أبعاد التنافس الإقليمي والدولي على أرخبيل سقطرى 2
بواسطة :
وفي هذا السياق، شكل التعاون المشترك بين إسرائيل والإمارات عاملاً مهما في هذه المساعي، خاصة بعد أن فتح تطبيع العلاقات بينهما بموجب اتفاقات إبراهيم آفاقًا جديدة للتعاون الاستراتيجي، التي منحت إسرائيل وجودا على الساحل المقابل لإيران بالخليج العربي، على نحو يهدد أمنها القومي ويفاقم التوتر بينها وبين دول الخليج. خاصة أن الإمارات استطاعت، بفائض أموالها وبدعم الولايات المتحدة لتحركاتها، الاستحواذ على أهم الطرق والموانئ الاستراتيجية، وبالتالي أصبحت شريكًا إقليميا لا غنى عنه لإسرائيل على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري. ولهذا أشارت تقارير دولية إلى نجاح البلدين في نصب أجهزة استشعار على جزيرة عبد الكوري، عام 2023م، ونشر منظومة دفاع جوي بجزيرة سقطرى، وتحويلها إلى قاعدة استخبارات مشتركة.
وبالتالي، فمن المحتمل أن تنجح الإمارات من خلال شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل، وبما لديها من طموح لتوسيع نفوذها بمنطقة القرن الأفريقي، وزيادة استثماراتها في الموانئ الاستراتيجية والبنية التحتية والتوسع في إنشاء قواعد عسكرية على غرار ما فعلته في إريتريا والصومال وجيبوتي، في الاستفادة من خبرات إسرائيل العسكرية والتكنولوجية لتعزيز وجودهما المشترك بهذه المنطقة، إضافة إلى تعاونهما في مكافحة الإرهاب والقرصنة، ومراقبة حركة الملاحة، ومنع أي تطورات سلبية قد تؤدي إلى إغلاق باب المندب، أو صعود أي قوى إقليمية معادية لهما بالمنطقة. وهنا تلاقت المصالح الإمارات والإسرائيلية في ضرورة السيطرة على أرخبيل سقطرى لتحقيق هذه الأهداف.
وكانت إسرائيل قد طورت مصالحها الاستراتيجية داخل منطقة القرن الأفريقي، بوصفها منطقة عازلة ضد تهديدات خصومها الإقليميين؛ مدفوعة في المقام الأول بتوسع عمقها استراتيجي على نحو يقلص مخاوفها الأمنية ويحقق أهدافها الاقتصادية وطموحاتها الجيوسياسية. فعززت، منذ تسعينيات القرن الماضي، علاقاتها بدول هذه المنطقة، وعلى رأسها إثيوبيا وإريتريا والصومال، مستخدمة في ذلك مزيجا مقبولا من المشاركة الدبلوماسية والتعاون العسكري وتقديم المساعدة الاقتصادية.
إذ تشكل أثيوبيا محور مهما لاستراتيجيتها تجاه القارة الأفريقية، خاصة أنها تتمتع بموق استراتيجي بالقرن الأفريقي. وبالتالي، قدمت لها، على مر السنين، مساعدات اقتصادية وعسكرية متنوعة، شملت التسليح والتدريب وتبادل المعلومات، على نحو يحقق هدف إسرائيل الأوسع في فرض هيمنتها الاستراتيجية، ومواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة. خاصة أن التركيب الديني للإثيوبيين يمثل نقطة التقاء قوية بين البلدين، خاصة أن بينهم نسبة كبيرة من اليهود الذي هُجِّر جزء كبير منهم إلى إسرائيل، عبر السودان. وأصبحوا من سكانها، كما أن هناك روابط لغوية وثقافية قوية بين الدولتين، مما ساعد في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. كذلك فإن التعاون المشترك بين إسرائيل وإريتريا، ذات الموقع الاستراتيجي المشرف على الملاحة بالبحر الأحمر، متجذر في المصالح المشتركة بين البلدين، ممثلة في الحد من عدم الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والحد من نفوذ القوى المعادية مثل إيران.
وبناء على كل ما سبق، يمكن أن تشير إلى بعض الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل في أرخبيل سقطرى: منها:
توسيع عمقها الاستراتيجي، على نحو يعزز نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي،
السيطرة على الملاحة البحرية ومراقبتها لضمان مصالحها الاقتصادية والمصالح الأمريكية والغربية.
مراقبة التحركات الإيرانية وتحركات أي قوى إقليمية مناوئة لها، أو لحلفائها بمنطقة البحر الأحمر
تحويل أرخبيل سقطرى إلى قاعدة للاستطلاع والمراقبة للبحر الأحمر، وللتجسس على دول المنطقة.
وتستخدم إسرائيل مجموعة من الأدوات والوسائل المتعددة؛ لترسيخ نفوذها بهذه المنطقة وبأرخبيل سقطرى، منها إنشاء محطات المراقبة والقواعد العسكرية، وإبرام التحالفات الاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية. وتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، مثل تفجيرها لأجهزة البيجر (pager) التي كانت بحوذه مقاتلي من حزب الله. على نحو يشير إلى قدراتها العسكرية والاستخباراتية المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا. كما أنها تستخدم القوى الناعمة الخاصة بها، والمنابر المختلفة التي تملكها حول العالم، وجماعات المصالح وجماعات الضغط التابعة لها مثل جماعة أيباك (AIPAC) في الولايات المتحدة،
وأخيرا، يمكن القول إنه من المحتمل أن تشهد منطقة البحر الأحمر تزايدا في الأنشطة العسكرية، وزيادة في المساعي الإسرائيلية؛ لضمان بقاء طرق التجارة البحرية مفتوحة، وربما توسيع تعاونها المشترك في هذا الشأن مع كل من السعودية والإمارات، لتعزيز قدرتها جميعا على مواجهة أي تهديدات إيرانية محتملة.
ومن ناحية أخرى، قد يؤدي التعاون الإسرائيلي الإماراتي المشترك إلى زيادة التوترات مع إيران، ومع جماعة أنصار الله الحوثي التابعة لها في اليمن. وفي ظل الاهتمام الإمارات وإسرائيل المتزايد بأرخبيل سقطرى وكذلك القرن الأفريقي، سوف تزداد أهمية دول القرن الإفريقي بصورة أكبر، وعلى رأسها أثيوبيا وأريتريا وجيبوتي والصومال، بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة، وربما تصبح المنطقة عرضة لاندلاع الصراعات المسلحة.