الرئيسية » الدراسات » التوجهات المحتملة للإدارة الأمريكية الجديدة حيال إيران

التوجهات المحتملة للإدارة الأمريكية الجديدة حيال إيران

بواسطة :

وهكذا، كانت البيئة مواتية لأن تتوسع إيران وتختلق لها عمقا استراتيجيا بمنطقة غرب آسيا، بإجمالي مساحة تبلغ 1,551,852كم، تضم العراق (437,072كم) وسوريا (185,180كم) وجنوب لبنان (929,6كم) وذلك تطبيقا للمقاربة الأيديولوجية التي تبنتها لمنطقة الشرق الأوسط منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979م، ونجحت من خلالها في أعادة انتاج الهوية في كل من العراق ولبنان واليمن على أسس طائفية، وأنشأت قوى مسلحة تسعى من تلقاء ذاتها إلى تعزيز نفوذ إيران الإقليمي، تحت ما يسمى محور المقاومة الإسلامية. بوصفه أداة استراتيجية للدفاع والردع وإدارة الحرب غير المتكافئة. والذي اكتسب بمرور الوقت، ديناميكيات التحالف الأمني والعسكري القادر على الردع، والتوازن بين التهديدات وبين متطلبات الأمن الجماعي والتكامل الدفاعي. على نحو جعل إيران الفاعل الإقليمي غير القابل للردع.

وفي هذا السياق، بدى توازن القوى الإقليمي يميل لصالح إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية والإمارات وقطر؛ غير أن إيران قد استأثر بالاستحواذ الإقليمي، حتى باتت قراراتها تؤثر على معظم ما يجري بالمنطقة، كما تؤدي دور الخصم الرئيسي للولايات المتحدة، والقوة المهددة لأمن إسرائيل. أما تركيا، فقد اتجهت أكثر، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، نحو الشرق الأوسط والانخراط في قضاياه والتورط في صراعاته، بوصفها قوة منافسة لإيران بمنطقة غرب آسيا. بينما ظلت السعودية الدولة العربية الوحيدة التي تنتمي، وفق الإرادة الأمريكية، إلى أعلى مستوى في البنية الجيوسياسية بالمنطقة العربية. بينما أصبحت أبو ظبي تقوم بالدور الذي كانت تؤديه قطر من قبل، خاصة أن لديها نفوذ اقتصادي متنام، وتسيطر على أهم موانئ القرن الإفريقي، إضافة إلى سيطرتها على مناطق باليمن أكثر من أي بلد آخر، ولديها علاقة عدائية مع إيران. أما قطر، فقد قامت بدور دبلوماسي كبير مقارنة بوزنها الفعلي بالمنطقة، ولا تزال مستمرة في أداء هذا الدور.[1]

وكان من الطبيعي أن يشكل تحالف إيران مع قوى ما دون الدولة إضافة إلى طموحها النووي المتزايد، تحديا خطيرا للمصالح الأمنية والجيوسياسية لكل القوى. على نحو أوجد ضرورة لقيام تكتل إقليمي مناوئ لها. ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه هذه القوى لتحقيق التوازن مع إيران. كانت إسرائيل تسعى إلى بناء تحالفات مع بعض الدول العربية؛ لمواجهة طموحات إيران النووية وكبح نفوذها الإقليمي. ومن ثم، التقت جميعا في هدف استراتيجي واحد، هو العمل المشترك لاحتواء إيران.[2]

وبناء على هذا، قادت الولايات المتحدة مساعي التطبيع المعلن للعلاقات بين إسرائيل والبحرين والإمارات، عام 2020م، بموجب «اتفاقات إبراهيم» التي ألحق بعض الضرر بمصالح إيران الجيوسياسية بالمنطقة، خاصة أنها منحت إسرائيل صفة الوجود التعاقدي على السواحل المقابلة لجنوب إيران. كما ضمت الولايات المتحدة إسرائيل إلى قيادة المنطقة العسكرية الوسطى «سينتكوم» المسئولة عن منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطي، في مايو 2021م.

وبما أن إيران وإسرائيل خصمان إقليميان يتمتعان بفائض قوة، ويدركان أن التنافس بين القوى الدولية الفاعلة قد أثر بشكل عميق على كل تفاعلات المنطقة على نحو جعلها تمر بتحولات جذرية، تقتضي منهما سرعة العمل على تأمين مصالحهما الاستراتيجية، وتعظيم نفوذهما الإقليمي. حتى ولو أدى ذلك إلى مواجهة مباشر بينهما، أو أسفر عن خلل بالتوازن الإقليمي للقوى. وبالتالي، كانت تفاعلاتهما المختلفة كاشفة لنوايا كل منهما الاستراتيجية حيال تشكيل نمط جديدة للقوة، وتحقيق طموحاتهما التوسعية. فإيران مُصرّة على أن تصبح «قوة إقليمية عظمى» مهيمنة، تحفظ بقاء نظامها، وتضمن له قدرته على التأثير على شتى التفاعلات التي تجري بمنطقتي غرب آسيا والقرن الأفريقي وفضائه الأوسع بشرق أفريقيا؛ بما يحقق أهدافها المختلفة. ولعل هذا ما يفسر لنا حرصها الدائم على دفع الأقلية الشيعية إلى الظهور المُخل بالاستقرار السياسي، أو النشاط العسكري المهدد للأمن الإقليمي، ولا سيما أمن إسرائيل.

