الرئيسية » الدراسات » توازن القوى في الشرق الأوسط وانعكاساته على الامن القومي المصري

توازن القوى في الشرق الأوسط وانعكاساته على الامن القومي المصري

بواسطة :

ومن ثم، يمكن القول إن طبيعة العلاقات بين دول الشرق الأوسط لا تخرج عن كونها علاقات إما صراعية على النفوذ والهيمنة، أو علاقات حسن جوار، أو علاقات إيجابية وتوافق. لذلك ل يأت وصف الشرق الأوسط بأنه قلب العالم من فراغ؛ نظرا لكثافة الاحداث المؤثرة على توازن القوى بين دوله، خاصة المنخرطة في علاقات استراتيجية مع الدول الكبرى إيجابا كان، أو سلبا. والتي كان من بينها أحداث السابع من أكتوبر 2023م، التي شكلت أحد أبرز التحديات لنظام توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، وإيذانا ببداية جديدة للتوازنات الإقليمية.

وقد انتهزت إسرائيل عمليات السابع من أكتوبر للقضاء على تهديد حركات المقاومة الفلسطينية، كما زعمت مستغلة، في ذلك الدعم الغربي لها عامة والامريكي اللامحدود بصفة خاصة؛ لتنفيذ عملياتها الوحشية؛ التي أدانتها محكمة العدل الدولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. كما قضت على قوة حزب الله اللبناني، بوصفه أكبر أدوات إيران المتقدمة لهيمنتها وزيادة نفوذها الإقليمي، وأزاحت أي وجود له إلى شمال الليطاني، على نحو أدى إلى إضعاف محور المقاومة.

حتى جاء سقوط النظام السوري، حليف إيران الاستراتيجي، ليشكل نقطة تحول كبرى في توازن القوى الإقليمي، الذي تراجع فيه النفوذ الإيراني، بتحالفاته مع قوى ما دون الدولة، مقابل صعود الدور التركي بتحالفاته مع الجماعات المسلحة في سوريا، وعلاقاته الاستراتيجية مع إسرائيل ونفوذه المتزايد بمنطقة القرن الأفريقي خاصة. ناهيك عن تعزيز الموقف الاستراتيجي لإسرائيل، والمعضلة الاستراتيجية التي باتت تواجه روسيا وقواعدها العسكرية في سوريا بعد سقوط النظام السوري.

وهكذا، شكل سقوط النظام السوري حلقة خطيرة في اختلال التوازن الاستراتيجي بين دول الشرق الأوسط. فبرز دور تركيا، عبر دعمها اللوجستي لفصائل المعارضة السورية حتى إسقاط النظام، الذي ولا شك سوف يبرز دور تركيا لاعبا إقليميا أساسيا في أي ترتيبات سياسية مقبلة في سوريا، خاصة في الشمال السوري؛ بعد إضعاف القوى الكردية، على نحو ضمن لها مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، والاضطلاع بدور إقليمي واسع في أي ترتيبات أمنية تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وفي ليبيا على وجه الخصوص. إضافة إلى أنها تلعب تركيا دورا متزايدا في منطقة القرن الافريقي خاصة علاقاتها مع اثيوبيا والصومال ومنطقة البحر الأحمر، واستضافتها، في العاشر من ديسمبر 2024م، لاجتماع قمة صلح بين رئيس الوزراء الاثيوبي والرئيس الصومالي وما يستتبع ذلك من تزايد نفوذها، على نحو يمكن أن يشكل تهديدا لتوازن القوى بمنطقة القرن الافريقي.

وفي المقابل، فقدت إيران، بسقوط النظام السوري وضعف حزب الله خاصة، أهم ركائز مشروعها الإقليمي في الشرق الأوسط وأصبحت أمام خيار إعادة التموضع داخل حدودها الإقليمية خاصة أن فقدانها لحليفها الاستراتيجي في دمشق وحزب الله اللبناني أفقد من نفوذها رصيدا كبيرا الإقليمي، نظرا لأنه مع وصول سلطة جديدة في سوريا سوف تخسر طريق الوصول للبحر المتوسط عبر سوريا، وسوف تصبح في مرمى المواجهة المباشرة مع إسرائيل حال حدوث أي تطور سلبي في الشرق الأوسط.

