الرئيسية » الدراسات » الصراع الراهن وديناميكيات القوة الإقليمية

الصراع الراهن وديناميكيات القوة الإقليمية

بواسطة :

تحليل الوضع:
شنت إسرائيل، بعد 7 أكتوبر 2023م، سلسلة من العمليات العسكرية المكثفة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، موسعةً عملياتها لتشمل جبهات متعددة. أهمها مواجهة حزب الله اللبناني على حدودها الشمالية وكبح عمليات الإسناد التي ينفذها لتخفيف الضغط على هذه الفصائل. ثم طورت هذه العمليات، في 1 أكتوبر، عندما بدأت غزوًا بريًا لجنوب لبنان، أثار ردة فعل إيرانية بإطلاق أكثر من 180 صاروخًا باتجاه إسرائيل. على نحو فاقم المخاوف الإقليمية من تصاعدت مخاطر نشوب صراع شامل بمنطقة الشرق الأوسط، يزيد من زعزعة الاستقرار.
ثم اتخذ الصراع، بشكل غير متوقع، بُعدًا جديدا شمل نوعا من الهجمات الإلكترونية عندما نجحت إسرائيل في تفجير آلاف أجهزة البيجر المحمولة عن بعد، التي يُعتقد أنها بحوزة عناصر حزب الله، وأسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحزب، بما فيها جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية ووادي البقاع الشرقي. في لبنان. وأظهر مقطع فيديو متداول على نطاق واسع انفجار جهاز داخل متجر، مما يؤكد الطبيعة المحلية لهذه الهجمات. كما وصفها مسؤول في حزب الله بأنه “أكبر خرق أمني” مسلطًا الضوء على الثغرات الأمنية داخل المنظمة.
وقد أبرزت هذه الهجمات النوعية مدى التطور الفني لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي يبدو أنها استهدفت تأكيد هيمنتها واستعادة مصداقية أجهزتها. وإبراز قدرتها على شن هجمات مخططة بدقة. ناهيك عن استعراض قدرات إسرائيل التكنولوجية المتقدمة واستخدامها الذكاء الاصطناعي في الصراع. مما يطرح تساؤلات حول كيفية اختيار الجيش الإسرائيلي لأهدافه والتعامل معها. خاصة أن استخدام الأدوات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي على هذا النحو يشير إلى عصر جديد في العمليات العسكرية يعتمد على دقة المعلومات الاستخباراتية وتحديد الأهداف.
ومن ناحية أخرى، أثر الصراع الجاري على العلاقات الاقتصادية في المنطقة. فقد أدت التوترات السياسية والعسكرية إلى تعطيل التجارة والاستثمارات والتعاون في مجال الطاقة بين الدول التي تعتمد على الشراكات الاقتصادية لتحقيق الاستقرار. خاصة لبنان الذي أضعفته سنوات من عدم الاستقرار السياسي، وضغوط إضافية بسبب الصراع. كما تواجه سوريا والأردن ومصر تحديات في تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الاقتصادية ومواقفها السياسية، إضافة إلى تحديات أمنية متزايدة بحكم ترابط الاقتصادات الإقليمية.
وعلى الرغم من تصاعد التوترات، لا يبدو أن الحرب الإقليمية الشاملة حتمية. ولكن قد تنجح العمليات العسكرية الإسرائيلية في دفع حزب الله إلى قبول وقف إطلاق النار أو سحب قواته من مناطق الحدود المتاخمة مباشرة لشمال إسرائيل، وخلق منطقة عازلة. ومع ذلك، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية وتصاعد الصراع، فقد تكون العواقب وخيمة، بما في ذلك وقوع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين الإسرائيليين واللبنانيين، وتعطيل الاستقرار الإقليمي، وانخراط دول أخرى مثل إيران وسوريا والعراق واليمن في هذا الصراع.
التداعيات الاقتصادية
أدى الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، مساء 1 أكتوبر 2024 إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار بالمنطقة. خاصة أنه الثاني من نوعه في أقل من ستة أشهر، ولكنه يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الاقتصاد الإيراني، فقد تستهدف الضربات الإسرائيلية الانتقامية قطاعاته الحيوية، بما في ذلك البنية التحتية للنفط والطاقة. ومع تصاعد الرهانات الجيوسياسية، ستحدد القرارات التي تتخذها كل من إيران وإسرائيل ما إذا كان الصراع سوف يتسبب في تداعيات اقتصادية أعمق، أو في إعادة تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية.
وقد تكون الآثار الاقتصادية للصراع عميقة، خاصة إذا استهدفت إسرائيل مواقع إنتاج الصواريخ أو البنية التحتية للطاقة في إيران. أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن برنامج الصواريخ الإيراني يشكل تهديدًا مشابهًا لطموحات إيران النووية، مما يزيد احتمال استهداف حقول النفط، أو المصافي، أو الموانئ مثل ميناء بندر عباس. وعلى الرغم من أن هذه الضربات المحتملة قد تضعف الاقتصاد الإيراني، فإنها قد تؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة عالميًا، مما يزيد من التضخم ويخلق تداعيات اقتصادية عالمية أوسع.
