الرئيسية » الدراسات » استراتيجية مصر تجاه القارة الأفريقية

استراتيجية مصر تجاه القارة الأفريقية

بواسطة :

تحديات تنمية العلاقات المصرية الأفريقية
ثمة تحديات تعوق مسارات تعزيز العلاقات المصرية الأفريقية، بعضها ارتبط بالدولة المصرية واستراتيجيتها خلال العقدين الماضيين، والبعض الآخر تعلق بالشأن المحلي الأفريقي، أو نتيجة تدخل الطراف خارجية. ويمكن تلخيص هذه التحديات فيما يلي :
محدودية الاستفادة من أطر التعاون القائمة بين مصر والدول الأفريقية، أو بينها وبين التجمعات والمنظمات الأفريقية.
قصر العلاقة مع أفريقيا خلال الفترة الماضية في دول حوض النيل فقط.
عدم وضع الأهداف الاقتصادية كأولوية لمؤسسات الدولة في التعاون مع دول القارة.
محدودية الموارد المالية للدولة المصرية بما يحدّ من دورها كدولة مانحة ومؤثرة اقتصاديًا.
تنامي وجود فاعلين من خارج القارة قد لا تتفق توجهاتهم مع المصالح المصرية.
التغير في النخبة السياسية في بعض دول القارة والتي قد لا يتلاءم بعضها مع المصالح المصرية.
اتجاه بعض الدول الأفريقية للاستفادة من التنافس الدولي والإقليمي داخل القارة لتحقيق مصالحها.
افتقار غالبية الدول الأفريقية للخبرات المحلية والكفاءات البشرية المدربة.
قلة حركة التجارة الدولية مع أفريقيا نتيجة الصراعات والحروب والأزمات الداخلية.
فرص تنمية العلاقات بين مصر وأفريقيا :
تمتلك الدول الأفريقية من موارد طبيعية هائلة من المعادن والنفط والمساحات الزراعية الشاسعة والغابات الكثيفة والثروة الحيوانية والسمكية، الجاذبة للاستثمار. بجانب الفرص الأخرى المتاحة في مجالات التشييد والبناء والبنية التحتية، والطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ، وتوليد الطاقة الكهربائية والسدود وخزانات المياه العذبة وشبكات الري. فضلًا عن التنوع البيئي والمناخي الفريد من نوعه على مستوى العالم، الذي يُمكن أن تستفيد كلً من مصر والدول الأفريقية من هذه الفرص المحتملة بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة لجميع الأطراف، فمن الأهمية التعاون مع الدول الأفريقية من منطلق سياسة المكاسب المتبادلة win-win game، والتأكيد دومًا على أن هدف التحرك المصري تجاه أفريقيا هو زيادة التبادل التجاري تصديرًا واستيرادًا.
واستنادًا إلى ما سبق، نستطيع طرح بعض التصورات للفرص المصرية في إطار محددات الاستراتيجية المصرية للتعاون مع أفريقيا، وهي:
التشارك في بناء اقتصادات وطنية أفريقية متكاملة، لتحقيق مستويات عالية من التنمية الاقتصادية.
التفكير في نماذج ومقاربات واقعية من صلب البيئة الأفريقية بدلًا من استيراد نماذج خارجية.
تنمية رأس المال البشري من خلال تأهيل الأيدي العاملة، وبناء قدرات الخبراء التقنيين لصياغة برامج ومشاريع فعلية.
إعطاء الأولوية للأبعاد الاستراتيجية مثل الأمن الغذائي والمائي ومواجهة تغيرات المناخ وتطوير البنية التحتية.
الاستفادة من تواجد استثمارات بعض القوى الدولية (روسيا – الصين – الهند – تركيا – الاتحاد الأوروبي) لجذب مزيد من الاستثمارات والتحرك المشترك تجاه أفريقيا.
اتخاذ خطوات فعّالة نحو تفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية والمبادرات الأفريقية الأخرى ذات الصلة لإحداث تغيير في هيكل التجارة البينية الأفريقية.
اتباع مفهوم استراتيجيات التصنيع للإحلال محل الواردات، والتصنيع لتنمية الصادرات.
رؤية مصر 2030م، وأجندة التنمية الأفريقية 2063م
تعد «أجندة التنمية الأفريقية 2063» الخطة الرئيسة للتحول الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي التي تسعى القارة الأفريقية إلى تحقيقها، عبر الاستغلال الأمثل لمزايا القارة، المُتمثلة في شعوبها وتاريخها وثقافاتها المتنوعة ومواردها الطبيعية المختلفة، بهدف إحداث تغيير في وضعها العالمي، مرتكزًة على عنصر القوى البشرية والتنمية في رأس المال البشري الأفريقي والاستثمار في البنية التحتية، والعمل على القضاء على الفقر، وتمكين المرأة والشباب، وتعزيز السلم والأمن الدائمين، وبناء المؤسسات القائمة على التنمية الفعّالة، والمشاركة والمساءلة والحكم الرشيد.
خاصة أن القادة الأفارقة مصممون على إحداث التغيير الشامل، وتجاوز التحديات وتحقيق التنمية المستدامة على نحو يُعبّر عن تطلعات شعوبهم، واضعين نُصب أعينهم أن «أجندة التنمية الأفريقية 2063» منذ تدشينها عام 2013 هي خارطة الطريق للسنوات الخمسين القادمة، وتحدد أجندة التنمية الأفريقية سبعة محاور رئيسة لتحقيق التنمية المستدامة للدول الأفريقية على النحو التالي:
الازدهار القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة.
التكامل والاتحاد سياسيًا لتحقيق الرؤية الشاملة لنهضة أفريقية.
الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون.
التمتع بالسلم والآمن.
هوية ثقافية قوية اعتمادًا على التراث والقيم والأخلاقيات المشتركة.
إطلاق الطاقات الكامنة للمرأة والشباب لقيادة قطار التنمية بالدول.
لاعب وشريك عالمي قوي وفعّال وذي نفوذ.
وتوضح «رؤية مصر 2030» في محور التنمية الاقتصادية ، بأنه بحلول عام 2030 يصبح الاقتصاد المصري اقتصاد سوق أكثر انضباطًا واستقرارًا، يستهدف تحقيق نمو وتنمية اقتصادية بشكل مستدام، يتميز بالتنافسية والتنوع ويعتمد على المعرفة، لتعظيم القيمة المضافة وتوفير فرص عمل لائقة ومنتجة، لضمان وصول نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، وكذا ليصبح اقتصادًا فاعلًا في الاقتصاد العالمي، لديه القدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية.
وقد تزامن وضع «أجندة التنمية الأفريقية 2063» مع إطلاق «رؤية مصر 2030» وتلتقي الأجندة الأفريقية والرؤية المصرية في بعض الأهداف والآليات، التي يمكن تمثل تكاملا بينهما، من حيث :
القضاء على الفقر، وتحسين الدخل وتوفير فرص عمل وتدبير الضروريات الأساسية.
إتاحة الفرص لجميع الأفارقة للحصول على سكن لائق في بيئة نظيفة وآمنة.
تحفيز ثورة التعليم والمهارات وتعزيز العلم والتكنولوجيا والبحث والابتكار من أجل بناء المعرفة.
التحول الاقتصادي والنمو والتصنيع وخلق القيمة المضافة واستغلال الموارد الطبيعية.
تعزيز وتحديث الزراعة والأعمال التجارية الزراعية، وزيادة القيمة المضافة والإنتاجية.
حملات دولية لتمويل مشاريع البنية التحتية الرئيسة وتطوريها لمواكبة المستويات العالمية.
الاهتمام بزيادة حجم التجارة البينية وتعبئة الموارد المحلية، ومنع الهجرة غير المشروعة لرؤوس الأموال.
وقد راعت الرؤية المصرية دمج أهداف التنمية المحلية مع أهداف التنمية الأفريقية، ضمن أعمال وخطط واستراتيجيات الحكومة المصرية.

المصالح الاقتصادية المصرية – الأفريقية

ترتبط المصالح الاقتصادية ذات الاهتمام المباشر بالاقتصاد المصري للعديد من دول القارة، نظرًا لخصوصية القارة الأفريقية من خلال آليات يُعوّل عليها لربط المصالح الأفريقية بمصر وزيادة الحركة التجارية المتبادلة بين مصر والدول الأفريقية، والإحلال التدريجي لواردات السلع الاستراتيجية من دول العالم بواردات من دول القارة، وفقًا للميزة النسبية التي تملكها كل دولة.
وفي المقابل، تحصل الدول الأفريقية على وارداتها من مصر بدلًا من استيرادها من العالم الخارجي، ثم التحول مستقبلًا إلى مرحلة التصنيع المباشر لسلع موجهة للتصدير خارج القارة. وقد تؤدي علاقات التبادل التجاري ومصفوفة الصادرات والواردات الأفريقية لمضاعفة حجم التبادل التجاري بين دول القارة كافة. بدايًة من مرحلة إحلال الواردات، ثم التصنيع من أجل التصدير، وصولًا للاكتفاء الذاتي، إذا لم تحدث أي عقبات على المستويات المحلية، أو الإقليمية، أو الدولية يمكن أن تحول دون تحقيق هذا الهدف الأفريقي.
ومن زاوية أخرى، فإن الترويج للاستثمارات المصرية في القطاعات ذات الأولوية بالدول الأفريقية، خلال عمليتي إحلال الواردات والتبادل التجاري، يحافظ قدر الإمكان على حصة مصر في أسواق التصدير الحالية، وقد يُفتح أسواق تصديرية جديدة للمنتجات المصرية، وربما جذب مزيد من الاستثمارات الدولية تعود بالنفع على دول القارة ككل.
ولتحقيق التكامل بين المصالح المصرية والأفريقية وتفعيل آليات النفاذ للأسواق الأفريقية، يتعين إعطاء الأولوية لتلك الآليات وهي:
إعداد دراسات لربط الموانئ البحرية الأفريقية بالموانئ المصرية، والمساهمة في إنشاء وتجهيز الموانئ المُهمة على السواحل الغربية والشرقية لأفريقيا؛ كي تصبح مصر مركزًا لحركة التجارة البحرية ومنفذ للصادرات الأفريقية للعالم.
تشجيع الشحن الجوي إلى الدول الأفريقية، وزيادة أسطول النقل الجوي المصري للتنافس مع شركات الشحن الدولية.
استكمال شبكات الطرق السريعة والسكك الحديدية بين العواصم والمدن الأفريقية ومصر، نظرًا لانخفاض تكلفتها، وعدم تأثرها بشكل قوي بتداعيات أي أزمات متعلقة بالطاقة.
بناء وإدارة مناطق اقتصادية ومجمعات أعمال متخصصة لنشاطات وخدمات متنوعة (مالية – صحية – مهنية – تعليمية – تكنولوجية).
عقد اتفاقيات ثنائية لإنشاء مناطق تخزين لوجستي مركزية للمنتجات المصرية، تمهيدا لترويجها بالأسواق الأفريقية المختلفة.
تشجيع البنوك المصرية على زيادة فروعها بالدول الأفريقية، خاصًة البنوك التجارية والاستثمارية للحصول على حصة حاكمة بالبنوك العاملة في القارة.
تفعيل صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا، ودعم البنك المركزي المصري لآلية النظام الإقليمي للمدفوعات والتسويات بين الدول الأعضاء في الكوميسا، ودراسة مدى تنفيذه في تجمعات اقتصادية أخرى.
تقديم حزم تشجيعية للمستثمرين المصريين للاستثمار في أفريقيا، من قبيل خفض تكلفة النقل، والإعفاء من الجمارك، والتسهيلات اللوجيستية للنفاذ داخل الأسواق الأفريقية.
توجيه الاستثمارات في إنشاء وتطوير البنية التحتية في القطاعات التي تحتاجها كل دولة إفريقية.
الاهتمام بإنتاج السلع الصناعية التي تهتم الدول الأفريقية بالحصول عليها من العالم الخارجي.
تقديم دورات تدريبية متنوعة للمختصين بالدول الأفريقية في مختلف المجالات وفقا لاحتياجاتهم التدريبية.
زيادة أعداد مكاتب التمثيل التجاري المصرية بدول القارة.
توفير المنتجات كبضاعة حاضرة وهو ما يُمثل دائمًا رغبة المستورد أو التاجر الفريقي، بدلًا من الاعتماد على الاستيراد الخارجي.
عقد المؤتمرات والمنتديات المتخصصة الأفريقية، مثل النسخة الثانية لمنتدى التجارة الحرة القارية الأفريقية – مايو 2024.