وفي المقابل، كان إصرار إسرائيل يزداد على أن تظل قوة إقليمية كبرى، قادرة على تحقيق متطلبات بقاء الدولة داخل حدود آمنة معترف بها دولياً، وحماية أمنها الجيوستراتيجي، وضمان تفوقها التكنولوجي والعسكري، سواء في المجال التقليدي أو فوق التقليدي. على نحو يحقق لها أهدافها السياسية والاقتصادية. ولعل هذا ما يفسر لنا أسباب استهدفت إسرائيل المستمر لعلماء برنامج إيران الصاروخي والنووي، وتدمير أجزاء من منشأتها النووية والعسكرية. فضلا عن شن الهجمات السيبرانية المدمرة، والسطو على وثائق البرنامج النووي والصاروخي من منطقة «تورقوز آباد» ناهيك عن الاستهداف المتكرر لعناصر الحرس الثوري وقادة المليشيات التابعة له داخل الأراضي السورية.

حتى اندلعت المواجهات، التي حدثت مؤخرا بين إسرائيل وإيران وحلفائها من دون الدول بمحور المقاومة، على مدار عام كامل، والتي يدخل ضمن محاولات كل منهما لإعادة تعريف الجغرافيا السياسية بمنطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، في ظل تفاقم التنافس الدولي. وأدت أيضا إلى تدهور الاستقرار الإقليمي. ناهيك عن تعطل سلاسل الإمداد والتوريد العالمية. واضطرار جانب كبير من حركة الملاحة الدولية إلى تجنب المرور عبر البحر الأحمر، مما زاد من تكلفة الشحن والتأمين. وانخفاض حركة التجارة العالمية.

أصداء فوز دونالد ترامب

أحدث فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة، في الانتخابات التي انطلقت يوم 5 نوفمبر 2024م، موجة واسعة من الجدل بين المراقبين بشأن مواقفه المرتقبة حيال كثير من القضايا العالمية عامة، والقضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط خاصة، وعلى رأسها إيران التي يرى أنها المصدر الأساسي لجميع الأزمات الإقليمية، وأن تهديدها للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها بمنطقة الشرق الأوسط بلغ حدا يتطلب حلولاً جذرية، وإجراءات مكملة لما سبق أن اتخذها خلال ولايته الأولى ضد إيران.

وفي هذا السياق، أثارت عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض صدمة كبيرة لدى الأوساط الإيرانية، أصولية كانت أو إصلاحية. وبات الاعتقاد السائد لدى النخبة السياسية والاقتصادية أن عودته هي معاودة لكابوس طالما عانت منه إيران، فلا تزال تداعيات سياساته تزيد معاناتها الاقتصادية وتقلص خياراتها الداخلية والخارجية. خاصة أنه انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة، في مايو 2018م، وفرض عقوبات قصوى شملت الحرس الثوري، في أبريل 2019م، والبنك المركزي، في سبتمبر 2019م؛ لعزل إيران عن شبكة المصارف الدولية وحرمها من أي مصادر مالية، أو عوائد لتجارتها الخارجية. حتى باتت على حافة الانهيار أمام الاحتجاجات التي اندلعت، في نوفمبر2019م، وصدق على اغتيال قائد فيلق القدس ‹قاسم سليماني› في يناير 2020م، ناهيك عن العقوبات التي فرضها على مؤسسة المستضعفين، في نوفمبر 2020م، ولجنة تنفيذ أوامر الإمام الخميني ومؤسسة العتبات الرضوية وهيئة الصناعات البحرية والجوية والطيران، في يناير 2021م.

حينها، تمثلت استراتيجية الاستجابة الإيرانية في العمل أولا على تعزيز قوة النظام بالداخل، وتبرير حرصها على امتلاك القدرات النووية، وتطوير قدراتها العسكرية ومواصلة دعم حلفائها بمنطقة غرب آسيا؛ للمحافظة نفوذها الإقليمي. كما تبنت استراتيجية مرنة لاستغلال مواردها الضخمة من النفط والغاز الطبيعي للحفاظ على حصتها بالأسواق الدولية، وتحقيق استقرار اقتصادي نسبي، من خلا تركيزها على الأسواق الآسيوية التي لا تتأثر بالعقوبات الأمريكية، فوقعت مع الصين اتفاقية للتعاون الاستراتيجي، عام 2023م. كما عززت علاقاتها مع روسيا، في ظل الصراع الدائر بأوكرانيا. حتى أوشك البلدان اليوم على توقيع اتفاق للتعاون الاستراتيجي الشامل، الذي، إن تم، يمكن أن يوفر لإيران فرصة للحصول على دعم روسيا في مواجهة الضغوط الأمريكية.

