخانيين، ومنذ ذلك الحين أصبحت السيادة فيما وراء النهر في أيدي الحكام الأتراك طوال القرون التالية ( )، حيث فتحها الأتراك السلاجقة في القرن الحادي عشر، ثم هاجمها المغول في القرن الثاني عشر الميلادي، ثم سيطر السلطان تيمور لنك ( ) عليها بعدهم، وجعل سمرقند عاصمةً له، فصارت أكبر مركز ثقافي وفني في آسيا الوسطى. ويرجع لتيمور الفضل في تشييد الأبنية والآثار الفنية في تلك المدينة ( ).
في عام 1512م هاجم الأوزبك ما وراء النهر، وطردوا الكثير من أهلها خارج وديان الأنهار الخصبة ( )، وظلت سيطرتهم قائمة على هذا الإقليم حتى سيطر عليه الروس في القرن التاسع عشر الميلادي، فيما عدا بعض المناطق الصغيرة التي دخلت تحت نفوذ الإيرانيين في عهد السلطانين نادرشاه( ) والشاه عباس( ) -عصر الدولتين الأفشارية والصفوية- وفي أواسط القرن التاسع عشر الميلادي ومع اتساع حدود روسيا جنوباً باتجاه أفغانستان، ضمت إليها مراكز طاجيكية ئيسية مثل اوراتبه وخجند( ).
ظلت مسيرة الأدب واللغة الفارسية متقاربة في إيران وما وراء النهر منذ القرن العاشر وحتى السادس عشر الميلادي، عدا الاختلافات اللغوية المحلية. ولكن مع قيام الدولة الصفوية شيعية المذهب في إيران في القرن السادس عشر الميلادي، ودولة الشيبانيين السنية فيما وراء النهر، تحددت علاقات إيران السياسية بالعالم الخارجي لأسباب مذهبية وقومية، وتراجعت العلاقات الثقافية بين الإيرانيين والطاجيك، واختلفت منذ هذا الوقت مسيرة اللغة والأدب الفارسي في إيران عنها فيما وراء النهر ( ).
هكذا يتضح من العرض السابق أن التاريخ جمع بين إيران وما وراء النهر- ومن بينه طاجيكستان- منذ ما قبل الميلاد وحتى القرن السادس عشر الميلادي، ولهذا فإن إقليم ما وراء النهر مشبع بالحضارة والثقافة الفارسية. يتضح كذلك أن القطيعة السياسية والثقافية بين إيران وما وراء النهر في القرن السادس عشر الميلادي جاءت نتيجة عوامل مذهبية؛ فرغم الصلات والتواصل الثقافي الذي امتد لقرونٍ عديدة بين البلدين، لكن قيام الدولة الصفوية شيعية المذهب، وما صاحبه آنذاك من صدام وممارسات شيعية قضى بالقطيعة السياسية والثقافية، وقطع الجذور الثقافية الراسخة.
جديرٌ بالذكر أن قيام الدولة الصفوية في إيران لم يسفر عن قطيعتها مع ما وراء النهر فقط، ولكن صاحبه كذلك العديد من الصدامات والمعارك التي وقعت مع الدولة العثمانية، التي كانت تمثّل الخلافة السنية آنذاك.
انتقل التبادل الثقافي بين إيران وما وراء النهر عبْر جسورٍ مهمة، كان من أهمها طريق الحرير، الذي شكّل حلقة اتصال بين إيران وآسيا الوسطى طوال التاريخ، حيث كان الحرفيون، الفنانون والمعماريون يرافقون القوافل التي تمر من هذه الطريق، وهم يحملون ثقافاتهم وآدابهم وتقاليدهم إلى أقصى البقاع. وقد كانت حقبة تأسيس الدول والدويلات حول طريق الحرير هي أهم فترات الارتباط الثقافي بين البلدين؛ حيث تأسست مكتبات كبيرة في المدن المطلة على الطريق، وازدادت وتيرة تبادل العلوم والمعارف بين المجتمعات الإسلامية واليونان والصين؛ وهكذا مثّل طريق الحرير وسيلة لانتقال اللغة والثقافة الإيرانيّتين إلى المدن المطلة عليه وحوله من بخارى حتى كاشغر. وكانت الثقافة والفنون الإيرانية مشهودة في كافة مناحي الحياة في آسيا الوسطى، سواء في فترة تبعية ما وراء النهر للأراضي الإيرانية أو ما بعدها. ولهذا تمتلئ لغات أقوام آسيا الوسطى بالعديد من الألفاظ والمصطلحات الفارسية التي لا تزال متداولة بينهم. كما أن كثيراً من الآثار الأدبية والفنية الكلاسيكية المعروضة في متاحف هذه المنطقة مدونة باللغة الفارسية. وكذلك فإن الفن والمعمار الإيرانيين يظهران في كثير من العمائر الأثرية المشيّدة في هذه الحقب التاريخية في آسيا الوسطى، ويمكن تلمس طراز المعمار الإيراني في مدارس ومساجد بخارى، والمدارس العلمية في سمرقند وغيرها. وحتى بعد خروج هذه المناطق عن سلطة إيران المباشرة، ظلت الثقافة الإيرانية مصاحبة لنشر الإسلام، حيث قام الإيرانيون بدورٍ مؤثر في نشر الإسلام وترويج اللغة والثقافة الإيرانيتين في الوقت نفسه ( ).
في عام 1839م، هاجم الروس القياصرة ما وراء النهر، وسيطروا على أجزاءٍ منه، وسمي هذا القسم باسم “ولاية تركستان” في عام 1865م، وفي أكتوبر 1917م، تولى البلاشفة- الشيوعيون الحكم، وشرعوا في ترويس الشعوب السوفييتية وصبغها بصبغة الشيوعية، هادفين للقضاء على كل ما يمكن أن يشغل الشعوب عن خدمة أهدافهم، بدءاً من الأسرة، الدين، اللغة والثقافة، من خلال مخطط لعزل القوميات والأقوام عن ماضيهم الثقافي ونشر الفكر الشيوعي، ازدراء الأديان، القضاء على اللغات القومية والمحلية أو إضعافها ونشر اللغة الروسية باعتبارها لغة مشتركة لكل الأمم والأقوام السوفييت. ( )
هكذا يتضح وجود العديد من الدوافع المؤثرة على طبيعة العلاقات بين إيران وجمهوريات آسيا الوسطى، ولا سيما طاجيكستان؛ ومن بين هذه الدوافع، اللغة، الدين، التقارب الجغرافي، الأقوام، التراث الثقافي وغيره.
أ. الصلات التاريخية:
يوجد أقوام مشتركة ما بين آسيا الوسطى وإيران مثل التركمان، الأتراك والأكراد والإيرانيين، وهؤلاء الأقوام وكذلك الإيرانيون الذين اختاروا الإقامة في آسيا الوسطى يعدوا واسطة مهمة لنقل ثقافة بعضهم البعض. وكذلك فقد تجاور الشعب الإيراني وشعوب طاجيكستان، أفغانستان، أوزبكستان، تركمانستان وأجزاء من قازاخستان وقرغيزستان بالإضافة لجزء من القوقاز خلال فترات التاريخ المختلفة منذ ما قبل الإسلام في عصور الهخامنشيين، البارثيين، الساسانيين، ثم خضعوا بعد الإسلام إلى جانب الإيرانيين لحكم الدويلات الإيرانية الطاهرية، الصفارية، السامانية، البويهية، الغزنوية، السلجوقية والخوارزمشاهية. وفيما يرى بعض المحللين الإيرانيين أن تلك الجيرة قد أدت لخلق هوية مشتركة بين هذه الشعوب، وخلقت بينهم روابط لا تنفصل، فإن الباحث يرى أن هذا الأمر ينطبق على الماضي أكثر منه على التاريخ المعاصر؛ حيث كانت إيران في ذلك هي الخيار الوحيد المتاح لشعوب تلك المنطقة، ولهذا كانت إمكانية خلق هوية مشتركة أمراً قائماً، أما الآن فإن تأثير هذه الجيرة القديمة يمكن أن يسهم في تقبل شعوب تلك المنطقة للثقافة الإيرانية فقط ولا يمتد لخلق هوية مشتركة، خاصة مع وجود خيارات أخرى من بينها اللغة التركية التي كانت قد خلفت الفارسية في ما وراء النهر، وهكذا فإذا ما عوّلنا على عوامل الجوار والسيادة، فإن ذلك سيعطي فرصة لمنافَسة الثقافة التركية، لأنها أقرب الثقافات الإسلامية من حيث الزمن لشعوب تلك المنطقة المعاصرين. ( )
ب. الصلات اللغوية:
كانت اللهجات الإيرانية المختلفة قد انتشرت في خراسان الكبرى قبل دخول الإسلام إلى آسيا الوسطى، وتدل على هذا الكتابات الإيرانية الوسيطة في مرو والأشعار الفارسية الموجودة في تقارير ابن المقفع والمقدسي في بلخ. وقد قدِمت اللغة الإيرانية من هذين المركزين الثقافيين إلى النواحي الشمالية لما وراء النهر، واختلطت باللهجات الإيرانية الأخرى مثل السغدية والطخارية. ومع دخول الإسلام لعبت اللغة الفارسية الجديدة أو الدرية دوراً مهماً في الحياة الثقافية والاقتصادية للنواحي الشرقية للخلافة. كما أن شعوب هذه المنطقة لم يستطيعوا استبدال لغتهم الأم باللغة العربية، ورغم دخولهم جميعاً في الإسلام منذ القرون الأولى، فإن اللغة الفارسية، الفارسية الدرية، كانت هي اللغة التي يُتحدث بها في إيران وأفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان. ( )
لم تُفرض اللغة الفارسية على منطقة آسيا الوسطى، مثل الروسية كما سترد الإشارة لاحقا، ولكنها لاقت قبولاً من العامة والمفكرين في هذه المنطقة ( ) وكانت طاجيكستان جزءاً من بيئة الثقافة الفارسية منذ الماضي البعيد، كما كانت مهداً للثقافة والأدب الفارسي الطاجيكي بعد الفتح الإسلامي واستيلاء السامانيين. واستفاد كثير من العلماء الإيرانيين- مثل ابن سينا- من مكتبات بخارى حاضرة السامانيين. ولهذا فقد استقر الارتباط بالتراث الثقافي- الأدبي الإيراني- الإسلامي وحب الشخصيات الأدبية الفارسية مثل أبو القاسم الفردوسي ( ) وعبد الرحمن الجامي ( ) وسعدي الشيرازي ( ) وحافظ ( ) والرودكي( ) وغيرهم في نفوس الطاجيك، وأنبت جذوراً قوية بين الحضارتين طوال التاريخ، وكانت إحدى سبل العون في عقد التسعينيات، ولعبت دوراً مهماً في التطورات اللاحقة لطاجيكستان. ( )
الجدير بالذكر أن اللغة الروسية؛ فُرضت بالقوة من على الشعوب الخاضعة للاتحاد السوفييتي، وأصبحت لغة الحياة والتعامل وأحد أهم متطلبات الترقي في الوظائف، حتى أن العديد من شعوب هذه المنطقة يتحدثون الروسية إلى جانب لغتهم القومية، وهكذا انتشرت الروسية واتسع استخدامها تلبية للظروف التي فرضها النظام وقتها. أضف إلى ذلك أن تحويل الخط من العربي إلى الروسي أو الكيريلي قد شكّل عائقاً أمام تواصل الشعب الطاجيكي بعد الاستقلال مع الفارسية الإيرانية التي تكتب بالخط العربي، والذي كان قد مُنع في طاجيكستان منذ عام 1929م، وهكذا فرغم أن اللغة الروسية قد تم فرضها بالقوة لكنها انتشرت وتداولت بين الناس في آسيا الوسطى، وحتى الآن يعرفها العديد من شعوب المنطقة كلغة ثانية.
أغفل الرأي السابق خلال إشارته إلى فرض اللغة الروسية كذلك عدم فرض اللغة التركية؛ فاللغة التركية لم يتم فرضها هي الأخرى، وهي يمكن أن يكون لها الحظوة في دول المنطقة الناطقة بالتركية مثل أوزبكستان وقازاخستان وتركمانستان وقرغيزستان، وهكذا فهناك لغتان آخرتان سادتا في آسيا الوسطى؛ أحدهما التركية، ثم الروسية بعد ذلك.
ج. الصلات الدينية:
كان الفتح الإسلامي لإيران بداية عهد جديد في شرق إيران وشمالها وفي منطقة آسيا الوسطى، حيث أوجد الإسلام فيما وراء النهر وحدة لم توجد في أي عصرٍ قبله، وكان له أثرٌ كبير على الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية في هذه المناطق، واعتُبر الإسلام الدين الأساسي في المنطقة في القرن الثالث الهجري. ومنذ هذا الوقت تحولت آسيا الوسطى لإحدى البؤر الثقافية والحضارية الإسلامية، واستمر تقدم الإسلام فيها في القرون التالية، وازدهرت الصلات الأدبية والتعاليم الإسلامية إلى جانب ثقافة إيران وحضارتها في مناطق مختلفة من بينها ما وراء النهر وخراسان، وتحولت مدينتا سمرقند وبخارى إلى مراكز ثقافية وحضارية إسلامية، واضطلعت آسيا الوسطى بدورٍ مهم في التطورات الثقافية والحضارية الإسلامية. وتعتبر آسيا الوسطى الآن من بين أكبر المناطق في العالم الإسلامي، فتركمانستان 87% من سكانها مسلمون، قازاخستان 47%، قرغيزستان 70%، طاجيكستان 80% وأوزبكستان 88%. ( )
د. الصلات العرقية:
الطاجيك هم شعب فارسي الأصل واللغة، يعيش منذ القِدم في آسيا الوسطى وأجزاء من أفغانستان، ويعيش اليوم أيضاً في مناطق إيران وفي ناحية سين كيانج بالصين. ويعد الآريون من الأقوام المشتركة بين إيران ودول آسيا الوسطى، كما تعد القبائل الآرية أقدم السكان- الذين سكنوا تلك المنطقة- التي تعد من أكثر الممالك سكاناً في العالم في الثلاثة آلاف عام ما قبل الميلاد. وقد أثرت الثقافة الآرية كثيراً على المنطقة سياسياً ودينياً، إلى حد أن تلك المنطقة قد حافظت على استقلالها الثقافي وعلى أصولها الحضارية رغم دخولها في الإسلام وتأثيره على الثوابت الثقافية فيها. ( )
هكذا يتضح من الآراء السابقة، تعويل المحللين الإيرانيين على عدة مشتركات ثقافية ودينية ما بين الإيرانيين والطاجيك، ومن بين هذه المشتركات عوامل التاريخ واللغة والدين والروابط العرقية. لكن يرى الباحث أن تحليل تلك المشتركات لا يصب في صالح إيران بشكلٍ كبير؛ فأما من ناحية التاريخ، فإن الأتراك خلفوا الفرس في حكم ما وراء النهر لقرون عديدة، ونشروا لغتهم في ذلك الإقليم، إلى حد أن كل دول آسيا الوسطى- عدا طاجيكستان- تتحدث إحدى اللهجات التركية. وهكذا فتركيا لديها فرصة كبيرة من ناحية التاريخ واللغة أيضاً. وأما من ناحية الدين فلدى تركيا والسعودية الأفضلية المطلقة على إيران، وذلك نظراً لكون غالبية شعوب آسيا الوسطى يدينون بالإسلام على المذهب السني، بينما يعتنق الإيرانيون المذهب الشيعي، الذي يتمسك بفكرة تصدير الثورة، والعديد من الأفكار التي لا تتناسب مع الإسلام السني، بل إنها مبعث خلاف وقلق وصدام في بعض الأحيان، وهكذا فعامل الدين الإسلامي لا يعتبر عامل تقارب، خاصة في ظل وجود هذين البديلين السنيين ورغبتهما في التواجد في المنطقة.