وتشكل البنية التحتية النفطية الواسعة في إيران، بما في ذلك خطوط الأنابيب ومنشآت الغاز البحرية، هدفًا مغريًا لإسرائيل، ولكنه محفوف بالمخاطر. يحذر الخبراء من أن استهداف هذه المنشآت قد يؤدي إلى رد فعل إيراني ضد منشآت نفطية في دول الخليج مثل السعودية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار. وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار الوقود عالميًا، وهو أمر بالغ الحساسية في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في نوفمبر 2024م، مما يزيد من الضغوط على الأسواق الدولية.
علاوة على ذلك، قد يتم فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران كإجراء عقابي، مما يزيد من عزلتها ويزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي الداخلي. على نحو تجد الحكومة الإيرانية صعوبة في الحفاظ على نفوذها الإقليمي ودعم حلفائها مثل حزب الله؛ إذا تضررت إيرادات النفط والتجارة الخارجية. وقد يؤدي الحساب الاستراتيجي الإيراني، الذي يهدف إلى إعادة فرض الردع، إلى نتائج عكسية إذا دمرت الضربات الإسرائيلية برنامجها الصاروخي، أو ألحقت أضرارًا كبيرة بمنشآتها النفطية.
الديناميكيات الاقليمية
من المحتمل أن تتعرض إيران لخطر فقدان نفوذها بمنطقة غرب آسيا؛ بسبب موقفها التصعيدي، لا سيما إذا أضعفت الضربات الإسرائيلية قدراتها العسكرية. وقد يؤدي استهداف البنية التحتية المرتبطة بإنتاج الصواريخ إلى إضعاف قدرتها على شن هجمات مستقبلية وإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي. أما إذا امتدت الضربات الإسرائيلية إلى منشآتها النووية، فقد يدفع ذلك طهران إلى تسريع تطوير الأسلحة النووية، وهو سيناريو محفوف بالمخاطر الجيوسياسية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعربت عن معارضتها لضرب المنشآت النووية، إلا أنه من المحتمل أن تتخذ إسرائيل إجراءات عسكرية واسعة تؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني وتقليص نفوذها الإقليمي.
وقد يؤدي الصراع المطول، أو استمرار العقوبات إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران، مما يؤدي إلى ركود اقتصادي ونشوب احتجاجات شعبية تؤثر على الاستقرار السياسي لنظامها. كما لن يكون الاقتصاد العالمي بمنأى عن هذه التطورات، إذ ستؤدي الاضطرابات في أسواق الطاقة إلى ارتفاع الأسعار، مما يجبر الحكومات والشركات على التكيف مع تكاليف تشغيلية أعلى.
ولكن المؤكد أن ردود الفعل الإسرائيلية – سواء استهدفت المنشآت العسكرية أو البنية التحتية الاقتصادية – هي التي سوق تحدد مسار الصراع ومستقبل الاقتصاد الإيراني المتأرجح. وعلى الرغم من أن استهداف المنشآت النفطية الإيرانية قد يضعف طهران، إلا أن تداعياتها قد تكون وخيمة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ارتفاع التضخم وأسعار الطاقة. غير أن تصاعد التوتر يجعل إيران، تواجه تحدي إدارة الضغوط الاقتصادية الداخلية والعزلة الدولية، مما قد يقلل من نفوذها الإقليمي على المدى الطويل. وهو الأمر الذي يبرز العلاقة الوثيقة بين الجغرافيا السياسية والاقتصاد، حيث تحمل كل عملية عسكرية عواقب اقتصادية عميقة على الأطراف الإقليمية والدولية.
الخاتمة
إن الاحتلال الإسرائيلي هو أكثر من مجرد وجود عسكري؛ فهو نظام شامل مصمم للسيطرة على حياة الفلسطينيين ومواردهم، ومنع تنمية قدراتهم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المستقلة. ولم يكن انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005 بمثابة إشارة إلى نهاية الاحتلال، ولكنه كان بمثابة تحول نحو استراتيجية أكثر تطوراً للسيطرة – تشمل الحصار، وإدارة الموارد، والقيود على الحركة، لتعميق الإطار الهيكلي للهيمنة وخنق أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، مما يضمن بقاء غزة والضفة الغربية عاجزين عن نضالهما من أجل السيادة. ويجب أن نفهم الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة كجزء من استراتيجية أوسع لإدامة الاحتلال وفرض واقع جيوسياسي يخدم مصالح إسرائيل. وتشمل هذه الاستراتيجية إجراءات مثل الحفاظ على السيطرة على ممر فيلادلفيا، ليس فقط لأغراض أمنية، ولكن لزيادة ترسيخ الحصار وقمع إمكانات غزة للتنمية الاقتصادية أو العسكرية. يعكس هذا النهج هدف إسرائيل طويل المدى ممثلا في إعادة تشكيل الواقع السياسي والديموغرافي في المنطقة لمنع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم الوطنية المشروعة.
من المؤكد أنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، إلا أن الإصرار على تجاهل السبب الجذري – الاحتلال – يضمن استمرار العنف. وتؤدي المظالم العميقة الجذور بين إسرائيل وفلسطين إلى تأجيج هذه المواجهات، في حين تعمل الجهات الفاعلة الخارجية مثل إيران على تعقيد الوضع. ولكسر هذه الحلقة من الصراع، يجب أن يعالج الحل المخاوف الأمنية المباشرة والقضايا السياسية والإنسانية الأوسع، بما في ذلك الدولة الفلسطينية وديناميكيات القوة الإقليمية.