وعلى الرغم من أجواء القلق التي سادت إيران؛ عقب فوز ترامب بولاية أخرى، حاول بعض المسئولين تخفيف الذعر الذي أصاب الأسواق المحلية، بعد أن انخفضت قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوى لها في التاريخ (700 ألف ريال) مقابل الدولار الأمريكي. والذي يكمن وراؤها أيضا ارتفاع معدلات التضخم، وعجز الميزانية، والعقوبات الأميركية، وتفاقم التوتر مع إسرائيل. إذ صرح النائب البرلماني ‹أحمد بخشيش أردستاني› وعضو لجنة الأمن القومي، بأن ترامب ما هو إلا رجل أعمال ناجح، والمهم بالنسبة له هو المكسب والخسارة، كل ما هنالك أنه يتبنى لهجة تثير خوف الآخرين. وكل ما علينا هو بذل قصارى جهدنا لخفض التوتر مع إدارته، والتحلي بمزيد من المرونة والقدرة على التعامل مع جميع الاحتمالات. مع التركيز على تعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره. عسى أن تكون لعودته انعكاسات إيجابية على العلاقة بين البلدين. خاصة أنه قادر على التوصل بسهولة إلى حلول بشأن القضايا الراهنة. فلو تمكن من إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فسوف يخف الضغط على إيران[3].

وتكشف لنا الأجواء السائدة في إيران اليوم، استراتيجية استجابتها المحتملة على المستوى السياسي والاقتصادي وسلسلة التدابير التقليدية التي يمكن أن تلجأ إليها، بالتعاون مع الصين وروسيا؛ تحسبا للعقوبات الاقتصادية المحتملة والضغوط الجيوسياسية القائمة، وتحقيق الاستقرار في بيئة دولية متقلبة. والتي لن تكون مجرد استجابة لهذه العقوبات أو تلك الضغوط، بقدر ما تكون استكشافا لطرق الحفاظ على استمرار إنتاج وتصدير النفط. على الرغم من أنها سوف تظل تحت تأثير ديناميكيات البيئة الدولية والإقليمية، التي قد تضعها أمام مزيج صعب من الصعوبات المالية والاقتصادية واللوجستية، حتى قبيل تسلم ترامب منصبه. خاصة أن عودته ربما تعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات عليها، حتى ولو أدى ذلك إلى تقلص إمدادات النفط العالمية وإثارة غضب الصين، بوصفها أكبر مشتر للنفط الإيراني.

وقبل أن نخوض في تحليل توجهات ترامب المحتملة، حيال القضايا المتعلقة بإيران، يتعين علينا أولا أن نتعرف على الديناميكيات الإقليمية التي أدت إلى اندلاع صراع عسكرية انخرطت فيه إيران؛ بوصفها قوى إقليمية يتعين عليها إسناد حلفائها بميادين هذا الصراع. غير أن هجومها الصاروخي على إسرائيل يعد مثالًا واضحًا على أن تأثير العمليات العسكرية يتجاوز ما هو أبعد من الأمن المباشر، إلى التأثير في الاقتصادات الإقليمية وأسواق الطاقة. خاصة أن المنطقة لا تزال تواجه تحديات معقدة جعلت هناك ضرورة لإعادة ترتيب استراتيجياتها.

الديناميكيات الإقليمية

في إطار توزان الفوضى الإقليمية الذي خلفته إدارة ‹باراك أوباما› والتحالف الاستراتيجي الشامل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حقق ترامب الكثير من رغباتها، خلال فترة ولايته الأولى، فقد حاول إخراجها من عزلتها الإقليمية عبر اتفاقات إبراهيم، المشار إليها سلفا، على افتراض أن تقاربها مع بعض الدول العربية قد يشجع بعضها الآخر على تبني موقف محايد من القضية الفلسطينية. وسبق أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، معترفا بوضعها عاصمة لإسرائيل، واعترف بضمها لمرتفعات الجولان، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، ودعم إقامة المزيد من المستوطنات غير قانونية بالضفة الغربية، وتجنبت إدارته استخدام مصطلح ‹الأراضي المحتلة› المتعلق بالأراضي الفلسطينية. ناهيك عن أنه أظهر لامبالاة تامة تجاه حل القضية الفلسطينية، على الرغم من أنها تعد أكبر مصدر للتوتر ​​الإقليمي.

الأمر الذي أدى في محصلته إلى اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فور تنفيذ مقاتلي حماس والجهاد عملية عسكرية مباغتة ضد إسرائيل، في 7 أكتوبر 2023م، ولم يمض عليها وقت طويل حتى انخرط فيها محور المقاومة، بوصفه أحد خيارات إيران الاستراتيجية، حيث شن حزب الله هجمات تدريجية على إسرائيل من جنوب لبنان، تبعها إطلاق جماعة أنصار الله الحوثي صواريخ ومسيرات من مناطق سيطرتها بشمال اليمن، باتجاه إسرائيل، كما استهدفت حركة الملاحة المتجهة إليها عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. بينما استهدفت جماعات عراقية موالية لإيران القواعد الأمريكية. الأمر الذي أنذر بنشوب مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.