هكذا، وبالرغم من وجود دوافع قوية في علاقات إيران وطاجيكستان مثل الأمن، التقارب الجغرافي، الاشتراكات الثقافية- التاريخية، الاشتراكات اللغوية مع بعض الأقوام، وجود الإيرانيين المقيمين في آسيا الوسطى، ظروف الدولتين على الصعيد العالمي، ضرورة التوسع الاقتصادي والاجتماعي، وجود قضايا اقتصادية، الحاجة للتعاون الإقليمي والدولي لتجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية وكذلك إمكانية التعاون لحل النزاعات الحدودية والقضايا الأمنية، لكن هذه الدوافع مرهونة بالممارسات الثنائية للبلدين، ومدى نجاحها في فرض مناخ من الطمأنينة والتقارب بين البلدين، وسوف نستعرض في المباحث التالية إلى أي مدى نجح الطرفان أو فشلا في مد جذور التوافق، وأسباب النجاح والقصور( ).
المبحث الأول
تطور العلاقات الإيرانية الطاجيكية
مرت العلاقات الإيرانية- الطاجيكية بعدة مراحل؛ بدأت بمحاولات إعادة العلاقات عقب استقلال طاجيكستان عن الاتحاد السوفييتي، تلاها مرحلة صعود للعلاقات، ثم مرحلة تراجع العلاقات بين البلدين. ويمكن تقسيم مراحل تطور العلاقات بين إيران وطاجيكستان إلى أربع مراحل على النحو التالي:
المرحلة الأولى؛ وتبدأ مع استقلال طاجيكستان عام 1991م، حيث كان الطاجيك في مرحلة التعرف على العالم الخارجي وهم مفعمين بالشوق تجاه إيران والإيرانيين، وقد اتسمت هذه المرحلة بالعلاقات الشعبية الواسعة بين البلدين، وخاصة في النواحي الثقافية.
المرحلة الثانية؛ وتتزامن مع فترة الحرب الأهلية في طاجيكستان (1992- 1997م)، وحاولت إيران في تلك المرحلة إنهاء الحرب واحتواء الأزمة، وقامت بجهود كبيرة للوساطة بين أطراف النزاع وإنهاء الصراع في طاجيكستان، وهو ما أدى في النهاية لعقد مفاوضات السلام في تهران بين حكومة طاجيكستان والمعارضين.
المرحلة الثالثة (1997- 2000م)، وهي مرحلة إقرار السلام الوطني في طاجيكستان، وقد كان لإيران دور مهم في ذلك.
المرحلة الرابعة (2000- 2015م)، وهي مرحلة بدء وازدهار العلاقات الاقتصادية بين الطرفين؛ حيث تم تنفيذ مشروعات مهمة مثل حفر وإنشاء نفق استقلال، بناء سد ومحطة كهرباء سنگتوده2( ) ونشاط الشركات والتجار والمستثمرين الإيرانيين في طاجيكستان. وقد أدت مساعدات إيران في المجالات المختلفة إلى تقوية العلاقات وتنميتها على الأصعدة المختلفة. ( )
أولا: دوافع العلاقات بين الطرفين:
تعتبر المصالح المشتركة والصلات الثقافية والتاريخية من بين العوامل المهمة التي تؤثر على طبيعة العلاقات الثنائية بين الدول؛ ومن ثم فإن حجم المنفعة المتحصّلة من التقارب يعتبر أحد المؤثرات الرئيسية على العلاقات بين الدول. وإذا ما طبّقنا هذه النظرية على العلاقات الإيرانية الطاجيكية؛ لاتضح أن كل دولة منهما تتمتع بميزات خاصة يمكن أن تمثل عوامل جذب للدولة الأخرى للتقارب وإقامة علاقات تعاون معها؛ ومن بين هذه العوامل:
1. عوامل الجذب الإيرانية:
تتمتع إيران بعدة مميزات في علاقتها بطاجيكستان؛ من بينها ما يلي:
– الاشتراك في العادات، الدين، الثقافة، التاريخ واللغة، ومن الناحية الاقتصادية فإن التقارب الجغرافي بينهما يعتبر من المزايا المهمة أيضاً.
– يمكن لطاجيكستان الاتصال بأوروبا عن طريق إيران، كما يمكنها الوصول إلى الخليج العربي وبقاع أخرى في العالم عن طريق الموانئ الإيرانية.
– يعد تمتع إيران بمصادر الطاقة اللازمة لإنتاج السلع الوسيطة أو الاستهلاكية، وكذلك التجارب والخبرات الفنية في مجال اكتشاف، إنتاج وتكرير النفط والغاز وبناء السدود مفيدة جداً لطاجيكستان.
– نظراً لكون كل جمهوريات آسيا الوسطى المحيطة بطاجيكستان تركية اللغة، لذا تعتبر إيران بمثابة وطن ثقافي للطاجيك. ( )
– تعتبر جهود إيران لإنهاء الحرب الأهلية في طاجيكستان من أهم أسباب تقوية وضعها في طاجيكستان؛ فقد كانت إيران أحد راعيين أساسيين- إلى جانب روسيا- في إنهاء النزاع المسلح وعقد اتفاق السلام بين الأطراف الطاجيك.
بدأت أولى مفاوضات السلام بين ممثلي حكومة طاجيكستان بقيادة إمام علي رحمان ( ) وائتلاف المعارضة بقيادة عبد الله نوري في الثالث من إبريل 1994م في موسكو بجهود إيران وروسيا. وحضر المفاوضات مراقبون من إيران، أفغانستان، أوزبكستان، قازاخستان، قرغيزستان وطاجيكستان. وكان للإيرانيين دور مهم في تقدم المفاوضات؛ حيث كانت وساطتهم خلال مفاوضات السلام بموسكو سبباً في تقليل الاشتباك العسكري بين الطرفين وتبادل مجموعة من الأسرى. وكان دور إيران الإيجابي ونشاطها سبباً في عقد المرحلة التالية لمفاوضات السلام في 18 يونيو 1994م في تهران، واستطاعت تهران تقريب الطرفين خلال هذه المفاوضات. وقد شارك أكبر هاشمي رفسنجاني- الرئيس الإيراني آنذاك- بنفسه في المفاوضات، وذهب الطرفان للقاء آية الله خامنئي، وأسفرت جهود إيران عن التمهيد لأول مرة لوقف إطلاق النار بين الطرفين.
قبل المرحلة الثالثة للمفاوضات- التي كان من المزمع عقدها في إسلام آباد- عُقدت فترة محادثات تشاورية من 12- 17 سبتمبر في تهران بناء على اقتراح الجانب الإيراني، وأسفرت هذه المحادثات عن اتفاقات مهمة، عرفت باسم اتفاق تهران نظراً لدورها في إنهاء النزاع بين الأطراف الطاجيك، وتم قبول هذا الاتفاق من قبل روسيا، ثم من قبل مجلس الأمن في 22 سبتمبر 1994م. وكذلك سعت إيران لعقد محادثات بين إمام علي رحمان وعبد الله نوري بغرض إنهاء الحرب. ووسّطت إيران برهان الدين رباني الرئيس الأفغاني ( )- من أصل طاجيكي- لإتمام المحادثات بين الجانبين، وتم اللقاء في 17 مايو 1995م.
كان اللقاء التالي، في 19 يوليو، بحضور الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني وعلي أكبر ولايتي ووزير خارجيته، الذي قام بدور مهم في مفاوضات استمرت لعدة سنوات بين الطرفين، وقد أسفرت تلك اللقاءات عن تشكيل لجنة للسلام الوطني بطاجيكستان، وكانت تتشكل من 26 عضواً (13 من كل جانب) وتولت هذه اللجنة مسئولية فصل طرفي النزاع، تبادل الأسرى وتحديد تشكيل حكومة السلام الوطني.
كان وعد إيران بتقديم مساعدات قومية، صناعية وتجارية لطاجيكستان من بين الجهود الإيرانية لإقرار السلام في طاجيكستان، حيث اشترطت إيران إنهاء النزاع والحرب الأهلية حتى تبدأ في تقديم تلك المساعدات. وتم توقيع عقد السلام بين الطاجيك من قبل إمام علي رحمان وسيد عبد الله نوري بشكل نهائي في 25 يونيو 1997م خلال مراسم عقد الصلح في موسكو، وهكذا تم إنهاء خمس سنوات من الحرب الأهلية الطاجيكية. ( )
هكذا فإن إيران كان لديها عدة مميزات؛ يمكن أن تساعد على دفع علاقاتها بالطاجيك؛ من بينها التقارب التاريخي، الجغرافي، دور إيران في إنهاء الحرب الأهلية في طاجيكستان.
2. عوامل الجذب الطاجيكية:
– تحظى منطقة آسيا الوسطى بشكل عام بأهمية كبيرة على الصعيد العالمي، نظراً لتوافر مصادر الطاقة والثروات الطبيعية بها؛ “فحسب وزارة الطاقة الأمريكية، فإن منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين تحتويان على ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم بعد منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، حيث تشير أغلب الدراسات إلى امتلاكها 15% من إجمالي الاحتياطي العالمي للنفط. كما تحظى آسيا الوسطى أيضاً بالمرتبة الأولى عالمياً من حيث احتياطي الغاز الطبيعي بها، والذي يبلغ 50% من إجمالي الاحتياطي العالمي. ( )
– يعتبر الموقع الجغرافي لطاجيكستان من بين أهم عوامل الجذب في علاقتها بالنظام الإيراني؛ حيث تجاور طاجيكستان الصين من ناحية الشمال، كما كانت طاجيكستان جزءاً من الاتحاد السوفييتي قرابة السبعة عقود؛ وبهذا يمكن لطاجيكستان أن تكون همزة وصل في تحسين علاقات إيران بهاتين الدولتين العظمتين. ( )
– تعتبر طاجيكستان الشريك الاقتصادي والسياسي الأقرب لإيران في آسيا الوسطى؛ وبالتالي فإن نمو طاجيكستان سوف يؤدي إلى تحويل شريك إيران الإقليمي الضعيف إلى شريك قوي، وهو ما يصب لصالح إيران بالضرورة؛ (لأن الحليف القوي أفضل من الحليف الضعيف).
– تعد طاجيكستان بوابة دخول المنتجات والتكنولوجيا الإيرانية إلى أسواق آسيا الوسطى؛ نظراً لوقوعها في نقطة تمكِّنها من وصل إيران بالصين وقازاخستان وشرق روسيا عن طريق الطرق البرية.
– تعتبر طاجيكستان أهم منتج للألومنيوم، وأحد أهم منتجي خيوط القطن في آسيا الوسطى، وفي المقابل فإن إيران هي مستورد هذين المنتجين. كذلك فصادرات طاجيكستان من الفاكهة يمكن أن تكون أحد المجالات المناسبة والقابلة لزيادة التعاون.
– وفقاً للإحصاءات؛ إذا أحسنت طاجيكستان استغلال مصادر طاقتها فيمكن أن تنتج 90 مليار كيلو وات/الساعة من الطاقة الكهربائية في العام، وهي تحتاج لنصف هذا المعدل فقط. وبالتالي فيمكنها في المستقبل تصدير الكهرباء لإيران، خاصةً في ظل تزايد حاجة إيران للطاقة الكهربائية.
– تشكل ميزانية إيران رقماً مهماً نظراً لزيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية، ومن الأفضل لإيران استثمار رأس المال هذا عن طريق ضخه في مشروعات مربحة محلية وخارجية من أجل إعادة إنتاجه؛ لأن الاحتفاط بهذا النقد في الداخل يؤدي للتضخم؛ ولهذا فالدول المنتجة للنفط تحاول استثمار فائض ميزانيتها في دول آمنة.
– تواجه طاجيكستان وإيران عدة تهديدات مشتركة أهمها تهريب المخدرات، الإرهاب والتطرف. وعندما يكون التهديد مشتركاً فسوف يؤثر نجاح إحدى الدولتين في مقاومته إلى نجاح الأخرى أيضاً. ( )
هكذا يتضح أن كلتا الدولتين تتمتعان بعوامل جذب مختلفة، تجعل بناء العلاقات الجيدة في صالح الطرفين معاً. “ونظراً للصلات الثقافية والتاريخية الكثيرة، كان هناك رغبة مشتركة بين الشعبين الإيراني والطاجيكي في تعميق العلاقات بين البلدين، بل إن البعض في كلتا الدولتين فكروا في إحياء “إيران الكبرى” مجدداً، بحيث تتشارك الدول فارسية اللغة الأرض مرة ثانية. ناهيك عن العلاقات الرسمية بين الدولتين، المصالح الاقتصادية، السياسية والثقافية التي يمكن أن تنتج عن هذه العلاقات. ( )
بتحليل عوامل الجذب السابقة بين الدولتين؛ يتضح أن طاجيكستان لديها عوامل جذبٍ أكثر مقارنةً بإيران؛ فقد اعتمدت عوامل الجذب الإيرانية بشكلٍ كبير على التراث الثقافي والتاريخي والحضاري المشترك؛ بالإضافة إلى دور إيران المهم في إنهاء الحرب الأهلية الطاجيكية؛ وهذه العوامل مهمة ومؤثرة في العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكن كما ذُكر سابقاً فهذه العوامل تعطي إيران الأفضلية إذا ما تساوت فرصها مع الدول الأخرى على الأصعدة المختلفة، ولكنها لا تكفي وحدها كدافع لإقامة العلاقات.
تَمثَّل عاملا الجذب الثاني والثالث لدى إيران في إمكانية استثمار فائض رؤوس أموالها في طاجيكستان، وكذلك إمكانية وصول طاجيكستان إلى الخليج العربي والمياه الدولية عن طريق إيران. ورغم أهمية هذه العوامل فإن أهميتها تقل عند مقارنتها بعوامل الجذب الطاجيكي، وذلك على النحو التالي:
أولاً: طاجيكستان؛ تلك الدولة المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي- التي عانت من حرب ست سنوات أنهكتها اقتصادياً وسياسياً، وأضعفت هويتها الاجتماعية- كانت تمثّل إغراءاً كبيراً للعديد من الدول الباحثة عن السيطرة ومد السيادة والنفوذ الاقصادي والسياسي، لاستغلال هذه الفرصة المتاحة لمد نفوذهم السياسي وملء فراغ الهوية المتخلَّف عن انهيار السوفييت، وكذلك هي بيئة مناسبة لاستثمار رؤوس الأموال في هذه البلد المنكوب من الحرب الأهلية، والتي كانت لاتزال بحاجة إلى جهد كبير لإعادة إعمارها.
ثانياً: طاجيكستان هي الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي تتحدث الفارسية كلغة رسمية، وبهذا فهي لديها الحافز الأقوى لإقامة العلاقات مع إيران. وإذا ما أضفنا العامل السابق المتمثل في فرص الاستثمار السياسي والاقتصادي والثقافي في طاجيكستان، وكذلك إذا ما أضفنا العزلة التي تعاني منها إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية ومحاولاتها تصدير الثورة- والذي كان عاملاً أساسياً في توتر علاقاتها بالعديد من الدول الإقليمية والدولية- فبتأمل هذه العوامل يتضح أن طاجيكستان كانت الخيار الوحيد لتخفيف آثار العزلة الإيرانية؛ في حين كانت إيران بديلاً يمكن الاستعانة بغيره من الدول.
ثالثاً: كان نجاح إيران في إقامة علاقات جيدة مع طاجيكستان يمكن أن يشكّل حافزاً مهماً على إقامة علاقات لها مع باقي دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وقازاخستان وقرغيزستان وغيرها، كما كان من الممكن أن يؤدي لتحسين علاقاتها بالعديد من الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين وروسيا؛ وهكذا فإن طاجيكستان كان من الممكن أن تكون بوابة دخول إيران إلى آسيا وإلى عقد اتفاقات وشراكات اقتصادية وسياسية مهمة لإيران في تلك المنطقة.
ثانياً: مجالات التعاون بين البلدين:
كانت موسكو هي القناة التي تمر من خلالها علاقات إيران وطاجيكستان خلال فترة حكم السوفييت، ولكن بعد سقوط السوفييت واستقلال طاجيكستان أصبحت العلاقات مباشرة بين طاجيكستان وإيران. ( ) حيث كان سقوط الاتحاد السوفييتي فرصة لٌإيران للخروج من عزلتها السياسية التي استمرت لسنوات عقب الثورة الإسلامية، ورأت أن هذه التحولات يمكن أن تعيد لها مكانتها في المنطقة وتزيد من تأثيرها في الشرق الأوسط. ( )
يري الباحث أن التاريخ الفعلي للعلاقات بين البلدين بدأ بعد استقلال طاجيكستان؛ وإن كان هناك علاقات قبل الاستقلال، فقد كانت متقطعة وغير منتظمة ولا يمكن التعويل عليها، حيث كانت روسيا السوفييتية هي المسار الذي تمر من خلاله العلاقات، ولهذا كانت مسألة العلاقات مع إيران مرتبطة في الأساس برغبة السوفييت وليس برغبة الطاجيك، وكذلك كانت هذه العلاقات مرتبطة ومتأثرة في صعودها وهبوطها بطبيعة العلاقات الإيرانية الروسية، ولهذا فهي تندرج في إطار انعكاسات العلاقات الإيرانية الروسية.
كانت إيران أول دولة اعترفت رسمياً باستقلال طاجيكستان عام 1991م، وافتتحت سفارة لها في دوشنبه في 21 يناير 1992م، وغيّر الطاجيك على سبيل التقدير الشارع الذي تقع فيه السفارة من ماكسيم غوركي- الأديب السوفييتي السابق- إلى شارع تهران، وتم نصب تمثال الفردوسي في وسط دوشنبه بدلاً من تمثال لنين. وتلى هذا سفر وفد سياسي وثقافي إيراني رفيع المستوى برئاسة المندوب الخاص للرئيس الإيراني ومساعد وزير الخارجية آنذاك إلى طاجيكستان، ومن ثَم بدأ تبادل الوفود بين الدولتين؛ وهو ما أسهم في تعميق العلاقات وتوقيع العديد من الاتفاقات بينهما، وأعقب ذلك زيارة وفد طاجيكي رفيع المستوى برئاسة الرئيس الطاجيكي رحمان نبيوف إلى إيران. كما تم افتتاح سفارة طاجيكستان في تهران بعد 4 سنوات؛ أي في 18 يوليو 1995م. ( )
بملاحظة تاريخ افتتاح السفارتين الإيرانية والطاجيكية، يتضح أن السفارة الإيرانية كان لها السبْق؛ حيث تم افتتاحها قبل الطاجيكية بأربع سنوات؛ وهو ما يعني أن إيران هي التي بادرت بتقديم خدماتها للطاجيك. ويمكن أن يُعزى التأخر في افتتاح السفارة الطاجيكية في إيران إلى ضعف حال الدولة الطاجيكية وانشغالها بالحرب الأهلية التي بدأت ارهاصاتها منذ عام 1991م؛ أي في نفس عام افتتاح السفارة الإيرانية.
يرى البعض- مثل رمضان ميرزاييف سفير طاجيكستان السابق في تهران- أن الفترة الذهبية للعلاقات الإيرانية الطاجيكية كانت خلال فترة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حيث تم تنفيذ أكثر المشروعات الاقتصادية في طاجيكستان خلال هذه الفترة، وأن فترة الجمود في العلاقات بدأت بعد انتهاء رئاسة نجاد لإيران ( ). ويفسر البعض ذلك بأن إيران انشغلت بعقد الاتفاق النووي مع القوى العظمى وبمحاولتها عقد السلام مع أمريكا وفرنسا وألمانيا، وهو ما شغلها عن الاهتمام بدول المنطقة وأضعف من جهودها لمحاولة احتواء التأزم في العلاقات الطاجيكية؛ حيث اختلف توجه الحكومة الإيرانية في عهد حسن روحاني عن سابقه أحمدي نجاد؛ ففي حين أولى نجاد اهتماماً أكبر بدول المنطقة، فإن روحاني ركّز على السلام مع الغرب ( ). وفيما يلي بعض أهم مظاهر التعاون التي تمت بين البلدين:
– في يونيو 1992م زار الرئيس الطاجيكي رحمان نبيوف، إيران زيارة رسمية جرى خلالها تحديد المبادئ الأساسية الحاكمة للتعاون السياسي، الاقتصادي والثقافي بين البلدين.
– في يوليو 1995م زار الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان، إيران، وتم توقيع مذكرات تفاهم حول توسيع التعاون بين البلدين، بما يفتح اتجاهات جديدة في تقدم العلاقات الثنائية. ( )
– بحلول عام 2010م كان قد تم تبادل 22 زيارة من رؤساء الدولتين لعاصمتي بعضهم البعض، إلى جانب المحادثات حول القضايا الإقليمية والدولية.
– سافر الرئيس الطاجيكي ثماني مرات إلى إيران، من بينها مرتان في 2008م، حيث التقى حينها بالمرشد الإيراني علي خامنئي. فيما سافر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ست مرات إلى طاجيكستان. ( )
تم توقيع اتفاقات للتعاون الثنائي خلال سفر رؤساء الدولتين واللقاءات والمفاوضات المتكررة في مجال الطاقة المائية، النقل والطرق، بناء الأنفاق، التجارة والراديو والتليفزيون. وخلال التسعة عشر عاماً الماضية [حتى عام 2010] تم توقيع أكثر من 160 اتفاق في كافة المجالات؛ سياسية، اقتصادية، ثقافية، قضائية، موضوعات بنكية ومكافحة المخدرات. ( )
تم توسيع علاقات التعاون البرلمانية بين البرلمانين الإيراني والطاجيكي خلال السنوات الأخيرة. ويبدو أن العلاقات الثنائية بين البلدين كانت قد وصلت إلى ذروتها خلال فترة أحمدي نجاد، إلى حد تنسيق مواقف الدولتين الإقليمية تجاه الأزمات الدولية؛ “حيث زار الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان، إيران، ليبحث مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القضايا المتعلقة بالأزمة المالية العالمية وتدشين نظام اقتصادي في المنطقة في 27 سبتمبر 2008م بناءً على دعوة الرئيس الإيراني. “( ) وكذلك فقد أشادت إيران بآراء طاجيكستان، حكومة وشعب ووسائل إعلام ودعمهم للقضايا المتعلقة بإيران على الصعيدين الإقليمي والدولي، مثل حق إيران في الاستفادة من الاتفاق النووي وعضوية إيران الكاملة في منظمة شنغهاي ( ). ( )
تم توسيع علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وتشكيل لجنة اقتصادية تجارية مشتركة، وقامت تلك اللجنة بعقد ثماني جلسات، هذا بالإضافة لافتتاح أكثر من 150 شركة إيرانية في طاجيكستان من بينها مصنع لصناعة الجرارات.
تم تنسيق رحلات عمل عديدة من وفود طاجيكية إلى إيران والعكس خلال الأعوام السابقة، وتم خلالها توقيع العديد من الاتفاقات الثنائية في مجال التعليم، الدفاع، الصناعة، الزراعة، البناء وغيره. وبدأ التخطيط لتوسيع التعاون ليشمل الدول الثلاث فارسيّ اللغة [إيران- طاجيكستان- أفغانستان]، وكان أول لقاء مشترك للدول الفارسية الثلاث في 10 مايو 1997م في دوشنبه لمناقشة قضايا التعاون المتبادل في مجالات الاتصالات، الطرق السريعة والحديدية، إقامة محطات الكهرباء وغيرها. ( ) وفيما يلي أهم مجالات التعاون بين البلدين:
1. العلاقات الاقتصادية:
كانت العلاقات الاقتصادية بين إيران وطاجيكستان قد تطورت بشكلٍ ملحوظ قبل مرحلة الجمود التي حدثت فيما بعد، ويبدو هذا واضحاً من تصريح فرخ حمروليف وزير الاقتصاد والتجارة الطاجيكي، الذي أعلن أن إيران هي الشريك التجاري الثالث بعد روسيا والصين، وأن حجم التبادل التجاري مع إيران بلغ أكثر من 4% من مجموع التجارة الخارجية لطاجيكستان في 29 مارس 2009م، أي ما يعادل 143. 148. 000 دولار. ( )
أرادت إيران مضاعفة التعاون التجاري والاقتصادي مع طاجيكستان؛ خاصةً في ظل العقوبات والعزلة الدولية المفروضة عليها، ويتضح هذا من تصريح عبد الغني محمد عظيموف رئيس جمعية السياسيين الطاجيك؛ حيث قال: “إن إيران تنوي وصول استثماراتها في المشروعات الطاجيكية إلى ملياري دولار في العِقد القادم، وأشار لكون إيران الأقل نصيباً من حيث الاستثمار في طاجيكستان بعد الصين وروسيا؛ حيث يعمل الصينيون الآن في مجال التعمير والاتصالات والتجارة، واحتلت روسيا المركز الثاني بمشروع بناء محطة كهرباء “سنگ توده 1”. ( )
تعتبر طاجيكستان أفقر دول آسيا الوسطى وأقلهم من حيث معدل دخل الفرد، ومع سقوط الاتحاد السوفييتي ووقوع الحرب الأهلية واجهت الدولة مشكلات صعبة، ولم يكن لديها من السلع أو المنتجات ما يمكّنها من المنافسة في الأسواق العالمية، سوى القطن، أضف إلى ذلك ما واجهته الدولة من عقبات في توفير المياه ونظام الري. وقد استطاعت إيران من خلال تحليل هذه المشكلات تصميم مشروعات عمرانية يحتاجها الشعب الطاجيكي. ( )
حسب تقرير وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، فإن إيران أحد المصدرين الأساسيين للمواد الغذائية ومواد البناء لطاجيكستان، وتستورد من طاجيكستان الألومنيوم والقطن. ( )
دخلت العلاقات الاقتصادية بين إيران وطاجيكستان مرحلة جديدة بزيارة الرئيس الطاجيكي لإيران في يوليو 1995م؛ حيث تم خلال هذه الزيارة توقيع 12 وثيقة تعاون في المجالات المختلفة؛ السياسية، الثقافية والاقتصادية بين الدولتين. ( ) ويقسم البعض العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى قسمين: أحدها التبادل التجاري والآخر الاستثمارات الإيرانية في قطاعات الصناعة والتنمية في طاجيكستان.
أ- التبادل التجاري بين إيران وطاجيكستان:
– في عام 1993م بلغت صادرات إيران إلى طاجيكستان 4,427,013 دولار، ووارداتها من طاجيكستان 18,269,877 دولار.
– في عام 2003م بلغت صادرات إيران 77,525,110 دولار، ووارداتها 13,671,323 دولار.
– في عام 2006م كانت صادرات إيران 127 مليون دولار ووارداتها 8 مليون دولار.
– في عام 2007م كانت صادرات إيران 168 مليون دولار ووارداتها 24 مليون دولار.
– في 2008م كانت صادرات إيران 176 مليون دولار ووارداتها 39 مليون دولار. ( )
وصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين في عام 2011م إلى أكثر من 204 مليون دولار، بزيادة قدرها 102% عن عام 2010م. ووصل خلال ثمانية أشهر من عام 2013م إلى حوالي 280 مليون دولار. ( )
في إطار تنمية العلاقات التجارية بين إيران وطاجيكستان، تم عقد معرضين تجاريين إيرانيين في دوشنبه عام 2009م؛ أحدهما للمنسوجات اليدوية الإيرانية والآخر معرض صناعي وتجاري بحضور 62 ممثلاً للصناعات الإنتاجية الإيرانية.
عقد المعرض الإيراني المتخصص في الطاقة لمدة أربعة أيام في قاعة القصر بمدينة دوشنبه بهدف تصدير التقنية والمعدات إلى طاجيكستان، وعرضت 22 شركة هندسية إيرانية ومنتجو معدات صناعة وإدارة الكهرباء الإيرانيون منتجاتهم في المعرض، وتم في هذا المعرض عرض أجهزة لتقليل الطاقة الكهربائية والغاز واللمبات قليلة الاستهلاك، نقل المياه للزراعة وأجهزة تحلية المياه. وأعلن علي أصغر شعردوست( ) سفير إيران في طاجيكستان على هامش افتتاح هذا المعرض أن خمس مجموعات من الدولتين تبادلوا زيارة الدولتين في النصف الأول من العام وهذا الأمر سوف يزيد التعاون فيما بينهم.
يتضح من الإحصاءات السابقة أن معدل صادرات إيران إلى طاجيكستان ارتفع من 4,427,013 دولار في عام 1993م، إلى 176 مليون دولار في عام 2008م؛ أي ما يعادل أربعين ضعفاً تقريباً، بينما ارتفع معدل صادرات طاجيكستان إلى إيران من 18,269,877 دولار في عام 1993م، إلى 39 مليون دولار في عام 2008م، أي ما يعادل ضعفين تقريباً، وهو ما يعني أن طاجيكستان كانت بيئة مهمة وخصبة للاستثمارات الإيرانية فيها وزيادة الدخل القومي الإيراني، خاصة وأن معدل زيادة الصادرات الإيرانية كان مرتفعاً جداً خلال فترة تحسن العلاقات. كما يتضح أيضاً من المعارض السابق ذكرها أن طاجيكستان كانت سوقاً مهماً لعرض خدمات التقنية الإيرانية، خاصةً في ظل حاجة الدولة الطاجيكية إلى العديد من المشروعات التقنية.
ب- المشروعات الاستثمارية:
حدد المسئولون الطاجيك أولوياتهم الاقتصادية في الاستثمار في قطاعات الطاقة، المعادن وصناعات القطن، وأعلنوا عن سعي دولتهم لتهيئة الأوضاع القانونية والاجتماعية لجذب الاستثمارات في هذه القطاعات، وعلى هذا الأساس بذلت إيران جهوداً كبيرة للاستثمار في هذه القطاعات. وفيما يلي بعض المشروعات الإيرانية التي نُفذت أو التي لازالت في حيز التنفيذ في طاجيكستان:
– بناء محطة الطاقة الكهرومائية سنگ توده 2.
– شق طریق سیارات من المنطقة الغربیة إلى شمال أفغانستان، وهذا الطريق يربط الدول الثلاث إيران، أفغانستان، طاجيكستان.
– إقامة طريق خاروغ- كاشغر، الذي يصل مركز محافظة بدخشان الطاجيكية بمنطقة سين كيانغ الصينية.
– إقامة مستشفى ابن سينا الخاصة للقلب والكلى.
– بناء مصنع تاجيران لصناعة الجرارات. ( )
– المشاركة في مشروع نفق انزاب. ( )
– زيادة عدد رحلات الركاب بين إيران وطاجيكستان إلى ثلاث رحلات أسبوعياً لشركة الطيران الطاجيكية “تاجيك إير” وشركة الطيران الإماراتي “آسمان”. وهناك ثلاث رحلات أسبوعية دوشنبه- تهران، دوشنبه- مشهد، دوشنبه- مشهد. ( )
– مشروع بناء محطة كهرباء عيني ودشوراب.
– إعادة بناء فندق في طاجيكستان.
– مشروع بناء نفق چهار مغزك.
– تدشين وحدة للصناعات الداجنة في مدينة خجند.
– بناء وحدة لإنتاج المياه المعدنية بناحية مدينة طوس التي تسمى واحد وأربعين نبع.
– تدشين عدة مراكز اتصالات في مدن طاجيكستان المختلفة (مركز 1000 رقم بمدينة كافرنهان، مركز 1500 رقم في مدينة راغون، مركز 500 رقم في آبغرم).
– تطوير شبكة الاتصالات والإنترنت.
– بناء مصنع للزيوت باستثمار لوحدتي إنتاج مواد غذائية.
– تصميم وإقامة 3 مجتمعات عمرانية 16 طابقاً في دوشنبه.
– عقد معارض إيرانية متخصصة في طاجيكستان.
– إنشاء مصنع للجلود في منطقة كولاب.
– افتتاح فرع للبنك التجاري في دوشنبه.
– عقد لجنة مشتركة لإعداد اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري.
– – توقيع عقد بناء مصنع للأسمنت في جنوب طاجيكستان. ( )
المعرض الإيراني الطاجيكي المتخصص الرابع:
تم تدشين هذا المعرض بالتعاون مع الغرفة التجارية الطاجيكية، بهدف تنمية وتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران وطاجيكستان. وقال عباس نجاد المدير التنفيذي لشركة مشهد التجارية وأحد منظمي هذا المعرض في 30 نوفمبر 2011م: “تم في هذا المعرض عرض وبيع قطاعات من الاقتصاد الإيراني، من بينها شركات الأغذية، البناء، الزراعة، المعدات الطبية، استصلاح الأراضي وإنتاج الزيوت النباتية، معدات التعبئة، منتجات منزلية وأنظمة تهوية. وقد شارك في هذا المعرض 27 شركة استطاعوا نقل منتجاتهم إلى عاصمة طاجيكستان.
عقدت الجلسة الثامنة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين الدولتين خلال أيام 28 سبتمبر- 1 أكتوبر 2010م في مدينة دوشنبه، وفي نهاية الجلسة الثامنة للجنة المشتركة في 2 أكتوبر 2011م تم توقيع مذكرات تعاون في المجال التجاري، الاقتصادي، الفني والثقافي. وتم توقيع مذكرة تفاهم في مدينة دوشنبه من قبل المهندس نامجو وزير الطاقة ورئيس الوفد الإيراني وغل شیرعلي، وزير الطاقة والصناعة ورئيس الطرف الطاجيكي، واتفقت الدولتان على التعاون في مجالات الطاقة، المياه، الصناعة، المعادن والخدمات الهندسية، الفنية، التجارية، الاقتصادية والمالية، التأمين، الزراعة والاستثمار، المجالات العلمية، الثقافية، التعليم، الصحة، التراث الثقافي، السياحة، الشحن والنقل، رسم الخرائط، الاتصالات والشئون الاجتماعية. واتفق الطرفان على تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ اتفاقات الجلسة الثامنة للجنة المشتركة لمدة شهرين. ( ) واتُفق كذلك على عقد الجلسة التاسعة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي، الفني والثقافي للدولتين في العام التالي في تهران، وتم عقد الجلسة التاسعة بعد عامٍ ونصف تقريباً في تهران بحضور وزير الطاقة الإيراني ونظيره الطاجيكي، وكان الهدف من ذلك اللقاء توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين ( ). وتم خلال تلك الجلسة توقيع خمس مذكرات تفاهم، من بينها مذكرة تفاهم حول محطة كهرباء عيني، واتفاق التعاون بين شركة سابير الإيرانية ووزارة النقل الطاجيكية بخصوص نفق انزاب. ( )
في 22 فبراير 2012م بدأ مؤتمر الفرص الاستثمارية في دوشنبه بحضور عدد من مسئولي السفارة الإيرانية والناشطين ومديري الشركات الإيرانية والطاجيكية في وزارة التنمية الاقتصادية والتجارية الطاجيكية لتعريف النشطاء في قطاع الصناعة والتجارة الإيراني بمجالات العمل في طاجيكستان.
قال حميد الله خان فقيرُف، نائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الطاجيكي حول زيادة التعاون الإيراني والطاجيكي خلال 20 عاماً من استقلال طاجيكستان: تم في هذه المدة توقيع ما يزيد على 160 وثيقة تعاون بين الدولتين ونفذت إيران أكثر تعهداتها، كما صرح بأن إيران تأتي في المرتبة الثالثة من حيث التعاون مع طاجيكستان بعد روسيا والصين ( ).
يتضح من تصريح فقيرُف السابق أنه خلال 20 عاماً من التعاون الإيراني- الطاجيكي في مجال الاقتصاد والتجارة لم تحدث مشكلات اقتصادية مهمة، كما صرّح فقيرُف نفسه بأن إيران التزمت بتعهداتها الاقتصادية.
يلاحظ أيضاً أن العلاقات الإيرانية الطاجيكية في مجال الاقتصاد والاستثمار، كانت تسير باتجاه طاجيكستان؛ أي أن المشروعات الاقتصادية والاستثمارية كانت أحادية الجانب في الأغلب؛ حيث تم تدشين وتنفيذ أغلبها من قبل إيران، باعتبارها الدولة المصدِّرة إلى طاجيكستان، الدولة المستقبلة؛ ويمكن تفسير هذا الأمر في إطار ضعف خبرة الطاجيك الاقتصادية بعد انفصالهم حديثاً عن الاتحاد السوفييتي، وكذلك نكبتهم من الحرب الأهلية، وهو ما نتج عنه قلة رؤوس الأموال وضعف الخبرات الفنية بعد هجرة الكثير منها مع انهيار السوفييت، وبالتالي عدم وجود مؤسسات قادرة على الاضطلاع بتنفيذ المشروعات الكبرى. على عكس إيران التي كان لديها الكوادر الفنية والخبرات اللازمة عند مرحلة بدء العلاقات بين البلدين.
2- العلاقات الثقافية:
باتت العلاقات الثقافية تحظى بثقة واهتمام كبير في عصر العولمة الثقافية، ففي ظل الضغوط الشديدة التي تمارسها الثقافات الأجنبية ومحاولات طمس الهوية والثقافة المحلية والوطنية، أصبح لزاماً على الثقافات المحلية أن تطور أساليب وأدوات دفاعها كي تتمكن من مواجهة تلك الضغوط.
يعتبر البعد الثقافي أحد الركائز الأساسية في استراتيجية الامتداد الإيراني ومحاولات مد النفوذ على المستوى الإقليمي؛ حيث ترتكز محاولات المد الإقليمي لإيران على عاملين؛ العامل الأول هو الثقافة، والعامل الثاني هو الدين وتصدير الثورة الإيرانية؛ والتي تستند هي الأخرى بدورها على رصيد كبير من التراث الثقافي الإيراني. ومن ثم “كان سقوط الاتحاد السوفييتي فرصة كبيرة لإيران لتوسيع نفوذها الثقافي في كثير من الدول وخاصة المناطق التي يجمعها معها تاريخ مشترك. ولما كانت آسيا الوسطى هي الأقرب تاريخياً وثقافيا، ونظراً للمصالح الإيرانية الواسعة في هذه المنطقة، ولكون طاجيكستان أكثر الدول مناسبةً للعلاقات الثقافية مع إيران نظراً للتراث التاريخي- الثقافي المشترك. ( ) ونظراً لأن الدولتين تستندان إلى خلفية ثقافية مشتركة، فهذا كله جعل الشعب والمفكرين الطاجيك يعتبرون إيران بلدهم الثاني، وبالتالي كان إقرار الاتصال الثقافي من بين أولى مطالبهم. “( )
من وجهة النظر الإيرانية، فإن الهوية الفارسية- الإسلامية المشتركة تعتبر مبرراً لإقرار العلاقات الثقافية مع دول آسيا الوسطى، وأن الثقافة المشتركة سوف تدعم علاقات الصداقة مع هذه الدول، وتؤدي إلى فهم متبادل وتعاون إقليمي مشترك، وتمكّن إيران من استغلال هذه الطاقات لزيادة قوتها الناعمة بالاستفادة من الأدوات العلمية والتعليمية أكثر من الأدوات السياسية. ( ) لكن هذا الرأي يغفل الاختلاف الأيديولوجي ودوره المهم جداً في توجيه علاقات إيران وآسيا الوسطى، وسوف يتم مناقشة هذا البعد في المبحث التالي.
بدأت العلاقات الثقافية بين إيران وطاجيكستان بعد الاستقلال مع تأسيس السفارة الإيرانية في طاجيكستان، حيث كانت إيران أول وأهم مقصد لأهل العلم والثقافة والأدب الطاجيك ( ). ومن ثم بدأ تأسيس المؤسسات الثقافية الإيرانية في طاجيكستان. ومن بين أهم المؤسسات الثقافية الإيرانية في دوشنبه:
– المركز الثقافي:
يعد المركز الثقافي الإيراني في دوشنبه أحد أنشط المراكز الثقافية الإيرانية في المنطقة؛ حيث يقوم بأنشطة عديدة من بينها عقد دورات تعليم ونشر اللغة الفارسية داخل المركز الثقافي، تقديم مساعدات مالية لمقاعد اللغة الفارسية، المساعدة في نشر المطبوعات الثقافية الإسلامية، عقد مراسم تأبين لمولانا، حافظ، الخيام، سعدي والرودكي، المساعدة في نشر الكتب الأدبية، دعم الشخصيات والمؤسسات الشيعية. ويضم المركز عدة أقسام هي المكتبة، القسم السمعي والبصري، الفصول التعليمية وقسم الطباعة والنشر.
المكتبة؛ وتضم حوالي ثمانية آلاف كتابٍ فارسي.
القسم السمعي والبصري: يشمل مجموعة من الأفلام السينمائية والوثائقية الإيرانية، الموسيقى وبرامج الحاسب. وحواسيب هذا القسم مجهزة بشبكة داخلية تمكّن أساتذة وطلاب اللغة الفارسية، الذين يدرسون في تخصص الإيرانيات، من الاستفادة من المصادر الإلكترونية
الفصول التعليمية: يتم في هذه الفصول تعليم الخط الفارسي، عمل دورات الإيرانيات وتعليم خط القرآن.
الطباعة والنشر: من بين القطاعات المهمة بالمركز الثقافي، الذي نشر أكثر من 50 كتاباً بالخط الفارسي والسيريليكي في موضوعات مختلفة.
مجلة رودكي الفصلية، وهي أحد المصادر العلمية الموثوقة للمحققين الطاجيك. ( )
– مركز أبحاث الثقافة الفارسية الطاجيكية:
تأسس هذا المركز في دوشنبه، عام 1995م، وهو تابع للسفارة الإيرانية، بهدف إيجاد أدبيات ثقافية جديدة (التاريخ، علم اللغة، الآداب والتقاليد) في الفرع الشرقي للحضارة الإيرانية (ماوراء النهر، أفغانستان، إيغورستان، والمناطق الجنوبية للاتحاد الروسي)، ومن بين أعمال المركز أيضاً نشر العديد من الكتب الفارسية ونقل آثار من الفارسية إلى السيريليكية. ( )
– أوجه التعاون الثقافي:
كانت علاقات طاجيكستان الثقافية مع إيران في تصاعد دائم وشامل؛ حيث امتد التعاون بين البلدين إلى العديد من الأنشطة والجوانب الثقافية، ومن بين أوجه التعاون بينهما تبادل خبرات العلماء، الأساتذة، الطلاب، تنفيذ البرامج الثقافية والموسيقية، مشاركة أهل العلم والثقافة في الجلسات الثقافية. التعاون بين وزارتي ثقافة الدولتين أثناء سفر وزير الثقافة الطاجيكي ورئيس لجنة الإذاعة والتليفزيون الطاجيكي إلى إيران عام 2007م، والتي كانت خطوة مهمة لتنفيذ الاتفاقات الموقّعة، عقد أسابيع ثقافية بين الدولتين في الأعوام السابقة ( ). ومن بين أوجه التعاون الثقافي بين البلدين أيضاً ما يلي:
– في مجال الأدب:
في عام 1968م عُقدت جمعية الشعر الفارسي في طاجيكستان، وشارك فيها شعراء وكتاب من إيران وأفغانستان من بينهم الدكتور برويز ناتل خانلري، سعيد نفيسي، نادر نادربور( ) وزاله بديع، وتم بحث أهم قضايا الأدب والشعر الطاجيكي المعاصر. ويعتقد الباحثون أن ذروة النشاط الأدبي لشعراء التجديد في طاجيكستان مثل لايق شير علي ( )، مؤمن قناعت ( )، جلرخسار ( ) وبازار صابر ( )تمت بعد عقد الجمعية المذكورة والتبادل الأدبي الإيراني والأفغاني مع طاجيكستان.
بعد تشكيل جمعية الشعر الفارسي وحضور السوفييت في أفغانستان، زاد طبع ونشر آثار المبدعين الإيرانيين في طاجيكستان بالخط الفارسي والروسي. ( ) وقد طبع ونشر خلال عقد التسعينيات الميلادي أكثر من مائة عمل أدبي متنوع ما بين قصة ورواية، آثار علمية وأدبية، مجموعات أشعار وآثار الأدباء والشعراء الطاجيك في تهران. ( )
تم عرض كتب إيرانية في دوشنبه في فبراير 1992م في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وفي أعياد النيروز في مارس من العام نفسه. وفي المقابل شارك وفد ثقافي طاجيكي من 23 شخصاً في معرض تهران الدولي للكتاب الذي عقد في مايو 1992م، وتم طبع وعرض أفضل الكتب التي طبعت في مطبوعات طاجيكستان في السنوات الأخيرة، وفي إبريل 2002م شارك عشرة مثقفين تاجيك في المهرجان الدولي الخامس عشر للكتاب بتهران.
في أغسطس 1992م تم افتتاح مكتبة “الهدى” الدولية في دوشنبه، والتي أثرت بشكلٍ كبير في الحياة الثقافية للطاجيك. وكان لصحف “معارف ومدنيت”، “گازیتۀ معلمان”، “آموزگار”، “مدنيت طاجيكستان”، “ادبيات وصنعت”، “طاجيكستان سوويتي”، “طاجيكستان شوروي”، “جمهوريت”، “كمسمال طاجيكستان”، “جوانان طاجيكستان”، “سامان”، “پیوند”، “همراز” ومجلات “نداي شرق”، “ارمغان”، “معرفت”، “ادب”، “مردم گیاه” وغيرها دورٌ مهم في نشر آثار العلماء والأدباء والمثقفين الإيرانيين في طاجيكستان”.
