الرئيسية » الدراسات » السلام بالقوة (1)

السلام بالقوة (1)

بواسطة :

وفي بعد آخر يتعلق بمشاركة ترامب شخصيا في تضليل إيران، أعلن عن ضرورة البدء المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، ويبدو أن انطلاق هذه المفاوضات كانت بمثابة تدشين لعملية تضليل مدروسة شارك بها الرئيس الأمريكي بنفسه، بداية من إعلان شهرين مدى زمني محدد لاكتمال المفاوضات، وصولا إلى لرسالة التي بعث بها البيت الأبيض لحلفاء واشنطن، قبيل شن الهجوم الإسرائيلي على إيران بساعة، ومفادها: أن إسرائيل على وشك مهاجمة إيران وأن الولايات المتحدة ليست متورطة وأن الرئيس ترامب يريد السلام. وبما ان البيت الأبيض يعلم جيدا أن هذه الرسالة سوف تصل طهران في الوقت الحقيقي، فلسوف يخرج بعدها ترامب على وسائل الإعلام ليعلن رفضه أي هجوم على إيران.
الهجوم
ومن المعروف أن تدمير البرنامج النووي الإيراني أحد المطالب الإسرائيلية على مدار السنوات الماضية، لكنه لم تحظ بموافقة أي رئيس أمريكي، الا أن الاتفاق بين نتنياهو وترامب، منذ فترته الرئاسية الأولى، على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فانسحبت إدارة ترامب من اتفاق (5+1) الموقع عام 2015م، الأمر الذي منح إسرائيل قوة دفع لأن تبدأ في تنفيذ عمليات نوعية معقدة في عمق الداخل الإيراني، فسطت على أرشيف برنامجها النووي والصاروخي، وأخذت في تصفية العلماء والمهندسين، وعلى رأسهم أبو البرنامج النووي محسن فخري زاده
أما اليوم، فقد كانت نتائج الضربة الاستباقية المباغتة التي نفذتها القوات الإسرائيلية ضد منشآت إيران النووية الاستراتيجية ومصانع الذخيرة والصواريخ والمسيرات، ومنصات الدفاع الجوي ومحطات الرادار وقواعد الحرس الثوري الرئيسية، ناهيك عن قيادات الحرس الثوري العليا وعلماء ومهندسي البرنامج النووي والصاروخي. مثيرة لشهية نتنياهو وترامب الى رفع سقف أهدافهما ليتجاوز تدمير برنامج إيران النووي وتدمير برنامجها للصواريخ البالستية؛ لضمان أمن إسرائيل وتعزيز نظرية الأمن الإسرائيلي، إلى إحداث تغيير بنيوي في النظام الإيراني.
تغيير النظام
يتطلب تغيير النظام في طهران تخصيص قوات وموارد كبيرة، لا تستطيع إسرائيل توفيرها بمفردها ولكن منظومة من العمل المشترك مع الأجهزة الامريكية والأوروبية يمكن ان تشكل لبنة أساسية للتغيير، على ان أي تغيير يجب ان يتم التمويه عليه بحيث لا يظهر على انه قادم على دبابة أمريكية او إسرائيلية لضمان نجاحه، لذلك لن يتحقق التغيير بهذه السرعة ولكن سيعتمد بشكل أساسي على المخرج لهذه الحرب.
يمكن للمتابعين لطبيعة الضربات الإسرائيلية ان يدركوا انها تستهدف بالإضافة الى القوة الباليستية أيضا مفاصل الحكم من الحرس الثوري وأجهزة الامن الداخلية وحتى وسائل اعلامه، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي.
وقد تعد استجابة الإيرانيين للإخلاء من العاصمة وبشكل كثيف مؤشرا لعدم الثقة بقدرة النظام على حمايتهم في بيوتهم وهذا بحد ذاته يشكل الصدع الأول في العلاقة مع هذا النظام.
وعلى الرغم من تصريحات نتنياهو ودعوته للإيرانيين بالتخلص من النظام لن يجد استجابة الان، ولكن التغيير القادم سواء من داخل النظام، أو من جراء ضغوط الجماهير هو نتيجة حتمية ولكن بعد هذه الحرب.
في ظل هذه الصورة من الواضح أن النظام الإيراني يرى في الهجوم الإسرائيلي تهديدا وجوديا وسيبذل كل ما في وسعه لإفشاله، مع الاستمرار في محاولة ردع الولايات المتحدة دون الانجرار الى مواجهة مباشرة معها.
تغيير المفاهيم
يبدو أن عملية 7 أكتوبر شكلت تغييرا استراتيجيا في المفاهيم لدى إسرائيل خصوصا التهديد الإيراني، فلم يعد الاكتفاء بالردع ولكن التحرك الى تغيير الواقع بالقوة في ظل الدعم الواضح من وجود الرئيس الأمريكي ترامب، بدلا من الانجرار الى حروب استنزاف كما حدث طوال السنوات الماضية مع حزب الله وحماس.
أثبتت الحرب التي تخوضها إسرائيل خلال الفترة الماضية تغيير الكثير من المفاهيم التي تم تداولها لسنوات طويلة، مثل عدم القدرة على الحرب لفترات طويلة وعدم تحمل الخسائر البشرية، وهذه الشهية المفتوحة لليمين الإسرائيلي تشكل خطورة على المنطقة وعلى القضية الفلسطينية وهذا هو التحدي الحقيقي الذي ستواجهه الدول العربية بعد انتهاء هذه الحرب مما يستدعي مقاربات مختلفة وبناء استراتيجيات مشتركة تحمي المنطقة من مستقبل أكثر قتامة.
المفاتيح
ان مفتاح مواصلة الحرب بالنسبة لإسرائيل ضد إيران هو مدى انخراط الولايات المتحدة، رغم كل الضربات التي قامت بها إسرائيل، والتي تؤخر البرنامج النووي لفترة طويلة وتعيق تطوير المشروع الباليستي لفترة كبيرة، لكنها تظل إنجازات محدودة زمنيا، وبالتالي فإن الضمان الوحيد الذي يراه الإسرائيليون هو بيد الإدارة الامريكية سواء بإخضاع إيران لاتفاق يحد من قدرتها بدون فترة زمنية، أو ضربة عسكرية تنهي البرنامج المدفون في أعماق الجبال (فوردو) وأشباهه، والعمل لاحقا على دعم تغيير النظام في إيران.
السيناريوهات المتوقعة
1- قبول الإيرانيين بالشروط الامريكية وانهاء الحرب وهذا يعني ان التخصيب والمنشآت النووية ستكون بيد الولايات المتحدة، وهذا سيشكل بداية لتغيير واسع ولكن من قلب النظام وليس من خارجه.
2- توجيه ضربة أمريكية لقلب المشروع النووي الإيراني، بما فيها المنشآت المدفونة بأعماق كبيرة (فوردو) وإدخال البلاد في حالة فوضى تسهم في تقوية أطراف في الجيش الإيراني للسيطرة، بدلا من الحرس الثوري، وإحداث تغيير من قلب النظام.
3- تدمير المشروع النووي بكامله وبقاء النظام ضعيفا منهكا مع الاستمرار باستراتيجية العمل المفتوح أي توجيه ضربات كلما كان هناك ضرورة مع تشديد الحصار وإعادة العقوبات بشكل أكثر صرامة حتى يحدث التغيير المطلوب داخل إيران.

 

الخاتمة
سقوط صورة النظام الإيراني كفاعل إقليمي قوي، في ظل أزمة خلافة المرشد (التهديد باغتياله) وانهيار رمزية الثورة الإسلامية واستياء الإيرانيين من سلطة الفقهاء بشكل عام، كل هذا يؤدي بوضوح الى أن استمرار هذا النظام بنفس الصورة الحالية والبنية والإيدلوجية أمرا مستبعدا وأن التغيير من الداخل قادم لا محالة.