الوضع الراهن للمؤسسات الأفريقية

تواجه بالقارة الأفريقية جملة من التحديات الناجمة عن الأزمات العالمية المتلاحقة وتنافس القوى الدولية عليها، واحتدام الصراعات والنزاعات القائمة، خاصًة الانقلابات العسكرية الأخيرة بغالبية دول الغرب الأفريقي، والأزمة السودانية المتفاقمة، والتصعيد المتزايد شرق الكونغو الديموقراطية. ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول. والتي جعلت من التنمية في أفريقيا محفوفة بالمخاطر والصعاب والتحديات المباشرة. خاصة أن نشوب النزاعات والحروب والصراعات يُزيد من احتمالات الإخفاق في تحقيق التنمية، وتعرض البنية التحتية للدمار ويزيد من النزوح السُكاني.
ونتيجة لذلك، اتجه القادة الأفارقة نحو وضع خطة لتحقيق التنمية في أفريقيا، وإنشاء وتفعيل المؤسسات المالية والاقتصادية، لتكن أكثر تأثيرًا واستدامة. وربما هناك بعض الآراء تتسأل عن دوافع إنشائها وجدوى عملها وتوقيت إعلانها، في ظل ما يقرب من 23 دولة تعاني من ضائقة مالية، وعدم قدرتها على سداد جزء من مستحقاتها لدى المنظمات الأفريقية المختلفة ، وكذا إعلان الاتحاد الأفريقي أن التمويل اللازم لإنشاء تلك المؤسسات غير كافٍ، وهو ما يضر بتشغيل صندوق النقد الأفريقي كخطوة أولى نحو إنشاء البنك المركزي الأفريقي، كما أعلن في ديسمبر الماضي بأن الصكوك القانونية المُنشئة لبنك الاستثمار الأفريقي وصندوق النقد الأفريقي التي اعُتمدت في (2009-2014) لم تدخل حيز التنفيذ، بسبب عدم تصديق عددٍ كافٍ من الدول .
ومن منطلق استثمار فرص مصر في التشارك لبناء اقتصادات وطنية أفريقية متكاملة، والتفكير في نماذج واقعية أفريقية بدلًا من استيراد نماذج خارجية، لتحقيق مستويات عالية من التنمية الاقتصادية، لابد من العمل على تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية للدولة المصرية، والتوافق بين شركاء التنمية والأولويات الاستراتيجية للدولة، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص من خلال الشراكات البناءة مع المؤسسات الدولية، وتعزيز جهود الدعم الفني وتبادل الخبرات، والمتابعة الفعالة للمشروعات المنفذة مع شركاء التنمية، والتنسيق بين شركاء التنمية والمنظمات الإقليمية والدولية والوكالات الأممية، والجهات المستفيدة الوطنية من الشراكات.

الخلاصة

في إطار أهمية الدور المصري في المجالات المختلفة في القارة الأفريقية، النابعة من التفكير في عودة مصر إلى مكانتها الإقليمية والإسهام الفاعل مع بقية دول القارة في مواجهة التحديات وتسليط الضوء على القضايا التنموية، انتهجت الدولة المصرية استراتيجية التعامل مع أفريقيا على شتى المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، نتج عنها تغيرات جذرية في مضمون ومحتوى السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا، ومن أهم محاور الاستراتيجية المصرية هو تنمية العلاقات الاقتصادية، التي كانت في السابق ليست على ما يرام، وشابها بعض التحديات التي عاقت طريق التنمية، ولقد صاغت الدولة المصرية بعض التصورات لإعادة تلك العلاقات المبنية على التبادل التجاري وتفعيل التجارة البينية بين مصر والدول الأفريقية، في إطار دمج أهداف الخطة المصرية للتنمية “رؤية مصر 2030” و”أجندة التنمية الأفريقية 2063″، ومحاولة ربط المصالح المصرية والأفريقية في الشأن الاقتصادي في نقاط تشابكية تستهدف تحقيق التنمية المستدامة والشاملة لدول القارة، من خلال آليات تنفيذية واقعية نحو تطبيق الاستراتيجية المصرية تجاه أفريقيا.

المشاركة المصرية في أفريقيا
مصر عضو بالعديد من المؤسسات الأفريقية والبرامج والمبادرات، والتي تقوم بالدور التنموي بالقارة، سواء أكانت منظمات قارية أو تجمعات إقليمية أو مؤسسات التمويل والاستثمار. حيث تنتمي مصر في عضويتها لإثنين من التجمعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية من بين ثمانية تجمعات إقليمية معتمدة ، هما تجمع السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا «كوميسا» ((COMES وتجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD)
كما تشارك مصر في الاتفاقات القارية المختلفة ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي والتجاري الإقليمي، مصل صندوق تنمية الصادرات في أفريقيا (FEDA) والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank) ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AFCFTA) باعتبارها فرصة مؤاتية للتواجد المصري في أكبر عدد ممكن من دول القارة، والتمتع بتسهيلات أفضل، يُتيح نفاذ المنتجات المصرية للدول الأفريقية ويُحقق قيمة مضافة لتلك السلع ورفع القدرة التنافسية لها.
إضافة إلى رئاسة مصر الحالية لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية (NEPAD) والتي تدفع في سبيل زيادة حركة التجارة البينية والاستفادة من المواد الخام والثروات الطبيعية، وتسمح بدخول مصر في شراكات واستثمارات كبرى مع دول التكتلات الأفريقية، وبما ينعكس إيجابيًّا على حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد ورجال الأعمال المصريين.
سياسات دعم التواجد المصري في أفريقيا
وقد أولت الدولة المصرية اهتمامًا بتلك النقطة المحورية في سياساتها الخارجية تجاه أفريقيا خاصًة في الملف الاقتصادي خلال العشر أعوامًا المُنقضية، عن طريق تدشين خريطة الأسواق الواعدة بهيئة تنمية الصادرات المصرية ، والتي تتضمن الفرص التصديرية للمنتجات المصرية بكل دولة، متضمنة كافة التفاصيل المتعلقة بنوعية المنتج المطلوب وأسماء وطرق التواصل مع المسئولين وكيفية طلب البيانات للتصدير، وكذا تقارير إحصائية عن حجم الصادرات المصرية لكل دولة سنويًا وما هي تلك المنتجات المُصدرة، فضلًا عن تقارير ودراسات عن السلع والمنتجات التي يُمكن لمصر أن تقوم بتصدريها والميزة التنافسية لها، لاسيما يُمكن التعرف على أهم السلع المصرية التي تتمتع بإمكانات تصديرية، والتي توضحه خريطة إمكانات التصدير “Export Potential Map” ، ولكي نستطيع رسم سياسات دعم التواجد المصري أفريقيًا في إطار استراتيجية تنموية متوازنة ومتكاملة وتشابكية، ولكي تؤتي تلك المنصة المعلوماتية المصرية ثمارها، لابد من اتباع بعض السياسات على المستوى الكلي لتستفيد الدولة المصرية من التواجد المؤثر في أفريقيا بشتى القطاعات والمجالات، ويُمكن إبرازها كالتالي:
إقامة علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية في إطار شراكة من أجل التنمية للمصلحة العامة.
التركيز على الفرص الاستثمارية الأكثر جذبًا في أفريقيا بقطاعات (الزراعة – الطاقة – النقل – البناء – تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – التعليم – التجارة الإلكترونية – الكهرباء).
إتاحة الفرص للشراكة مع القطاع الخاص في التخطيط والتنفيذ لتلك الاستثمارات.
ربط الاستثمارات الخارجية بخطط التنمية المحلية للاستفادة منها كموارد تمويلية وتحقيق التوازن والتكامل بينهما.
زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة في السلع والخدمات ودعم التعاون الفني.
تعميم مفهوم الاستراتيجيات الوطنية للاقتصاد الأزرق والأخضر والدائري.
دراسة مُفصّلة للأسواق الأفريقية، وتفهم ثقافة وطبيعة المستهلك / المستورد الأفريقي.
عقد اتفاقيات مع بعض الدول بشأن الإعفاء من الجمارك المفروضة على السلع التي يقومون باستيرادها، للقضاء على احتكار المستوردين الأفارقة لسلع بعينها.

مجالات أخرى للتواجد المصري في أفريقيا

تكمُن إحدى ركائز محددات التواجد المصري في أفريقيا في “بناء علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية في إطار شراكة من أجل التنمية للمصلحة العامة”، ومع توقع تنامي دور التكتلات الاقتصادية الإقليمية، الأمر الذي يتطلب اقتراب الدولة المصرية من هذا التوجه الذي يتواكب مع الاهتمام الكبير الذي توليه مصر تجاه تعزيز التعاون مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية، فضلًا عن أهمية تكثيف التحرك على صعيد إبرام اتفاقات التجارة الحرة الثنائية مع الدول التي يمكن أن تحقق زيادة للصادرات المصرية، أو استيراد مدخلات الإنتاج، ومن هذا المنطلق ليس المقصود بالتواجد هنا في مجالات التجارة والتصنيع والطاقة وغيرها من المجالات التي تعزز من مكانة الاقتصاد المصري في أفريقيا فحسب، بل هناك مجالات أخرى تستطيع الدولة المصرية أن تخطو فيها مسارات متعددة لتعميق أواصر التعاون المصري الأفريقي، وتعتبر تلك المجالات شرايين الحياة لهوية القارة الأفريقية وثوابتها التاريخية، وتعمل في إطار أنشطة جماهيرية ومشروعات كثيفة العمالة التي بالأساس متوفرة بأعداد كبيرة، وتهدف لاستمرار البناء في مفهوم الهوية الأفريقية، خاصًة حال إتمام تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية والتي من أهدافها تحسين التجارة بين الدول الأفريقية والتنسيق وتيسير حركة الأشخاص والسلع والخدمات، وعلينا أن نضع في اعتبارنا تلك الملفات المهمة والمؤثرة، وإيجاد الفرص لتغيير مسار القارة.

