الرئيسية » الدراسات » وضع الأمن الإقليمي في ضوء المواجهات الإيرانية الإسرائيلية

وضع الأمن الإقليمي في ضوء المواجهات الإيرانية الإسرائيلية

بواسطة :

  • التدخل العسكري في دول الإقليم: وذلك عقب عملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس، في 7 أكتوبر 2023م، ضد إسرائيل، وأدت إلى الحرب في غزة، واتساع دائرة الصراع الإسرائيلي مع الجماعات المدعومة من طهران من لبنان إلى اليمن (1) إذ شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية التي أدت إلى تدمير جانبا كبيرا من البنية التحتية العسكرية السورية (2) مما أدى إلى تحييد العديد من الفاعلين من معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. (3)
  • انتقاص السيادة وبروز الدولة العاجزة: أدت العمليات الإسرائيلية المكثفة ضد كل من اليمن ولبنان وسوريا وإيران، إلى انتقاص سيادة هذه الدول وإضعاف نظم الحكم فيها، وظهور ما يمكن أن نسميه ‹الدولة العاجزة› كما في إيران وسوريا، أو ‹الدولة المنقسمة على نفسها› كما في اليمن ولبنان، في مقابل ظهور الجماعات المسلحة التي تعمل خارج الأطر النظامية للدولة، في تجسيد لانقسام السياسي قد يمهد لوجود تغييرات كبيرة في طبيعة السلطة الحاكمة في كل من سوريا واليمن وليبيا (4)
  • الهيمنة على دول الإقليم: سعت إسرائيل إلى تغيير المعادلات الأمنية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وتشكيل نظام إقليمي جديد قائم على الهيمنة الأمنية على دول الإقليم، بهدف تحييد التهديدات الأمنية، والتحكم بشكل أساسي في الأنظمة القائمة في دول الإقليم، عبر عدة وسائل أبرزها الاختراق الاستخباراتي، وأضعاف البنى التحتية العسكرية (5) ويعد النظام السوري أبرز الأمثلة لهذا؛ إذ بقي، ولأول مرة منذ عقود، على هامش المواجهات الإسرائيلية الإيرانية. فقد أفادت بعض التقارير أن المقاتلات الإسرائيلية تُزوّد ​​بالوقود فوق شرق سوريا لتُنفذ ضرباتها في عمق الأراضي الإيرانية. (6)
  • تجاوز قواعد الاشتباك التقليدية: يشير التصعيد الأخير إلى الابتعاد عن قواعد الاشتباك التقليدية، التي سادت منذ نوفمبر 2023م، وقد حدث هذا التحول على عدة مستويات. أولها الانتقال إلى الاستهداف المباشر. إذ عمد الجانبان لتنفيذ عمليات محددة في الأعماق الاستراتيجية لبعضهما البعض. بينما ينعكس ثانيها في بيانات الطرفين الرسمية، التي كانت معبرة عن تفاقم المواجهات بينهما. ومع هذا، تجنبا الدخول في حرب استنزاف مفتوحة، مع مراعاة العوامل الإقليمية والداخلية لكل منهما. (7)
  • تحول الهدف الاستراتيجي للعمل العسكري: فاستراتيجية إسرائيل العسكرية تنص على أن الهدف الرئيسي لعملياتها يتمثل في خلق وضع يضطر فيه العدو إلى الموافقة على ترتيبات سياسية جديدة. غير أن الاستراتيجية التي نفذتها قامت على تنفيذ عمل عسكري يخلق واقع سياسي ينبغي التمسك به. مثلما يحدث في غزة، فبدلاً من تقليص قدرات حماس، عمد الجانب الإسرائيلي إلى استئصال حركة حماس والجماعات المماثلة لها بالكامل. (8)
  • استخدام القدرات السيبرانية في فرض هيمنتها إقليمياَ: تسعى إسرائيل إلى فرض الهيمنة على الإقليم اعتماداً على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والقدرات السيبرانية على أرض المعركة مثل المسيرات وأنظمة الدفاع الصاروخي وتقنيات الذكاء الاصطناعي وهو ما يسمح لها بإبراز نفوذها دون التخلي عن أدوات القوة التقليدية، مما يمنحها تفوقا إقليميا. وتعد هشاشتها الديموغرافية وعدم وجود عمق استراتيجي لها، الدافع لسعيها الدائم للسيطرة على الإقليم وتحييد خصومها. (9)
موقف الأطراف الدولية والإقليمية:
يعد الموقف الأمريكي هو الأبرز في الصراع في الشرق الأوسط، فالدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل هو المحرك الأساسي لاستمرارها في سياستها المتهورة في منطقة الشرق الأوسط، فقد قدمت لها الولايات المتحدة الدعم اللازم لاستهداف الميليشيات والتنظيمات التابعة لإيران بالمنطقة، كما استخدمت حق الفيتو ضد أي قرار يفضي بإيقاف الحرب في غزة أو لبنان. وقد أفضى هذا إلى تدمير الجنوب اللبناني ومقتل الألاف في لبنان وغزة وسوريا واليمن، وسقوط النظام السوري، في ديسمبر 2024م، ثم توجيه هذه الضربة المدمرة لإيران في 13 يونية الماضي. (10)
وعلى الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجه الجانب الأمريكي للتخلي عن إسرائيل (11) أكد دونالد ترامب دعمه لإسرائيل ووصف هجومها على إيران بالممتاز. (12) خاصة أن الولايات المتحدة وحدها تزود إسرائيل بحوالي 69% من وارداتها للأسلحة، وهو ما قد يدفع الإقليم نحو مزيد من التوتر الذي يؤثر على دول الإقليم أمنياً وسياسياً واقتصادياً. (13) ونحو تجدد العدوان الإسرائيلي ضد إيران، حال عدم تمكنها من تفكيك برنامجها النووي بالكامل، على نحو قد يفضي إلى انهيار الدولة أو تغيير النظام في طهران. مما يجعل الصراع أكثر خطورة. (14) ويصبح أكثر تهديدا للأمن الإقليمي. أما الأطراف الدولية الأخرى فتباينت مواقفها من التصعيد العسكري الإسرائيلي في المنطقة، فقد تبنى عدد من الدول الغربية لهجة متحفظة في إدانة هذا التصعيد، بل وأكد بعضها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مثل فرنسا وألمانيا. (15)
وعلى المستوى الإقليمي، فقد دانت دول مجلس التعاون الخليجي الهجوم الإسرائيلي على إيران. وهذا يعزز احتمالية عدم تحرك إيران ضد أي أهداف خليجية. (16) لكن في نفس الوقت تمسكت دول الخليج بسياسة الحياد وعدم التدخل، سعياً لتحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. ومثل أنهم أدانوا تدخل إيران في الشؤون العربية وطموحاتها في الهيمنة الإقليمية، فإنهم رفضوا أيضًا استخدام إسرائيل للقوة وتجاهلها للمعايير الدولية. كما أنهم عارضوا السياسات الأمريكية التي تنتهك القانون الدولي، وخاصة تلك التي يبدو أنها تمكن إسرائيل من شن المزيد من العدوان. (17)
وبمبادرة من وزير الخارجية المصري، أدانت إحدى وعشرين دولة عربية وإسلامية، على رأسها مصر وتركيا والأردن والإمارات وباكستان وبروناي وتشاد والجزائر والسعودية والسودان والعراق وعمان وقطر والكويت وليبيا وموريتانيا، بشكل مشترك الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران، داعية إلى تخفيف حدة الأعمال العدائية ونزع السلاح النووي، وذلك في 16 يونيو الماضي. (18) ورغم ذلك تعاني المنطقة ضعفاً في التعاون والترابط بين الدول العربية، لمواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي يهدد أمن الإقليم ككل.
وختاماً، لا تزال منطقة الشرق الأوسط تشهد تفاعلاً لتغيير الترتيبات الأمنية القائمة من جانب إسرائيل، معتمدة في ذلك على الدعم الأمريكي، مع عدم وجود جهود قوية من جانب دول المنطقة لمقاومة هذا التغيير، ويتوقف تحديد ونطاق التحالف الإقليمي على تدخل القوى العظمى لدعم حلفائها في الإقليم من عدمه، وهو ما لا يمكن التنبؤ به. خاصة في ظل الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، وتقلص فرص تحقيق حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، بينما تنشغل الصين بالضغوط الاقتصادية والتجارية المفروضة عليها، وتعاني روسيا وأوروبا من استمرار الصراع في أوكرانيا. ومن ثم فقد أصبحت الحاجة تنسيق أمني متعددة الأطراف بين دول الشرق الأوسط مُلحّة للغاية في الوقت الحالي لمواجهة الطموحات الأمريكية – الإسرائيلية لإعادة تشكيل الإقليم وفقاٌ للمصالح المتعلقة بهما فقط.