الرئيسية » الدراسات » القوات المصرية في الصومال وأزمة تمويل بعثة الإتحاد الأفريقي

القوات المصرية في الصومال وأزمة تمويل بعثة الإتحاد الأفريقي

بواسطة :

أولا: التحديات:

أولا: الحاجة إلى توفير 96 مليون دولار، رواتب البعثة القديمة عن يناير/يوليو 2025م، إضافة إلى 150 مليون دولار شهريا للبعثة الجديدة، لم تتمكن مفوضية الاتحاد الأفريقي من توفير سوى 16.7 مليون دولار من إجمالي المبلغ

ثانيا: الحاجة إلى إضافة 8000 جندي لقوة البعثة، وتعزيز الأسلحة والمعدات؛ لأن التخفيض المتتالي للبعثات لإحلال القوات الصومالية محلها، انتهي بانسحاب الأخيرة من مواقعها -خاصة الريفية؛ نظراً لافتقارها للتسهيلات والخدمات. إضافة إلى التوترات السائدة بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات، فضلا عن الافتقار للتجهيزات والدعم اللوجستي الذي كانت تتمتع به قوات البعثة، وعدم انتظام صرف رواتب الميليشيات العشائرية التي يعتمد عليها الجيش.

ثالثا: ضرورة تشكيل «قوة خاصة للاستجابة السريعة» لمواجهة الحوادث الأمنية الطارئة.

رابعا: حتمية الانتشار في مناطق صعبة، أصبحت مهددة بالسقوط في يد «حركة الشباب المجاهدين» الموالية لتنظيم القاعدة.

خامسا: الحاجة للتنسيق بين قوات البعثة والقوات الصومالية والأجنبية الأخرى العاملة ضد الحركة.

سادسا: حتمية تطوير استراتيجية حماية المقار العسكرية، للانتقال نحو تخطيط وتنفيذ عمليات هجومية بدعم الجيش الصومالي.

ثانيا: الأصداء:

وبناء عليه، حذر «سيفويل بام» القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي، في إفادته أمام مجلس الأمن منتصف أبريل الماضي، من أن «الوضع المالي للبعثة الجديدة خطير للغاية، ويهدد وجودها ذاته» مؤكدا الحاجة إلى سرعة حل مشكلة التمويل، حتى يتسنى نشر القوات في موعدها. أما الولايات المتحدة، فقد رفضت خطة الأمم المتحدة لتمويل العملية، لسبب غير معلن، يرجع الى خطة الرئيس ترامب تقليص النفقات، التي قللت بدورها التواجد الدبلوماسي بأفريقيا، وأنهت أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية USAID.

ومن جانبه، شنّ وزير خارجية الصومال «أحمد معلم فقي» هجومًا لاذعًا على «سيفويل بام» الدبلوماسي الجنوب أفريقي، إلى حد اتهامه بالتعاطف مع حركة الشباب، وإرسال تقارير متحيزة تعرقل التمويل؛ وتوعد بطرده، في مغازلة سقيمة للولايات المتحدة التي طردت سفير جوهانسبرج من واشنطن.

والحقيقة أن عدم تدبير تمويل البعثة المذكورة يعود الى تراجع العلاقات بين رئاسة الصومال والشركاء الداعمين، نتيجة قلق المانحين الغربيين من تعمق الانقسام الوطني، وقيام الرئيس ‹شيخ محمود› بتسيس ملف الأمن، وتهميش الولايات أعضاء الاتحاد الصومالي؛ على نحو زعزع الإجماع الوطني الهش. فضلا عن عدم استجابته لتوسيع نطاق الشمولية السياسية والمشاورات الداخلية لاستيعاب القوى الوطنية بما فيها المتمردة، بما يضمن انهاء التوترات السياسية.

ثالثا: التداعيات

تسبب انتهاء عمل البعثة السابقة، وشلل البعثة الجديدة، في فراغ أمني شجع حركة الشباب على شن هجوم في مناطق ‹شبيلي› الوسطى والسفلى و‹هيران› وسط الصومال، في 20 فبراير 2025م، وأطلقت على هذا الهجوم اسم «عملية رمضان» الذي استهدف معسكرات الجيش، وميليشيات عشيرة «معاويسلي» المتحالفة معه، ومقر بعثة الاتحاد الإفريقي. وذلك ضمن خطة استهدفت أيضا تطويق العاصمة الصومالية ‹مقديشو› واستعادة الأراضي التي فقدتها الحركة؛ نتيجة نجاح الهجوم المشترك الذي شنه الجيش بدعم قوات الاتحاد الأفريقي، عام 2022م خاصة ما يتعلق بالمدن الاستراتيجية وطرق الإمداد.

كما استهدفت الحركة بالسيارات المفخخة مواقع رئيسية مثل بلدة «بلعد» بمحافظة شبيلي الوسطى، على بعد 36 كيلومترًا شمال شرق العاصمة مقديشو، في أواخر فبراير، وتمكنت من السيطرة المؤقتة على عدة بلدات تبعد قرابة 50 كيلومترا من العاصمة. الأمر الذي أثار القلق بين سكان مقديشو، وتسبب في إثارة شائعات عن احتمال استهدافهم. غير أن قوات الجيش والميليشيات القبلية نجحتا في التصدي للهجمات وطرد مقاتلي الحركة، بالاستعانة ببقايا القوة الإثيوبية التي تتمركز في الصومال منذ سنوات، واستمر بقاؤها نتيجة نجاح المصالحة بين الدولتين. فضلا عن استهداف طيران القيادة الأميركية في إفريقيا لمواقع المتمردين.

وقد نجا الرئيس الصومالي ‹حسن شيخ محمود› من محاولة اغتيال نفذتها حركة الشباب، في 18 مارس 2025م، عندما استهدفت موكبه بعبوة ناسفة زرعتها على جانب الطريق بالقرب من القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو. وزعمت الحركة أن 8 أشخاص قتلوا على الأقل بينهم مدنيين، بينما أكدت رويترز مقتل أربعة فقط. وتعد هذه المحاولة أول استهداف مباشر للرئيس محمود، منذ عام 2014م، خلال فترة ولايته الأولى، عندما تعرض الفندق الذي كان يلقى فيه خطابا. وقد حاول توظيف الواقعة لدعم شعبيته، بمشاركته في غرفة العمليات الميدانية التي تدير الحرب، تعزيزا لمعنويات القادة والمقاتلين.

وقد أكدت وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية -المعنية بالتنسيق مع جهات الاسناد الجوي العسكري- يوم 21 مارس مقتل 82 عنصراً وإصابة 19 من حركة الشباب، بينهم عدد من القادة الميدانيين، نتيجة لغارات جوية نفذتها الوكالة بالتنسيق مع الطيران الأمريكي في محافظة ‹شبيلي السفلى› بجنوب البلاد، وذلك ردا على الهجمات التي شنتها الحركة على قاعدتين تابعتين للجيش في منطقتي «سبيد» و«عانولي» بإقليم «شبيلي السفلى» المجاور للعاصمة مقديشو.

وفي المقابل، استهدفت حركة الشباب مطار «آدم عدي» الدولي بقذائف «هاون» يوم 6 أبريل 2025م، ما أدى لتحويل مسار طائرة تركية إلى جيبوتي، وإلغاء رحلة مصر للطيران، وتعطيل مؤقت للرحلات الدولية. وقد أكدت بعثة الاتحاد الأفريقي أن القذائف الموجهة للمطار استهدفت معسكر «هالاني»، المحصن قرب مقديشو، الذي يضم مكتب الأمم المتحدة وبعض الوكالات الإنسانية والبعثات الأجنبية، لكن القذائف سقطت في منطقة مفتوحة بالمطار.

ثم اندلعت المعارك العنيفة، في 8 أبريل، بين القوات الفيدرالية ومسلحي حركة الشباب في بلدة «أبوري» بإقليم هيران وسط الصومال، وكان من بين ضحاياه «أسد عثمان أفرح» قائد قوات «دنب» الخاصة بولاية «غلمدغ»، وهي القوات التي تولت تدريبها الولايات المتحدة. وقد تمكن مقاتلو الحركة من السيطرة على البلدة بعد يوم واحد من استعادة القوات الحكومية لها.