وعلى هذا، بدأ الصراع يتخذ أبعادا إقليمية أكثر تعقيدا؛ عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق، يوم 1 أبريل 2024م، أودى بحياة ستة عشر شخصًا، من بينهم العميد حرس ‹محمد رضا زاهدي› قائد عمليات فيلق القدس بسوريا ولبنان، وسبعة ضباط آخرين بالحرس الثوري. وردا على ذلك شنت إيران هجمات صاروخية على أهداف إسرائيلية بمدينتي أربيل بالعراق، وإدلب بسوريا. ثم شنت أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على إسرائيل، يوم 13 أبريل، لترد إسرائيل بقصف منشآت دفاع جوي وقواعد عسكرية داخل الأراضي الإيرانية، لتثبت أنها الدولة الوحيدة القادرة على ردع إيران وتدمير وكلائها بالمنطقة.

ومن ثم أخذت إسرائيل تستهدف كبار قادة محور المقاومة، فاغتالت ‹فؤاد شكر› (30 يوليو) ثم ‹إسماعيل هنية› أثناء وجوده بطهران (31 يوليو) وقبل أن تتاح لإيران أي فرصة للانتقام، نجحت في تفجير متزامن لأجهزة الاستدعاء والاتصال اللاسلكي، التي كانت بحوزة عناصر حزب الله في كل من لبنان وسوريا (19 سبتمبر) ثم شنت ضربة جوية مركزة (27 سبتمبر)أودت بحياة أمين عام حزب الله ‹حسن نصر الله› ومن معه من قادة الحزب، ونائب قائد عمليات الحرس الثوري العميد ‹عباس نيلفورشان› لتبدأ بعدها بشن هجوم بري على جنوب لبنان، (30 سبتمبر) وتكثف غاراتها الجوية على الضاحية الجنوبية، التي أود إحداها بحياة الأمين العام الجديد لحزب الله ‹هاشم صفي الدين› (3 أكتوبر) خاصة أن إيران سبق وشنت هجومها الثاني على إسرائيل (1 أكتوبر) دمرت فيه محطة رادارات وقواعد ‹نوفاتيم› و‹تلنوف› و‹هاتسريم› وفي المقابل، شنت إسرائيل ضربة جوية مركزة ضد ثلاث قواعد عسكرية إيرانية مهمة بمحافظات طهران وإيلام وخوزستان، يوم 26 أكتوبر.

التداعيات الاستراتيجية

مما لا شك فيه أن المواجهات التي جرت بالمنطقة على مدار عام كامل، لم تخل من دلالات خطيرة؛ مفادها:

أولا: أن القوى الفاعلة من غير الدول أصبحت الأداة الأهم في إدارة الصراع، وتشكيل أنماط القوة الإقليمية، حتى ولو كان ذلك على حساب منطق الدول وخارج نطاق التوازنات التقليدية. وأن هذه المواجهات أسفرت عن نتائج مباشرة، ولكنها سوف يكون لها تداعيات إقليمية أعمق على المدى البعيد. صحيح أنها أدت إلى تدمير البنية التحتية بقطاع غزة وجنوب لبنان وانخفاض حركة الملاحة البحرية وتدهور مناخ الاستثمار بشكل عام.

ثانيا: أن المواجهات العسكرية تركت تداعيات استراتيجية تتعلق بتشكيل نمط جديد للقوة الإقليمية. من حيث أنها برهنت على مدى تفوق القوة الجيوتقنية على القوة الجيوسياسية، وهو نمط جديد للمواجهة. تفوقت فيه إسرائيل، بوصفها قوة تكنولوجية، على إيران، بوصفها قوة متمتعة بمزايا جيوسياسية تفتقدها إسرائيل. لأن نفذت إيران عملياتها عبر حلفائها من غير الدول، بينما نفذت إسرائيل عمليات وقائية استنادا إلى تفوقها التكنولوجي. وعلى الرغم من ذلك لا تزال العامل الجيوسياسي مهما في تشكيل أنماط القوة الإقليمية. وقد تكون التكنولوجيا خففت من وزن المزايا الجيوسياسية، إلا أنها لم تتمكن من إزالتها بالكامل.

ثالثا: أن تحول إيران من استراتيجية الردع اعتمادا على حلفائها، إلى الردع استنادا إلى قدراتها الذاتية، وشن هجمات مدمرة على أعدائها، جسد رغبتها في التأكيد على أنها قوة إقليمية لديها طموحاته الإقليمية غير قابلة للردع، وأن قوتها الصاروخية التي نجحت في تجاوز أنظمة الدفاع الإسرائيلية هي عماد أمنها القومي، وأنها غير قابلة للتفاوض مستقبلا. وهو الأمر الذي زاد من رغبة إسرائيل والولايات المتحدة في تحييد هذه القوة، لتقليص خيارات إيران الإقليمية. وتحييد النظام السوري، بوصفه الحليف الاستراتيجي الوحيد لإيران بين الدول العربية، بعد سحق قوة حماس وحزب الله.