في عام 1996م تم اختيار رواية “فردوسي” للأديب الطاجيكي ساتم ألغ زاده ( ) باعتبارها كتاب العام في إيران، وفي عام 2002م تم اختيار كتاب عبد الرحمن الجامي تأليف أعلى خان أفصح زاده وكتاب “واﮋه نامه” للدكتور سيم الدينوف باعتبارهما كتابا العام، كما أُعلن كتاب علي أصغر شعردوست المسمى “چشم انداز شعر امروز ایران” أفضل كتاب من قبل وزارة الثقافة الطاجيكية في عام 1998م. ( )
في 12 أكتوبر 2008م عقد محفل أدبي في مقر السفارة الطاجيكية في تهران على هامش العيد السابع عشر لاستقلال طاجيكستان والذكرى 1150 لميلاد رائد الأدب الكلاسيكي الطاجيكي والفارسي أبو عبد الله الرودكي بمشاركة الدبلوماسيين والمؤسسات الدولية الموجودة في تهران، ضيوف من طاجيكستان وممثلي العلم والأدب في إيران. في 13 مايو 2011م عقد حفل تأبين للاحتفال بالذكرى السبعين لشاعر طاجيكستان الشعبي، الحائز على جائزة رودكي الحكومية الطاجيكية لايق شيرعلي في تهران على هامش المعرض الدولي الرابع والعشرين للكتاب في تهران بمشاركة جمعية الصداقة الإيرانية الطاجيكية. ( )
عُقدت معارض إيرانية للتعريف بإيران في مدينتي دوشنبه وخجند، ونشرت عدة مجلات من بينها پیوند، نام، پـﮋوهشگاه، رودكي بالفارسية والسيريليكية. ( )
2- في مجال التعليم:
يعد قطاع التعليم وخاصةً التعليم الجامعي من بين أهم مجالات التعاون الثقافي بين البلدين، وهو في الوقت نفسه أحد المجالات المهيأة للتعاون المثمر بين إيران وطاجيكستان نظراً للتراث الحضاري المشترك بينهما. وقد استمر تبادل الهيئات الأكاديمية بين البلدين بالتناوب حتى خلال فترة الحرب الأهلية في طاجيكستان، وشارك العلماء الطاجيك في سمينارات عديدة عقدت من جانب المراكز الجامعية والثقافية وكذلك السفارة الإيرانية. وسافر أساتذة وعلماء إيرانيون بشكل متناوب إلى طاجيكستان.
عُقد أول اتفاق تعاون علمي بين إيران وطاجيكستان، بين أكاديمية علوم طاجيكستان وجامعة مشهد في 1996م. وقبِل الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني عضوية مجمع علوم طاجيكستان ودخل محمد جان شكوري ( ) وعبد القادر نيازُف عضوية مجمع اللغة والأدب الفارسي. وبفضل جهود إيران في طاجيكستان في مدن دوشنبه، خجند، كولاب، أوراتبه، خاروغ، بنجكنت، تأسست المكتبات وقاعات إيران في كلية الآداب بجامعة طاجيكستان الوطنية وجامعة خجند الوطنية. وأهدت إيران آلاف الكتب في الفروع العلمية المختلفة لمراكز أبحاث أكاديمية علوم طاجيكستان ومراكز التعليم العالي بالدولة.
في عام 2001م تم توقيع وثيقة تعاون بين وزارة البحث العلمي والتكنولوجيا الإيرانية ووزارة التعليم الطاجيكية حول تبادل الأساتذة والطلاب وإعطاء منح دراسية للطلاب. وفي عام 2011م عُقدت اتفاقات مشابهة بين المؤسسات المذكورة، وتقرر بناءً عليها زيادة عدد منح الطلاب الطاجيك من 50 شخصاً إلى 250 شخص. وجدير بالذكر أنه يوجد حوالي 1400 طالبٍ إيراني في طاجيكستان؛ يدرس حوالي 90% منهم الدكتوراة في الجامعات الطاجيكية. ( )
من بين الأنشطة التعليمية بين الدولتين أيضاً تأسيس مدرسة طاجيكستان- إيران الدولية- التي لم ينتهِ بناؤها بعد- بتمويل من وزارة التربية والتعليم الإيرانية.
طباعة 400 نسخة من كتاب “الفباي نياكان” من قبل وزارة التربية والتعليم الإيرانية، وتدريسه لطلاب الصفين الثالث والخامس بالمدارس الحكومية في طاجيكستان. ( )
في مجال الفنون:
شارك فنانو الدولتين في الاحتفالات السينمائية والمسرحية، صناعة أفلام مشتركة (من بينها مسلسل “شكرانه”)؛ وهو مسلسل تم تصويره في عام 2007م من قبل مصورين إيرانيين بمشاركة الفنانين الطاجيك، ويهدف إلى تعريف الإيرانيين بثقافة وتاريخ طاجيكستان والطاجيك. حصْد جوائز في حفل فجر للمسرح عن مسرحية “رستم وسهراب”- ومسرح شباب طاجيكستان، جائزة أفضل فيلم بحفل فجر عن فيلم “قيام روز” إخراج ناصر سعيداف. ( )
عقد مهرجان الفيلم الإيراني في مدينة دوشنبه من 26 نوفمبر حتى 6 ديسمبر، وعُرض في هذا المهرجان 20 فيلماً إيرانياً.
في عام 1992م خلال أعياد النيروز زارت مجموعة مسرح “پیام دوستي”، وفي 1994م زار مسرح “انديشه” مدينة دوشنبه. ( )
في عام 2009م حدث لقاء بين رؤساء الجمهوريات الثلاثة فارسيي اللغة في تهران، وحسبما يذكر علي أصغر شعردوست سفير إيران السابق في طاجيكستان، فإن اللقاء كان بشأن الاتفاق على تأسيس شبكة تليفزيون مشتركة للدول الثلاث فارسيي اللغة، وقد تم توقيعها من الرؤساء الثلاثة وكان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ في وقت قريب. ( )
من خلال ما سبق يمكن القول إن العلاقات الإيرانية الطاجيكية، قد قامت على الدعائم التالية:
أولاً: سارعت إيران إلى إقامة علاقات مع طاجيكستان، ويتضح ذلك من مسارعتها بافتتاح سفارتها في طاجيكستان عقب استقلال طاجيكستان عن الاتحاد السوفييتي، وهكذا فإن العلاقات الإيرانية- الطاجيكية الجِدية تبدأ منذ استقلال طاجيكستان.
ثانياً: مهّد التراث الثقافي والحضاري المشترك، الأرضية لقبول إيران كشريك حضاري وسياسي لطاجيكستان، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار عامل الدين- وإن كان المذهب مختلفاً- لكنه فرض نوعاً من قبول إيران المسلمة كبديل عن الشيوعيين الملحدين. وهذان العاملان كانا من أهم العوامل المؤثرة على دعم العلاقات؛ خاصة وأنه كما يتضح من العرض السابق؛ فإن إيران اعتمدت في البداية على ترسيخ نفوذها الثقافي من خلال إقامة العديد من المراكز الثقافية الإيرانية في طاجيكستان، وكذلك تقديم العديد من الخدمات الثقافية، ولم يكن من الممكن استخدام هذه المراكز كأدوات لدعم الأيديولوجية الإيرانية إلا على مدى طويل نسبياً، لم يكن من الممكن اكتشافه في مرحلة تأسيس العلاقات.
ثالثاً: كان للمساعدات والاستثمارات الإيرانية في البنية التحتية الطاجيكية دورٌ مهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وهكذا فقد تقدمت العلاقات بين الدولتين في شتى المجالات: الاقتصادية؛ حتى أصبحت إيران الشريك الثالث لطاجيكستان، بعد أكبر قوتين إقليميتين في آسيا الوسطى- الصين وروسيا. المجال الثقافي: نظراً لتمتع إيران برصيد ثقافي وحضاري مشترك مع طاجيكستان. على الصعيد السياسي: تم تبادل العديد من الزيارات والوفود الرسمية بين قادة وزعماء الدولتين، وعُقدت اتفاقات في شتى المجالات. على الصعيد الشعبي: رغب شعبا كلتا الدولتين في دفع العلاقات للأمام. على مستوى الطبقة المثقفة: تم عقد العديد من الاحتفالات والأمسيات الثقافية. وهكذا فعلاقات إيران وطاجيكستان، التي بدأت بعد استقلال الثانية عن الاتحاد السوفييتي في 1991م، كانت قد بلغت أوجها في عام 2015م.
يُلاحظ أن العلاقات الثقافية بين البلدين كانت على عكس العلاقات الاقتصادية بينهما؛ ففي حين تركز مسار العلاقات الاقتصادية في الأغلب في اتجاه واحد؛ إيران طاجيكستان، فإن العلاقات الثقافية والأدبية كانت متبادلة فيما بينهما إيران طاجيكستان، وقد تنوعت الجهود الثقافية الإيرانية ما بين مؤسسات مختصة بالثقافة الطاجيكية وبالتعريف والتنظير لها في إيران وطاجيكستان، وبين مؤسسات خاصة للتعريف بإيران والترويج لها في طاجيكستان، بينما تبادل البلدان المحافل الثقافية فيما بينهما.
تدهور العلاقات بين إيران وطاجيكستان
أولاً: عوامل التباعد بين طاجيكستان وإيران:
يعد الاتفاق الأيديولوجي أو القبول به على الأقل هو أحد أهم العوامل الرئيسية لبناء علاقات طويلة المدى بين الدول ودفعها قدما، حيث يسهم القبول الأيديولوجي في انسجام العلاقات الدولية، ويشيع مناخ حسن النية بين الأطراف المختلفة. وكذلك تعتبر المصلحة إحدى المبادئ الرئيسية في العلاقات الدولية وإحدى المبادئ الحاكمة لاستمرار تلك العلاقات أو قطعها. ومن ثم تنوعت أسباب التباعد الإيراني- الطاجيكي ما بين أسباب أيديولوجية، دور القوى الإقليمية والدولية، وكذلك تعامل كلا البلدين مع الأزمات التي واجهت علاقاتهما.
العوامل الداخلية:
يعد الخلاف الأيديولوجي بين الإيرانيين والطاجيك، وكذا اختلاف طبيعة النظام السياسي وترتيب الأولويات بين المسئولين الطاجيك ونظرائهم الإيرانيين حول طبيعة العلاقات المشتركة، من أهم المعوقات التي تواجه إقامة علاقات واسعة بين الطرفين؛ ففي حين يرغب الطاجيك في الاعتماد على الصلات اللغوية والتاريخية في تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران، يعطي المسئولون الإيرانيون الأولوية للبعد الديني في العلاقات ومبادئه الحاكمة لديهم مثل تصدير الثورة ودعم الشيعة في دول الجوار؛ وقد كانت هذه المبادئ مثار قلق لدول آسيا الوسطى، التي لم ترغب في إقرار نظام شامل للعلاقات مع إيران( ).
والحق أن هناك إصرار شديد من إيران على تصدير ثورتها ودعمها للشيعة في الدول الأخرى، دون مراعاة لعدم مناسبة هذه المبادئ لطبيعة تلك الدول، وهذه المبادئ الإيرانية كانت العامل الأساسي في تراجع علاقات إيران ودورها على الصعيد الإقليمي والدولي منذ قيام ثورتها الإسلامية، بل وكانت سبباً في تحديد وقطع علاقات إيران بالعديد من الدول السنية في المنطقة، نظراً لمحاولة إيران استقطاب رعايا هذه الدول للمذهب الشيعي. وينطبق هذا التوجه على طريقة تعامل إيران مع طاجيكستان أيضاً، فقد هدفت إيران إلى تصدير مذهبها وثورتها للطاجيك، ومحاولة تجنيد الطاجيك الشيعة للعمل وفق مصالحها، كما حاولت فرض أيديولوجيتها على الطاجيك، مستغلة خروجهم من تحت عباءة السوفييت، ولم تراعِ طبيعة المجتمع الطاجيكي السني، أو نظامه السياسي الذي يميل للقيم الغربية ويعتبر نظامه علمانياً أكثر منه نظاماً دينياً، ومن ثم كان رفض المجتمع والسلطة الطاجيكية لمحاولة فرض الهيمنة الإيرانية.
مع استقلال طاجيكستان المفاجئ عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، كان قادة الدولة يعانون نوعاً من انعدام الخبرة في السياسة الخارجية؛ نظراً لأن سياستهم الخارجية كانت قبل ذلك جزءً من السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي، وقد أدى هذا الوضع المفاجئ إلى عدم وجود نهج محدد للطاجيك، بل وتبني سياسات متعارضة في بعض الأحيان، ومع حضور أجندات وقوى إقليمية ودولية كثيرة في المنطقة مثل إيران، تركيا، روسيا، الصين، أوروبا وأمريكا، فكان من الطبيعي التخبط وعدم الاستقرار في السياسة الخارجية لطاجيكستان. ( )
على الصعيد الإيراني: يوجد العديد من الأجهزة الإيرانية التي لديها أجندات مختلفة في مجال السياسة الخارجية الإيرانية؛ ومن ثم فقد كان تعدد مؤسسات اتخاذ القرار والمؤسسات التنفيذية الإيرانية من بين الأسباب الرئيسية لاضطراب العلاقات الطاجيكية؛ ففي ظل عدم التنسيق بين أجهزة السياسة الخارجية الإيرانية حول العلاقات مع طاجيكستان، وفي ظل اختلاف أهداف الأجهزة المختلفة وتوجهاتها؛ فإن كل من تلك الأجهزة تبنى أجندة عملٍ مختلفة في الساحات الثقافية، الاقتصادية وغيرها، ومن ثم كان عدم تبني استراتيجية سياسية جامعة واستبدالها بجهود ثقافية متفرقة تدخل ضمن الأنشطة الثقافية السطحية وغير المناسبة من أهم أسباب عدم استقرار العلاقات بين البلدين. وفي المجال الاقتصادي أيضاً فالجزء الأساسي من الأنشطة الاقتصادية التي تمت كان بصورة متفرقة ولم يتم تحت لواء استراتيجية وإدارة اقتصادية محددة. ( )
الصورة السيئة التي صدرتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن نفسها في المنطقة، ورغم أن الكتاب الإيرانيين يعزون وجود مثل هذه الصورة لمحاولات الاتحاد السوفييتي طوال سبعين عاماً لنبذ الإسلام، وكذلك محاولات الروس وأوروبا لترهيب حكام وشعوب المنطقة من الآراء السياسية الإيرانية ومن الإسلام السياسي في إيران، باعتبارها دولة أصولية تسعى للهيمنة على المنطقة ( )، ولتولي حكومات إسلامية موالية لها في دول آسيا الوسطى لإحكام نفوذها عليهم.
يرى الباحث أن هذا الرأي ينطوي على بعض المغالطات؛ فلا يمكن إنكار دور القوى الأوروبية والروسية في تصدير صورة سيئة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن دور الدول الغربية ووسائل إعلامها إنما سلّط الضوء على حقائق كائنة بالفعل من بينها تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية وفرض أيديولوجية إيران على الدول المجاورة دون مراعاة لمصالح تلك الدول، وهو ما أسفر عن العديد من الأضرار بمصالح تلك الدول وأدى لقطيعة سياسية مع كثيرٍ منها، وإن كان توجه الإعلام الغربي هذا يبغي في الأساس تحقيق مصالح دوله، لكن يبقى دوره في الأساس مجرد تسليط الضوء على ما هو كائن. ويتأكد هذا من حقيقة أن “طاجيكستان رحبت بالعلاقات مع إيران بعد دورها في إنهاء الحرب الأهلية الطاجيكية، ولكن برزت الحساسية والادعاءات فيما بعد بسبب علاقات إيران بحزب النهضة الإسلامي الطاجيكي ووجود زعيمه محيي الدين كبيري في تهران ولقائه بزعماء إيران، وما تبعه من اعتراض وزارة الخارجية الطاجيكية ولجنة الشئون الدينية الطاجيكية، الانتقادات والهجمات الإعلامية الطاجيكية حول سبب دعوة كبيري لطهران، وزاد استدعاء سفير إيران في طاجيكستان ورد فعل رئيس مجلس العلماء بالمركز الإسلامي بطاجيكستان الانتقادات حول علاقة إيران بحزب النهضة الإسلامي. فقد كانت حادثة حزب النهضة هي بداية التحديات الواسعة في العلاقات الثنائية بين البلدين، وأدت إلى المنع التدريجي لأنشطة إيران في طاجيكستان في الأعوام الثلاثة الماضية وتقليل أو توقف عشرات المراكز الخيرية والمؤسسات والجماعات التابعة لإيران. خاصةً وأن البعض في دوشنبه يعتقد أن كثيراً من المؤسسات الخيرية والجماعات الثقافية الإيرانية في الخارج كانت غطاءً لأنشطة غير قانونية ومتسقة مع حزب النهضة الإسلامي، ويفسره باعتباره تهديداً وقلقاً أمنياً. “( )
حساسية القوى الإقليمية وغير الإقليمية تجاه تنمية العلاقات الإيرانية الطاجيكية؛ ففي السنوات الثلاث الماضية أعلنت طاجيكستان سياسة الأبواب المفتوحة لتعريف نفسها في العالم وجذب الاستثمارات لإعادة بناء دولتها، وأقامت علاقات متعددة الجوانب في القطاعات المختلفة مع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، مثل منظمة التعاون الاقتصادي (اكو)، اتحاد أوراسيا الاقتصادي، البنك الدولي، البنك الأوروبي للتجديد والتنمية، البنك الأسيوي للتنمية، بنك التنمية الإسلامي، بنك التنمية الأوراسي والبنك الأسيوي للتنمية والبنية التحتية وغيرها، وفي ظل تنامي علاقات طاجيكستان على الصعيد الدولي، وكذلك في ظل حساسية القوى الإقليمية والدولية تجاه تنمية علاقات إيران وطاجيكستان، فإن هذا من شأنه أن يزيد من نفوذ اللاعبين المختلفين، ويقلّل اعتماد طاجيكستان على إيران. ( )
يرى البعض أن الحضور الاقتصادي الضعيف لإيران في السوق الطاجيكي وأفوله كان عاملاً في ضعف العلاقات؛ حيث قد تم حذف إيران في عام 2013م من مجموعة الشركاء التجاريين الأساسيين لطاجيكستان أي روسيا، قازاخستان، الصين وتركيا، وتم تخفيضها لشركاء الصف الثاني، بالإضافة لهبوط تبادل السلع بينهما من 292 مليون دولار في 2013م لـ 114 مليون في 2016م. بالإضافة لأن الدبلوماسية الباردة الموجودة في علاقات تهران ودوشنبه خلال السنوات الثلاث الماضية قد أثرت على طبيعة وحجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين مثل وضع قيود أكثر على تنقل ونشاط التجار والمواطنين الإيرانيين في طاجيكستان، دخول السلع والمواد الغذائية من إيران، إمكانية الحصول على جواز سفر للإيرانيين بسهولة. وقد وصل الأمر إلى وقف إيران الاستثمار في اقتصاد طاجيكستان عملياً في 2017م ( ).
يرى الباحث أن الرأي السابق ينطوي على مغالطة؛ من حيث إنه يرى أن ضعف الحضور الاقتصادي لإيران في طاجيكستان كان عاملاً مهماً في تراجع العلاقات بينهما، لكن تراجع التعاون الاقتصادي كان نتيجة لتوتر العلاقات السياسية، والذي نجم في الأساس عن رفض الطاجيك للأيديولوجية الإيرانية في طاجيكستان، والدليل على ذلك أن تخفيض إيران إلى شركاء الصف الثاني في الاقتصاد الطاجيكي تم في عام 2016م؛ أي في العام التالي من استقبال إيران لمحيي الدين كبيري؛ زعيم حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي والذي كان قد تم حظر حزبه في طاجيكستان؛ ومن ثم فإن استقبال إيران له كان بداية التوتر الشديد في العلاقات؛ ولهذا فإن تخفيض إيران إلى شركاء الصف الثاني في العام التالي يعتبر رد فعل على خطوة إيران هذه؛ خاصة أن إيران لم تستجب لردود الفعل الطاجيكية المنكرة لمثل هذا التصرف الإيراني.
كان عدم وجود حدود مشتركة مع إيران وكذلك ضعف اقتصاد طاجيكستان من بين العوامل التي أدت لعدم وضع أولوية لطاجيكستان ضمن المخطط الإقليمي لإيران في آسيا الوسطى. ويمكن ملاحظة هذا بمقارنة العلاقات الإيرانية مع تركمانستان وقازاخستان؛ حيث إن تركمانستان تحظى بالأولوية في التوجهات الإقليمية لإيران نظراً لحدودها المشتركة معها، وتحظى قازاخستان بالأولوية نظراً لمزاياها الاقتصادية. وإذا ما عقدنا مقارنة إقليمية حول السياسة الخارجية لإيران في الشرق الأوسط وحتى في جنوب آسيا مع سياستها في آسيا الوسطى، لوجدنا إهمالاً في العلاقات الإيرانية مع طاجيكستان. بعبارة أخرى فإن منطقة آسيا الوسطى جميعها لم تحُز في أي وقت الوزن والوضع اللازم في السياسة الخارجية لإيران، وهكذا فإن الاهتمام بطاجيكستان باعتبارها جزءاً من هذه المنطقة كان “أقل الأقل”. ويرى الباحث أن تأثير هذا العامل كان محدوداً على تطور العلاقات بين البلدين، فلولا الخلافات الأيديولوجية لكان من الممكن الحفاظ على العلاقات في مستوى أفضل مما آلت إليه.
يعتبر عدم تحديث معلومات المؤسسات الإيرانية عن الأوضاع الثقافية في آسيا الوسطى والقوقاز وكذلك المعلومات الخاطئة والقديمة إحدى المعوقات الأساسية تجاه علاقات إيران بآسيا الوسطى. وحتى المراكز الثقافية الإيرانية لديها بعض المعلومات الخاطئة في هذا الشأن، ليس فقط بشأن تحديث المعلومات على مواقعها، ولكن محتوى المعلومات بفترات سابقة في كثير من الأمور.
تبني أنشطة ثقافية قصيرة المدى، فالأنشطة الثقافية طويلة المدى هي الأكثر تأثيراً. وإيران لم تستخدم الاستراتيجيات طويلة المدى في علاقاتها الثقافية مع دول المنطقة، ولكن جاءت أنشطتها متفرقة وتقليدية. ( )
إذا قارنا عدد الطلاب الدارسين في تركيا من بين دول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية مع الطلاب الطاجيك الدارسين في إيران، لاتضح أنه خلال أعوام 1991- 1996م فقط تم قبول 10 آلاف طالب من الدول التركية اللغة بآسيا الوسطى في تركيا. في حين كان يتم إعطاء 50 منحة دراسية سنوياً من إيران للطاجيك، وكان من المقرر أن يزيد هذا العدد إلى 250 منحة حسب اتفاق 2011م. فبالرغم أن توقعات التواجد الأكاديمي الإيراني في طاجيكستان كانت أكثر من كل دول المنطقة نظراً للتراث الثقافي واللغوي المشترك، ولكن طبقاً لإحصائية اليونسكو للطلاب الطاجيك الدارسين في إيران، فإن إيران تأتي في المركز الثاني عشر للدراسة بـ 51 طالباً بعد دول روسيا (8390 طالب)، قرغيزستان (1254 طالب)، قازاخستان (510 طالب)، أوكرانيا (422 طالب)، السعودية (385 طالب)، تركيا (364 طالب)، الولايات المتحدة (257 طالب)، مصر (210 طالب)، بيلاروسيا (145 طالب)، ألمانيا (109 طالب) وماليزيا (85 طالباً). ( ) وهكذا فبمقارنة النشاط الثقافي الإيراني في آسيا الوسطى مع الدول الأخرى سواء الإقليمية أو الدولية، يتضح أن نشاط إيران لم يكن بالقدر الكافي، الذي يسمح بتثبيت مكانتها ومد نفوذها أكثر من الدول الأخرى، ناهيك عن الدور المهم للخلاف الأيديولوجي والسياسي لكلا الطرفين.
دور القوى الخارجية:
في ظل الانفتاح الذي بات يحكم العالم في ظل العولمة، وفي ظل التصارع على المصالح السياسية والاقتصادية في كل بقعة في العالم، فقد أصبح للقوى الخارجية- الإقليمية والدولية- دورٌ مهم في العلاقات والتأثير عليها سلباً وإيجاباً؛ ومن ثم لم تعد العلاقات الثنائية بين الدول بمعزل عن النظام العالمي، وإنما أصبحت موازين القوى ومصالح الدول الأخرى جزءاً لا يتجزأ من العوامل المؤثرة على العلاقات. ولهذا كان للنظام الإقليمي والعالمي وكذلك السياسات التي اتخذت من القوى المختلفة- دورٌ مهم في التأثير على مسار العلاقات الثنائية بين إيران وطاجيكستان.
إن فراغ السلطة بعد انهيار السوفييت، الوضع الجيوسياسي للمنطقة، القرب من تقاطع آسيا وأوروبا، السوق الاستهلاكي، الاتجاه للتنمية ورغبة طاجيكستان في وجود قوى غير إقليمية بهدف تقليل الاعتماد على روسيا وجذب استثمارات خارجية والتنمية الاقتصادية، كل ذلك أدى لحضور قوى غير إقليمية في طاجيكستان، وبذلت هذه القوى كل جهودها لخلق الأزمات في المنطقة وعرقلة أي تعاون بين الدول وأي تعاون إقليمي. ( )
زادت أهمية التعليم العالي باعتباره وسيلة ممهدة للدبلوماسية الثقافية والسياسية على الصعيد العالمي مع تدويل التعليم وسهولة الاتصالات في ظل العولمة، وأصبح التعليم العالي أحد أدوات القوى الناعمة التي يمكن من خلالها تحقيق المصالح القومية، ومن ثم زادت دول العالم استثماراتها في برامج التبادل الثقافي والتعليمي لجذب عدد أكبر من مخاطبي التعليم العالي، ما يعني خلق مجالات هوية مشتركة تمكّنها من الحصول على تأييد أوسع لأهدافها في المستقبل. وفي منطقة آسيا الوسطى، هناك العديد من اللاعبين سواء على الصعيد الإقليمي مثل روسيا، الصين، إيران، تركيا والسعودية أو على الصعيد العالمي مثل أمريكا وإسرائيل وهم يسعون جميعاً لزيادة قواهم الناعمة باستخدام الدبلوماسية الأكاديمية. ( )
دور روسيا: تحظى منطقة آسيا الوسطى بأهمية خاصة بالنسبة لروسيا؛ حيث تعتبر هذه المنطقة الجيوسياسية مفتاح التأثير على العالم، فآسيا الوسطى تتحكم في العمق الاستراتيجي لروسيا في الشمال والعمق الاستراتيجي للصين في الجنوب الشرقي والعمق الاستراتيجي لشبه القارة الهندية في الجنوب والعمق الاستراتيجي لإيران في الجنوب الغربي ولدول بحر قزوين في الغرب. وقد كانت آسيا الوسطى دائماً ساحة للصراع الروسي الإيراني، وكانت طاجيكستان جزءاً من التحالفات العسكرية والاقتصادية الإقليمية بقيادة موسكو.
يتضح من سياسة روسيا تجاه جمهوريات آسيا الوسطى، رغبتها في الحفاظ على موقعها السابق باعتبارها قوة عظمى في المنطقة، بالإضافة لارتباط حدود تلك الدول بالأمن الداخلي الروسي. ويوجد قواعد عسكرية روسية في أربع دول هي طاجيكستان وقازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان، أنشأتها روسيا لمواجهة الجماعات المتشددة في المنطقة، وكذلك لمواجهة القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا.
أنشأت روسيا فرعاً لجامعة موسكو الحكومية والجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا في دوشنبه، وكذلك فهناك حوالي 5000 طالبٍ طاجيكي يدرسون في الجامعات الروسية، ويدرس حوالي 4300 طالبٍ في جامعة سلوفاكيا الروسية الطاجيكية في دوشنبه، وهكذا فإن التواجد الروسي القوي في المنطقة يعتبر عائقاً أمام تنمية العلاقات الإيرانية الطاجيكية، خاصة في ظل تعارض المصالح الإيرانية الروسية في المنطقة واعتمادها على أيديولوجيات متعارضة. ( ) وبالرغم من وجود علاقات دائمة بين روسيا وإيران، لكن الروس لم يرغبوا أبداً- على الأقل حتى السنوات الثلاث الأخيرة- في زيادة أنشطة إيران في منطقة النفوذ الإقليمي الروسي. كما أن اعتماد تنمية العلاقات الإيرانية الطاجيكية على عاملي الإسلام والثقافة المشتركة من شأنه أن يوجد حساسية أكثر من دول المنطقة الأخرى. ( )
دور الصين: تسعى الصين باستخدام قوتها ونفوذها لخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب لا تكون أمريكا هي القطب الأوحد فيه. وكان للمبادئ التي أكد عليها الزعماء والخبراء الاستراتيجيون الصينيون مثل “الانسجام” (أو العالم الصيني المنسجم)، الثقة المتبادلة، المصالح المتبادلة واحترام سلطة مؤسسات الدول انعكاس واسع في دول العالم غير الغربي كلها. ( )
تسعى الصين لزيادة نفوذها الاقتصادي في المنطقة وإيجاد طريق حرير جديد من هذه المنطقة إلى أوروبا، وتحاول إزالة العقبات الموجودة أمام هدفها هذا. وقد وقّعت الصين وطاجيكستان بروتوكول تعيين الحدود في عام 2012م، وتم إقراره في البرلمان الطاجيكي، وتنازلت طاجيكستان بموجبه عن حوالي ألف كم مربع من حدودها للصين. كما اتفقت الدولتان على إنشاء مصفاة نفط في جنوب طاجيكستان بواسطة شركة “دانغ ينغ غلي” الصينية. وكذلك اتفقت الصين مع دول أفغانستان وباكستان وطاجيكستان على تشكيل تحالف رباعي لمواجهة الجماعات المسلحة والإرهابية في المنطقة. ( )
دور الولايات المتحدة: سيطر العداء والخصومة على العلاقات الإيرانية- الأمريكية منذ الثورة الإسلامية الإيرانية، وباتت أمريكا تنظر للنظام الإيراني باعتباره تهديداً لمصالحها خاصةً في دول الجوار، ولهذا تسعى الولايات المتحدة من خلال العقوبات والعزل ضد النظام الإيراني للضغط عليه أو الإطاحة به أو تغييره، وفي المقابل تنظر إيران لأمريكا باعتبارها السبب الرئيسي في اضطرابات المنطقة. وهكذا فحضور أمريكا في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أدى لضعف النفوذ الإيراني فيها، كما أن آسيا الوسطى تحظى بأهمية كبيرة في استراتيجية السياسة الأمريكية وفي استراتيجية الصراع الأمريكي- الروسي أيضاً، ولهذا تسعى أمريكا لإقامة علاقات جديدة عسكرية واقتصادية وأمنية في آسيا الوسطى؛ وهو ما يقلق إيران.
يرتبط الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى وطاجيكستان كذلك برغبتها في احتواء قوة الصين المتصاعدة وإيجاد تغييرات سياسية للحد من تزايد النفوذ الاستراتيجي الصيني ومنع عودة روسيا لملء الفراغ وإبعادها عن المناطق التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي سابقاً، وكذلك محاصرة إيران ومنع وصولها لآسيا الوسطى من جهة الشرق ومنع استغلالها للوضع الجيوسياسي. ( )
دور تركيا: إن المشكلات الثقافية لدول آسيا الوسطى والقوقاز طوال سبعين عاماً من حكم السوفييت منحت الفرصة لتركيا للسعي لتقديم العون لهذه الدول بعد الاستقلال، وللتفكير في نشر القومية التركية وإقامة دولة تركيا الكبرى؛ فبعد سقوط السوفييت، تولت مؤسستان شبه حكوميتين “مؤسسة اللغة التركية” و”مؤسسة تاريخ الترك”- وكلاهما تابعتان لمؤسسات أتاتورك للثقافة واللغة والتاريخ- مسئولية نشر الثقافة التركية في دول آسيا الوسطى والقوقاز. وكذلك تتولى مؤسسات أخرى مثل مؤسسة التعليم التركية، مؤسسة الآداب التركية، مؤسسة التعليم الوطني، مؤسسة التربية العلمية ومؤسسة الثقافة والتعليم دوراً أساسياً في نشر سياسة التعليم التركي في جمهوريات آسيا الوسطى ( ) حيث تسعى تركيا لإحياء التتريك في آسيا الوسطى ولنشر اللغة التركية اعتماداً على الروابط القومية واللغوية والثقافية والدينية مع دول آسيا الوسطى ونظراً لفراغ القوة الموجود وتنافس الجميع. لذا تقوم تركيا بدورٍ كبير لنشر مظلة نفوذها على الأقل على الدول الأربع متحدثي التركية من الجمهوريات الخمس في المنطقة. وقد دخلت هذه الدولة من خلال الدعاية لشعار اتحاد العالم التركي نظراً لكون التركية هي الأساس الذي اشتقت منه لغات أكثر دول المنطقة، لذا يمكن اعتبار السياسة التركية تقوم على النموذج القومي- اللغوي التنافسي. ( )
يعتبر تعارض الإسلام الشيعي- الثوري مع الإسلام السني الموجود لدى الأنظمة بآسيا الوسطى ميزة للنظام التركي على نظيره الإيراني. وجدير بالذكر أن دول آسيا الوسطى تعاني من أزمة الهوية والمشروعية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي تسعى لبناء الأمة والدولة، حتى تقدم هوية جديدة ومستقلة لدول المنطقة والعالم. وكذلك تسعى تركيا وآذربيجان لمواجهة ما يسمى اليوم بالثقافة المشتركة مع إيران، وذلك من خلال نشر التتريك، لإبعاد الأقوام التركية بالمنطقة وخاصة القرغيز، القازاق، الأوزبك والتركمان عن التاريخ والهوية المشتركة مع إيران. ( )
دور السعودية: يمكن تفسير محاولات النظام السعودي التواجد في منطقة آسيا الوسطى في إطار خطواتها للحد من النفوذ الإيراني في الدول السنية، ومن هذا المنطلق بدأت محاولات التواجد السعودي في طاجيكستان في وقت مبكر من عمر الجمهورية الطاجيكية المستقلة؛ حيث بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين في 11 يناير 1992م؛ بعد عدة أشهر من سقوط الاتحاد السوفييتي وإعلان استقلال طاجيكستان. ( )
استغلت السعودية تراجع العلاقات الإيرانية الطاجيكية لصالحها؛ فمن ناحية حاولت دفع العلاقات بين البلدين إلى مزيد من الجمود، وحاولت من ناحية أخرى تنمية علاقاتها مع طاجيكستان- مستغلة الضعف الاقتصادي لطاجيكستان- وذلك عن طريق منح مساعدات مالية وأنواع أخرى من العلاقات الاقتصادية، وقد نجحت في ذلك، وتعتبر زيارة الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان للرياض في ذروة التوتر مع إيران- من وجهة نظر المراقبين- رسالة محددة حول زيادة الأنشطة السعودية في دوشنبه.
استفادت السعودية من ضعف علاقات تهران ودوشنبه من خلال القيام بخطوات مثل تأسيس اللجنة المشتركة للصداقة البرلمانية الطاجيكية- السعودية، التعاون الواسع في المجالات الاقتصادية، التجارية، الاستثمارية، الفنية، العلمية والثقافية، الاهتمام بالمجالات المشتركة للقضايا الإقليمية والعالمية مثل الإرهاب الدولي، جذب الشركات السعودية الكبيرة لتنفيذ مشروعات الطاقة الطاجيكية. ( ) استخدام صندوق التنمية السعودي لتمويل مشروعات البنية التحتية في طاجيكستان، وقد تولى هذا المشروع منذ عام 2002م تمويل مشروعات في مجال التعليم والصحة والطرق، وتم توقيع سبع اتفاقات بين الطرفين بقيمة ۲۲۰,۱۲۲ مليون ريال سعودي، وكذلك كان تشكيل مجلس الأعمال السعودي- الطاجيكي المشترك في إطار دعم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين. ( )
يرى بعض المسئولين الإيرانيين أن السعودية كانت هي السبب وراء تراجع العلاقات بين إيران وطاجيكستان، في حين ينفي الجانب الطاجيكي ذلك دافعاً باستقلال السياسة الخارجية لطاجيكستان. وكان مرتضى صفاري نطنزي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني قد اتهم السعودية بالتسبب في تدهور العلاقات مع طاجيكستان، وقال لوكالة أنباء “ايسنا” إن مسئولي طاجيكستان لا يعرفون أن السعودية تعد من مؤسسي داعش، وتنوي توسيع أيديولوجيتها الإرهابية في آسيا الوسطى، فيما نفت طاجيكستان هذه المزاعم قائلة بأنها تنتهج في سياستها الخارجية سياسة “الأبواب المفتوحة” مع كل الدول، واضعة في الاعتبار مصالحها القومية. ( )
دور إسرائيل: تعتبر إسرائيل من بين القوى الخارجية التي تسعى لزيادة حضورها في طاجيكستان، ويعد هذا من بين العوائق والتهديدات التي تواجه العلاقات الإيرانية- الطاجيكية. ويمكن تفسير سياسة تل أبيب من منطلق التحالف مع المحيط لكسر حلقة حصار الدول المعادية لإسرائيل في المنطقة ودعم اليهود الموجودين في هذه المنطقة، جذب تعاون ودعم دول المنطقة في المحافل الدولية، التأثير على علاقات دول آسيا الوسطى مع إيران وكذلك الضغط على البيئة المحيطة والأمنية لإيران. ( )
بالنظر إلى الدول الإقليمية والدولية اللاعبة في منطقة آسيا الوسطى؛ وهي روسيا، الصين، تركيا، السعودية، أمريكا، إسرائيل. وبالنظر إلى اقتصاد هذه الدول مقارنةً بإيران، يتضح أن هذه الدول جميعاً تتفوق اقتصادياً على إيران، التي أنهكتها العقوبات وتسبب في أضرار عديدة لاقتصادها القومي؛ وبهذا فإن الجهود الاقتصادية التي يمكن أن تقدمها هذه الدول لآسيا الوسطى وطاجيكستان تتفوق كثيراً على ما يمكن أن تقدمه إيران.
يتضح أيضاً أن ميزة طاجيكستان في منطقة آسيا الوسطى على كل الدول السابق ذكرها- عدا تركيا- تتمثّل في الصلات الثقافية واللغوية والدينية، وهكذا فإن عدم استغلال إيران لتلك الصلات بالشكل الصحيح، إلى جانب ضعف إمكانات المنافسة الاقتصادية لديها مع الدول الأخرى اللاعبة في المنطقة، كل هذا أضعف دور إيران وحضورها في المنطقة.
ثالثا: القضايا الخلافية:
كان للظروف الداخلية لإيران وطاجيكستان، وكذلك السياسات المتخذة من جانبيهما وتعاملهما مع الأزمات التي واجهت علاقاتهما دورٌ كبير في التأثير على العلاقات الثنائية فيما بينهما، ومن بين أهم القضايا التي ساهمت في التباعد بين البلدين، ما يلي:
حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي:
تعتبر علاقة إيران بحزب النهضة الإسلامي الطاجيكي أحد أهم أسباب التباعد، ومبعث الخلاف بينها وبين طاجيكستان، بل إن استقبال إيران لكبيري يعتبر بداية مرحلة التوتر في العلاقات بين الدولتين، حيث يربط الخبراء تراجع العلاقات بين إيران وطاجيكستان بدعوة محيي الدين كبيري زعيم حزب النهضة الإسلامي المحظور في طاجيكستان لمؤتمر “الوحدة الإسلامية” في تهران في 2015م، والذي عقد بعد 3 أشهر من حظر الحزب في طاجيكستان، وتم استقبال كبيري كضيف شرف المؤتمر، والتقى بالمرشد الإيراني علي خامنئي في تهران. ( ) ويرى المسئولون الطاجيك أن إيران دعت محيي الدين كبيري إليها رغم اتهامه في أعمال الشغب التي حدثت في طاجيكستان، في حين ينفي كبيري وجود أي أدلة لدى المسئولين الطاجيك تثبت هذا الاتهام، ويرى أن الهدف من هذا الاتهام هو إبعاده عن الساحة السياسية في طاجيكستان. “( )
كان حزب النهضة الإسلامي من بين أطراف الصلح في طاجيكستان، وقام بتشارك السلطة أيضاً، وكانت إيران قد دعمته أثناء الحرب الأهلية لإحداث توازن في القوى، وبعد انتهاء الحرب الأهلية اعترضت إيران على ما اعتبرته سحب السلطة من التيارات الإسلامية، فيما اعتبرت طاجيكستان هذا الأمر شأناً داخلياً لا يحق لإيران التدخل فيه، وهو ما أدى إلى بروز التوتر بينهما. ( ) وتذكر المصادر أنه قد حدثت عدة لقاءات بين مسئولي الدولتين لبحث أسباب الخلاف لكن دون جدوى ( ) ولم تسفر المحادثات الدبلوماسية عن أية نتائج ملموسة، فقد رفضت تهران وقف التعامل مع الحزب الطاجيكي، فيما طالبت طاجيكستان إيران بإعلانه حزباً إرهابياً وهو ما رفضته إيران. ( ) وهكذا تظل علاقة إيران وحزب النهضة الطاجيكي من بين أهم أسباب تراجع العلاقات بين البلدين.
اتهام إيران بقتل الطاجيك خلال سنوات الحرب الأهلية (1991- 1997م)
نشر التليفزيون الطاجيكي الرسمي فيلماً وثائقياً مدته 45 دقيقة لمجموعة من الطاجيك المقبوض عليهم على خلفية قيامهم بأعمال اغتيال لشخصيات طاجيكية شهيرة خلال سنوات الحرب الأهلية. واعترف المتهمون بتلقيهم الأموال والتدريب من إيران، كما اعترفوا بالسفر لإيران لتلقي التدريبات اللازمة في الجيش الإيراني. ويتحدث الفيلم عن تاريخ الدعم الإيراني للإرهاب في طاجيكستان، وتورُط تهران في كثير من العمليات الإرهابية منذ استقلال طاجيكستان، من بينها تدريب بعض العناصر الإرهابية على السلاح، تنفيذ الاغتيالات، استهداف رجال الأمن والمثقفين وتنفيذ الأجندة الإيرانية في الداخل الطاجيكي. واتهم الفيلم الوثائقى، إيران بتمويل عمليات قتل سياسي وتوجيهها، وهو ما يعد أحد أسباب التوتر الشديد بين طاجيكستان وإيران، خاصة بعد اتهام دوشنبه لدبلوماسيين إيرانيين بممارسة نشاطات مريبة على الأراضي الطاجيكية.
وورد في الفيلم الوثائقي الذي أعلنت وزارة الداخلية الطاجيكية أنها شاركت في تصويره، أن تهران كانت تعمل على إثارة الحرب الأهلية في البلاد، وقدمت مساعدات مالية لحزب النهضة الإسلامي الذي يترأسه حاليًا محيي الدين كبيري الهارب خارج البلاد، ودربت مسلحين تابعين له على الأراضي الإيرانية.
يظهر الفيلم الوثائقي هذا ثلاثة ممن وُصفوا بالإرهابيين المدانين الذين ينتمون للحزب الإسلامي، وهم يعترفون بتنفيذ اغتيالات شملت ساسة وشخصيات عامة، وشن هجمات على قاعدة عسكرية روسية بين أعوام 1994-2000م، مؤكدين أنهم تلقوا تدريباً في إيران وتمويلا منها. واعترف أحدهم بأنه سافر إلى إيران للتدريب العسكري عام 1995م؛ حيث سافر من دوشنبه إلى عشق آباد ومنها إلى إيران، وتلقى تدريباً برفقة مائتي طاجيكي في مدينتي قم وجرجان، ثم عاد إلى طاجيكستان عام 1997م وقام برفقة زملائه بتنفيذ مخطط لاغتيال مثقفين وعلماء دين تاجيك.
بالرغم من نفي إيران المستمر تورطها في إشعال الحرب الأهلية وإصدار السفارة الإيرانية في دوشنبه بيانا نفت فيه الاعترافات التي وردت في هذا الفيلم من قبل أشخاص معتقلين بالسجون الطاجيكية؛ يحكونها عن أشخاص فارقوا الحياة”. ولكن يظل هذا الفيديو أول اتهام علني للحكومة الإيرانية بالتسبب في إشعال فتيل الحرب الأهلية في طاجيكستان خلال أعوام 1992-1997م، كما يعتبر أول عداء صريح بين البلدين. ( )
يرى الباحث أن هذا الفيلم هو أحد أهم أسباب تراجع العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها، حتى أوشكت على القطيعة؛ وتتمثَّل خصوصية هذا الفيلم في أنه يعد أول دليل ملموس يحمل اعترافاً رسمياً من أشخاص تاجيك، يعترفون على أنفسهم بتنفيذ عمليات إرهابية في طاجيكستان، ويعترفون بضلوع إيران وراء هذه العمليات، ويعتبر اعتراف هؤلاء الطاجيك على أنفسهم هو أهم قرينة يمكن أن تدعم صحة الاتهامات الواردة في هذا الفيلم، لأنهم يعرفون جيداً أن الجرائم التي يعترفون بتنفيذها يمكن أن تؤدي بهم إلى الإعدام، ومن المنطقي ألا يلصقوا بأنفسهم مثل هذه الاتهامات زوراً، وهذا ما يدعم أقوالهم حول دور إيران أيضاً. وبالرغم أن إيران لم تستطع إثبات كذب هذه الإدعاءات، كما لم تستطع طاجيكستان إثبات صحتها، لهذا سوف تظل هذه الاتهامات سبباً للتشكك الدائم وشيوع مناخ من سوء الظن حول نوايا النظام الإيراني.
قضية الملياردير الإيراني بابك الزنجاني:
تعد قضية الملياردير الإيراني بابك الزنجاني- الذي يُقال إنه فقد أمواله في طاجيكستان- من بين أسباب توتر العلاقات بين البلدين. ( )
وبابك الزنجاني كانت له استثمارات في طاجيكستان، ويُذكر أنه كان يتعاون مع وزارة النفط الإيرانية لبيع النفط وتحويل ثمنه إلى إيران للتحايل على العقوبات الدولية عليها، وتم اعتقال الزنجاني في ديسمبر 2013م لعدم سداد قروضه، وحُكم عليه بالإعدام في 6 مارس 2016م ومعه آخرين. ويدعي بعض المسئولين الإيرانيين أن الزنجاني استثمر 500 إلى 600 مليون دولار في طاجيكستان، وكوّن علاقات بأشخاص نافذين في النظام الطاجيكي، ويقول هؤلاء المسئولون أيضاً إن الزنجاني استخدم المؤسسات البنكية الطاجيكية في سرقة أموال النفط الإيراني.