أولًا: الاقتصاد الثقافي
تحتاج الدول الأفريقية إلى إعادة التفكير في الآليات والأدوات التي يُمكن للاقتصاد الثقافي من خلالها إبراز القوة الناعمة للدول، وقيام القطاع الخاص والحكومات الأفريقية أن يلعبوا دورًا مهمًا في تقديم الدعم المالي للبرامج الثقافية يستهدف تكاملًا إقليميًا أكبر، ورغم وجود تحديات مثل المصالح الجيوسياسية المتداخلة التي قد لا تتوافق مع الاستثمار في أنشطة الاقتصاد الثقافي، إلا أن دعم بعض القادة الأفارقة عبر قطاع الأعمال والسياسة والثقافة، سيكون له الأثر على رفع تأثير الاقتصاد الثقافي في ظل تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وتوفير قيمة إضافية للنمو الاقتصادي والتنمية في الدول الأفريقية، ويشمل الاقتصاد الثقافي (الفنون – الحرف اليدوية – السينما – الفنون المرئية وفنون الأداء – فنون الطهي – الرياضة – السياحة – الأزياء)، فيُمكن لهذه القطاعات الاستفادة فيما يتعلق بتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المختلفة.

ثانيًا: الاقتصاد السياحي
تتمتع غالبية الدول الأفريقية بمناطق جذب سياحي، نظرًا لما فيها من آثار قديمة ومتنزهات مفتوحة وحدائق حيوان تنفرد من حيث المساحات الخضراء والتنوع البيولوجي في النباتات والحيوانات، بالإضافة إلى طول السواحل على البحار والمحيطات تتنوع فيها أنشطة السياحة البحرية، وكذا الأنهار والمياه الجوفية، في إطار ما يُعرف “بالاقتصاد الأزرق” كأحد نماذج تشجيع التنمية المستدامة للدول، بما يشمله من قطاعات عدة مثل مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والموانئ والنقل وبناء السفن والتنقيب والتعدين، ومن زاوية أخرى مؤخرًا ركزت بعض الجهود في قطاع السياحة على قيام بعض الدول الأفريقية بتخفيض متطلبات التأشيرة الخاصة بها للسماح بدخول الأفارقة بدون تأشيرة ، ويطمحون بإمكانية توحيد جواز سفر للأفارقة يسهل السفر إلى جميع الدول الأفريقية بما يتماشى مع أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.

ثالثًا: الاقتصاد الرقمي
تفتقر القارة إلى إطار مُحدد بشأن الابتكار يستهدف تسريع وتيرة الاقتصاد الرقمي لتحقيق المكاسب المأمولة منه، فالاقتصاد الرقمي هو المحرك الأكبر للابتكار في أفريقيا ، وأصبح هناك ضرورة مُلحة إلى إعادة تعريفه ومدى قدرته على تحويل اقتصادات ومجتمعات أفريقيا، ولكي يكون ذلك الاقتصاد ذا جدوى تعود بالنفع على شعوب الدول الأفريقية، لابد وأن يرتكز على بعض الأبعاد التي تتعلق بتحسين البنية التحتية والرقمية الأساسية لتعزيز التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت، وإنشاء شبكة طرق جيدة بخدمات مخصصة فعالة لسهولة وصول المنتجات والسلع في وقت قياسي، ودعم خلق بيئة حاضنة، وإعداد جيل من طلاب المراحل التعليمية المختلفة مؤهلين وقادرين في مجال الرقمنة والتكنولوجيا.

رابعًا: الاقتصاد الرياضي
تُعتبر القارة الأفريقية منبعًا للمواهب الرياضية التي يتم تصدريها إلى الخارج، حيث يتهافت رجال الأعمال وأصحاب المصالح خارج القارة على الحصول على تلك المواهب واستقطابها بأثمان ربما تكون أقل من قيمة الموهبة ذاتها، ويقوم بتنميتها للحصول على أقصى استفادة مُمكنة، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى لفت انتباه رواد أعمال أفارقة في الاستثمار للمواهب الأفريقية، فغالبية التقارير الدولية ذات الصلة استنتجت من دراستها حول مدى إمكانية أن الاستثمار في المجال الرياضي لتحقيق التنمية الاقتصادية في دول العالم لاسيما الأفريقية على وجه الخصوص، وتبنت رؤى مستقبلية للاستثمار الرياضي في القارة قد يُبشر بنمو اقتصادي هائل، ربما يكون أحد مصادر الدخل القومي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي للدول الأفريقية لمستويات قياسية في غضون 10 سنوات، حال الاهتمام بالبنية التحتية الرياضية، وكذا التركيز على بناء القدرات للمواهب الشابة المتواجدة في مختلف الرياضات داخل الدول.

خامسًا: الاقتصاد الزراعي والحيواني
تتميز غالبية دول القارة بوفرة في الثروة الزراعية والحيوانية، مما يحفز على الاستثمار الزراعي في الأراضي الأفريقية لإنتاج محاصيل ذات الفجوة الغذائية والشرهة للمياه ولعقود طويلة الأمد، وطالما توافرت الإرادة السياسية لعدد من الدول الأفريقية لقبول استثمارات مصرية في المجال الزراعي والحيواني، لذا قد يكون الاهتمام في الفترة الحالية بإنشاء مزارع مصرية للثروة الحيوانية بالدول الأفريقية تحت إشراف بيطري مصري، والتوسع في المزارع القائمة بمشاركة القطاع الخاص، مع منح مزايا تفضيلية للواردات الأفريقية من المنتجات الغذائية مع الحفاظ على معايير الجودة، فضلًا عن إمكانية عقد اتفاقيات وإنشاء مراكز لتوزيع مستلزمات الإنتاج والتقاوي والأمصال والأدوية واللقاحات البيطرية، وكذا توافر قدرات مصرية في إدارة الموارد المائية والتقنيات الزراعية وحفر الآبار، يمكن استغلالها في الاستثمارات المصرية بأفريقيا.

سيناريوهات التحرك المصري

بقراءة المشهد الحالي لواقع حركة التجارة الدولية والأفريقية والاستفادة من الاتفاقيات في مجالات التعاون الاقتصادي مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، لتحقيق رؤية الدولة المصرية بالوصول بقيمة الصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار، وفي إطار تنفيذ الحكومة لمشروع بحثي متكامل لصياغة السيناريوهات وبدائل السياسات اللازمة لتعامل الاقتصاد المصري مع الوضع الاقتصادي العالمي خلال عامي 2023 و2024 ،ربما قد يكون من المفيد صياغة عددًا من السيناريوهات حول سُبل تعزيز التجارة الأفريقية، وفي ضوء الطبيعة الخاصة للثقافة الاقتصادية والتجارية الأفريقية، ووجود العديد من الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في حركة التجارة في أسواق القارة، فيُرى أن التحرك لتعزيز التواجد المصري في أفريقيا لفتح أسواق جديدة، يدور حول أشكال السيناريوهات التالية مجتمعة بشكل متوازيٍ طبقًا لخطة موضوعة بتوقيتات زمنية محددة:
السيناريو الأول: أولوية التحرك داخل القارة بتكثيف نشاط الاستثمار المصري لتطوير مصانع قائمة أو إنشاء مصانع جديدة بالتعاون والشراكة مع بعض رجال الأعمال الأفارقة المشهود لهم بالكفاءة ومن أصحاب النفوذ داخل دولته، ليساعد في تسهيل إنجاز الأعمال والتسويق، والاستعانة بجهود المكاتب التجارية، ومكاتب شركة النصر في الدول الأفريقية في ترشيح رجال الأعمال الأفارقة الذين يمكن التعاون معهم، فضلًا عن اقتراح أفضل التخصصات والمجالات التي يمكن الاستثمار فيها.

السيناريو الثاني: إقامة مراكز تجارية لعرض المنتجات المصرية بشكل دائم كبضاعة حاضرة، لسهولة تسويق كافة أنواع السلع والمنتجات، وهو الأمر الذي انتهجته العديد من الدول الكبرى (الهند – الصين) في تسويق منتجاتها في القارة الأفريقية، لذا حاولت عدة جهات مصرية إنشاء شركات تتواجد في الدول الأفريقية تقوم باستيراد السلع المصرية المختلفة وتخزينها ومن ثم التسويق لها وبيعها بشكل مباشر لتجار الجملة والتجزئة، بدلًا من الاعتماد على المستورد الأفريقي في جلب السلع المصرية، ومن المهم تشجيع شركات أخرى لتحذو حذو من سبقها في تلك الخطوة.

السيناريو الثالث: توظيف القوى الناعمة لمواجهة أنشطة القوى الإقليمية والدولية المناوئة للمصالح المصرية على الساحة الأفريقية، من خلال تقديم الدعم الفني والخدمي لدول القارة لصالح ربط الدول الأفريقية ذات الاهتمام المباشر بالمصالح المصرية، بهدف استعادة مكانة مصر في مناطق النفوذ التقليدية، وتتمثل خريطة التحرك المصري بمسارات القوى الناعمة لتعزيز التواصل المصري الأفريقي وتعميق الهوية المصرية الأفريقية في مجالات الصحة والتعليم والتدريب والبحث العلمي، فضلًا عن المسار الديني والإعلام المرئي والمسموع والثقافة والتراث، مرتكزة على أسس الخبرات المصرية في تلك المجالات، وما لديها من مؤسسات ذات خبرة عالية، وما يتوفر لديها من منصات إعلامية وشبكات اتصالات ومرئيات عبر القارة، لاسيما تاريخ حافل بالثقافة والحضارة والتفاعل مع الأشقاء الأفارقة.

الخلاصة

حرصت الدولة المصرية على المشاركة في مختلف التجمعات والمنظمات الأفريقية لتأكيد وجودها دومًا على الساحة الأفريقية على الأصعدة السياسية والاقتصادية لاسيما التنموية أيضًا، مما سمح لها بالانخراط في القارة بصورة أكثر عمقًا وتفصيلًا، وقد وجهت رؤيتها نحو تفعيل السياسات التي شأنها تكثيف التواجد المصري أفريقيًا خاصًة في الملف الاقتصادي، بهدف تحقيق التعاون المتبادل والنمو المطرد مع التنمية المستدامة، مرتكزة على بناء التفاعلات الثنائية والمشتركة من أجل التنمية للمصلحة العامة، والتفكير في إعادة تموضع قدمها في الساحة الأفريقية في مجالات أخرى تستطيع من خلالها تحقيق التنمية المتبادلة كالاقتصاد الثقافي والزراعي والسياحي، مجددة مفهومها في بناء العلاقات الجديدة مع الدول الأفريقية على أسس الاقتصاد السياسي لاكتشاف ما تملكه من ثروات، وتعزيز التشاركية مع ثروات الدول الأخرى، ودراسة العلاقة بين السوق والجهات الفاعلة القوية.

نماذج التعاون المصري – الأفريقي

أولا: التعاون مع جمهورية تنزانيا الاتحادية:
تعد جمهورية تنزانيا الاتحادية، الواقعة شرق القارة الأفريقية إحدى الدول ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة، نظرًا لموقعها الجغرافي المميز على السواحل الغربية للمحيط الهندي، ذلك المحيط الذي يمر من خلاله ما يقرب من نصف عدد حركة الحاويات في العالم الناقلة للبضائع، وكذا ما يقرب من 80% من شحنات النفط العالمية، كونه ممرًا استراتيجيًا مُهمًا للحركة التجارية بين غرب قارة آسيا والساحل الشرقي للقارة الأفريقية، وأيضًا لما تحتويه من موانئ تجارية تجعلها منفذًا بحريًا مُهمًا للدول الأفريقية الحبيسة، فضلًا عن المواد الخام التي تمتلكها من الغاز الطبيعي والنيكل والزنك، مما جعلها ضمن أكثر 10 اقتصادات الأسرع نموًا في العالم عام 2020م
لاسيما أنها دولة تتمتع نوعًا ما بالاستقرار السياسي، منذ استقلالها عن الاستعمار البريطاني عام 1964م، واتحاد دولتي «تنجانيقا» و«زنجبار» لتتشكل الجمهورية الاتحادية الحالية. ويقع بها أعلى جبل في أفريقيا وهو جبل «كليمنجارو» كما تُعد تنزانيا من أهم دول حوض النيل؛ نظرا لوقوع نصف مساحة بحيرة فيكتوريا، المصدر الرئيس لمياه النيل الأبيض أحد فرعي نهر النيل في أراضيها. وكما أن منبع نهر النيل يبدأ من بحيرة تنجانيقا بتنزانيا، لذا تتسم بأهمية عالية بالنسبة للدولة المصرية.

1) دوافع التنافس الدولي على تنزانيا
يرتكز الاهتمام الدولي بجمهورية تنزانيا الاتحادية على عدة نقاط مُهمة، فجميع القوى الإقليمية والدولية التي تتنافس على التقارب معها، لدوافع وأسباب سياسية واقتصادية وأمنية. خاصة أن الموانئ البحرية التنزانية تعد أحد محاور هذا التنافس، لكونها إحدى المناطق الجيواستراتيجية والجيواقتصادية الجاذبة للاستثمارات الأجنبية. ومن ثم تحتل تنزانيا مرتبة متقدمة لسياسات بعض القوى الإقليمية والدولية الطامحة للتواجد في تلك المنطقة الاستراتيجية من القارة، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والإمارات وتركيا والهند، وليست إيران أو إسرائيل ببعيدة عن التنافس على بناء جسور التعاون مع الحكومة التنزانية وتعزيز أواصر التكامل الاقتصادي معها، لتحقيق أهدافها في منطقة شرق أفريقيا.
والذي يتمثل في استغلال الموانئ التنزانية اقتصاديًا وتجاريًا، وضمان الحصول على المزيد من الموارد، ويأتي ذلك في ضوء تصاعد التنافس بين موانئ منطقة القرن الأفريقي لتعظيم المكاسب الاقتصادية، فعلى سبيل المثال لا الحصر التنافس بين مينائي «دار السلام» بتنزانيا و«مومباسا» بكينيا، خاصة بعد اعتماد بعض الدول المجاورة كأوغندا وبوروندي على الأول في تصريف منتجاتهما التجارية بسبب الأوضاع المتوترة في كينيا. الأمر الذي يضع المنطقة أمام مسارات عديدة مُحتملة من التفاعلات المحلية والإقليمية مستقبلًا.
وفي هذا السياق، تعتمد الاستراتيجية الصينية بصورة أساسية على الموانئ البحرية في كل من مصر وجيبوتي وإثيوبيا وتنزانيا إلى جانب زامبيا وأنجولا ، وأخذت في التوسع بإنشاء وربط الموانئ المُهمة على دول الساحل الشرقي لأفريقيا فيما يُعرف باستراتيجية «خيط اللؤلؤ» وتضمنيها في «مبادرة الحزام والطريق» كذلك الحال بالنسبة للتقديرات التي تُشير إلى إمكانية التوصل إلى توافقات بين بكين والعاصمة التنزانية «دودوما» بشأن استئناف مشروع ميناء «باجامويو» المتوقف منذ عام 2013م، في إطار اتفاقية ثنائية لتأسيس الميناء والمنطقة الاقتصادية، حيث رُفض مطالب بكين بالحصول على عقد إيجار إداري للميناء لمدة 99 عامًا
وفي إطارٍ متوازٍ مع هذا التوجه الصيني، نجد مقاربات أخرى تحاول الحصول على عقود امتياز لإدارة هذه الموانئ الاستراتيجية تدوم لسنوات طويلة، فقد وقعت مجموعة موانئ دبي العالمية (DP World) مع هيئة الموانئ التنزانية اتفاقية امتياز مدتها 30 عامًا لتشغيل وتحديث ميناء دار السلام متعدد الأغراض لربط تنزانيا والمنطقة بالأسواق العالمية .
إلى جانب المشاريع اللوجستية في المناطق النائية، ومع تنامي المصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية لتلك القوى لتعزز أهدافها على المدى القصير والطويل، هناك العديد من المقاربات والتوجهات الإقليمية والدولية في الساحل الشرقي الأفريقي، ليس فقط في المجالين الاقتصادي والسياسي فحسب، بل في المجالات العسكرية والأمنية والاجتماعية أيضًا، وهذا ما يجعل المنطقة ساحة جديدة لإعادة توازنات القوى الدولية والإقليمية، وليست فقط الدول التي تميل إلى تعميق علاقتها بجمهورية تنزانيا فحسب، بل نجد أن الشركات متعددة الجنسيات الكبرى تحاول الانخراط أكثر في علاقات تشاركية مع «دودوما» خاصًة في مجال الطاقة، حيث تضمنت خطة مشروع الغاز المسال في تنزانيا إنشاء محطة إسالة برية في «ليندي» بجنوب شرق البلاد، بقدرة تصل إلى 10 ملايين طن سنويًا على الأقل، بتكلفة تصل إلى 42 مليار دولار، وقد أنهت بالفعل شركات «إكوينور – شل -إكسون موبيل» الأمريكية مفاوضاتها مع الحكومة التنزانية لتطوير محطة تصدير في جنوب البلاد عام 2023م .
وتشهد تنزانيا نوعا من تهافت القوى الدولية للدخول معها في شراكات، على نحو يعكس التنافس بين تلك القوى لاستغلال موارد تنزانيا وموقعها الاستراتيجي أولا، ثم الدخول إلى أفريقيا والهيمنة على مواردها الهائلة ثانيًا. فنرى تنافسًا بين الصين والهند على التقارب مع تنزانيا، وتقديم عروض اقتصادية سخية من الطرف الأول، وتعاون عسكري من الطرف الثاني، بهدف استقطاب تنزانيا، وتعزيز التواجد فيها سواء الاقتصادي أو العسكري في مواجهة الطرف المنافس والحدّ من هيمنته على المنطقة.

2) محاور التشارك المصري – التنزاني
ترتكز العلاقات المصرية – التنزانية على مبادئ التعاون في عدٍد من القضايا في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلًا عن التفاهمات المشتركة في ملفات التنمية والأمن الإقليمي، وذلك لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تحيط بالقارة، حيث يأتي المحور الاقتصادي على رأس العلاقات بين البلدين، ويتنوع به أطر الشراكة ما بين الاستثمارات والتبادل التجاري من خلال الشركات المصرية والمكاتب الاستشارية المتواجدة هناك، وذلك للمساهمة في إقامة مشروعات وطنية تهدف في الأساس الجانب الإنمائي لتنزانيا.
ولعل أنجحها حتى الآن نجاح تحالف شركتي «المقاولون العرب – السويدي للكابلات» بتمويل وإنشاء سد «جوليوس نيريري» كونه أكبر المشروعات القومية، ويُعد دلالة على تعميق التعاون المشترك بين القاهرة ودودوما وتقوية العلاقات الاقتصادية فيما بينهما، وكذا إعلان شركة «السويدي إلكتريك» عن إنشاء مدينة السويدي الصناعية الجديدة، والتي تستهدف جذب استثمارات تزيد قيمتها عن 400 مليون دولار من المستثمرين في جميع أنحاء المنطقة، وخلق فرص عمل تتجاوز 50 ألف فرصة.
وقد أشار التقرير الصادر عن هيئة تنمية الصادرات المصرية والذي يوضح حجم الصادرات المصرية إلى جمهورية تنزانيا الاتحادية خلال العقد الأخير وأهم السلع المصرية التي يتم تصديرها وقيمتها، إلى أن إجمالي قيمة الصادرات المصرية بلغت ما يقرب من 355.8 مليون دولار خلال الفترة من 2012 حتى 2022م، حيث سجل عام 2012م، أعلى قيمة للصادرات المصرية بقيمة 52 مليون دولار، بينما سجل عام 2022م، أقل قيمة للصادرات بلغت 11.9 مليون دولار، بنسبة انخفاض 77.1%، وتذبذبت قيمة الصادرات المصرية خلال الفترة محل الدراسة، تارة بارتفاع وتارة أخرى بانخفاض حتى عام 2021م، والتي بلغت قيمة الصادرات 45.5 مليون دولار بنسبة ارتفاع 25.3% مقارنة بعام 2020م.
كما تصدرت مستحضرات وأصناف صيدلية أخرى قائمة السلع المصرية المصدرة إلى جمهورية تنزانيا الاتحادية بقيمة 1.7 مليون دولار عام 2022، في حين أن حجم الواردات التنزانية لمصر كان متواضعًا نوعًا ما، حيث سجلت ما يقرب من 7 ملايين دولار عام 2022، كان أبزرها منتجات البن والشاي والبهارات .
وفي مجال الطاقة تعتزم شركة «طاقة دلبيت» التابعة لشركة «طاقة عربية» إنشاء سلسة من 12 محطة للشركة خلال السنوات المقبلة باستثمارات تصل إلى 10 ملايين دولار وكان افتتاح أول محطة تموين متكاملة للغاز الطبيعي المضغوط (CNG) وأول مركز تحويل السيارات للعمل بالغاز
الطبيعي في تنزانيا تحت علامة «ماسترجاس» في نوفمبر 2023م.
وبالنظر إلى محاور أخرى للعلاقات المتبادلة كملف التعاون المائي، فمنذ عام 2009م، وتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين لتنفيذ حفر عدد 70 بئرًا جوفيًا والانتهاء من المرحلة الأولى منه فقط ، لم تقم الدولة المصرية بأي مشروعات في ذلك المجال إلا مؤخرًا، وربما لهذا السبب قامت جمهورية تنزانيا الاتحادية بالتوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل «عنتيبي» عام 2010، والتي تتلخص فكرتها في إعادة تقسيم حصص نهر النيل بين دوله الـ 11، واتخذت فيما بعد خطوات لبناء سدود على أحد روافد نهر النيل بهدف توصيل الكهرباء وإنارة القرى، أسوة بما قامت به إثيوبيا في عملية بناء سد النهضة.
أما خلال الخمس سنوات الأخيرة، فقد تغير موقف الحكومة التنزانية تجاه قضية سد النهضة، وكان تأكيدها دومًا بمختلف المحافل الرسمية وغير الرسمية بشتى المستويات على حق مصر في الوصول إلى اتفاق ملزم لملئ السد الإثيوبي، ولعل أبرز الأسباب التي حولت موقفها هو مساعدة مصر في إنشاء سد “جوليوس نيريري”، الذي أكد على دور مصر الرائد في أنها تساعد أشقائها الأفارقة في التنمية، طالما أن المشروعات القومية لأي دولة أفريقية لا تقع بالضرر على أي دولة أخرى.

3) مسارات التحرك المصري.
تُعتبر جمهورية تنزانيا الاتحادية لاعبًا رئيسًا في منطقة شرق القارة، ومركزًا لأكبر ثلاث تجمعات اقتصادية إقليمية في أفريقيا، فهي أحد أعضاء مجموعة شرق أفريقيا (EAC) ومقر قيادتها بمدينة أروشا التنزانية، وأيضًا عضويتها بمجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC)، وكانت في السابق عضوًا في مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA)، وعلى الجانب الآخر، تتولى مصر الرئاسة الحالية لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية “NEPAD”، والتي تدفع في سبيل زيادة حركة التجارة البينية والاستفادة من المواد الخام والثروات الطبيعية.
وقد يسمح هذا التشابك بين الدولتين في عضوية التجمعات الاقتصادية الإقليمية، بالانخراط في شراكات واستثمارات كبرى، سواء بشكل ثنائي، أو مع دول التكتلات الأفريقية المشار إليها، وبما ينعكس إيجابيًّا على حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد ورجال الأعمال المصريين والتنزانيين، ولكي نستطيع وضع تصورات مستقبلية للعلاقات بين البلدين في ظل توقعات تنامي دور التكتلات الاقتصادية الإقليمية، الأمر الذي يتطلب اقتراب الدولة المصرية من جمهورية تنزانيا، فلابد من اتخاذ مسارات تشاركية وتكاملية تحديدًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتصنيع والموانئ والسدود والزراعة والأمن الغذائي والري، فضلًا عن قطاعي النقل والخدمات والاتصالات، وذلك من خلال الاستفادة اقتصاديًا أو سياسيًا من عضوية تنزانيا بتلك المنظمات الإقليمية.

المسار الاقتصادي

قد يكون من المفيد خلال الفترة القادمة وضع أطر اتفاق بين مصر وتنزانيا حول العديد من القضايا، وتوحيد الرؤى والأهداف فيما بينهما، واستثمار أقصى الإمكانات المتاحة للبلدين سعيًا للوصول للأهداف المنشودة في إطار مبدأ Win -Win Situation، وذلك في إطار ما تصبو إليه الحكومة التنزانية في جذب مزيد من الاستثمارات في شتى القطاعات، وبالمقابل ما تخطط له الدولة المصرية من تعزيز تواجدها في منطقة شرق أفريقيا في ظل احتدام التنافس الدولي والإقليمي على تلك المنقطة، وفي ذلك المسار تتعدد ركائز التعاون والتنمية، ويُمكن الحديث عن أبزرها من خلال الآتي:

أ. التبادل التجاري والاستثمارات:
اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التبادل التجاري بنظام “الصفقات المتكافئة” بين مصر وتنزانيا بصورة خاصة والقارة الأفريقية بشكل عام، خاصًة في القطاعات التي تحظى فيها مصر بميزات نسبية تتعلق بالجودة والسعر إلى تلك الدول والتي تعاني من عجز في الميزان التجاري، ويتم في مقابلها استيراد المواد الخام، بما يحقق فائدة للأطراف.
تفعيل التجارة التفضيلية مع تنزانيا في إطار اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية (AFCFTA).
نقل التجربة المصرية في مجال الإصلاح المالي والاقتصادي من بناء القدرات البشرية وميكنة المنظومتين الضريبية والجمركية، فضلًا عن سبل دمج الاقتصاد غير الرسمي واستكشاف مصادر للتمويل من الأسواق الدولية.
إحياء مبادرة دمج التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاث (مجموعة شرق أفريقيا (EAC) ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) ومجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA) الذي تم الإعلان عنه عام 2015م، بشرم الشيخ، والعمل على حل الإشكاليات العالقة لتحقيق الدمج، والتي ترتكز على منهجية تنموية تستند إلى ثلاث محاور، الأول السوق الذي يتجسد في منطقة التجارة الحرة الثلاثية، والثاني تطوير البنية التحتية لتسهيل وتعزيز الارتباط والتواصل وحركة السلع والأشخاص إلى جانب تخفيض نفقات ممارسة العمل التجاري، والثالث التنمية الصناعية مما تؤدى بدورها إلى تعزيز التنافسية ومعالجة قيود كفاءة العرض والإنتاجية.
التعاون بين مصر ودول المجموعتين (EAC) و(SADC) لتحقيق الأهداف الاقتصادية للأطراف كافة، ومن ثَم تحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري، وقد يكون لتنزانيا تأثيرًا واضحًا في ذلك الأمر، كونها ثاني أكبر اقتصاد في دول شرق القارة.
محاولة إقناع الحكومة التنزانية بالعودة إلى عضوية مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA) لما لها من ثُقل اقتصادي قد يفيد الدول الأعضاء مستقبلًا، وكذا تطبيق إعفاءات جمركية تُفيد المصدرين المصريين.
الطاقة والبتروكيماويات:
الإسراع في مشروع إنشاء محطات التموين بالغاز الطبيعي المضغوط في مناطق عديدة بتنزانيا، وذلك تماشيًا مع الرؤية الوطنية التنزانية للاستثمار في مجال الطاقة والاستفادة من احتياطاتها من الغاز الطبيعي.
تقديم الخبرات الفنية والإدارية المصرية في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي وتوصيله للمنازل وتسويقه عالميًا، واستخراج مشتقات النفط التي تتدخل في صناعة البتروكيماويات.
دراسة جذب تمويل دولي أو إقليمي لإنشاء خط أنابيب للنفط والغاز من تنزانيا إلى مصر، كبديل لمقترح خط أنابيب نفط شرق أفريقيا (إيكوب) والذي كان من المُزمع تدشينه بين تنزانيا وأوغندا، وتعطل المشروع نظرًا للدراسات البحثية التي أكدت وجود خسائر في قطاع الزراعة والمساكن لكثير من الشعب الأوغندي .

ب. النقل والملاحة:
الإسراع في دراسة المقترح بإنشاء خط ملاحي جديد يربط مصر من خلال ميناء سفاجا بميناء دار السلام بتنزانيا، وكذا إنشاء منطقة لوجستية في كلٍ من دار السلام بتنزانيا وكيجالي برواندا لتجميع الصادرات المصرية ونقلها بحرًا إلى تنزانيا ومنها برًا إلى رواندا ثم إلى باقي دول وسط أفريقيا الحبيسة .
التعاون بين هيئة قناة السويس وشركاتها مع هيئة الموانئ التنزانية، لتقديم الخبرات الفنية والملاحية واللوجيستية في موانئ دار السلام وتانجا وزنجبار، فضلًا عن تقديم تسهيلات مرور وحوافز لسفن الشحن التنزانية.
زيادة استثمارات الشركات المصرية العاملة في مجالات النقل الجوي والبري والبحري والسكك الحديدية.
البنية التحتية والخدمات:
بحث إنشاء مشاريع مشتركة لتطوير الطرق البرية السريعة، والاستفادة من الخبرات المصرية في مجال الطرق، وإعطاء فرص لشركات المقاولات المصرية للاستثمار.
نقل الخبرة المصرية في توليد ونقل الكهرباء النظيفة، وإنشاء مشروعات قومية كما حدث في سد «جوليوس نيريري».
تبادل المعرفة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال الاستفادة من التطور التكنولوجي بالدولة المصرية.
الاستمرار في مجال حفر الآبار الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية للمواطنين في المناطق التي تعاني من ندرة المياه، وكذلك إنشاء سدود حصاد أمطار للاستفادة منها في توفير مياه الشرب وللثروة الحيوانية.

ج. الزراعة والأمن الغذائي:
تدشين برنامج وطني يهدف إلى عقد شراكات بين القطاع الخاص في المجال الزراعي والبحث العلمي والحكومة التنزانية، للاستثمار في زراعة بعض المحاصيل كالأرز والذرة في الأراضي التنزانية، وتحقيق إنتاجية تكفي احتياجات الدولتين، وتصدير الفائض.
تدريب صغار المزارعين في تنزانيا على التقنيات الحديثة في مجال الزراعة وأساليب الري والحصاد، لاسيما مواجهة تأثير تغيرات المناخ على المحاصيل الزراعية، مما يُسهم في تحسين جودة المنتجات الزراعية ورفع دخول المزارعين.
تعظيم الاستفادة من الإمكانات المصرية في مجال الثروة الحيوانية وتربية الماشية، مما يعزز من قدرات تنزانيا في تحسين جودة رؤوس الماشية كونها الثانية أفريقيًا في عدد رؤوس الماشية، وكذا مجال الاستزراع السمكي وأسطول الصيد وطرق التغليف والتعبئة وتسويقها دوليًا.
زيادة أعداد القوافل البيطرية والخبراء في تصنيع اللقاحات والأمصال، فضلًا عن نقل الخبرات في صناعة الأعلاف، والإسراع في إنشاء مصنع الأسمدة في تنزانيا.