رابعا: أصبحت منطقة الشرق الأوسط مقبلة على توازن جديد للقوى وترتيبات لن يكون للنظام السوري أو العراقي أو حتى الإيراني جزء منها. خاصة أن التناقضات الداخلية بهذه الدول أدت إلى تدهور الاستقرار الإقليمي، مما أفسح المجال أمام زيادة النفوذ الروسي والصيني. وهو الأمر الذي سوف يجعل دونالد ترامب أكثر إصرارا على مواصلة مساعيه الرامية للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة منفردة على المنطقة، وعدم التسامح مع سلوك إيران المناوئ لها، أو لحفائها، أو أن يهدد أمن إسرائيل مرة أخرى. كما لن بتنظر حتى ترفع مستوى علاقاتها مع روسيا والصين إلى مستوى قد يهدد مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة.

خامسا: بما أن الولايات المتحدة هي الحليف الاستراتيجي الذي يوفر لإسرائيل الحماية الكاملة، فمن المحتمل أن يمنحها ترامب تفويضا في معالجة بعض القضايا الإقليمية التي تضمن لها الدفاع عن أمنها القومي ضد أي تهديدات قد تتعرض لها. وربما يجعل استهداف منشآت إيران النووية بأساليب غير تقليدية، أحد الخيارات لمنعها من امتلاك أسلحة نووية. بوصفه هدفا ثابتا أجمعت عليه كل الإدارات الأمريكية، ديمقراطية كانت أم جمهورية.

تكشف التصريحات التي أدلى بها دونالد ترامب نواياه الاستراتيجية تجاه إيران خلال المرحلة المقبلة، والتي أثارت مخاوف النخبة الإيرانية بشأن طبيعة الضغوط السياسية التي يمكن أن يمارسها ترامب ضد بلادهم، أو طبيعة العقوبات الاقتصادية التي يمكن يفرضها عليها. خاصة أنه قال في سبتمبر 2024م، التي قال إنه منفتح على اتفاق جديد مع طهران ‹لمنع الإيرانيين من الحصول على قنبلة نووية› وإعلانه في أكتوبر، عن تردده في خوض حرب مع إيران، مضيفا أن على إسرائيل أن ‹تضرب البرنامج النووي الإيراني أولا، ثم تقلق بشأن الباقي‹[4]

وتستند هذه المخاوف الإيرانية إلى عدد من الاعتبارات:

أولا: أن فرض أي عقوبات أمريكية جديدة على إيران لن تزيد من معاناتها بل سوف تشكل لها تهديدًا اقتصاديا لأنها، وإن كانت في السابق قادرة على التكيف النسبي مع العقوبات، إلا أنها لم تعد كذلك؛ خاصة أن نظامها الاقتصادي لا يزال يعتمد على عوائد النفط، ولا يزال في حاجة إلى حلول مبتكرة وفق مقاربات تساعد على إدخال إصلاحات جوهرية عليه وعلى تعديل نظامه المصرفي. [5]

ثانيا: أن مماسة أي ضغوط سياسية على إيران سوف يزيد الوضع الداخلي تعقيدا وغموضا، خاصة بعد أن نجحت إسرائيل في سحق فصائل محور المقاومة في كل غزة ولبنان، وتحييد الموقف النظام السوري ثم الإطاحة به، وتستعد للإجهاز على ما تبقى من قوة لدى وكلائها الآخرين في العراق. هو الأمر الذي قلص نفوذها الإقليمي وجعلها أمام خيارين: إما إعادة تشكيل سياستها الخارجية واستراتيجيتها الإقليمية على نحو لا يهدد أمن إسرائيل، ولا يناوئ المصالح الأمريكية ويرعوي لمتطلباتها، من ثم رفع العقوبات عنها والإفراج عن أرصدتها بالمصارف الدولية وإعادة إدماجها في السوق العالمية. أو الانهيار التام لنظامها الاقتصادي الذي يفضي سريعا إلى الإطاحة بنظامها السياسي

ثالثا: أن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه إيران اليوم، سوف تسهل مهمة واشنطن لإرغامها على القبول باتفاق تسوية لبرنامجها النووي، وفق الشروط الصارمة التي حددها ويصر عليها ترامب ويتمناها نتنياهو.

أن إيران موقف إيران أصبح أكثر تعقيدا وغموضا، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي،

انهيار النظام السوري

كان سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بوصفه آخر ركائز محور مقاومة، يوم 8 ديسمبر 2024م، نتيجة تلقائية للمواجه المباشرة بين إسرائيل وإيران، والتي أفقدت طهران آخر ما تبقى لها من نفوذ أو مصداقيته لدى القوى الحليفة لها. كما شكل فضيحة إقليمية لها نالت من صورته الذهنية التي ظلت ترسمها لسنوات طويلة. [6]

وقد أدى ذلك إلى تغير سريع في ميزان القوى في الشرق الأوسط، من حيث:

أنه قضى على نفوذ إيران وحزب الله في سوريا. وبالتالي سوف تقل التوترات الطائفية ومخاطر نشوب صراعات إقليمية. وعلى هذا سوف يستغل دونالد ترامب هذه الفرصة لانتهاج سياسة تساعد على ملء فراغ السلطة في سوريا، لتجنيبها الفوضى المحتملة، وعدم تحولها لساحة للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية.
أن تركيا أصبحت الدولة الوحيدة التي تحمل ورقة استراتيجية رابحة، وتتمتع بنفوذ اقتصادي ودبلوماسي وعسكري لا مثيل له، بحيث يمكنها التأثير على الاستقرار في سوريا
أصبح وجود لبنان ملتزم باتفاق الطائف وغير خاضع لسيطرة حزب الله، وسوريا غير متفقة مع إيران، تمثل فرصة لتل أبيب،
من المحتمل أن تصبح روسيا، في ظل الحرب في أوكرانيا، على وشك تقليص قاعدتها البحرية في المياه الدافئة بطرطوس، وقاعدتها الجوية بحميميم. ومن ثم قدرتها على المناورة في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط؛ بما مؤداه تقلص استراتيجيتها للتأثير على أجزاء أخرى من العالم[7]
أدخل سقوط نظام الأسد إلى قطع العلاقة الاستراتيجية بين إيران وحزب الله. وهو الأمر الذي أفقد إيران القدرة على الحفاظ على نفوذها بمنطقة شرق المتوسط، ​​مقارنة بتركيا وإسرائيل. خاصة أنه كان يوفر قناة مباشرة للنفوذ الإيراني بالمنطقة، وكان بمثابة الممر البري الآمن لتوصيل الإمدادات إلى حزب الله، فضلا عن أنه وفر موئلا للجماعات التي كانت تلعب دورا في تعزيز قدرة إيران على إدارة الصراع بهذه المنطقة.
قد يتنازل حزب الله عن قضايا مثل الانتخابات الرئاسية بلبنان، ويوافق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني. وعلى الرغم من هذا، فمن المحتمل أن يواصل أنشطته العسكرية بشمال الليطاني، بما في ذلك معسكرات التدريب في وادي البقاع، الأمر الذي قد يؤدي إلى شن إسرائيل هجمات، تضع الجيش اللبناني تحت ضغط لتنفيذ وقف إطلاق النار
أما أنصار الله الحوثي، فقد لا تتأثر بسقوط نظام الأسد؛ نظراً لطبيعتهم الأكثر استقلالية وأولوياتهم المختلفة، ومن المحتمل إما أن تصبح، في ظل ضعف نفوذ إيران الإقليمي، أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، أو أن تتحسن علاقات إيران مع السعودية والإمارات، فيتغير دورها. [8]
تعزيز قدرة الولايات المتحدة على الانفراد بعملية إعادة هيكلة القوة الإقليمية. خاصة أن سقوط نظام الأسد وفر لها ولحلفائها مزايا استراتيجية. يساعدها على القضاء التام على نفوذ إيران في سوريا. لا سيما إذا تولى نظام مؤيد للغرب وأقل ارتباطا بكل من إيران وروسيا. كما يمكنها من زيادة الضغوط العسكرية والسياسية على إيران في المرحلة المقبلة.
أن سوف يؤدي إلى تعزيز التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج، على نحو يقعد المحاولات الروسية لاستعادة مكانتها في سوريا. ولكنه قد يؤدي إلى زيادة المنافسة معها أيضا، مما قد يؤدي إلى مزيد من تصعيد التوتر بين القوتين العالميتين.
ومن المرجح أن يستأنف ترامب الترتيبات الإقليمية المتعلقة باتفاقات إبراهيم بين إسرائيل والدول العربية، والاتفاق مع السعودية على سرعة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وبالتالي فمن المحتمل أن يبرز تحالف أمريكي سعودي إسرائيلي قادر على تغيير توازن القوى الإقليمي والتأثير الجيوسياسي على منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي سوف يمثل تحديا خطيرا لإيران، وتجبرها على الإذعان للمطالب الأمريكية والقبول بالوضع الذي فرضته إسرائيل على إيران وحلفائها. على الرغم من أن المواجهات التي اندلعت في أكتوبر 2023م، ساعدت على أن تستعيد القضية الفلسطينية مركزيتها بالشرق الأوسط.
من المرجح أن تبقى القوات الأمريكية في سوريا بدعوى محاربة الإرهاب والقضاء على المسلحين

