الرئيسية » الدراسات » السياسات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية

السياسات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية

بواسطة :

ولهذا تُشير جملة من التحليلات العميقة والمؤشرات الداعمة إلى أن السياسات الإسرائيلية الحالية تجاه الضفة الغربية قد تجاوزت مجرد السيطرة الأمنية إلى تطبيق ممارسات تُجسد ما يُمكن وصفه بمخطط منهجي لتفكيك البنية الفلسطينية على المستوى الاجتماعي وإضعاف لحمته الاجتماعية، وإضعاف مؤسساته السياسية بغرض الإجهاز على أي فرصة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات سيادة. وتتمثل السياسات الإسرائيلية في جملة من الممارسات، أهمها ما يلي:
أولا: نقل تبعية المؤسسات الفلسطينية، خاصة التي تُقدم الخدمات الأساسية، إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية:
ويمثل هذا الإجراء تهديدًا مباشرًا ووجوديًا لمشروع الدولة الفلسطينية. لا سيما أنه يهدف إلى:
1- تجريد السلطة الفلسطينية من صلاحياتها: لتصبح مجرد هيكل شكلي بلا سلطة حقيقية على الأرض، وتُفقد قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين.
2- خلق واقع جديد على الأرض، بترسيخ السيطرة الإسرائيلية الفعلية على الأراضي الفلسطينية، وتُصبح الإدارة المدنية هي المرجع الوحيد لتقديم الخدمات للمواطن الفلسطيني، مما يُقوض أي تصور لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.
3- دفع السكان للاعتماد على الاحتلال، خاصة عندما تُصبح الخدمات الأساسية (مثل المياه والكهرباء والتصاريح) بيد الاحتلال ويُصبح الفلسطينيون مُجبرين على التعامل مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، مما يُضعف ارتباطهم بالسلطة الفلسطينية ويُقلل من قدرتهم على مقاومة هذا المحتل الغاصب لأراضيهم.
ثانيا: خلق بديل ميداني للسلطة الفلسطينية:
إذ تُشير الدلائل إلى أن إسرائيل تستهدف خلق هذ البديل عبر أدوات ناعمة مثل البنية الإدارية والخدمية. بوصفها واجهة ‹إنسانية› أو ‹خدمية› تُخفي وراءها أهدافًا سياسية أبعد من ذلك، منها:
1- ملء الفراغ الإداري: في المناطق التي تُضعف فيها السلطة الفلسطينية، بحيث تُسارع الإدارة المدنية لملء هذا الفراغ عبر تقديم الخدمات، التي من شأنها خلق نوع من الارتباط بين المواطن الفلسطيني والإدارة الإسرائيلية المحتلة لأرضه.
2- تغيير الولاءات: عبر جعل الفلسطينيين يرون في الإدارة المدنية الإسرائيلية المصدر الوحيد لتوفير خدماتهم وتلبية احتياجاتهم، وبالتالي تغيير ولائهم تدريجيًا، بمرور الوقت وتتابع الأجيال، بعيدًا عن دولتهم المستقلة وسلطتها الحالية.
ثالثا: محاولات الاحتلال لاختلاق الخلافات وزرع الفتن بين العشائر الفلسطينية:
وتمثل هذه المحاولات جزءا من استراتيجية ‹فرق تسد› الرامية إلى تفكيك التماسك الاجتماعي الفلسطيني خاصة أن الاحتلال يدرك أن العشائر نمثل جزءًا أصيلًا من البنية المجتمعية، وأن للعشائر أدوار تاريخية فاعلة في حل النزاعات وتوحيد الصفوف. ولهذا يسعى الاحتلال من وراء تلك المحاولات إلى تحقيق ما يلي:
1- تفتيت الوحدة المجتمعية: عبر إضعاف قدرة العشائر على العمل الاجتماعي المشترك ومواجهة سياسات الاحتلال.
2- إيجاد ‹شركاء› محليين: سواء بتقديم تسهيلات، أو أموال، أو إغراء بنفوذ، بهدف خلق بدائل محلية للسلطة الفلسطينية تكون موالية للاحتلال أو متعاونة معه. بهدف إضعاف القيادة الفلسطينية المركزية وخلق نقاط ارتكاز إسرائيلية داخل المجتمع الفلسطيني نفسه.
3-تقويض روح المقاومة الشعبية: خاصة أنه عندما تصبح العشائر منقسمة ومتخاصمة، تُصبح قدرتها على تنظيم أعمال المقاومة الشعبية، أو دعمها أقل فعالية.
ومع هذا، يمكن القول إن المجتمع الدولي لا يزال ملتزم للصمت المطبق حيال الممارسات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، حتى في ظل توفر الصور الواضحة التي تقدمها تقارير المنظمات الدولية وحقوق الإنسان، وتصريحات الدبلوماسيين، لما يحدث على الأرض. ولكن ربما يكون مرد هذا الصمت الدولي للعوامل التالية:
1- المصالح السياسية والاقتصادية: تُفضل العديد من الدول الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل لأسباب سياسية واقتصادية، مما يجعلها تتجنب ممارسة ضغط حقيقي عليها.
2- نفوذ اللوبيات المؤيدة لإسرائيل: تمارس مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل نفوذًا كبيرًا في العديد من العواصم الغربية، مما يُقيد قدرة الحكومات على اتخاذ مواقف صارمة.
3- الانقسامات الدولية: إذ تُعاني الساحة الدولية من انقسامات حول كيفية التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما يُعيق اتخاذ موقف موحد وفعال.
4- الاعتقاد بأن الوضع معقد: إذ تُبرر بعض الدول عدم اتخاذ إجراءات بحجة أن الوضع معقد ويتطلب “حلولًا سياسية” لا “إجراءات قسرية”.
5- التركيز على قضايا أخرى: في ظل تعدد الأزمات الدولية، قد تُعطى الأولوية لقضايا أخرى، مما يُقلل من الاهتمام بالوضع في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات، لا تزال توجد فرصة لإعادة ترتيب أوراق الداخل الفلسطيني، سياسيًا ومجتمعيًا، لمواجهة السياسات الإسرائيلية، التي تتطلب استراتيجية متكاملة، تعزز الصمود الداخلي، وتوحد الجهود الفلسطينية وتفعل الدعم الدولي. وذلك من خلال ما يلي:
  • إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وهو الخطوة الأولى والأكثر أهمية لمواجهة الممارسات والمخططات الإسرائيلية.
  • تعزيز صمود المجتمع المحلي من خلال دعم المبادرات المحلية، وتعزيز التكافل الاجتماعي، وتوفير الدعم القانوني للمتضررين من سياسات الاحتلال.
  • تفعيل المقاومة الشعبية السلمية بوصفها أداة قوية تُمكن الفلسطينيين من استعادة زمام لمواجهة الاحتلال وسياساته.
  • إعادة بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتعزيز صمودها
  • تطوير خطاب سياسي موحد يكشف المخططات الإسرائيلية ويحشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية.