في اليوم التالي للقاء نتنياهو وترامب، 9 أبريل، كتب ‹سمدار بيري› مقالا بعنوان: ‹ترامب يبقى ترامب› مفاده أن وجه نتنياهو الشاحب في الغرفة البيضاوية لا يمكن إخفاؤه؛ فالرئيس لم يعطه شيئا لا في صفقة المخطوفين، ولا في تخفيض الجمارك، ولا في الهجوم على إيران. بل إنه أعلن أمامه عن المفاوضات المباشرة مع طهران. ومع هذا يظل الهجوم العسكري حاضرا طوال الوقت في الخلفية. أما ‹اشكنازي› رئيس الأركان الأسبق وعضو حكومة الحرب المستقيل، فقد كتب في مقالا في صحيفة ‹معاريف› بعنوان: ‹عناق الدب من ترامب› وصف موقف الإدارة الأمريكية يسمح لإسرائيل بالتنفس، كما يسمح لها بالتحرك على عدة محاور. لكن هذا العناق الأمريكي الثقيل يمكن أن يؤدي أيضا إلى شل خطوات إسرائيل العسكرية والسياسية. فالمطروح على الطاولة بضعة مواضيع دراماتيكية وعاجلة؛ أولها كيف تنخرط إسرائيل في المفاوضات مع إيران؟ وكيف تنقل للأمريكيين خطوطها الحمراء؟ وثانيها كيفية منع الصدام بين إسرائيل وتركيا على الأراضيالسورية؟ والثالث يتعلق بتحريك المفاوضات بين إسرائيل وحماس.
ولهذا كتب ‹عاموس هرئيل› مقالا في ‹هآرتس› بعنوان لا يخلوا من دلالة ‹موافقة نتنياهو الاضطرارية على المفاوضات مع إيران تشير إلى أنه مجرد لاعب ثانوي في استعراض ترامب› أوضح فيه أن ترامب وضع سلم أولويات الإدارة الأمريكية ضمن صفقة بينه وبين الرياض، وإنهاء الحرب في غزة، والتوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، ووحدة المصالح مع تركيا.
كما كتب ‹حاييم لفنسون› في ‹هآرتس› مقالا بعنوان دال أيضا ‹ما يهم ترامب فقط هو المال. وهو في طريقه للتخلص من التهذيب› رأى فيه أن هجوم إسرائيل المنفرد على إيران، الذي استخدمه نتنياهو لتمرير الميزانية، قد تم تأجيله مرة أخرى؛ بسبب ترامب الذي يذهب الى مفاوضات مباشرة مع الإيرانيين، وأن نتانياهو اكتشف، الفراغ الناجم عن سقوط نظام الأسد في سوريا قد ملأته تركيا، وأن الرئيس الأمريكي يساندها في ذلك.
ثالثا: المفاوضات مع إيران
كتب الباحثان المختصان بالشأن الإيراني ‹دودي كوغان› و ‹نيتع بار› مقالا تحليليا في ‹يسرائيل هيوم› بعنوان: ‹القذافي زاوية إيران› عالجا فيه مسألة عودة الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات، بعد سبع سنوات من انسحاب ترامب من اتفاق 2015م، بعد وصفه بانه الاتفاق الأسوأ في تاريخ واشنطن. من حيث أن ثمة شكوك والأسباب واضحة تدفع واشنطن للتوصل لاتفاق أوسع وأكثر صرامة مع إيران. في وقت لا يزال التيار المحافظ بطهران متمترسا خلف مواقفه المتشددة. بينما إسرائيل مُصرة على حل شامل لمسائل تمثل تهديدا إيرانيا لها. سواء برنامجها النووي، أو صواريخها الباليستية، أو دعمها للمليشيات الإقليمية. غير أن ثمة قوى قاهرة تدفع نحو الحل الوسط، خاصة أن اقتصاد إيران بات راكعا أمام سياسة ‹الضغط الأقصى› بينما تكثف الولايات المتحدة تواجدها العسكري بالمنطقة، وهي السياسية التي سبق أن جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات، على الرغم المعارضة العلنية من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
وأشار الباحثان ‹دودي كوغان› و ‹نيتع بار› إلى أن وضع برنامج إيران النووي أصبح مقلقا على نحو خاص، بدليل أن معهد ‹إيران ووتش› ذكر، استنادا إلى تقارير وكالة الطاقة الذرية، أن مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران وصل إلى 60% بما يكفي لتصنيع ثمانية قنابل نووية، وأن طهران أصبحت قادرة على تخصيب مادة تكفي لصناعة خمس قنابل في غضون أسبوع فقط من لحظة اتخاذها القرار.