الاستجابة الإيرانية المحتملة

على الرغم من أن الحرس الثوري يلوح ليل نهار، بعد انهيار محور المقاومة، بأن إيران قد تلجأ لإعادة هيكلة استراتيجيتها الإقليمية، على نحو يجعلها تميل الخيار الأفضل بالنسبة لها وهو امتلاك الأسلحة النووية كوسيلة للردع. إلا أن من المرجح أن تضطر إيران للتكيف مع الواقع الجديد. بعد أن عززت تركيا وإسرائيل مواقفها. خاصة أن سقوط نظام الأسد فتح الباب أمام إسرائيل لشن أعنف هجمات جوية على القوات السورية للإجهاز على ما تبقى لديها من أسلحة استراتيجية؛ ومن ثم إخضاع النظام الجديد لها. كما دخلت الأراضي السورية للمرة الأولى، منذ عام 1973م، وسيطرت على منطقة حدودية مع سوريا؛ لمنع ظهور جماعات إرهابية تهدد أمنها القومي
على الرغم من انهيار محور المقاومة، يعد واحدة من أكبر الهزائم التي منيت بها إيران، منذ الحرب الإيرانية العراقية (1988-1988) إلا منصات الحرس الثوري لا تزال تلمح بأن المرشد الأعلى من عادته في وقت الأزمات، التروي حتى تهدأ العاصفة. وأن انتظاره للمقترحات لأمريكية والأوروبية، قد يكون مجرد غطاء لحماية البنية التحتية النووية الإيرانية المتوسعة من الهجوم، وليس للتوصل إلى اتفاق.[9]
سوف يؤدي انهيار محور المقاومة إلى تصاعد غير مسبوق للخلافات داخل مؤسسات النظام وتياراته. ناهيك عن تفاقم الغضب الداخلي، الذي قد يتطور إلى اندلاع احتجاجات واسعة، لن تهدأ حتى تطيخ بالنظام. خاصة أنه لم يجن أي فائدة من إنفاقه أكثر من 30 مليار دولار في دعم النظام السوري فقط، ومع هذا سقط وسوف يعقبه سقوط نظيره بالعراق وانهيار جماعة أنصار الله الحوثي باليمن.[10]
سوف يرتبط فشل إيران على الساحة الإقليمية الدولية ارتباطاً وثيقاً بإعادة توزيع الأثقال الداخلية، بحيث يميل الميزان إلى التيار الداعم لإقامة حوار تسوية مع الويات المتحدة والقوى الغربية. خاصة أنه يؤمن بأن هذا الحوار هو الفرصة الوحيدة لخفض التوتر مع الولايات المتحدة، وتفويت الفرصة على ترامب كي لا يفرض مزيدا من العقوبات على إيران، ومن ثم التوصل لاتفاق تُرفع بموجبه العقوبات عنها. وهذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز موقف القوى الموالية للغرب داخل البلاد. ومن المحتمل جدًا أن تدعمهم الولايات المتحدة في مرحلة ما، لتغيير السلطة. وبالتالي تزيد احتمالات عودة إيران إلى الحظيرة الإيرانية، وتسترد صفة الحليف الإقليمي للولايات المتحدة بالشرق الأوسط. وبهذا تفقد سوريا الركيزة الثانية بالمنقطة بعد سوريا.

التداعيات الاقتصادية

من المعروف أن الاقتصاد الإيراني في وضع هش وخطير بفعل العقوبات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية المستمرة بمنطقة الشرق الأوسط. إذ يعاني من ارتفاع التضخم لأكثر من 30% مما زاد من غلاء الأسعار وتفاقم أعباء المعيشة أمام تقلص قدرتهم الشرائية. كما يعاني من عجز مزمن في الميزانية، على نحو جعل الحكومة منهكة مالياً وغير قادرة على الاستجابة بفعالية للمعالجة الأزمة الاقتصادية. ونتيجة لهذه الضغوط المزدوجة، شهدت سوق العملات الأجنبية تقلبات حادة، وانخفاض مستمر في قيمة الريال أمام الدولار الأمريكي. الأمر الذي دفع المواطنين اقتناء الدولار والذهب بوصفها أصول أكثر أمانًا للحفاظ على قيمة أموالهم وما تبقى بحوزتهم من مدخرات.

وعلى الرغم من أن البنك المركزي لجأ إلى مجموعة من التدابير للحد من التضخم، فتدخل في سوق صرف العملة، وتحكم في سعر الفائدة؛ للسيطرة على السيولة بالأسواق، ومن ثم تقليل الطلب على القروض. كما وضع أسعارا مختلفة لاستيراد السلع الأساسية وغير الأساسية، غير أن هذه التدابير لم تمكن الحكومة من السيطرة على تقلب أسعار الصرف إلا بشكل مؤقت؛ نظرا لعدم قدرتها على اتخاذ تدابير أكثر استدامة؛ مما أدى إلى تفاقم عجز الميزانية؛ فاضطرت إلى استخدام الموارد المالية المحلية لتغطية هذا العجز، وطباعة المزيد من النقود لتوفير السيولة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل التضخم بانعكاساته السلبية على القطاع العام والرعاية الاجتماعية، وتوقف أو تأخر تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية.

إضافة إلى أن عزل إيران عن النظام المالي الدولي ‹سويفت› بوصفه أحد أهم شبكات الاتصالات المصرفية والمالية وتحويل الأموال الدولية، يعد من بين التحديات الرئيسية التي فرضت على نظامها المصرفي صعوبة في تنفيذ تبادلاته التجارية والمالية مع الدول الأخرى. وبالتالي كان من الطبيعي أن تلجأ البنوك الإيرانية إلى طرق غير رسمية وبديلة لإجراء معاملاتها الدولية. وأن يتبنى البنك المركزي سياسات جديدة، منها مراقبة الميزانية العامة للبنوك. غير أنها لم تساعد في الحد من الخلل الذي يعاني من النظام المصرفي. كما لجأت الحكومة إلى نظام المقايضة التجارية، واستخدام العملات المحلية بدلاً من الدولار في التبادل التجاري مع الصين ودول أخرى. وتنويع الأسواق أمام صادراتها وإيجاد شركاء تجاريين جدد في العراق وأفغانستان وتركيا وغيرها.

وبناء عليه، يمكن القول إن عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت ألأبيض سوف لها تأثير عميق على الاقتصاد الإيراني. خاصة أنه ثمة إجماع بين خبراء الاقتصاد الإيرانيين على أنه سوف يفرض، على الأرجح، عقوبات أكثر صرامة على إيران، تؤدي إلى إضعاف قاعدتها الاقتصادية، وخاصة صادراتها النفطية، مما قد يؤدي إلى انخفاض الدخل وانهيار سوق الأسهم، وانخفاض مستمر لقيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم. ومن ثم فقد أوصى هؤلاء الخبراء بضرورة بذل الجهود للتخفيف من تأثير العقوبات الحالية والمحتملة، عبر تعميق الشراكات مع الصين وروسيا، وتشجيع الابتكار المحلي والتقدم التكنولوجي. والأهم هو اتخاذ خطوات نحو خفض التصعيد مع إسرائيل، وأن تتبنى استراتيجية للخروج من الأزمات الإقليمية، والتخفيف من حدة التوتر مع الولايات المتحدة، والعمل على تسوية القضايا الخلافية معها التي من شأنها أن تؤدي إلى الرفع الدائم للعقوبات، ومن توفير المناخ المناسب للبدء في مرحلة الإصلاح الجوهري لاقتصاد البلاد.[11]

ويرجح كثير من الخبراء أن فترة ولاية ترامب الثانية سوف تشهد فيها الأسواق العالمية تقلبات تؤدي إلى زيادة سعر الدولار وارتفاع قيمة الذهب، وربما خلق حرب عملات بهدف زيادة أسعار العملات المشفرة مثل البيتكوين والدوجكوين. وربما تشهد أسواق الطاقة استقرارا نسبيا، وفقا لطبيعة التغيرات السياسية بالمنطقة[12]

يذهب آخرون إلى أن سياسات ترامب سوف تجلب على إيران تناقضات داخلية وخارجية خطيرة. خاصة أنه تبنى في فترة ولايته الأولى تدابير عدة، منها الانسحاب من بعض المعاهدات الدولية الخاصة بالبيئة، مثل معاهدة منع التلوث البلاستيكي (INC) ومن الاتفاق النووي مع إيران، والتصريح باستخراج النفط الصخري، وحاول تعزيز الصناعات المحلية.  وفرض مزيدا من الضرائب على الأثرياء. وبما أنه وصل إلى السلطة مرة أخرى، بموجب وعوده بتقديم الدعم الاجتماعي للطبقات العاطلة والعاملة المتضررة من تراجع التصنيع. فمن المحتمل أن تشهد الولايات المتحدة، خلال فترة ولايته الجديدة نفس التناقضات الداخلية، التي ربما تدفعه إلى إثارة الحروب على المستوى العالمي. وبناء عليه ناشد جميع الخبراء كل مسئولي إيراني، من باب الواجب الوطني أن يبقي قضية إيران بعيدة عن أيدي هذا الرجل المجنون قدر الإمكان.[13]

الاستجابة الإيرانية المحتملة:

تصبح استراتيجية الاستجابة الاقتصادية التي قد تتبناها إيران لمواجهة العقوبات والضغوط الجيوسياسية ذات أهمية خاصة؛ من حيث أنها سوف تكون ذات نظام متعدد الأبعاد لا يكتفي بتعميق التعاون مع الصين وروسيا، ولكنها سوف تتضمن تعديل استراتيجيتها المتعلقة بتصدير النفط للبقاء في أسواق الطاقة العالمية، وتعديل سياساتها الاقتصادية لتخفيف وطأة العقوبات على الداخل. إلى جانب إعادة التخطيط الاستراتيجي لنفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، في ظل المستجدات التي طرأت على عمقها الاستراتيجي بمنطقة غرب آسيا، ومتغيرات البيئة الدولية. إن هذه التدابير ليست مجرد استجابة للضغوط الخارجية، ولكنها أيضاً استكشاف حلول مبتكرة لأزمات الداخل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا الإطار، ذكر أحد خبير الطاقة الإيرانيون أنه بما أن اقتصاد إيران يعتمد بشكل كبير على النفط ومكثفات الغاز، فمن المرجح أن يفرض ترامب مزيدا من العقوبات التي تقلص صادراتها النفطية. على نحو يفقدها حوالي 20٪ في دخلها من النقد الأجنبي، وما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة؛ تضطر معها الحكومة إلى اللجوء إلى الأسواق المحلية وزيادة الضرائب، وخفض دعم الطاقة، وطباعة الأوراق النقدية لتأمين الموارد المالية. ولكن قد انخفاض صادرات النفط ومكثفات الغاز، إلى دعم إنتاج المنتجات البتروكيماوية على نحو يمكن أن يؤدي إلى نمو صناعة البوليمرات نظرًا لأنها أكثر مرونة في مواجهة العقوبات، خاصة أن صادراتها هي والمنتجات البلاستيكية لن تتأثر بشدة، في ظل سياسة ترامب تجاه بعض المعاهدات الدولية، وخاصة معاهدة منع التلوث البلاستيكي (INC) وربما يكون ذلك في صالح اقتصاد إيران ودول الخليج. [14]