الرئيسية » الدراسات » أبعاد التنافس الإقليمي والدولي على أرخبيل سقطرى 1

أبعاد التنافس الإقليمي والدولي على أرخبيل سقطرى 1

بواسطة :

كما أنشأت الصين قاعدة عسكرية بالقرب من ميناء ‹دوراليه› الجيبوتي، للمراقبة وجمع المعلومات وتأمين حركة التجارة التي تمر عبر خليج عدن وباب المندب. بينما تحاول روسيا منافسة الولايات المتحدة واستعادة المكانة التي كان عليها الاتحاد السوفييتي بهذه الجزيرة الاستراتيجية. أما إسرائيل، التي تعمل على ألا يتحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية تعوق أهدافها الاستراتيجية، فتسعى إلى تعزيز نفوذها بهذه المنطقة ومنها جزيرة سقطرى وإنشاء قاعدة عسكرية ومحطات للمراقبة وربطها بقاعدته السرية الموجودة أعلى مرتفعات ‹إمبا سويرا› الأريتيرية. كما انخرطت تركيا في هذه المنافسة على سقطرى، بهدف ربطها بأكبر قاعدها عسكرية خارج أراضيها في مقديشو بالصومالية وقاعدتها الأخرى بجيبوتي.
أما السعودية والإمارات فقد نجحا، عقب اندلاع الحرب مع جماعة أنصار الله الحوثي عام 2015م، في طرد النفوذ الإيراني من القرن الأفريقي؛ وأنشأت كل منهما قاعدة عسكرية في كل من جيبوتي، وعصب الإريترية؛ مما أسهم في قطع إمدادات إيران العسكرية لمقاتلي أنصار الله، وشن هجمات صاروخية على تجمعاتهم. ثم أحكم البلدان وجودها العسكري بهذه المنطقة من خلال إنشاء قواعد أخرى في كل من جزيرتي سقطرى وعبد الكوري.
غير أن الإمارات أثبتت قدرتها على الانفراد بأداء الدور الأنشط بهذه المنطقة الاستراتيجية على نحو كشف كثيرا من نواياها الاستراتيجية، التي تتجاوز قدراتها. خاصة أنها نجحت في السيطرة على كل من حضرموت المطلة على بحر العرب، وعلى جزيرة ‹ميون› وميناء ‹المخا› شمال مضيق باب المندب، فضلا عن جزيرتي سقطرى وعبد الكوري. وإذا أضفنا إلى ذلك، قواعدها العسكرية والأمنية الأخرى بكل من الصومال وأريتريا، وعلاقاتها الوثيقة بدولة أثيوبيا. فإننا سوف ندرك أنها تسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف المتعددة الأبعاد، منها:
 تعزيز نفوذها البحري في المحيط الهندي، ومراقبة الممرات البحرية بدءا من شمال بحر العرب وخليج عدن، وصولاً إلى البحر الأحمر، فقناة السويس. بما يتيح لها المشاركة في تأمين طرق التجارة وسلاسل الإمداد والتوريد العالمية.
 توسيع عمقها الاستراتيجي ليمتد من سواحلها بالخليج العربي حتى منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، عبر السيطرة على الموانئ الحيوية وإنشاء قواعد عسكرية في بعض الجزر الاستراتيجية.
 تأكيد هيمنها على جنوب اليمن وتعزيز مصالحها عبر التحالف مع المجلس الانتقالي، على نحو يجعلها عاملا أساسيا في المعادلات السياسية بالداخل اليمني، ويضمن لها استمرار بقاء قواعدها العسكرية والأمنية بجميع المرتكزات المشار إليها سلفا.
 تعزيز أوجه التعاون العسكري والأمني مع القوى الدولية الفاعلة (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) والقوى الإقليمية (إسرائيل واثيوبيا) لتحقيق الأهداف المشتركة، ومراقبة جميع الأنشطة والتحركات المختلفة داخل هذه المنطقة الاستراتيجية.
 تعزيز مركز الإمارات في حركة التجارة العالمية وحماية مصالحها الاقتصادية. وقد تساعد سيطرتها على مطار سقطرى المحوري في ذلك، خاصة أنه مزدوج الاستخدام: مدني عسكري، بحيث يمكن استخدامه في نقل الموارد المختلفة من وإلى الجزيرة، وإرسال القوات وشحن المعدات العسكرية إليها، أو منها إلى الصومال وأرتيريا وأثيوبيا التي لا تنتهي صراعاتها المحلية، ولا خلافاتها السياسية.
 تحقيق التفوق النسبي على منافسيها الإقليميين (إيران وتركيا وقطر السعودية) في ظل خلافاتها الكامنة معهم، والاضطلاع بدور فعال ومؤثر في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، بما يعزز مكانتها الدولية ويزيد من وزنها الإقليمي.
 السيطرة على موارد جزيرة سقطرى الطبيعية التي تمثل لها فرصة استثمارية خاصة في مجال صناعة السياحة البيئية وصيد الأسماك واللؤلؤ. ناهيك عن محاولة نقل النباتات النادرة والفريدة من هذه الجزيرة وتوطينها بأرضها.
ويرى بعض المراقبين أن قوى إقليمية ودولية تقدم للإمارات الدعم اللازم على المستوى العسكري والأمني والاستراتيجي لتحقيق الأهداف المشتركة، تحت غطاء مكافحة عصابات القرصنة البحرية وتحييد الجماعات الأصولية المسلحة بالصومال. وأن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة يدعمونها بالمعدات والتجهيزات الفنية والأمنية اللازمة للاضطلاع بأداء مثل هذه المهام التوسعية البعيدة عن أراضيها. مدللين على ذلك بأن الولايات المتحدة، التي يُعرف عنها أنها لا تسمح بأي انتشار عسكري بهذه المنطقة دون تنسيق مسبق معها.
وتشير تقارير مختلفة إلى أن الولايات المتحدة شجعت الإمارات وإسرائيل على يكون لديهما تعاون ثنائي مستتر، من شأنه أن يساعد في تعظيم مصالح الدول الثلاث بهذه المنطقة وتأمين الملاحة العالمية. خاصة أن تقارير أخرى تشير أيضا إلى مدى أهمية جزيرة سقطرى بالنسبة لإسرائيل، وأنها بحاجة إلى تواجد غير لافت فيها لحماية أمنها ومصالحها الخاصة، وأن الولايات المتحدة كانت هي الأخرى بحاجة إلى حليف عربي، بجانب إسرائيل، يُعين على تأمين مصالح الدول الثلاث انطلاقا من سقطرى. ومن ثم كانت الإمارات الخيار الأنسب. خاصة أنها كانت حليفا للسعودية في مناوأة نفوذ إيران الإقليمي ومقاتلة جماعة أنصار الله الحوثية الموالية لها باليمن، منذ 2015م، حتى 2018م، حتى دبت الخلافات بينهما وتحولا من حليفين إلى منافسين.
وبناء على كل ما سبق، يمكن أن نستنبط ما يلي:
1) أن الوجود الإماراتي على جزيرة سقطرى مدفوع، بلا شك، بدوافع حماية المصالح الوطنية وزيادة وزن الإمارات النسبي على المستوى الإقليمي والدولي. إلى جانب حماية مصالح حلفائها في واشنطن وتل أبيب، السياسية والأمنية والاقتصادية بمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.
2) من المحتمل أن تنخرط الإمارات في الصراعات المحتملة بالقرن الأفريقي، خاصة أنها تمتلك قاعدة عسكرية في أريتريا، التي لا تزال تنظر لأثيوبيا بأنها عدو تاريخي، غير مأمون الجانب. إضافة إلى أنها تمتلك قاعدة بإقليم صومالي لاند الانفصالي، ولديها علاقات وثيقة مع الجماعات الأصولية به على نحو يهدد استقرار الصومال ووحدة أراضيه، لاسيما أن الطموحات الأثيوبية تتجه نحو فرض منفذ بحري لها، عبر إقليم صومالي لاند غير المعترف به عالميا.
3) أن سيطرة الإمارات على الموانئ والجزر الاستراتيجية بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، قد أضاف لها عمقا استراتيجيا واسعا يمتد من موانئها على الخليج العربي حتى منطقة القرن الأفريقي. وأن أنشطتها العسكرية الأمنية بهذه المنطقة جعلها تمسك بورقة ضغط قوية على كل من السعودية ومصر والسودان، الأمر الذي يمثل تحديا، أو ربما تهديدا لمصالح الدول الثلاث.
4) أن التحركات العسكرية والأمنية المكثفة للإمارات بمنطقة القرن الأفريقي وجنوب شبه الجزيرة العربية، ربما يدفع القوى الإقليمية الأخرى إلى مناوأة هذه الحركات، أو أن تضطر الإمارات إلى التعاون معها؛ بغرض تحييد ردود أفعالها.
5) قد يؤدي وجود الإمارات العسكري والأمني المكثف في أرخبيل سقطرى إلى زيادة التوتر القائم بينها وبين السعودية، بسبب الخلافات المتفاقمة بينهما، سواء داخل مجلس التعاون الخليجي، أو داخل اليمن، خاصة بعد تعارض مصالحهما هناك.
6) من المحتمل أن تواجه الإمارات منافسة تركية وإيرانية وقطرية وسعودية على النفوذ بمنطقة القرن الأفريقي، لموازنة نفوذها
7) من المحتمل أن تواجه الإمارات، يوما ما، بمقاومة محلية مسلحة من الجماعات والفصائل الوطنية اليمنية، التي تنظر إليها على أنها دولة احتلال، الأمر الذي قد يزيد من انقسام الداخل اليمني، ويهدد الاستقرار بجنوب الجزيرة العربية والقرن الأفريقي.