وفي المقابل، أشار ‹دودي كوغان› و ‹نيتع بار› أيضا إلى أن تطبيق نموذج ليبيا في إيران سيكون صعبا؛ لعدة أسباب:
أولا: البرنامج النووي الإيراني أكثر تقدما من البرنامج الليبي
ثانيا: من الصعب أن يكون طلب التفكيك الكامل لبرنامج إيران منطقيا، في ظل ثبات موقفها المتمسك بسلمية برنامجها نووي
ثالثا: أن الأجهزة المتطرفة في طهران يمكنها أن تشير إلى أنه على الرغم مما تسليم القذافي في موضوع النووي، إلا أن ليبيا لم تحظ بعلاقات كاملة مع الغرب كما وُعدت بذلك، ثم إن القذافي سقط في نهاية المطاف. وذلك للتدليل على أن البرنامج النووي لا يضمن بقاء النظام.
وأخيرا أجاب الباحثان عن التساؤل المطروح: ماذا لو فشلت المفاوضات؟ بأنه قصف لم يسبق لهم أن رأوا مثله، كما وعد ترامب.
رابعا: النظرة التشاؤمية
حقيقة الأمر، أن عناوين الصحف العبرية، قبل يوم من بدء المفاوضات بين إيران وأمريكا في عمان، كانت متشائمة، في ضوء النتائج المخيبة للقاء نتنياهو وترامب. فكتب ‹ناحوم برنياع› مقالا في ‹يديعوت احرونوت› بعنوان ‹كله مر› ذكر فيه أن نتنياهو عاد خالي الوفاض من واشنطن، واكتشف أن ترامب يستخدمه ويستخدم إسرائيل كلها كأداة لما يريده تحقيقه من صفقات سواء مع إيران أو مع تركيا. وتسائل الكاتب: لا أدرى ما الذي وعد به ترامب لنتنياهو إذا كان هناك وعد، في موضوع إيران؟ لا أدرى ما قيمة وعود رئيس نزواته هي التي تتحكم به؟ لكن الأحداث في واشنطن هي التي يمكنها أن تطلعنا على الثمن الذي يدفعه رئيس وزراء الآن على وضعه كل البيض في سلة واحدة.
واستطرد ‹ناحوم برنياع› مستهجنا: إن ترامب بدلا من أن يلجم أردوغان، ها هو يعانقه وبدلا من ردع إيران ها هو يغازلها. بل لم يتكبد عناء أن يذكر لنتانياهو، أثناء المكالمة الهاتفية أجراها ترامب معه، وهو في بودابست، أنه بدأ المفاوضات مع إيران. أما نتنياهو فقد سمع عنها ذلك بعد أن وصل واشنطن من المبعوث ‹ويتكوف›. وأشار الكاتب إلى أن نتنياهو يراهن على تفجير المفاوضات وشن الهجوم الأمريكي على إيران. وهو أمر تشكك فيه الكاتب، كما تشكك أيضا في أن هذا الهجوم سوف ينهي تهديد إيران النووي؟ ولكن تشكك أكثر في تحقق ما يحلم به، نتنياهو ويجعله ينتظر اللحظة التي يقول فيها لناخبيه، أنا صنعت تاريخا؛ فقد هاجمت إيران، وطبعت العلاقات مع السعودية، وأنقذت إسرائيل، وغيرت وجه الشرق الأوسط. وعندها أيضا سوف يعقد صفقة لحل ملاحقته قضائيا، ويعلن اعتزال الحياة العامة وهو في ذروة مجده، محبوبا ومعجبا به من الجميع.