جديرٌ بالذكر أن الزنجاني لديه العديد من الشركات في طاجيكستان من بينها شركات البناء، النقل، الاستثمار والسياحة، ومن بين هذه الشركات “Kont group Tajikistan”، “Коntgroup investment”، “Asian Express Terminal”، “Asian Express” Airline” و“Kont tourism Tajikistan”، وقد شارك الزنجاني رسمياً في افتتاح بعضها بصحبة الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان.
ينفي مسئولو طاجيكستان- ومن بينهم شريف رحيم زاده رئيس لجنة الموازنة والمالية بالبرلمان الطاجيكي، والذي كان يشغل منصب رئيس البنك الوطني سابقاً- هذا الادعاء، مطالبين المسئولين الإيرانيين بتقديم الأدلة التي تثبت ذلك الادعاء في حال وجودها، كما أعلنت مصادر بالبنك الوطني الطاجيكي عدم وصول أي أموال من الملياردير الإيراني زنجاني إلى طاجيكستان. وجدير بالذكر أن الزنجاني لديه استثمارات في دول عديدة من بينها طاجيكستان وتركيا وماليزيا، ولا يُعرف على وجه الدقة أين توجد هذه الأموال. ( ) لكن طرح اسم طاجيكستان في ملف الزنجاني والغموض المحيط بالموضوع أدى لوجود مناخ سلبي في علاقات الدولتين، على الرغم من أن ماهية هذا الموضوع اقتصادية أكثر. ( )
هكذا فإن علاقات إيران بحزب النهضة، اتهامها بالمشاركة في عمليات القتل المنظم في طاجيكستان في سنوات التسعينيات، ومن ناحية أخرى اتهام طاجيكستان بالمساعدة في سرقة الأموال الإيرانية عن طريق الملياردير الإيراني بابك الزنجاني، فهذه القضايا وإن لم تثبت كليةً، أو يتم معرفة أبعادها الحقيقية، لكنها أدت لسيادة مناخ من الشك وسوء النية بين الطرفين، مما أسهم- إلى جانب الاختلافات الأيديولوجية والتكتيكية وكذلك دور القوى الخارجية الإقليمية والدولية- في تراجع العلاقات بين البلدين. وذلك على النحو التالي:
رابعاً: مظاهر تدهور العلاقات:
بدأ تراجع العلاقات بين إيران وطاجيكستان منذ دعوة محيي الدين كبيري لحضور مؤتمر الوحدة الإسلامية في 2015م ولقائه بالمرشد علي خامنئي في تهران، ولم تجدِ المساعي الدبلوماسية أو اللقاءات بين الجانبين نفعاً. ( ) وقد زادت العوامل الأخرى والمستجدات على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية من ذلك التباعد على الأصعدة المختلفة على النحو التالي:
على المستوى السياسي: انتقد الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان في أحد خطاباته التدخل الأجنبي الذي يواصل دعم الحزب الطاجيكي الإسلامي المحظور في البلاد. ( )
رفضت طاجيكستان عضوية إيران في “منظمة شنغهاي للتعاون”؛ حيث إن إيران عضو مراقب في المنظمة، بينما طاجيكستان عضو مؤسس، وحسب صحيفة “إيزوستيا” الروسية نقلاً عن أحد أعضاء الوفد الروسي في مؤتمر “منظمة شنغهاي للتعاون” الذي أقيم في أستانة عاصمة قازاخستان، فإن سبب معارضة طاجيكستان لعضوية إيران في المنظمة هو اللقاءات التي تمت بين المسئولين الإيرانيين وزعيم الحزب الطاجيكي المعارض. ( ) وقد أصدر مجلس علماء طاجيكستان، رابطة الزعماء الدينيين في البلاد بياناً أكدوا فيه تمويل إيران لكبيري، رئيس حزب النهضة الإسلامي، وأكدوا أيضاً سعي إيران الشديد لزعزعة السلم في طاجيكستان.
في عام 2017م طالب مركز الدراسات الإسلامية “mit” وهو منظمة تابعة للحكومة الطاجيكية، السلطات الإيرانية بوقف نشر التشيع بين الطاجيك، وأشار إلى استغلال إيران للعلاقات مع طاجيكستان لنشر مذهبها. وقال المركز في مقال له نشره موقع “زمانه” التابع للمعارضة الإيرانية في الخارج إن تراجع برامج التعاون السياسي والثقافي بين الحكومتين سببه أنشطة إيران السياسية والدينية في طاجيكستان والدعاية والترويج للمذهب الشيعي، وأشار الموقع أيضاً إلى أن إغلاق مراكز إنتاج الأغذية والمطاعم الإيرانية في وسط العاصمة دوشنبه، جعل السلطات الإيرانية تقدم على نشر التشيع بين الشباب بأساليب مختلفة. ( )
على المستوى الثقافي: أغلقت السفارة الإيرانية مكاتبها الاقتصادية والثقافية في الأجزاء الشمالية من البلاد في يونيو 2017م، بعدما أمرت السلطات الطاجيكية مديري المنظمات الحكومية الإيرانية في مدينة خجند بتعليق أنشطتهم في الشمال. وخلال العامين الماضيين، اضطرت المنظمات الحكومية الإيرانية لتعليق أنشطتها في دوشنبه بسبب الاعتراضات الطاجيكية؛ حيث تم إغلاق جمعية الإمام الخميني للإغاثة، والمركز الثقافي الإيراني، إغلاق مركز “إيرانيان” في مدينة خجند المعروف بخدمات الوثائق والإنترنت فائق السرعة، والذي كان يدعم الكتّاب المحليين ويطبع كتبهم، وكان ينظم زيارات علمية للشباب الطاجيك إلى إيران، إغلاق مستشفى الهلال الأحمر الإيراني الطاجيكي، فضلًا عن مؤسسات أخرى. وكذلك منعت السلطات الطاجيكية بيع مؤلفات الإمام الخميني؛ مؤسس النظام الإيراني، وغيره من رجال الدين الإيرانيين. ( )
على المستوى الاقتصادي: منعت طاجيكستان واردات السلع والمنتجات الإيرانية منذ عام 2016م، واستبدلتها بمحاصيل من دول أخرى. ووفقاً لقول فردوس بولادي الخبير الاقتصادي في حوار لراديو آزادي فإنه كان يتم استيراد لحوم الدجاج وزيوت النخيل والحلويات ومواد البناء من إيران، والآن يتم تجهيز أكثر هذه المنتجات في طاجيكستان أو يتم استيرادها من قازاخستان، أوزبكستان، تركيا، روسيا والصين.
رغم إغلاق عشرات الشركات الإيرانية فلازال بعضها يعمل، ولكن لا يتم استيراد المنتجات من إيران كما كان من قبل. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن تبادل السلع والنقد بين الدولتين قد وصل لأقل مستوياته؛ ففي عام 2015م- قبل جمود العلاقات- كانت صادرات إيران لطاجيكستان 123 مليون دولار وصادرات طاجيكستان لإيران 59 مليون دولار. لكن في عام 2017م وصلت صادرات إيران إلى 61 مليون دولار و30 مليون دولار من طاجيكستان لإيران، أي بتراجع قدره 20% عن عام 2016م. ( )
على المستوى الشعبي: نظّم عدد كبير من المواطنين الطاجيك مظاهرة احتجاج أمام السفارة الإيرانية في العاصمة دوشنبه، وطالبوا تهران بوقف التدخل في الشئون الداخلية لطاجيكستان. وقال المحتجون إن الحكومة الإيرانية تساعد الجماعات المتطرفة في طاجيكستان، وتخطط لاغتيال شخصيات عامة، ورفع المتظاهرون لافتات تردد “لا مكان للحروب الدينية في طاجيكستان”، “أعيدوا أطفالنا إلى بلدنا” في إشارة إلى تجنيد تهران لأطفال تاجيك في معاهدها الدينية،( ) كما رفع المتظاهرون لافتات وملصقات كتب عليها ”إرهابيان كبيران“ (الإرهابيون الكبار) في إشارة إلى زعيم حزب النهضة الإسلامي الذي يمثل حركة الإخوان المسلمين، محيي الدين كبيري، وحاول المحتجون اقتحام مبنى السفارة الإيرانية، لكن الشرطة منعتهم. ( ) وقد لفتت احتجاجات دوشنبه الانتباه في تهران، مما اضطر وكالة أنباء تسنيم -التابعة للحرس الثوري الإيران- إلى الدفاع عن حزب النهضة الإسلامي ووصفه بالمعتدل، فضلًا عن توجيه اتهامات للمحتجين في الشارع الطاجيكي، مثل تزييف المظاهرات. ( )
هكذا اتسعت أسباب تراجع العلاقات بين إيران وطاجيكستان، وعجزت كلتا الدولتين عن احتواء هذا التراجع أو معالجة أسبابه، ومن ثم اتسعت دائرة الرفض الإيراني في طاجيكستان على الأصعدة المختلفة، السياسية، الاقتصادية، الثقافية والشعبية.
الخاتمة
انتهى الباحث من خلال مناقشة البحث إلى النتائج التالية:
1. ظل الاتصال الثقافي بين إيران وإقليم ما وراء النهر منذ ما قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر الميلادي؛ حيث تمت القطيعة بينهما نتيجة لعوامل مذهبية نتجت عن قيام الدولة الصفوية شيعية المذهب في إيران.
2. تعد العرقيات المشتركة بين إيران وآسيا الوسطى عاملاً مهماً في التقارب بين الطرفين.
3. تتمثّل عوامل الجذب الإيرانية في علاقتها بطاجيكستان في الصلات التاريخية بين الشعبين، وكذلك الموقع الجغرافي لإيران الذي يمكّن طاجيكستان من الاتصال بالعالم الخارجي، بالإضافة لمصادر الطاقة الإيرانية اللازمة للصناعات الوسيطة، ولكون إيران هي المتنفس الفارسي لطاجيكستان في ظل حصار الدول ذات الهوية التركية.
4. كان دور إيران في إنهاء الحرب الأهلية الطاجيكية من بين عوامل قبولها لدى الطاجيك بعد الاستقلال.
5. تتمثّل عوامل الجذب الطاجيكية في كون طاجيكستان بوابة دخول المنتجات الإيرانية لآسيا الوسطى، وهي كذلك أهم منتج للألومنيوم والقطن اللذين تستوردهما إيران، وتوفُر مصادر الطاقة الكهربائية بها، وكونها سوقاً مهماً للسلع والبضائع الإيرانية، ونافذة لإيران لتخفيف عزلتها ولإمكانية انفتاحها على دول آسيا، وكذلك معاناة كلتا الدولتين من ظروف الإرهاب وتهريب المخدرات.
6. بدأت العلاقات الإيرانية الطاجيكية فور استقلال طاجيكستان عام 1991م، وتم توقيع العديد من الاتفاقات في العديد من المجالات الاقتصادية والثقافية، واللذين حظيا بأهمية قصوى في علاقات الدولتين.
7. حازت العلاقات الثقافية بين إيران وطاجيكستان تقدماً ملحوظاً، إذ نشطت العديد من المؤسسات الثقافية الإيرانية في طاجيكستان ومارست نشاطاتها في التعريف بإيران ونشر أعمال الأدباء والعلماء الإيرانيين، تعليم اللغة الفارسية وغيرها، تبادل الطلاب والبعثات العلمية بين البلدين، تقديم منح دراسية للطاجيك، وكذلك طباعة كتب تعليمية بالأبجدية الفارسية للطلاب الطاجيك.
8. حاز مجال الفن اهتماماً كبيراً في علاقات إيران وطاجيكستان؛ وشمل ذلك مشاركة الطاجيك في مهرجانات الفيلم الإيرانية، وكذلك تقديم عروض مسرحية إيرانية في طاجيكستان.
9. استغلت إيران عاملي الدين والتراث الثقافي والحضاري للتمهيد لفرض أيديولوجيتها الثقافية والدينية، وقد لاقت هذه الأيديولوجية رفضاً من الطاجيك بعد انكشافها.
10. شكّلت المساعدات والمشروعات الاستثمارية الإيرانية عاملاً مهماً في دعم العلاقات بينها وبين طاجيكستان.
11. توجد العديد من الأسباب التي أعاقت توسع العلاقات الإيرانية الطاجيكية، وتنقسم لأسباب تكتيكية، وعوامل خارجية وكذلك أسباب داخلية، وقد ساهمت جميعها في تراجع العلاقات أمام الخلافات التي ظهرت.
12. تتمثَّل الأسباب التكتيكية في اختلاف الطبيعة الأيديولوجية والنظام السياسي في إيران عنه في طاجيكستان، افتقاد إيران لاستراتيجية موحّدة تجاه طاجيكستان، الصورة السيئة التي صدرتها إيران عن نفسها والتي تساهم في رفض تعميم النموذج الإيراني في المنطقة، وكذلك ضعف النشاط الثقافي الإيراني مقارنةً بأنشطة اللاعبين الآخرين في المنطقة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وكذلك عدم امتلاك المعلومات الصحيحة عن المستجدات الموجودة في المنطقة.
13. من بين الأسباب التكتيكية أيضاً عدم تبني استراتيجية موحدة في السياسة الخارجية من قبل طاجيكستان.
14. تعتبر القوى الخارجية- الإقليمية والدولية- من بين أهم الأسباب التي أعاقت تقدم العلاقات الإيرانية الطاجيكية؛ ومن بين هذه الدول روسيا، الصين، الولايات المتحدة، تركيا، السعودية وإسرائيل، حيث إن زيادة حضور إيران في المنطقة مثار قلقٍ لهذه الدول، ويؤثر بالسلب على نفوذهم ومصالحهم، ويمهّد لمزيد من الأصولية الإسلامية في المنطقة.
15. تمثّلت العوامل الداخلية لتراجع العلاقات بين البلدين في: علاقات إيران بحزب النهضة الإسلامي الطاجيكي، اتهام إيران بالمشاركة في أعمال القتل في طاجيكستان خلال عقد التسعينيات، اتهام طاجيكستان بالمساعدة في سرقة أموال النفط الإيرانية.
16. أدت العوامل الداخلية إلى جانب الاختلاف في طبيعة نظاميّ الدولتين وكذلك دور القوى الخارجية، وعدم موائمة الظروف الإقليمية والدولية إلى تراجع العلاقات بشدة بين إيران وطاجيكستان.
17. تراجعت العلاقات بين الدولتين على كافة الأصعدة؛ على المستوى السياسي حيث رفضت طاجيكستان عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، وعلى مستوى المؤسسات الدينية الطاجيكية ورفضها للممارسات المذهبية في البلاد، وكذلك على المستوى الشعبي الذي تمثل في مظاهرات مناهضة للوجود العسكري الإيراني في طاجيكستان.
18. نتج عن رفض طاجيكستان للسياسات الإيرانية تقليص العديد من أوجه التعاون الاقتصادي والثقافي، حيث تم إغلاق العديد من مراكز النشاط الثقافي التابعة لإيران ومنع نشر العديد من الكتب للرموز الإيرانية، وكذلك تقليص التعاون الاقتصادي وإغلاق العديد من الشركات والتوقف عن استيراد العديد من السلع الإيرانية واستبدالها بأخرى سواء داخل طاجيكستان أو من الدول المجاورة.