كذلك تقف روسيا في صفوف الطرف الخاسر في معادلة الشرق الأوسط الجديدة؛ نتيجة سقوط النظام السوري إلا أن روسيا يمكن ان تتدارك خسارتها عبر التوصل إلى تفاهمات أخرى مع سلطة الأمر الواقع الحالية في سوريا، خاصة أن هذه السلطة الجديدة تحتاج الى قوى كبرى تسهم في تعزيز استقرارها.

أما إسرائيل، فهي الفائز الأكبر في معادلة التوازن الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، بعد إضعاف جماعات المقاومة المسلحة الفلسطينية وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، واجتياح جنوب لبنان عسكريا بعد الضربات التي أضعفت بها قدرات حزب الله العسكرية وقلصت جاهزيته لأي مواجهة قادمة معها؛ مما عزز من قدرتها على الردع، وضمان أمنها الحدودي، ومنع أي محاولة إيرانية لتهديدها عن طريق حلفائها الإقليميين.. كذلك كان سقوط النظام السوري أكبر هدية لإسرائيل لإزالة أكبر تهديد تاريخي للدولة العبرية منذ نشأتها، لأنه أدى إلى تعزيز من قدرتها على الردع الإقليمي، وزاد من رصيدها الاستراتيجي في توازن القوى الإقليمي في الشرق الأوسط.

انعكاسات توازن القوى على الأمن القومي المصري

إذا سلمنا أن الاختلال في توازن القوى يفضي الى علاقات توتر وعدم استقرار، فعلينا أن ندرك أن الاحداث الجارية داخل سوريا وضعف حزب الله وتراجع دور إيران الإقليمي، قد يؤدى الى نشوء توازنات جديدة، من حيث:

  • تزايد النفوذ التركي في الشمال السوري، على نحو يعزز من مكانتها الإقليمية لتكون قوة رئيسية في المنطقة، ومنها تعزيز مكانتها في ليبيا، وقوة تحركاتها في شرق المتوسط، مما يشكل تحديا لأمن مصر القومي، ويفرض عليها اتخاذ خطوات استباقية لتعزيز أمنها القومي، سواء بمنطقة الشرق الأوسط، أو منطقة القرن الأفريقي.
  • أن تراجع الدور الإيراني في سوريا قد يشكل دافعا لمحاولاتها تعزيز نفوذها في اليمن وتحركاتها في البحر الأحمر، على نحو يشكل تهديدا آخر للأمن القومي المصري.
  • أنه إذا لم يتم تدارك الوضع في سوريا قد يؤدى ذلك الى زيادة الفوضى الأمنية وتعزيز نشاطات الجماعات الإرهابية المسلحة واتجاه بعضهم للتواجد في ليبيا، مما قد يشكل تهديدا أمنيا للأمن القومي المصري وهو ما يفرض على الدولة المصرية المسارعة نحو احتواء السلطة الجديدة، وكسب موطئ قدم في الشرق الأوسط، يمكنه ان يخدم مشروع الشام الكبير الذي تسعى مصر الى تنفيذه.

وبالتالي، فإن الحفاظ على التوازن الاستراتيجي هو الخيار الأمثل لمصر؛ خاصة أن له مزاياه في الحد من التورط في المشكلات والصراعات الإقليمية التي يمكن ان تستنزف القدرات المصرية، التي يجب ان تسخر لاستكمال المشروع التنموي ومواجهة التحديات الاقتصادية القائمة، بما لا يخل بمتطلبات الحفاظ على الأمن القومي المصري. ولعل هذا الخيار يتطلب الحذر الشديد في تنفيذه حتى لا تتشكل ترتيبات إقليمية، سواء أمنية أو اقتصادية بمعزل عن مصر بما يعرضها لعزلة إقليمية، او يزيد من نفوذ قوى إقليمية أخرى عربية أو غير عربية على حساب المكانة المصرية.