وبعد انطلاق أولى جولات التفاوض بين إيران وأمريكا، كتب ‹ايال زيسر› في ‹يسرائيل هيوم› في 14 أبريل مقالا بعنوان: ‹الحوار مع إيران: ترامب سيتراجع أولا› وأشار الكاتب إلى أنه من الخطأ أن نرى كل شيء في مسالة البرنامج النووي الإيراني. لأنه عبارة عن مجرد عرض للمرض الذي يكمن في مجرد وجود نظام متطرف، يدعم الإرهاب في الشرق الأوسط، ويطور ترسانة صواريخ بعيدة المدى، ويسعى كي يحصل على سلاح نووي. ويستطرد الكاتب قائلا: صحيح أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، قبل ذلك، ودعا إلى تشديد الضغط الدولي عليها، لكن تصريحاته وكذا تهديداته لم تصاحبها أفعال ناجزة. مما أتاح لإيران الفرصة لأن تواصل ما بدأته، بل وأن تحقق هدفها الاستراتيجي، وتصبح دولة حافة نووية، وأصبحت على مسافة أشهر وربما سنوات قليلة من الوصول إلى قنبلة ذرية.
ثم أكد الكاتب على أنه ما من خطأ أكبر من قبول العروض الإيرانية، وأن كل ما تبقى هو أمل يكمن في أن يفهم ترامب بانه لا يوجد ما يبرر التفاوض بشأنه مع النظام الإيراني، أو محاولة الوصول معه إلى تسوية، وأنه يجب ضربه وتدمير مشروعه النووي وليس تجميده أو تأخيره.
وفي ظل هذه الموجة التشاؤمية حيال المفاوضات مع إيران، كتب ‹تسفي برئيل› في صحيفة ‹هآرتس› بتاريخ 15 أبريل، تحليلا بعنوان: ‹لعبة الشطرنج بدأت لكن الأهداف النهائية تنتظر الصياغة› أشار فيه إلى الفرق بين المفاوضات الجارية حول المشروع النووي الإيراني والمفاوضات السابقة، متسائلا إلى أي مدى يمكن أن تصل إليه الولايات المتحدة؟ ولماذا سوف توافق إيران؟ وقال الكاتب إن الفرق يكمن اليوم في الضعف الذي باتت تعاني منه إيران، وفي الضغط الأقصى الذي تمارسه أمريكا عليها، وانهيار محور المقاومة، أو حلقة النار التي بنتها بجهد كبير، ثم انخفاض كمية النفط التي تبيعها يوميا. ونوه إلى مسالة أخرى لا تزال دون إجابة، هي كيف ينوي الجانبان بلورة الاتفاق النهائي بينهما؟ هل ينويان فعل ذلك هذه المرة؟ ووضع كل شيء مقابل كل شيء ضمن جدول زمني قصير، أو الانجرار إلى رحلة متعبة من اتفاق على مراحل، لا يضمن استكمال كل العملية؟
أما ‹امنون لورد› فكان الأكثر تشاؤما، فقد كتب تحليلا في ‹يسرائل هيوم› بعنوان ‹مفاوضات أمريكا مع إيران فخ من عسل› قال فيه إنه كان واضحا، منذ البداية، أن ترامب يفضل التعامل مع النووي الإيراني بصفقة. والإيرانيون يتميزون بالدهاء، وبالتالي سوف يفلحون في زج الأمريكيين في فخ من عسل؛ يمنع إسرائيل من الهجوم على منشآتها النووية. ثم أشار الكاتب إلى أن إدارة ترامب الحالية يوجد فيها ستيف ويتكوف، الذي لديه أعمال تجارية واسعة مع قطر. وأنه والرئيس ترامب لا يفهمان بعمق كل الموضوع النووي الإيراني، هو أقل مستوى من الخبير الذي خطط منظومة الجمارك. وأن سبب وجود ويتكوف في الإدارة هو لعقد صفقات ترامب، والإيرانيون يدركون ذلك
وثم ختم ‹يسرائل هيوم› تحليله بأن إسرائيل قدمت من جانبها إيران إلى ترامب على طبق من فضة، وهي أضعف من أي وقت مضى، وعديمة القدرة على التهديد، ومكشوفة أمام الهجمات الجوية. وعلى الرغم من هذا أشغل ترامب المستوى المتوسط من مؤسسته الأمنية بأناس يفكرون في قضايا الشرق الأوسط مثل باراك أوباما. وبناء عليه من المتوقع للإيرانيين أن يحيدوا الأمريكيين ويوقعوهم في فخ عسل، به ما يكفي من إغراءات لمواصلة المفاوضات؛ بما يمنع إسرائيل من شن هجوم على منشآتهم النووية.