الرئيسية » الدراسات » اتفاقية التعاون بين روسيا وإيران

اتفاقية التعاون بين روسيا وإيران

بواسطة :

ومن جانبه، أرجع «حشمت الله فلاحت بيشه» رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية السابق بمجلس الشورى الإسلامي، الأسباب التي دفعت روسيا لتعليق المفاوضات مؤقتا في هذا التوقيت، إلى قلقها بشأن مستقبل إيران بعد الانتخابات، وإرسال رسالة مفادها أن نتائجها يجب ألا تفضي إلى تغيير سياسة إيران الخارجية تجاه روسيا، خاصة في ظل الصراع الدائر بأوكرانيا. ( )
غير أن الرئيس المنتخب بزشكيان، أكد خلال الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من الرئيس بوتين، مساء يوم 8 يوليو 2024م، على إدراكه لأهمية التعاون بين البلدين ضمن مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) وداخل المحافل الدولية والإقليمية. منوها إلى أن حكومته سوف تبذل قصارى جهدها لتنفيذ ما تم التوصل إليه في عهد سلفه إبراهيم رئيسي. ثم ذكرت وكالة «بورنا» الإيرانية للأنباء أن الترتيبات الخاصة باتفاقية التعاون مع وروسيا وصلت إلى مراحلها النهائية، وأن السفير الروسي لدى طهران «أليكسي ديدوف» صرح خلال لقائه بمحافظ أصفهان، يوم 11 يوليو 2024م، بقوله: «نسعى لتوقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع إيران في المستقبل القريب «ونتطلع لأن يستمر المسار الذي انتهجه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي لتعزيز العلاقات بين البلدين). )
كما صرح القائم بأعمال وزير الخارجية على باقري، يوم الثلاثاء الماضي، لوكالة سبوتنيك الروسية على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء بمجموعة البريكس، إن إبرام اتفاقية التعاون الشاملة بين موسكو وطهران قرار استراتيجي؛ بين دولتين جارتين تربطهما علاقات تاريخية وعميقة وتوسعت مجالات التعاون بينهما كثيرا، وأن كلاهما عازم على تطوير هذا التعاون في مختلف المجالات. في إطار تصميم القيادتين السياسيتين على تعزيز هذه العلاقات لصالح البلدين والشعبين ( )
ثانيا: دوافع الاتفاقية
كان الاتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بنظام الثورة الإيرانية، وقد لجأت إليها إيران لتعزيز موقفها أمام الولايات المتحدة، وكانت العلاقات بين موسكو وطهران، على مدى ربع قرن، عبارة عن مجرد «تحالف قائم على التقاء المصالح» فلم تدن إيران مثلا العمليات الروسية بالشيشان وتعاونت معها في إنهاء الصراع بطاجيكستان، وعقد البلدان اتفاقيات تعاون في المجالين النووي والعسكري بما في ذلك تطوير برنامج الصواريخ الإيراني ونقل التقنيات النووية لإيران، بدءا من عام 1995م، في إطار اتفاقية «جور-تشيرنوميريدين» بين موسكو وواشنطن.
1. المواقف الأمريكية المعادية
ولكن كانت العلاقة بين البلدين ترتبط طرديا بطبيعة العلاقات الروسية الأمريكية وتطوراتها فكلما توترت علاقة واشنطن بموسكو تحسنت علاقات موسكو بطهران. وكلما تحسنت علاقات موسكو بواشنطن تأثرت علاقات موسكو بطهران سلبا. مثلا أدت مساعي موسكو لتحسين علاقاتها بواشنطن، إلى تأييد روسا جميع العقوبات التي أقرها مجلس الأمن ضد إيران، عام 2016م.
والحقيقة أن التحولات الكبرى التي تشهدها البيئة الإقليمية والدولية اليوم تمثل دافعا أساسيا لكل من إيران وروسيا لإقامة تعاون استراتيجي طويلة المدى بينها، خاصة في ظل تصوراتهما المشتركة لمصادر التهديد الخارجي بما فيها التهديدات الأمريكية. إضافة لازدواجية المعايير الأوربية التي تمثل تحديا كبيرا لهما. فضلا عن أن تفاقم التوتر بين إيران الولايات المتحدة عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات على إيران، عام 2018م، دفع طهران لجعل علاقاتها بموسكو أحد أهم أولويات سياستها الخارجية لمجابهة المواقف الأمريكية ضدها.