د. البيئة والتغيرات المناخية:
دراسة إنشاء مركز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية، نظرًا لتأثر تنزانيا بمواسم هطول الأمطار الغزيرة وتأثيرات ظاهرة النينو المناخية.
نقل التجربة المصرية في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية والتكيف مع آثارها، من خلال التباحث والمساعدة في وضع استراتيجية وطنية للتغيرات المناخية.
التعاون في مجالات تعزيز الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر والأزرق والهيدروجين الأخضر لتحقيق التنمية المستدامة في مجالات عدة.
المسار السياسي
إن التواجد المصري في شرق القارة قد يكون أحد الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية في البحث عن حلفاء جدد في المنطقة، لاسيما في دول حوض النيل، نظرًا لما تشهده المنطقة من اضطرابات سياسية وأمنية، وتعاظم حجم المخاطر المحيطة بمصر لتقاربها وترابطها الجغرافي بالإقليم الذي يُمثل امتدادًا طبيعيًا لأمنها القومي، وهذا ما يجعلها تعيد تقييم السياسة الخارجية وفق منظور يحقق مصالح الأمن القومي المصري، والتي من بينها ضمان حماية الحقوق المائية، وتأمين حركة الملاحة الدولية المارة عبر قناة السويس ، والعمل على حشد الدعم من الدول الأفريقية التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية قوية تجاه القضايا ذات الأولوية بالنسبة للأمن القومي المصري.
ومن ناحية أخرى التكاتف لإيجاد حلول للأزمات الراهنة بالقارة الأفريقية، فتُعتبر جمهورية تنزانيا الاتحادية عضوًا فاعلًا في العديد من التجمعات الإقليمية والدولية ذات البُعد السياسي، كمنظمة تهيئة وتنمية حوض نهر كاجيرا التي أنشئت عام 1977م، مع كل من رواندا وبوروندي ثم انضمت أوغندا، وعضويتها في مجموعة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي، فضلًا عن تجمع الكومنولث ومجموعة الـ 77، وحركة عدم الانحياز، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية وغيرها من المنظمات والتجمعات الدولية
ولا ننسى العضوية الأهم وهي الاتحاد الأفريقي ومؤسساته المختلفة، حيث ستتولى جمهورية تنزانيا الاتحادية رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي خلال الشهر الجاري ، وذلك تزامنًا مع مرور 20 عامًا على إنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، وقد يكون لمصر دورًا مهمًا خلال عضويتها في المجلس بعد انتخابها مُمثلًا عن إقليم الشمال لمدة عامين، وربما تكون الظروف ساعدت في وجود مصر وتنزانيا في المجلس كعضو ورئيس، لاستكمال بناء المسار السياسي على المستوى الإقليمي بين البلدين لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء أفريقيا.
وسوف يناقش المجلس التحديات التي تعصف بأمن واستقرار دول القارة، وتهدد مناخ السلام الذي يطمح به شعوبها، كالصراع بين قوات «التيجراي» والحكومة المركزية الإثيوبية، والاتفاق الإثيوبي مع إقليم «صوماليالاند» غير المعترف به، والصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. بالإضافة إلى الأوضاع المتوترة في مضيق باب المندب واستهداف ميليشيات الحوثيين السفن التجارية، سواء التي لها صلة بالولايات المتحدة، أو إسرائيل؛ بسبب الحرب في قطاع غزة. لاسيما مع تدخل بعض القوى الإقليمية في المنطقة، سواء لفرض وجودها في المنطقة عسكريًا أو أمنيًا، أو لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي مستغلة الأوضاع الراهنة في القارة.
المسار الأمني والعسكري
تحرص الدولة المصرية على تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع دول القارة عمومًا ودول إقليم حوض النيل على وجه الخصوص في ظل التحديات الأمنية المشتركة، يُمهد لها في ذلك امتلاكها لقدرات أمنية وعسكرية عالية، تجعلها شريكًا أمنيا وعسكريًا مهمًا، مقارنًة بتكلفة الوجود العسكري الأجنبي في أفريقيا، ومن الضروري خلق مساحة من التفاهم والتواصل بين القاهرة ودودوما حول عدد من الشواغل المصرية والأفريقية، أبرزها أزمة سد النهضة ومشروعات التعاون المائي ومكافحة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير المشروعة في ضوء اتفاقية التعاون العسكري والاستخباراتي والدفاعي المبرمة بين الطرفين .

4) المكاسب المصرية
إن تعزيز التعاون المشترك لتنفيذ المشروعات التنموية في جمهورية تنزانيا الاتحادية وفي الدول الأفريقية بوجه عام، يعزز من دعم مكانة ومركز مصر أفريقيًا، والتأكيد دومًا على أن الدولة المصرية لا تدخر جهدًا في مساعدة أشقائها الأفارقة، ودعم احتياجاتها التنموية في شتى القطاعات، وكذا نقل تجربتها وخبراتها وتوظيفها لتنمية شعوب دول القارة، ومن زاوية أخرى تحقيق أمن مصر القومي خاصة في دول حوض النيل بالاستفادة من أوجه التعاون والدعم التنموي والفني المُقدم في ضوء السياسة الخارجية المصرية المبنية على ثنائية التنمية والأمن، وربما قد يتصور البعض أن ما تقوم به الدولة المصرية من تقديم خبرات ونقل إمكانات وتبادل معرفة أكثر بكثير مما سوف يعود بالنفع عليها، ولكن في الحقيقة هذا ليس واقعي، فمحفزات الدولة المصرية للانخراط في تلك الأنشطة والمشروعات عديدة، والمكاسب الناجمة عنها ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل يمتد إلى الصعيدين السياسي والأمني، وذلك في ضوء ما تشهده القارة الأفريقية كافة من أنماط متعددة من التفاعلات بين القوى الإقليمية والدولية تفرض تحديات سياسية واقتصادية وأمنية هائلة، فمن ضمن المكاسب:
التأكيد أن مصر الدولة الأفريقية الرئيسة في مبادرة الحزام والطريق، لاسيما بعد دخول دول أفريقية أخرى في المبادرة قد تُغير خطط ومسارات الجانب الصيني.
مواجهة توسع تواجد العديد من القوى الدولية والإقليمية في القارة بشكل عام مثل الصين والهند وتركيا والإمارات.
استثمار ما يُعرف بـ “دبلوماسية السدود” في إقامة سد تنزانيا وتوليد الكهرباء، سيساعد مصر على الربط الكهربائي جنوبًا في اتجاه القارة الأفريقية والاستفادة من الإمكانات الهائلة للطاقة المائية في أفريقيا وتسويق فائض إنتاجها للدول الأوروبية، فضلًا عن طلبات بعض الدول الأفريقية للتعاون مع مصر في مجال بناء السدود على الأنهار، ونقل خبراتها في مجال المياه وتبطين الترع وتطهير المصارف.
الترويج للصناعات المصرية في السوق التنزانية، قد يفتح أبواب تصدير للمنتجات المصرية ذات الميزة التنافسية في دول شرق أفريقيًا تحديدًا وقد تمتد إلى الجنوب والغرب.

ثانيا: نموذج التعاون المصري الرواندي
اتفقت مصر وجمهورية وروندا على إقامة منطقة لوجستية على أراضي الأخيرة، وتخصيص الحكومة الرواندية منطقة قريبة من الحدود بين رواندا وتنزانيا، كممر لوجستي استراتيجي أفريقي – أفريقي، يبدأ من ميناء دار السلام بتنزانيا، وسيشمل مناطق لوجستية وموانئ جافة في كلا الدولتين ، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال النقل والبنية التحتية ، وذلك في إطار الاستراتيجية المصرية لتعزيز التواجد في أفريقيا من خلال تدفق الصادرات المصرية لأفريقيا، وكذا تسهيل نفاذ الشركات والاستثمارات المصرية للسوق الرواندية، فضلاً عن تحرير عقود توريد الأجهزة الطبية خاصةً مع تدشين المرحلة الأولى من إنشاء مركز مجدي يعقوب للقلب (روندا – مصر) في كيجالي، لتصبح روندا مركزًا إقليميًا لعلاج مرضى القلب في وسط وشرق أفريقيا
حيث تكتسب جمهورية روندا بموقعها الجغرافي المُتميز كإحدى دول حوض النيل الواقعة بالهضبة الاستوائية (المنبع الثاني لنهر النيل) أهمية خاصة لدى الدولة المصرية وذلك لأسباب جيوسياسية باعتبارها أولى دوائر الأمن القومي المصري في أفريقيا، وتربطهما علاقات في قطاعات منها التجارة والشراكة بالمشروعات التنموية والرعاية الصحية والتدريب الفني، لاسيما القواسم والاهتمامات المشتركة على الساحتين الإقليمية والدولية، في إطار أهمية معالجة مشاكل القارة بطرح حلول أفريقية – أفريقية من خلال مبادرات أفريقية تراعي خصوصية دول القارة، بالإضافة إلى عضويتهما في عددٍ من المنظمات والتجمعات الإقليمية منها (الكوميسا – النيباد – الاتحاد الأفريقي – مبادرة حوض النيل – الشراكة المائية لشرق أفريقيا – منطقة التجارة الحرة الأفريقية) ، فتُعد رواندا من أنجح الدول الأفريقية جنوب الصحراء في تحقيق نمو اقتصادي مرتفع خلال السنوات الأخيرة، كونها من أكثر الدول الناشئة نموًا، ومعبرًا تجاريًا ونقطة اتصال مركزية مُهمة.

