الرئيسية » الدراسات » استجابة استباقية: ما دوافع إسرائيل لشن ضربة عسكرية ضد إيران؟

استجابة استباقية: ما دوافع إسرائيل لشن ضربة عسكرية ضد إيران؟

بواسطة :

سياقات حاكمة
ارتبطت الهجوم الإسرائيلي على إيران بجملة من السياقات والظروف التي سعت تل أبيب لتوظيفها لتنفيذ ضرباتها بنجاح، دون الخوف من حدود الرد الإيراني أو الرأي العام العالمي، يمكن توضيحها على التالي:
  • الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي: تُشير التطورات لحصول إسرائيل على الضوء الأخضر الأمريكي لتنفيذ هجماتها، فعلى الرغم من محاولة الولايات المتحدة النأي بنفسها عن الهجوم، فقد صرح مسؤول إسرائيلي لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية بأن تل أبيب نسقت مع واشنطن لشن الهجمات. كما سبق وصرح الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأن ضربة إسرائيلية على إيران ممكنة الحدوث، وأضاف أن إيران لا يمكن لها أن تمتلك قنبلة نووية. وحذر كذلك طهران، عقب الهجوم الإسرائيلي، من ضرورة الموافقة على الاتفاق النووي مشيراً إلى أن الهجمات الإسرائيلية اللاحقة على البلاد ستكون أكثر وحشية.
  • استغلال ضعف حلفاء إيران بالمنطقة: عملت إسرائيل على التمهيد لعمليتها ضد إيران بشكل مبكر، خاصة مع تصاعد حدة التوترات بين الجانبين، وذلك من خلال استراتيجية تهدف إلى تقليص قدرة طهران على الرد، عبر إضعاف حلفائها الإقليميين بشكل ممنهج. فمنذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، بدأت تل أبيب بتنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية استهدفت تحجيم الأذرع الإيرانية في المنطقة، بدءاً بحركة حماس، مروراً بتضييق الخناق على حزب الله اللبناني واغتيال عدد من أبرز قادته، إلى جانب توجيه ضربات متكررة للوجود الإيراني في سوريا، ومواصلة استهداف قدرات جماعة الحوثي في اليمن، في إطار سعيها لتفكيك ما يُعرف بمحور المقاومة وتقويض بنيته العسكرية واللوجستية.
  • انكشاف قدرات إيران العسكرية والاستخباراتية: باتت إيران أكثر عرضة للقدرات الجوية الإسرائيلية منذ أن استهدفت الضربات الإسرائيلية في أكتوبر 2024م شبكات الدفاع الجوي الرئيسية من طراز “إس-300″، إلى جانب المعدات المستخدمة في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ الباليستية، ما أسفر عن تجريد طهران من قدرات فعالة لحماية منشآتها الحيوية. وقد استغلت إسرائيل الوضع العسكري الحرج الذي تمر به إيران لتنفيذ هجماتها، حيث بدا الضعف الإيراني جلياً في تمكن قوات الكوماندوز الإسرائيلية من إقامة قاعدة لطائرات هجومية مسيرة بالقرب من العاصمة طهران، استخدمت لتنفيذ هجوم واسع النطاق استهدف الدفاعات الجوية الإيرانية، وأسفر عن تدمير عشرات الرادارات ومنصات إطلاق صواريخ أرض-جو، مما زاد من هشاشة البنية الدفاعية الإيرانية.
  • تهيئة الظروف الإقليمية والدولية للهجمات: استغلت إسرائيل توافر جملة من الظروف المواتية لتنفيذ هجماتها ضد إيران، مستفيدة من لحظة ضعف نادرة في المشهدين العسكري والدبلوماسي. فعلى الصعيد العسكري، تمر طهران وحلفاؤها الإقليميون بأضعف مراحلهم، في ظل الضربات المتواصلة التي أضعفت قدراتهم الدفاعية والهجومية على حد سواء. أما دولياً، فقد صعّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من لهجتها تجاه إيران، منتقدة انتهاكاتها المستمرة للالتزامات النووية. فيما لا تزال المفاوضات بشأن الملف النووي متعثرة، دون أفق واضح للتوصل إلى اتفاق. وقد رافق ذلك مؤشرات على وجود توجه أمريكي لدعم عمل عسكري غير مباشر عبر إسرائيل، بهدف زيادة الضغط على طهران ودفعها لتقديم تنازلات على طاولة التفاوض.
دوافع عديدة
ثمة العديد من الدوافع التي تفسر مسارعة الحكومة الإسرائيلية في شن هجماتها على المنشآت النووية الإيرانية في هذا التوقيت، ويمكن توضيحها على النحو التالي:
  • رغبة إسرائيل في تعطيل المفاوضات النووية: تسعى إسرائيل من خلال هذه الهجمات إلى إفشال مسار المفاوضات النووية مع إيران، لا سيما الجولة السادسة المقرر عقدها في سلطنة عُمان في 15 يونيو 2025، وذلك انطلاقاً من قناعتها بعدم جدوى أي اتفاق نووي مع طهران. حيث تبدو تل أبيب مصممة على عرقلة المسار الدبلوماسي، إذ سبق أن أعلنت استعدادها لتنفيذ ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال الأيام القادمة، حتى في ظل استمرار المحادثات رفيعة المستوى التي تهدف إلى التوصل إلى تسوية دبلوماسية للملف النووي الإيراني. ويعكس هذا الموقف الإسرائيلي قناعة راسخة بأن الخيار العسكري هو السبيل الوحيد لمنع إيران من امتلاك قدرات نووية، بعيداً عن أي حلول تفاوضية تعتبرها غير مضمونة أو ذات طابع مؤقت.
  • شل قدرات إيران على التقدم في المجال النووي: تنظر إسرائيل إلى امتلاك إيران للسلاح النووي كخطر وجودي يهدد بقاءها في المنطقة، الأمر الذي يدفعها إلى تبني نهج هجومي واضح يهدف إلى تدمير القدرات النووية الإيرانية دون انتظار نتائج الاتفاقات الدولية أو الرهانات الدبلوماسية. وقد عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” صراحة عن هذا التوجه، واصفاً الهجمات الإسرائيلية بأنها الملاذ الأخير لمنع إيران من الوصول إلى السلاح النووي. وتجلت هذه السياسة الإسرائيلية ليس فقط في استهداف المنشآت النووية الإيرانية بشكل مباشر، بل أيضاً في توجيه ضربات إلى البنية القيادية المرتبطة بالبرنامج النووي، من خلال اغتيال العلماء وكبار المسؤولين العسكريين المشاركين في تطويره، في محاولة لشل قدرات إيران على التقدم في هذا المجال.
  • استيلاء طهران على وثائق البرنامج النووي الإسرائيلي: سارعت الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ هجماتها ضد إيران مدفوعة برغبة رئيس الوزراء “نتنياهو” في التغطية على الاختراق الأمني الذي وقع قبل أيام، بعدما أعلنت طهران تمكنها من الاستيلاء على وثائق استخباراتية حساسة تتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، وهو ما يُعد اختراقاً أمنياً غير مسبوق، ليس فقط لسرية البرنامج النووي، بل وللمنظومة الأمنية الإسرائيلية التي لطالما تفاخر بها “نتنياهو” أمام الداخل والخارج. وقد دفع هذا التطور تل أبيب إلى التحرك بسرعة لتحييد القدرات الصاروخية والنووية الإيرانية، بهدف منع إيران من استغلال تلك المعلومات في شن عمليات انتقامية محتملة ضد إسرائيل مستقبلاً.
  • تكريس نتنياهو نفسه كحامي حمى الشعب اليهودي: لطالما سعى رئيس الوزراء “نتنياهو” إلى ترسيخ صورته كزعيم أمني أكثر من كونه مجرد سياسي تقليدي، مقدماً نفسه باعتباره الحامي الأول للشعب اليهودي والدفاع الصلب عن دولة إسرائيل. فمنذ بروزه في الساحة السياسية خلال تسعينات القرن الماضي كأحد أبرز السياسيين في جيله، كان دافعه الأساسي هو الدفاع عن أمن إسرائيل واستقرارها. وقد عمل “نتنياهو” باستمرار على تسويق نجاحه في هذا المجال من خلال التركيز على قدرته على تحييد التهديدات التي تمثلها الجماعات الموالية لإيران في المنطقة، وصولاً إلى استهداف القدرات الصاروخية والنووية لطهران نفسها، في محاولة لتقديم نفسه كصمام الأمان الأول في وجه ما يعتبره التهديد الإيراني الوجودي.
ختاماً، يمكن القول إن الهجمات الإسرائيلية الواسعة ضد إيران تعكس تحولاً استراتيجياً في نهج تل أبيب تجاه البرنامج النووي الإيراني، إذ لم تعد تعتمد فقط على الردع أو العمليات النوعية المحدودة، بل انتقلت إلى سياسة الاستباق الشامل المدعومة بسياقات إقليمية ودولية مواتية. حيث تراهن إسرائيل على إحداث تغيير جذري في موازين القوة الإقليمية من خلال تقويض البنية العسكرية والنووية الإيرانية، مستغلة حالة الضعف التي تمر بها طهران وحلفاؤها. ومع ذلك، فإن هذا التصعيد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، قد تُفضي إلى حرب إقليمية شاملة، خاصة في ظل توقعات برد إيراني مباشر أو عبر وكلائها في المنطقة.