2. تأجج الصراع في أوكرانيا
كان تأجج الصراع الروسي الغربي على الأراضي الأوكرانية أحد المتغيرات القوية التي دفعت بالعلاقات الإيرانية الروسية إلى مستوى شجع البلدين على اتخاذ خطوات عملية لعقد هذه الاتفاقية. تمثلت وفقا لموقع «إيران فردا» نقلا عن مؤسسة راند فيما يلي:
 طلب إبراهيم رئيسي فور توليه الرئاسة من نظيره الروسي، في أول اتصال هاتفي بينهما، إبرام هذه الاتفاقية، ثم حمل مسوداتها الأولى معه إلى موسكو، في أولى زياراته الخارجية، مطلع عام 2022م.
 أعلن المرشد الأعلى للثورة، خلال استقباله للرئيس بوتين، صيف عام 2022، مساندته لروسيا في الصراع الدائر بأوكرانيا، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان واشنطن أنها حصلت على أدلة تثبت تسليم إيران مئات المسيرات الانتحارية إلى روسيا.
 في 17 أكتوبر 2022، تعرضت كييف لغارات روسية باستخدام مسيرات شاهد الإيرانية؛ ومن وقتها، أصبحت هذه المسيرات سلاح رئيسيا لشن الهجمات ضد منشآت الطاقة الأوكرانية. الأمر الذي دفع المسئولين الأمريكيين. لوصف العلاقات بين موسكو وطهران بأنها «تحالف عسكري كامل» خاصة أن إيران ساعدت روسيا في إنشاء مصنع للمسيرات الانتحارية. ويقال إن موسكو سلمت، بالمقابل، أسلحة غربية سقطت بأيدي القوات الروسية في أوكرانيا لطهران لإجراء الهندسة العكسية عليها كما تعاقدت معها لتزويدها بمقاتلات سوخوي 35 خلال عام 2024م، وسيكون حصول إيران المحتمل على هذه المقاتلات هو التطور الأكثر أهمية لقواتها الجوية.
3. تحقيق المصالح المشتركة
تعد إيران امتدادا جيوسياسيا لروسيا، بالتالي فإن دعم قدرات إيران هو دعم لأحد الأنساق الدفاعية الروسية، وبالتالي فإن تحويل إيران إلى حليف قوى أدعي لمواجهة القوى الغربية على نحو يحقق المصالح الروسية. لإن ضعف إيران يعني تلقائيا ضعف روسيا من هذا الاتجاه. مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا سوف تربط بين قوة إيران ومدى قدرتها على حماية المصالح الروسية بالمنطقة. خاصة أنها تحتاج إليها حاليا داخل بعض مناطق غرب آسيا مثل العراق وسوريا، لمنع تسلل الإسلام السني والجماعات الجهادية والمتطرفين إلى أراضيها. وبناء عليه فإن هذه الاتفاقية سوف تحقق للبلدين منافع مشتركة، منها ما يلي:
 خلق تحالف استراتيجي دائم قادر على تجاوز الخلافات وضمان المصالح المشتركة، ومراعاة مصالح حلفائهما في تفاعلاتهما مع أطراف ثالثة.
 التأكيد على أن أي تسويات إقليمية لا يمكن أن تتم على حساب علاقات موسكو مع دمشق وطهران.