1) الفرص المصرية في روندا
طبقًا لبيانات هيئة تنمية الصادرات المصرية في خريطة الأسواق الواعدة في أفريقيا، يتواجد برواندا ما يقرب من 29 فرصة تصديرية محتملة في مجالات عدة منها التعليم وبنك المعرفة والحبوب والخضروات والفواكه الطازجة والحليب والأثاث والمعدات وخطوط الجهد الكهربائي خاصةً في مناطق من شرق رواندا، وقد أشار التقرير الصادر عن هيئة تنمية الصادرات المصرية والذي يوضح حجم الصادرات المصرية إلى جمهورية رواندا خلال العقد الأخير وأهم السلع المصرية التي يتم تصديرها وقيمتها، إلى أن إجمالي قيمة الصادرات المصرية بلغت ما يقرب من 253 مليون دولار خلال الفترة من 2012 حتى 2022م، حيث سجل عام 2021م، أعلى قيمة للصادرات المصرية بقيمة 40.01 مليون دولار، بينما سجل عام 2022م، أقل قيمة للصادرات بلغت 8.8 مليون دولار، بنسبة انخفاض 78.1%، وتذبذبت قيمة الصادرات المصرية خلال الفترة محل الدراسة، تارة بارتفاع وتارة أخرى بانخفاض، كما تصدر زيت عباد الشمس بصـفة عـامة قائمة السلع المصرية المصدرة إلى جمهورية رواندا بقيمة 1.5 مليون دولار عام 2022م
في حين أن حجم الواردات الرواندية لمصر كان متواضعًا نوعًا ما، حيث سجلت ما يقرب من 4.4 مليون دولار عام 2022، كان أبزرها منتجات البن والشاي والبهارات ، ويُمكن من خلال المنطقة اللوجستية المُزمع إنشاؤها تعزيز حجم التجارة بين الدولتين، والاستفادة المتبادلة بين الخبرات في شتى المجالات، لاسيما في تحسين مناخ الاستثمار، حيث يُمكن النظر في الآتي:
تدشين منطقة خاصة في مجال تصنيع الأدوية والمستحضرات الطبية، استثمارًا للتعاون المشترك القائم بين هيئة الدواء المصرية ونظيرتها الرواندية، لنفاذ المنتجات الدوائية المصرية بسهولة إلى السوق الرواندي، في مقابل منح نفس المزايا للمنتجات الدوائية الرواندية، وفي إطار الاستراتيجية المصرية لتوطين صناعة الدواء.
ضرورة إنشاء مكتب تمثيل تجاري في كيجالي كمركزٍ في دول وسط القارة.
التعاون في مجال تصدير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث تُعتبر رواندا رائدة في مجال صناعة البرمجيات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في أفريقيا.
استثمار تلك المنطقة اللوجستية بين دولتي منبع ومصب نهر النيل، كأحد نماذج التعاون والتكامل الأفريقي بين دول الإقليم الواحد.
التعاون في إطار الكوميسا
أصبح التعاون الإقليمي من خلال التكتلات التجارية أحد آليات تحقيق التنمية بين دول الإقليم الواحد، حيث أدركت الدولة المصرية الأهمية الاستراتيجية للتكامل الاقتصادي والتجاري بين جيرانها الأفارقة، ووضعت خطط لذلك التكامل، لتأكيد حتمية تواجدها في محيطها الأفريقي بالصورة الإيجابية، والتي تسعى من خلاله إلى فتح أسواق لمنتجاتها والحصول على مميزات العضوية من تلك التجمعات التجارية الإقليمية ، ولعل من أبرز تلك التجمعات وأكبرها من حيث عدد الأعضاء والوزن النسبي لحركة التبادل التجاري هي “اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي – الكوميسا (COMESA)
وتتشارك مصر ورواندا في عضويتها وتستفيدان من المميزات التي تُقدمها الاتفاقية، فالدولتان تقوما فيما بينهما بمنح السلع والمنتجات ذات منشأ “الكوميسا” إعفاءً تامًا من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل ، كما تتمتع كافة السلع المصرية المصدرة إلى الدول الأعضاء بإعفاء تام من كافة الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل وفقًا لنسب التخفيضات التي تقرها كل دولة وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، ولا تحتفظ مصر بأية قوائم سلبية أو استثناءات إلا لدولتي السودان وكينيا ويُمكن أن تستفيد مصر من المميزات التي تتيحها الاتفاقية خاصة في ميزة الإعفاءات من واقع واردات الدول الأعضاء من السلع المصرية التي تتمتع بميزة عالية في إنتاجها مثل (الأرز – المواد الغذائية – الأدوات المنزلية – البصل المجفف – السيراميك – الأدوات الصحية – الأدوية – إطارات السيارات – منتجات الألومنيوم والحديد والصلب – الغزل والمنسوجات – الأحذية)
وكذا صادرات الدول الأعضاء وتصديرها خامات ومواد خام وسلع رئيسة مثل (النحاس – البن والشاي – الجلود الخام – الماشية اللحوم – السمسم – الذرة – التبغ) مما يؤثر على رفاهية المستهلك المصري، مما ينعكس على تعزيز حركة التبادل التجاري بين الدولتين ويتيح فرصة لإعطاء نموذجًا جيدًا للتكامل التجاري بين دول الإقليم الواحد، كما تُتاح الفرصة لمصر في تصدير الخبرات الفنية في مجال التجارة في الخدمات خاصةً أعمال المقاولات والإنشاءات والطرق والبنية التحتية.
لذا فمن المفيد استغلال رجال الأعمال المصريين عضوية الدولتين في الاتفاقية في إطار الإعفاءات الجمركية المتاحة بينهما، وجعله حافزًا للاستفادة من الإعفاءات المتبادلة على السلع والمنتجات التي تتمتع بها مصر بميزة تنافسية، ومن الضروري استثمار إنشاء تلك المنطقة اللوجستية المستقبلية كمنطقة جذب لرجال أعمال آخرين لتصدير منتجاتهم المتمتعة بتلك الإعفاءات إلى رواندا ومن ثَم إلى دول الأعضاء، مما يعزز من تواجد الشركات المصرية في رواندا ودول الإقليم بكثافة، ويجعل تلك المنطقة اللوجستية منصة تجارية مصرية في عمق أفريقيا.

2) تشابك العلاقات والمصالح
تتشابك القاهرة وكيجالي في بعض الملفات المُهمة، جاهدين في تقارب الرؤى حول تلك الملفات، ومحو أي مهددات تُعيق العلاقات بين الدولتين، وتسعى مصر من خلال المشاركة الفعالة في مجال التعاون الاقتصادي مع رواندا تجاريًا وصحيًا وتعليميًا وسياحيًا وفي مجال الري والنقل والطرق، لإحداث نقلة نوعية في العلاقات المصرية – الرواندية التي تأمل من خلالها تحويل بوصلة الرأي الرواندي نحو الموقف المصري الهادف إلى تحقيق الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى وشرق أفريقيا وحوض النيل، من منطلق مبادئ السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل الساعية لتحقيق المكاسب المشتركة وعدم الإضرار بمصالح أي دولة من الدول المشاطئة للنهر.
إذ تسعى الدولة المصرية في ظل رئاستها المُرتقبة لمجلس الأمن والسلم الأفريقي شهر أكتوبر المُقبل لحل الأزمات الأفريقية، تلك التي تتعلق بالأمن والاستقرار في دول القارة، واتخاذ المسارات الدبلوماسية كإطار تعامل لحل أي لأزمة، فتُعتبر الأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية من أهم الملفات الساخنة على الساحة الأفريقية، التي تتداخل فيها مصالح وأهداف أطراف إقليمية ودولية عدة، حيث تعول مصر في تلك القضية على المؤشرات الرواندية حول قبول التسوية، وإيجاد نقاط تفاهم مع الجارة الكونغولية، على الرغم من حرص رواندا على وجود حالة من عدم الاستقرار في منطقة شرق الكونغو، ومن ضمن الملفات المُهمة أيضًا التعاون المائي، فكانت رواندا من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية عنتيبي، عام 2010م، وصادقت عليها عام 2013م،
وعلى الرغم منذ ذلك، توافقت مصر ورواندا حول أهمية الانخراط في حوار بناء وفعال لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين دول حوض النيل، بهدف دفع المصالح ومواجهة التحديات المشتركة تحقيقًا للتنمية الشاملة لجميع شعوب القارة، وربما كان ملف الاتحاد الأفريقي وانتخابات مفوضية الاتحاد الأفريقي ٢٠٢٥، يعكس حرص الدولة المصرية على التعاون مع رواندا في قضايا رئيسة كصلاحيات رئيس المفوضية، وقدرة الاتحاد الأفريقي على استعادة السلام والإصلاح المؤسسي.

3) الأهداف المصرية
تتبع مصر منهج دبلوماسية التنمية في التعاون مع الدول الأفريقية تأكيدًا على سياستها المتبعة مع الدول وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والدخول في علاقات شراكة استراتيجية مع الدول الأفريقية ذات الأبعاد الاستراتيجية في دوائر الأمن القومي المصري في أفريقيا، ولعل في تقديري أن فكرة التواجد المصري في منطقة هضبة البحيرات ودولة روندا تحديدًا له من الأبعاد التي لابد أن نضعها في الاعتبار، وأن الاتفاق مع رواندا على إقامة منطقة لوجيستية ليس فقط بدوافع اقتصادية فحسب، بل هناك دوافع سياسية وأمنية واستراتيجية، يُمكن إجمالها في الآتي:
مراقبة التوسع الإسرائيلي في أفريقيا خاصةً في دول حوض النيل، لاسيما ارتباط إسرائيل دبلوماسيًا واقتصاديًا بعددٍ من الدول الأفريقية، وبشراكة مع رواندا في مجالات عديدة مثل الاتصالات وريادة الأعمال التكنولوجية.
منافسة دول الخليج التي تسعى إلى موضع قدم داخل أفريقيا عبر البوابة الشرقية وحوض النيل، وعقد شراكات في مجالات مختلفة، حيث تُعد دولة الإمارات شريكًا قويًا لرواندا في مجالات التجارة والاستثمار وجذب مزيد من الاستثمارات في قطاعات اقتصادية مختلفة.
مواجهة النفوذ التركي المستمر داخل القارة، وربما كانت روندا إحدى محطات التعاون التركي – الأفريقي المُهمة، تعزيزًا للتعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والاستثمار والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والصناعات الدفاعية.
تطويق المصالح الإثيوبية في شتى الاتجاهات تحديدًا في إقليم دول حوض النيل، لاسيما الشراكة الاستراتيجية مع رواندا في المجالات الاقتصادية والأمنية، ومن بينها الربط الكهربائي من خلال المشروع الإقليمي لربط دول المنطقة بالكهرباء وعبر الخط الكهربائي الذي يتم بناؤه بين إثيوبيا وكينيا، وبطبيعة الحال كان هذا أحد أهداف أديس أبابا لحشد الدعم اللازم من دول المنطقة لبناء سد النهضة الذي يُسهم في تحقيق هذا الربط الكهربائي.

الخلاصة

تتبنى مصر منهج دبلوماسية التنمية في التعامل مع الدول الأفريقية، وذلك لتحقيق أهدافها القومية على المستوى الوطني من ناحية، ومن ناحية أخرى التطلع إلى تحقيق ازدهار القارة اقتصاديًا واجتماعيًا ورفع قدراتها في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية، وربما تكون إقامة منطقة لوجستية في رواندا وعلى مقربة من الحدود التنزانية كممر لوجيستي استراتيجي أفريقي – أفريقي، يبدأ من ميناء دار السلام بتنزانيا، يشمل مناطق لوجستية وموانئ جافة في كلا الدولتين، هي نواة مشروع مصري – أفريقي على غرار المشروعات الدولية الآتية من الشرق أو الغرب الساعية للتواجد داخل القارة للحصول على ثرواتها الغنية، ومن هذا المنطلق تتطلع القاهرة لتصبح مركزًا للتجارة الأفريقية مع دول القارة والعالم أجمع، تتخذ من عضويتها في اتفاقية “الكوميسا” مسارًا استراتيجيًا اقتصاديًا، تعمل من خلاله على إحداث نقلة نوعية في حركة التبادل التجاري بينها وبين رواندا، في ظل الإعفاءات الجمركية المتبادلة التي تُتيحها الاتفاقية للدول الأعضاء، والتي تُعتبر فرصة سانحة لرجال الأعمال المصريين في الاستفادة من تلك الإعفاءات والعمل على تصدير السلع والمنتجات ذات الجودة العالية والممنوحة بالإعفاء الجمركي، ولاسيما وأن إنشاء منقطة لوجستية مصرية في رواندا بمثابة نقطة ارتكاز مصرية تجارية يُمكن أن يستغلونها رجال الأعمال في التواجد المصري التجاري في أفريقيا، ومن جانب آخر أن يكون لمصر من أدوات التأثير على جيرانها الأفارقة ما يجعلها محطة انطلاق القارة الأفريقية إلى التنمية المستدامة في مختلف المجالات، لاسيما تحقيق الأمن والسلم والاستقرار الذي تصبو إليه دول القارة، وفي مسار موازٍ تضع مصر نصب أعينها التحركات الإقليمية والدولية التي تتكالب على أفريقيا، آخذةٍ في الاعتبار التوازن بين الحفاظ على مصالحها القومية وعدم التدخل في شؤون الغير.