وكان الجيش والميليشيات العشائرية المتحالفة، يستخدمان بلدة «عدن يابال» الإستراتيجيةً كنقطة انطلاق لشن هجمات مضادة للحركة بمنطقتي شبيلي الوسطى وهيران وسط الصومال، البلدة تبعد نحو 245 كيلومترا شمال مقديشو، وبها قاعدة عسكرية رئيسية ومركز لوجستي، زارها الرئيس ‹محمود› في مارس لعقد لقاء مع القادة العسكريين؛ لبحث احتياجاتهم من الدعم والتعزيزات.. وقد تمكنت حركة الشباب منتصف إبريل من اجتياح 10 منشآت عسكرية، والسيطرة عليها.

وعلى الرغم من نجاح الجيش في استرداد «عدن يابال» بدعم جوي من القيادة الأمريكية في إفريقيا، إلا أن مقاتلي الحركة واصلوا تقدمهم في الضواحي لتطويقها، ما دفع الحكومة لدعم قوات الجيش بعناصر من الشرطة وحرس السجون، لمواجهة الهجوم. لكن استخدام الحركة للقاذفات المحمولة على شاحنات وتفجير عبوات ناسفة، سمح لها بالاختراق نحو وسط المدينة من عدة محاور، ما اضطر القوات الحكومية للانسحاب. بعدها قصفت الحركة مقر المخابرات في مقديشو، يوم 19 أبريل، وخرج الرئيس الصومالي يخفف من وطأة سقوط «عدن يابال» مؤكدا «إن سيطرة الحركة على بلدة واحدة لا يعني انتصارها، فهذه معركة ضمن حرب»، مستندا الى أن المدينة كانت تحت سيطرة الحركة، منذ عام 2016م، لكن القوات الحكومية استعادتها في هجوم كبير بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأفريقي، خلال ديسمبر 2022.

رابعا: الوضع الراهن:

بناء على التطورات المشار إليها سلفا، يمكن القول إن الموقف العسكري في الصومال يزداد تأزما؛ نظرا لأن مشكلة تمويل قوات الاتحاد الأفريقي، التي تدعم الجيش ميدانيا وتحول دون تمدد مقاتلي حركة الشباب، فتحت ثغرات دفاعية عميقة أجادت الحركة استغلالها وحققت مكاسب ميدانية. خاصة أن مهمة القوات التركية تقتصر على تدريب الضباط والصف والجنود التابعين للجيش، وتأمين السواحل الصومالية، والتنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما مناصفة مع الحكومة!! بينما تفرغت القوات المصرية، التي تعمل في إطار اتفاق التعاون الثنائي، لإعادة هيكلة قوات الجيش، والتدريب على تناسق أنشطة تشكيلاته الميدانية وأسلحته المختلفة، وإدارة العمليات، والتدريب على الأسلحة الجديدة التي تم تزويد الجيش الصومالي بها. أما الجزء الآخر من القوات المصرية الذي يعمل ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي فكان ينتظر حل إشكالية التمويل.

أما فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الصومال، والمزمع إجراؤها خلال مايو 2026م، قد تكون الفرصة الأخيرة للرئيس شيخ محمود لخوض الانتخابات بثقة، وأن كان الطريق الأضمن لحسم الانتخابات مبكرا لصالحه هو تحقيق المصالحة الوطنية، واحتواء الولايات المتمردة. وهذا لن ينعكس فقط على تحسن الأوضاع الأمنية، بل سوف يعزز ثقة الجهات الدولية المانحة، التي لا يمكن الاستغناء عن دورها سواء في المجال الاقتصادي والمالي أو الدعم السياسي والعسكري.

وهكذا، فإن الموقف في الصومال يصعِّب مهمة القوات المصرية، ولكن الأصعب والأسوأ من ذلك أن نترك الصومال المطل على المدخل الجنوبي لقناة السويس ليقع تحت سيطرة جماعة إرهابية تربطها بجماعة أنصار الله الحوثية باليمن تنسيق وتعاون استراتيجي، ما يمكنهما من تهديد الملاحة البحرية ووقف المرور عبر قناة السويس. ومصر مسئولة عن المساهمة في أمن الإقليم المؤثر على الملاحة الدولية سواء في مياه البحر الأحمر، أو خليج عدن والمحيط الهندي، مهما كلفها ذلك، لأنه يمثل أحد المتطلبات الرئيسية لأمنها القومي.