 ضمان عدم تحول إيران إلى قوة معادية لروسيا في حال تحسن علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الحليفة
 تحقيق المصالح المشتركة بمنطقة القوقاز، والاتفاق على النظام القانوني لبحر قزوين ضمن الخطوط الروسية الحمراء
 يمكن دفع إيران نحو الشرق، حيث القدرات الباكستانية والهندية القادرة على كبح تمددها خارج النطاق المحدد لها في ضوء المصالح الروسية
 تعزز قوة النظام الإيراني داخليا، وعرقلة أي محاولة لإسقاطه، خاصة أن إيران تعتمد على روسيا في حماية أمنها القومي ضد أي محاولات أمريكية محتملة لتغيير السلطة في إيران
 تحصين إيران ضد أي قرارات إدانة أو فرض عقوبات جديدة يمكن أن تصدر عن مجلس الأمن
 ضمان استمرار الدعم العسكري الإيراني للقوات الروسية على جبهات الصراع في أوكرانيا
 تحديث أسلحة القوات المسلحة الإيرانية، وتعزيز قدراتها الجوية بمقاتلات سوخوي 35، ودفاعاتها الجوية بالصواريخ الروسية ولا سيما اس 330 وأس 400، خاصة أن إيران تواصل مساعيها لتطوير قدراتها الصاروخية واستخدام التقنيات النووية.
 تأكيد دور روسيا المؤثر في المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، وربما تقنع طهران بالالتزام بمعاهدة حظر الانتشار النووي، خاصة أنها متفقة مع القوى الدولية ومعها الولايات المتحدة والصين والقوى الأوربية بشأن حظر انتشار الأسلحة النووية.
4. تشكيل أنماط القوة
يشكل انخراط الصين في المنافسة الدولية، وتأجج الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، ورغبة الولايات المتحدة المتزايدة في تأكيد سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، وخلق مصادر تهديدات جديدة للأمن القومي الروسي والإيراني جزءا من رؤية طهران وموسكو لمكانتها الدولية والإقليمية وأهمية دورهما في استعادة التوزان للقوى الدولية والإقليمية والعمل معا على إعادة بناء التعددية القطبية، وتحديد الملامح المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط. بقدر ما كانت هذه العوامل تمثل دافعا لعقد اتفاقية التعاون الاستراتيجي بينهما.
خاصة أن روسيا رغب في وضع حل جذري لمعادلات القوة والأمن بنطاق حدودها الجنوبية، حيث دول آسيا الوسطى والقوقاز، وبمنطقة غرب آسيا حيث إيران وسوريا، والمصالح الأمريكية أيضا بمنطقة الخليج. بينما تتطلع إيران لعزيز قوتها الجيوسياسية من منظور القدرات الشاملة وزيادة وزنها النسبي على نحو يدعم قوة محور المقاومة ويحفظ لها عمقها الاستراتيجي الذي حققته بمنطقة الشرق الأوسط، ويعزز قدرتها على مناوئة خصومها ويدفع القوى الإقليمية الأخرى المنافسة للتقارب معها. ناهيك عن تعزيز موقفها أمام الولايات المتحدة الأمريكية وفي المفاوضات حول برنامجها النووي والصاروخي.
لا سيما أن البلدان أظهرا نواياهما الاستراتيجية للتعاون المشترك لتشكيل أنماط القوة داخل دوائر اهتمامها ومصالحهما المشتركة، بدليل أن تعاونهما الوثيق في الصراع الدائر بأوكرانيا، بلغ درجة عبرت عنها التصريحات الرسمية الأميركية بقولها إن انخراط إيران في حرب الروسية الأوكرانية يشكل تهديداً خطيراً وفورياً للغاية للولايات المتحدة وحلفائها بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة إسرائيل. كما أكدت أن «إيران لم تعد تشكل تهديدا في الشرق الأوسط فحسب، بل إنها تهديد عالمي» فقد أظهر تدخلها في أزمة غير إقليمية أنها مستعدة وقادرة على العمل خارج مجالها، وإذا قامت روسيا بنقل هذه الأزمة إلى عمق أوروبا، فمن المحتمل أن تدعم إيران هذا الشأن. وأنه «إذا زاد الضغط على الصناعات الدفاعية الروسية، فمن المحتمل أن تضطر روسيا إلى تزويد إيران بتكنولوجيا حساسة من أجل استخدام القدرات الصناعية الإيرانية».