ثالثا: نموذج التعاون المصري التشادي
في فبراير 2024م، زار «لاوكن كورايو ميدار» وزير الدولة التشادي للإنتاج والتحول الزراعي مصر، وعقد لقاء مع وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، لبحث سبل التعاون في المجال الزراعي بين البلدين، بحضور عدد من المستثمرين المصريين في تشاد. وكان أبرز ما جاء في هذا اللقاء سرعة عقد اللجنة الفنية الزراعية المصرية التشادية، والتنسيق بين السفارة التشادية في القاهرة والعلاقات الزراعية الخارجية، لصياغة مذكرة تفاهم بين البلدين، تعزّز التعاون الزراعي وتحدد أطر التعاون المستقبلي بين البلدين، ليشمل التعاون في مجال المحاصيل الاستراتيجية والتدريب والتصنيع الزراعي والإنتاج الحيواني.
تعد تشاد خامس أكبر دولة في القارّة الإفريقية، ومن أهم الدولة الزراعية؛ نظرا لما تمتلكه من مقومات تجعلها هدفا مهما لمصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح ومن الاعلاف. وبالتالي توفير العملة الصعبة. وقد جاء في اللقاء المصري التشادي الاتفاق على التعاون في الري الحديث واستنباط أصناف جديدة من التقاوي والبذور والميكنة الزراعية، والثروة الحيوانية والسمكية والداجنة والتدريب وبناء القدرات.
1) مقومات تشاد الزراعية
تتمتع تشاد بعدد من المقومات وهي وجود مناطق زراعية في عدد من الأقاليم فضلاً عن وجود بحيرة تشاد التي تغذي الأراضي الزراعية والمزروعات، كما يعتمد اقتصاد دولة تشاد بشكل رئيسي على الزراعة والثروة الحيوانية، ومن المقومات أيضا هو توافر الايدي العاملة حيث تشير الاحصائيات ان ما يقرب من 80% من سكان تشاد يعملون في الزراعة والثروة الحيوانية.
وتمثل مساحة الأراضي المزروعة في دولة تشاد 6% من المساحة الكلية للأراضي الصالحة للزراعة، وهذا ما يعد دافع كبير للدولة المصرية للاستثمار الزراعي في تشاد، وتصدر تشاد منتجات بقيمة 33.8 مليون دولار أمريكي من بذور السمسم، وصدّرت أيضا ما قيمته 21.5 مليون دولار من الصمغ العربي، إضافة إلى كميات لا بأس بها من الفستق والفول السوداني، وزبدة الشِيا، والكاجو، والكركديه، والتمور، والمورينجا، والسبيريولينا.
تعتمد إنتاجية فدان القمح في تشاد على عدة عوامل، بما في ذلك المناخ والتربة والتقنيات الزراعية المستخدمة والموارد المتاحة.
ومع ذلك، فإن إنتاجية فدان القمح في تشاد عمومًا منخفضة مقارنة بالمعدلات العالمية، ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) لعام 2021، فإن إنتاجية القمح في تشاد تبلغ حوالي 0.9 طن للهكتار والهكتار هي وحدة مساحة تستخدم لقياس المساحات وتساوي 10,000 متر مربع، ويرجع ذلك إلى عدم توفر التقنيات الزراعية الحديثة والمواد الخام اللازمة لتحسين الإنتاجية.
‌أ. إقليم حجر لميس
من أهم الأقاليم الزراعية في تشاد، حيث يقع في المنطقة الغربية لجمهورية تشاد، يعد من المناطق الزراعية المحورية في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر بالقمح، لتحقيق ذلك يتم اتخاذ عدة إجراءات وتنفيذ استراتيجيات زراعية مستدامة. وتتوفر بالإقليم عدد من المقومات الطبيعية التي تساعد على الاستثمار في الزراعة. منها توفر مياه الري من خلال بحيرة تشاد ونهر شتري، إضافة إلى المميزات المشجعة على الاستثمار الزراعي أن الزراعة تمثل النشاط الأكبر للسكان، حيث يمارس ٧٨% منهم الزراعة التقليدية والمتطورة خاصة حول بحيرة تشاد، وبالقرب من مطار «أبيشي» الدولي.
ومن المقومات التي يتميز بها إقليم حجر لميس هو قربه من مطار «أبيشي» الدولي والذي يبعد حوالي 50 كيلومترًا جنوب الإقليم، وتستغرق رحلة الوصول من المطار إلى داخل الإقليم حوالي 30-45 دقيقة تقريبًا، باستخدام وسائل النقل المختلفة حيث يمكن نقل البضائع وشحنات القمح إلى مصر عبر هذا المطار.
وتعمل تشاد على جذب الاستثمارات الزراعية إلى إقليم حجر لميس بتوفير الحوافز والتسهيلات للمستثمرين الوطنيين والدوليين وهذا يعد فرصة جيدة لمصر، كما يتم تشجيع المشاريع الزراعية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة التي تركز على إنتاج القمح والأعلاف وتعزيز القدرة التنافسية للمنطقة في السوق.
ومن أهم المحاصيل الزراعية بإقليم حجر لميس الفول السوداني، والذرة الشامية، والذرة الرفيعة، واللوبيا، والحبوب. الإضافة إلى قصب السكر والطماطم والبقوليات والفواكه كالجوافة والمانجو والليمون والخضروات التي تزرع حول بحيرة تشاد وضفاف نهر شاري، ويمكن زراعة القمح أيضا إذا تم إدخال أنظمة الري والزراعة الحديثة.
‌ب. معوقات الزراعة بإقليم حجر لميس
كان هناك انخفاض في مساحة الأراضي المزروعة بتشاد وتحديدا في إقليم حجر لميس نظرا لعدم استغلال معظم الأراضي الصالحة للزراعة فيه، وتأثير التغيرات المناخية على المحاصيل وقلة جودة البذور، وعدم استخدام أنظمة الري الحديثة أو استخدام التكنولوجيا في الزراعة، وانتشار الآفات والحشرات الضارة بمعظم الأراضي.
وتأتي استخدام الزراعة البدائية في الإقليم هي من أبرز الأسباب التي تعوق عائد كبير من الزراعة في تشاد حيث يعمل المواطنين في المزارع بأيديهم دون استخدام الأجهزة الحديثة إلا في أوقات قليلة، ويتم استخدام طرق الزراعة التقليدية مثل الحراثة اليدوية والري بالأسطوانات الخشبية.
كيف يمكن أن تحقق مصر الاكتفاء الذاتي بالقمح؟
قد تسهم الاستثمارات الزراعية في تشاد في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من الاعلاف التي تتميز بها إقليم حجر لميس، ومن القمح أيضا إذا استطاعت مصر التغلب على المعوقات الموجودة هناك، وذلك وفقاً لما سبقت الإشارة إليه، إذ يمكن لمصر أن تتجه للاستثمار الزراعي في تشاد. وهذا ما أكده وزير الزراعة التشادي الأسبق في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، عندما ذكر أن مصر يمكنها أن تحقق اكتفاء ذاتيا من القمح، إذا وجهت استثماراتها نحو الزراعة في الأراضي التشادية.
كما يمكن أن تستفيد مصر من خبرات أستاذة كلية الزراعة التابعة لجامعة الإسكندرية في إنجامينا، حيث يختص الفرع بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي، والبحث العلمي الذي يقوم به في خدمة المجتمع التشادي. خاصة أن كليات هذه الجامعة شاركت في عدة مشروعات بحثية مع جامعــة انجامينا لخدمة البيئة المحيطة وربط الجامعة بالمجتمع أسفرت عن التعريف بأهم الأمراض الوبائية للثروة الحيوانية.

2) انسحاب مصر من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية
يمثل انسحاب مصر من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية، التي وقعت عليها ضمن 35 دولة في عام 1995م، دافعا آخرا للتوجه للاستثمار الزراعي في تشاد لتحقيق اكتفاء ذاتي من القمح، خاصة أن مصر احتاجت نحو 11.9 مليون طن، اضطرت لاستيراده، خلال موسم 2023/ 2024م
ويصل حجم الاستهلاك السنوي في مصر إلى 25 مليون طن، وتستورد ما يزيد عن 50% منه، وهذا ما ذكره مساعد أول وزير التموين للاستثمار في مصر إبراهيم عشماوي، خلال كلمته الافتتاحية بمؤتمر الناس والبنوك، عندما قال إن مصر تستورد ما يزيد عن 50%، بينما يبلغ انتاجها منه حوالي 45%، وتستهلك حوالي 9.80 مليون طنا، وفقاً لـ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ومن ثم، تتوفر الدوافع أمام مصر للاستثمار في الزارعة في تشاد، خاصة أنها تريد تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، الأمر الذي يوفر لها عملة صعبة، حيث تتكلف سنويا 424 دولار لكل طن تستورده من القمح، وفقاً لقرارات وزارة المالية، التي عدلت من التقديرات الأولية لأسعار القمح، في موازنة العام المالي 2022 – 2023 م، إلى 424 دولار للطن، مقارنة بـ 330 دولارًا للطن في بداية تطبيق الموازنة، نتيجة تأثير المعروض من القمح في الأسواق العالمية في ضوء اضطرابات سلاسل الإنتاج الناجمة عن الحرب بأوروبا.
في النهاية نستطيع القول، أن هناك العديد من المقومات التي تخدم التطلعات بتحقيق مصر الاكتفاء من القمح، عن طريق إنتاج ما يقرب من 11.9 مليون طن من القمح في أراضي إقليم حجر لميس بدولة تشاد، ويتطلب إنتاج هذه الكمية مليون هكتار من الأراضي الزراعة، حيث أن إنتاجية القمح في تشاد تبلغ حوالي 0.9 طن للهكتار، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) لعام 2021م

التوصيات:
نوصي، بعد دراسة الوضع بإقليم حجر لميس وتحديات الزراعة فيه والمقومات التي يمكن أن تساعد مصر في زراعة القمح داخله بما يلي:
التنسيق بين مصر وتشاد لدعم وتوفير متطلبات البعثات المصرية التي ستسافر لتشاد
التعاون بين مراكز البحوث المصرية ووزارة الزراعة في تشاد لإيجاد سلالات جيدة في القمح.
الاهتمام بتطوير الأسمدة لمواجهة التصحر
إدخال أنظمة الري والزراعة الحديثة لزراعة مساحات كبيرة من الأراضي.
استخدام تقنيات الري المحسنة، مثل الري بالتنقيط والري الجزئي؛ لتحسين كفاءة استخدام المياه وتقليل تبخرها
إنشاء مخازن غلال على بالقرب من مصر للحل مشكلة الهدر.
توفير الخدمات البيطرية لضمان نجاح المواسم الزراعية.
إقامة منطقة حرة للزراعة والتجارة والنقل بين مصر وتشاد
تحسين جودة التربة بواسطة استخدام التقنيات المحسنة مثل التحليل الكيميائي للتربة والحراثة العميقة واستخدام الأسمدة العضوية
دعم البحث العلمي بفرع جامعة الإسكندرية في إنجامينا
عقد لقاءات مع العاملين بفرع جامعة الإسكندرية في إنجامينا للتعرف على خبراتهم في مواجهة معوقات الزراعة بتشاد.