وبالتالي فإن حصول إيران، بموجب اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة، على التكنولوجيا الروسية إلى جانب المعدات والأسلحة الحديثة، واستخدام مسيراتها الانتحارية في شن هجمات ناجحة ضد دولة تستخدم أنظمة المراقبة التابعة لحلف شمال الأطلسي، ومساعدة روسيا في تصنيع هذه المسيرات سوف يفتح المجال أمام إيران مستقبلا لزيادة صادراتها التسليحية. على الرغم من أن هذا النوع من التعاون بين موسك وطهران أضر بعلاقات طهران الأوروبية وأعطى خصومها فرصة لتحليل طائراتها ومنع توريد الأجزاء التي تحتاجها في صناعتها أو في تطوير صناعاتها العسكرية الأخرة.
ثالثا: أسباب التلكؤ:
يظهر الجانب الإيراني بعضا من أسباب تلكؤ البلدين في إتمام هذه الاتفاقية، على الرغم مما يذكره الإيرانيون، بأنهم عملوا عليها بشكل مستمر، منذ طرحها وحتى يوم 23 مايو 2024م، ووافقت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي على تفاصيل البنود المتعلقة بأمن المعلومات الواردة بمشروع الاتفاقية، ووافق عليها أعضاء المجلس أيضا، بتاريخ 19 ديسمبر الماضي بأغلبية 180 صوتًا. ومع هذا يبدو أن هناك أسبابا لهذا التلكؤ معلنة وأخرى ضمنية مضمرة، خاصة في ظل انعدام الثقة التاريخي المتبادل بين البلدين والمنافسة الاقتصادية وتقاطع مصالحهما السياسية في كثير من الأحيان، التي كانت تحول دون رفع علاقاتهما إلى مستوى استراتيجي:
1) أسباب معلنة
 أن صيغة النص النهائي للاتفاقية لا تزال قيد التفاوض بين الجانبين، خاصة أن محتوياتها مصاغة بطريقة تواجه مشاكل في التنفيذ ولا تلبي عمليا المتوقع منها، ولذلك لم تكتمل خطوات التفاوض النهائية والتوقيع
 تفضيل موسكو تأجيل توقيع الاتفاقية لحين استلام الرئيس المنتخب مهام منصبه وتشكيل حكومته.
 تفضيل بعض الأجهزة الإيرانية صيغة الاتفاقية، التي سبق التوقيع عليها مع روسيا في عهد محمد خاتمي، خاصة أنها قابلة للتمديد. ولكن نزولا على رغبة روسيا جرى طرح الاتفاقية الجديدة. ولعل هذا ما يجعل الإيرانيين يتوخون أقصى درجات الحذر والدقة في صياغة مثل هذه الاتفاقية، التي يرغب فيها الجانب الروسي، خاصة أن إيران ملتزمة باتفاقيات تعاون أمني واستخباراتي مع دول أخرى. وبما أن الاتفاقيات الاستراتيجية الشاملة تحتوي على بنود سرية، فلابد أن توافق عليه الجهات المعنية والقيادات العليا قبل التوقيع عليها. وبالتالي فإن الدقة في صياغة نصها وكيفية تنفيذ ما يرد فيها أمر في غاية الأهمية.
 أن الاتفاقيات الاستراتيجية الشاملة التي تبرمها إيران مع أي دولة أخرى تستوجب موافقة مجلس الشورى الإسلامي عليها، ويجب أن يكون النواب على علم بمضمونها، وهذه القضايا المهمة لا يمكن طرحها إلا في صورة ملف أمني بالغ السرية ( )
2) أسباب ضمنية:
 لا يزال الرأي العام الإيراني كارها لروسيا، ويرى أنها عدوا احتل أجزاء من أراضيهم، عبر حروب ومعاهدات ظالمة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وسعت لاحتلال أجزاء أخرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحاولت احتلال أفغانستان وساندوا العراق في حربه مع إيران، وأنها تستخدم إيران كبيدق في تعاملاتهم مع الولايات المتحدة.
 استياء موسكو من طموحات إيران العسكرية والنووية، ومن مساعيها لبيع الغاز لأوروبا، وإنشاء شبكة لوجستية بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى وتطوير مشاريع الطاقة بمنطقة قزوين، على الرغم من تشديد العزلة والعقوبات
 تشعر طهران بخيبة الأمل من روسيا في كثير من الأحيان بسبب تغاضيها عن الغارات الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية بسوريا، على الرغم من تطابق موقفهما الداعم لنظام الرئيس بشار.
 ضغط موسكو على إيران بشأن برنامجها النووي، بل أضرت بمصالحها الاقتصادية، عبر موافقتها على العقوبات التي فرضها مجلس الأمن؛ بهدف تحقيق مصالحها الخاصة والسيطرة على أسواق النفط بالاتفاق مع السعودية ودول أخرى بأوبك.
 دفع روسيا المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي إلى طريق مسدود، بعد أن كادت تتوصل إيران لاتفاق مع الدول الغربية بشأن رفع العقوبات.
 زيادة المنافسة في أسواق الطاقة العالمية؛ بسبب زيادة حصة صادرات النفط الروسية لآسيا، بما فيها أسواق إيران التقليدية
 تضمر روسيا تحفظات على تنفيذ إيران لمشاريع الطاقة والبنية التحتية للنقل؛ لأنها تزيد من قدراتها التنافسية في سوق الهيدروكربونات العالمية، خاصة بعد رفع العقوبات المحتمل عن إيران
 لا تزال النظرة الروسية إيران غير استراتيجية، بقدر ما تتطلع إلى أن تظل قوة إقليمية كبيرة، نظرا لأن روسيا لا تقبل بوجود قوة عسكرية وفضائية ونووية مؤدلجة على حدودها
رابعا: التوقيع المرجح:
أدى فوز بزشكيان إلى تغيير طبيعة السلطة التنفيذية، ومن المرجح أن يتبنى بزشكيان تكتيكات مختلفة لرفع العقوبات الدولية ومجابهة التحديات الاقتصادية التي تواجه بلاده. على الرغم من سيطرة الأصوليين على كل مؤسسات الدولة وأجهزتها، يرجحون أن تظل سياسة إيران الخارجية سياساتها في سوريا والعراق واليمن على حالها دون تغيير، مع مواصلة مساعيها لتخفيف التوترات الإقليمية تجنبا لمزيد من العزلة، من ناحية. والتشدد بشأن المفاوضات النووية المواجهة مع الغرب، والعداء لإسرائيل من ناحية أخرى.
ومن ثم بدأت آراء بعض الخبراء الإيرانيين تظهر في هذا الشأن عقب فوز بزشكيان، مفادها، ما يلي:
 أنه من الخطأ أن تعتقد إيران أن استمرار العداء تجاه الولايات المتحدة والغرب، يمكن أن يحقق لها علاقات استراتيجية مع القوى الآسيوية. قياسا على سياسة الرئيس الراحل رئيسي التي أدت إلى ضم إيران لعضوية منظمة شنغهاي وتجمع البريكس. خاصة أن سياسة الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي كانت ناجحة في تبنى التوازن الإيجابي في علاقات إيران الخارجية، ومن ثم وقع عام 2001م، مع نظيره الروسي بوتين اتفاقية العلاقات والتعاون مع روسيا مدتها 20 عاماً، في نفس الوقت الذي كان يسعى فيه لتحسين علاقات إيران مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
 أنه لم يعد منطقيا أن يظل حل الأزمة الاقتصادية وتحقق التنمية المنشودة بإيران رهنا برفع العقوبات عنها. وعليها ألا تتحسب من تعرضها لعقوبات أخرى حال توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع موسكو؛ لأن تركيا، وهي عضو بحلف شمال الأطلسي، باعت مسيرات لأوكرانيا، في نفس الوقت الذي تبنت فيه بواقعية علاقات استراتيجية مع روسيا مربحة للجانبين وتعود بفوائد كبيرة على مصالحهما الوطنية. كذلك الأمر بالنسبة لدولة الإمارات، التي صرح بوتين ولافروف أنها الشريك الرئيسي لورسيا بمنطقة الشرق الأوسط. في نفس الوقت الذي تعد حليفا تقليديًا للولايات المتحدة. بدليل «قاعدة الظفرة الجوية» وذلك لسبب بسيط هو أن الإماراتيين يستفيدون من علاقاتهم الجيدة مع الغرب لزيادة قوتهم التفاوضية أمام روسيا، والعكس صحيح. كما أن الإمارات غير خاضعة للعقوبات وتمتلك اقتصاد ديناميكي يشكل نافذة مناسبة لروسيا، في ظل العقوبات التي تعرضت لها، حتى بلغ حجم تبادلاتهما التجارية 10 مليارات دولار سنوياً.
وبناء عليه، أوصى هؤلاء الخبراء بزشكيان بالإسراع في إبرام هذه الاتفاقية، واضعا في اعتباره ما يلي:
أولا: أن الاستقطاب الجديد في النظام الدولي بعد أزمة أوكرانيا يتيح لإيران فرصة مواتية لتبني سياسة التوازن الإيجابي؛ خاصة أن روسيا والصين تسعيان لتغيير ميزان القوى لصالحهما عبر اتفاقات إقليمية. وهذا أدعى لإيران أن تنتهج هذا النوع من التوازن مرة أخرى، ومواصلة مسار خفض التوتر مع جيرانها، كما فعلت في طاجيكستان على نحو أدى إلى إزالة أحد أهم المعوقات أمام عضويتها بمنظمة شنغهاي
ثانياً: أن دبلوماسية تخفيف التوتر مع الغرب ترتكز على السيطرة على برنامج إيران النووي، لبناء ثقة الجهات الدولية، وتحسين موقف جيرانها، بما فيها السعودية والإمارات، بوصفهما الشريكتين الرئيسيين لروسيا وخيارها المفضل بمنطقة الشرق الأوسط، ولذلك، يمكن لإيران أن تسعى إلى علاقات بناءة واستراتيجية مع روسيا من خلال نافذة تخفيف التوترات مع الغرب ورفع العقوبات .
وبناء عليه، من المرجح أن توقع روسيا اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة مع إيران بنهاية العام الجاري 2024م، على غرار اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة التي وقعتها مع وكوريا الشمالية، في 19 يونيو 2024م والتي شملت جوانب أمنية وعسكرية وسياسية، وتهدف لتعزيز علاقات البلدين. ( )
ولعل التشابه بين وضع كوريا الشمالية وإيران، سواء من المنظور الأمريكي أو المنظور الروسي، قد يسقط المخاوف التي أثارها توقيع روسيا وبيونج يانج على التوقيع المحتمل لاتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة بين موسكو وطهران. خاصة أن الدول الثلاث تتعرض لعقوبات أمريكية وضغوط أوربية. وأنه مثلما نمت العلاقات الكورية الروسية، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022م، فإنها نمت أيضا بين إيران وروسيا بذات القدر. وأن هذه الاتفاقية سوف تساعد إيران وروسيا على مواجهة الضغوط الغربية والعقوبات الأمريكية غير أن الأمر مختلف نوعا ما بين كوريا الشمالية، التي أجرت تجارب نووية شكلت تهديدا لأمن مناطق جنوب شرق الحدود الروسية المتاخمة لكوريا الشمالية، حتى أن روسيا أيدت إصدار قرار لمجلس الأمن الأمن الدولي لإحياء المحادثات الدولية بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي. كما أيدت روسيا والصين العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية في 15 يونيو 2009م ( )
خامسا: التأثيرات المحتملة:
1) من المحتمل أن يتشابه مضمون اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة بين روسيا وإيران مع محتوى اتفاقية برنامج التعاون الشامل التي وقعها إيران مع الصين في 27 مارس 2021م في إطار استراتيجية الاتجاه شرقا. ( )
2) من المحتمل أن يؤدي التعاون العسكري بين روسيا وإيران، وتزويدها بمقاتلات سوخوي 35، بصواريخ من طراز اس 330 وأس 400، أن يثير قلق القوى الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة إضافة إلى قلق الدول الأوربية، يجعل الولايات المتحدة والقوى الأوربية تفرض رقابة مشددة على تجارة المعدات ذات الاستخدام المزدوج، لمنع وصولها إلى إيران وموسكو.
3) من المرجح أن يؤدي تعزيز التعاون العسكري بين روسيا وإيران، بموجب هذه الاتفاقية المزمع توقيعها بين البلدين، تغيير توازن القوى الإقليمية لصالح إيران، على نحو يزيد من قدرتها على زيادة الدعم المقدم إلى مرتكزات محور المقاومة في كل من العراق لبنان واليمن، وربما التأثير على نظام طالبان بأفغانستان. ويتيح لها هامشا مناسبا للمساهمة في إنشاء نظام أمني آسيوي جماعي
4) من المحتمل أن يتوصل البلدان لتفاهمات بشأن الوضع بسوريا، بعد تفاقم الخلافات بينهما حول أساليب حل الأزمة السورية والأهداف النهائية والمهام التكتيكية. خاصة أن الوجود العسكري الإيراني أصبح متعارضا مع خطط روسيا لإنهاء الصراع العسكري والعمل على سحب القوات الأجنبية منها.
5) من المحتمل أن تتعاون روسيا وإيران للقيام بدور تكاملي بمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا على طول البحر الأحمر، بوصفها البيئة المواتية اليوم لتوسيع نفوذهما الجيوسياسي ومجابهة خصومهما، عبر التأثير على ديناميات التنافس الدولي والإقليمي والصراعات المحلية، بما يحقق لهما المصالح والأهداف. وفي هذا يمكن أن يستعينا، في نجاح ضوء تجاربهما، بالمرتزقة والهياكل القتالية العابرة للحدود التابعة لهما مثل قوات فاجنر وزينبيون وفاطميون والحشد الشعبي وخبراء حزب الله. وربما تكون السودان هي نقطة البدء التنسيق والتعاون بين البلدين.
6) من المرجح أن تتضاعف حركة التجارة البينية بين إيران وروسيا وتحقق تطلعات إيران بالوصول إلى 10 مليار دولار، إلى جانب الاستثمارات المشتركة في مجال الطاقة، وتطوير البنية التحتية الإيرانية على نحو يخفف من وطأة أزمتها الاقتصادية. إذ يمكن أن تصبح إيران جسرًا لحركة التجارة العابرة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق. وهنا يمكن الترويج لممر الشمال الجنوب بوصفه أحد أقصر وأرخص الطرق بين أوروبا وشرق آسيا، وعلى اعتبار أنه البديل المناسب لطرق النقل الطويلة.
7) من المحتمل أن تتضمن الاتفاقية بنودا تتعلق بتعامل البلدين بالعملة الوطنية (الريال والروبل) وفتح آفاق جديدة للتعاون الأوسع بينهما في إطار تجمع البريكس ومنظمة شنغهاي والاتحاد الأوراسي.
8) من المحتمل أن تؤدي اتفاقية التعاون مع روسيا، بوصفها جزء من استراتيجية إيران للاتجاه شرقا، إلى تحقيق التوازن المطلوب مع الغرب في التفكير الاستراتيجي الإيراني. لكن من المحتمل أن تسوق له بأنه ليس بوصفه أداة مضادة أو عملا موجهة للمصالح لغربية؛ استنادا إلى التفكير التصادمي المتوارث عن الحرب الباردة الذي لم يخدم مصالح إيران مطلقا، خاصة في عالم تسوده المنافسة والتعاون في آن واحد. وإنما سوف تروج له بوصفه إحدى ديناميات تشكيل أنماط القوة الإقليمية، والتعامل مع العقوبات المفوضة عليها
9) من المحتمل أن تخلق هذه الاتفاقية أمام مصر فرصا وتحديات في آن واحد، تتطلب منها الخطيط الاستراتيجي لحماية التوازان الإقليمي وإعادة النظر في علاقاتها الإقليمية على نحو يؤسس لعلاقات قوية مع تركيا وإيران، يساعد في حل الأزمات المشتعلة بدوائر الأمن القومي المصري في ليبيا والسودان وغزة، إلى جانب تحييد التهديدات الحوثية للملاحة بالحر الأحمر ودخل قناة السويس.
10) من المحتمل أن تتبنى إيران، في عهد بزشيكان، استراتيجية سياسية أكثر مرونة، وتواصل مساعي التقارب مع دول الجوار لتقليص التكاليف التي تتكبدها لحماية أمنها القومي، ولكن هذا لا يعني أن تتخلى عن أهدافها الأيديولوجية على الإطلاق.